| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. أكرم هواس

 

 

 

 

                                                                                    الجمعة 14/9/ 2012

 

استراتيجية الاستفزاز و قياس رد الفعل

د. اكرم هواس  *

و يموج العالم الاسلامي من جديد٠٠٠ لا لشيء سوى انه تم استفزاز المسلمين مرة اخرى في قضية هي في الواقع لا تقدم و لا تؤخر شيئا في علاقة المسلم الجذرية بدينه و مبادئه و قيمه الاخلاقية٠٠٠ ما يستند اليه هذا الاستفزاز من قيمة فاعلة هو المستوى العالي جداً من استعداد المسلمين السيكولوجي للاستفزاز خاصة من قبل الغرب٠٠٠ او بكلام اخر٠٠٠ عدم قدرة المسلمين خلافا لمبادئ الاسلام على احتواء العناصر و العوامل المتغيرة و التي تعمل على حث و تحفيز كوامن الاستفزاز...

اسباب فقدان المسلمين القدرة على احتواء المتغيرات كثيرة لكن اهمها تتعلق بتاريخ التراجع الهائل في العلاقة مع الغرب٠٠٠ و بشكل ما فان اللحظة التاريخية لانتصار الغرب على المد الاسلامي في اسبانيا و ما تلاها من استعمار مباشر للعالم الاسلامي قد شكلت أيضاً نقطة تحول كبيرة و مهمة في استراتيجية الغرب فيما يتعلق بالحرب النفسية مع المسلمين٠٠٠

و لكن قبل ان نتحدث عن هذه الاستراتيجية و نقطة التحول فيها لابد من عرض بعض الملاحظات التي يمكن ان تساعدنا في فهم الأسس التاريخية لهذه الاستراتيجية٠٠٠

اولا٠٠٠ فيما يتعلق بالإسلام و علاقة النبي محمد به فلابد من التذكر ان النبي تعرض للكثير من الإهانات المباشرة في مكة و الطائف و غيرها و لم يقبل النبي باي حال من الأحوال رد هذه الإهانات بل بدلا من ذلك كان يدعو ربه ان يهدي هؤلاء الى دين الحق٠٠٠ و قد أثبتت الاحداث ان هذا النمط من السلوك قد أتى اكله و أدى بالكثيرين الى الانتماء الى الاسلام٠٠٠

ثانيا٠٠٠ ان النبي كان ينادى من قبل أصحابه و أعدائه على حد سواء باسمه الشخصي اي محمد و لم يعترض على ذلك بل ربما كان يشجع ذلك للفصل بين شخص الرسول و الاسلام كدين و ثقافة عامة٠٠٠

ثالثا٠٠٠٠ ان اتباع الديانات الاخرى و اصحاب المصالح قد أنتجوا الكثير من الأفكار و الشائعات التي تؤسس على فرضية كذب و تلفيق الاسلام كدين٠٠٠ هذه الفكرة الأولية تطورت فيما بعد لتؤسس استراتيجية بعض المؤسسات الدينية اليهودية و المسيحية خاصة في الغرب الذي كان يتعرض للفتح الاسلامي٠٠٠ الهدف الواضح من هذه الاستراتيجية كان تحصين الذات ضد أفكار الاسلام التي كانت تنتشر بسرعة بين الناس٠٠٠

اي ان الاستراتيجية الاولى قبل التحول كانت هي استراتيجية معاكسة للمد الاسلامي الثقافي و السياسي و كانت تستهدف إلحفاظ على روحية المؤمنين بتلك الديانات و منعهم من الانفتاح على الاسلام و الانخراط فيه٠٠٠ اي ان الاستراتيجية كانت ترتكز على ترسيخ الحاجز النفسي بين الايمان بتلك الديانات و امكانية الانزلاق الى التغيير باتجاه الاسلام٠٠٠

اهم عناصر هذه الاستراتيجية كانت من جهة الفصل بين مفهوم الدين التاريخي لدي اتباع اليهودية و المسيحية و الواقع الاجتماعي الثقافي للعرب و من جهة اخرى شخصنة الاسلام اي التركيز على شخصية النبي محمد و بيبلوغرافية تطوره الشخصي اي ولادته تربيته٠٠ حيث كان يطلق على المسلمين صفة المحمديين٠٠٠ و هذا ما كان يستهدف نقل مفهوم الاسلام من منظومة أخلاقية الى قضية قبلية و سياسية منفعية٠٠٠ هذه التسمية رفضها المسلمون بقوة على ان اساس٠٠٠ من كان يعبد محمدا فأن محمدا قد مات٠٠٠

لكن أي تقييم واقعي و موضوعي سيتفهم هذا الامر كونه كان يعبر عن الحق الطبيعي للمؤمنين او منضوين داخل منظومة اجتماعية للدفاع عن الذات و حماية المؤسسات القائمة رغم ان ذلك أدى الى انتاج الآلاف او مئات الآلاف من الكتب و المقالات و غيرها من وسائل الترغيب و الترهيب التي كانت موجهة الى اليهود و المسيحيين لمنعهم من تغيير أفكارهم بشكل يؤدي الى انهيار تلك المنظومات و المؤسسات اليهودية و المسيحية٠٠٠

كل هذا الكم الهائل من الأدبيات و الأفكار و الرؤى لم تزعج المسلمين رغم انها كانت دوما تصفهم بالقتلة و المجرمين و المغتصبين و اللصوص٠٠٠ الخ من اسوأ الصفات لان الاسلام كان متواصلا في تقدمه و انتصاراته سياسيا و اقتصاديا كما الحال في الشأن الاجتماعي الثقافي و الديني٠٠٠

لكن نقطة التحول حدثت عندما تراجع انتصار المسلمين و تحول الى هزائم٠٠٠ هنا تحولت الاستراتيجية الدفاعية الى استراتيجية هجومية بحيث ان محتوى هذه الأدبيات و أفكار الشيطنة اصبحت موجهة الى المسلمين بهدف أضعاف الروح المعنوية و خلق شروخ في التزامهم الأخلاقي و بالتالي ارتباطهم بالمنظومة الأخلاقية التي يؤمنون بها٠٠٠٠ و لا شك ان هذه الاستراتيجية الجديدة قد نجحت كثيرا خاصة انها لم تعد تخص المؤسسات التقليدية و المجموعات الدينية و انما تبنتها الدولة و مؤسساتها المختلفة و المصالح الاقتصادية و لو بشكل غير رسمي٠٠٠ و لعل سهولة و سرعة الاستعمار تؤشر بشكل واضح النجاح منقطع النظير لهذه الاستراتيجية٠٠٠

الان و في هذه الحقبة الزمنية٠٠٠ الغرب هو عالم مفتوح و القوانين تحمي بشكل واضح كل المبادرات الفردية و الجماعية و منها حرية التعبير و التفكير و النقد ٠٠٠٠ النظام الديمقراطي يوفر الحرية للجميع٠٠٠ و هذه الحماية القانونية يستخدمها الكثير من اصحاب المصالح لوضع و تمرير رؤاها و استراتيجياتها دون ان تستطيع الدولة ان تكبحها او ان تضع حد لها٠٠٠ الأمثلة كثيرة لكن فيما يتعلق بالدين فهناك آلاف الدراسات التي تنفي الوجود الحقيقي للسيد المسيح كما ان هناك آلاف الكتب و المقالات و الأفلام التي تسخر من السيد المسيح و من السيدة مريم و تجعل منهما رموزا جنسية فاضحة دون ان يتدخل احد لمنعها او حتى الاعتراض عليها٠٠٠٠

من جانبها تقوم الدولة نفسها باستخدام هذا الفضاء الواسع للحرية في تمرير بعض الإجراءات دون ان تخترق القوانين بشكل فاضح سواء كان يتعلق ذلك بسياسات داخلية او خارجية٠٠٠ و في هذا الصدد فان اللجوء الى الأساليب الاستفزازية هي واحدة من المجالات التي قد تجتمع عليها مصالح بعض القوى الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية مع بعض مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الاستراتيجية٠٠٠

هنا٠٠٠ اعتقد ان قياس مدى توسع و تجذر الأفكار و الثقافة الديمقراطية من ناحية و من ناحية ثانية العلاقة بين الدولة و الثورة في المجتمعات المسلمة التي شهدت الربيع العربي مؤخراً ٠٠٠ قد يكون واحدا من اهم اهتمامات مراكز الدراسات الاستراتيجية و كذلك المصالح الاقتصادية و مصالح المجموعات الدينية في الدول الغربية٠٠٠ دعنا نتذكر ملاحظتين مهمتين٠٠٠

أولا٠٠٠ ان موجة الاعتراضات الجديدة بدأت في المجتمعات التي شهدت تغييرات سياسية بفعل الثورات العربية و هي مصر و ليبيا و اليمن٠٠٠٠ بينما ان اولى موجات الاعتراض على الرسوم الدانماركية بدأت أيضاً من مصر و حينها اتهمت وسائل الاعلام الدانماركية سفيرة مصر في ذلك الحين في الدانمارك و التي لم تكن من الإسلاميين المتشددين بأفتعال الازمة٠٠٠ اي ان رؤية السفيرة التقت مع رؤية الإسلاميين المتشددين الذين قادوا حملة الاعتراضات٠٠٠ بكلام اخر٠٠٠ ان الدولة المصرية التي كانت تحارب الإسلاميين التقت معهم في رد الفعل تجاه الاستفزاز٠٠٠

ثانيا٠٠٠ في الأشهر الاخيرة جرت في الباكستان التي يخاف الامريكيون من احتمال وقوع اسلحتها النووية بيد الاسلاميين و افغانستان التي يستعد الامريكيون اعادة تسليمها الى قوات طالبان ٠٠٠ جرت احداث قد تدخل في اطار الاستفزاز و رد الفعل٠٠٠ فقد قتلت الطائرات غير المأهولة الامريكية الكثير من المواطنين ٠٠٠ بالمناسبة جرى ذلك أيضاً الى حد ما في اليمن٠٠٠ اما في افغانستان فقد جرى إحراق نسخ من القران و رميها في دورات المياه٠٠٠ و قد اعترف الأمريكيون بذلك كما اعترفوا بقتلهم لمواطنين ابرياء٠٠٠ اعتقد ان الهدف كان أيضاً قياس مدى رد الفعل و مدى سيطرة القوى الحاكمة....

اخيرا٠٠٠٠ كيف ستنتهي هذه الازمة بل ما مدى امكانية توسعها على المستقبل القريب و البعيد غير معروف٠٠٠ لكن الدول الغربية و خاصة الولايات المتحدة ستستفاد من دروسها٠٠٠ اما تركيز الحديث عن استراتيجية الاستفزاز و قياس رد الفعل في هذه المقالة فلا يهدف باي حال من الأحوال لاختزال احداث كبيرة بهذا الحجم٠٠٠ و لكنه محاولة لتسليط الضوء على زاوية واحدة من زوايا المشهد المتعددة...

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

free web counter