| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الأربعاء 7 /12/ 2005

 

 

 

الانتخابات والعدوان على المرشحين العلمانيين

 

عزيز الحاج

بعد اغتيال كادرين شيوعيين في مدينة الثورة وهما يعلقان بيانات القائمة العراقية ودون أي تحرك من السلطات المسئولة، يأتي الاعتداء على الدكتور علاوي في النجف. ومع هذا وذاك كثرة حوادث تمزيق البيانات الدعاية الانتخابية في أكثر من مكان في بغداد والجنوب، وبعض حالات الاغتيال.
إن هذه الممارسات تدل على مدى حقد المنفذين وموجهيهم على كل برنامج علماني مدني، كما هي دلالة جديدة على استماتة أطراف معلومة في السلطة لمواصلة فرض هيمنتها الطائفية من خلال العملية الانتخابية ولكن بممارسة تصرفات مدانة وأشكال متعددة من التدخل والضغوط، وخصوصا باسم المذهب والدين، اللذين استعملا بكثافة في الانتخابات ويستعملان اليوم أيضا بتكتيكات جديدة، كالإعلان يوما عن تعليمات شفهية صدرت عن المرجعية الشيعية لدعم القوائم الدينية ثم تكذيب ذلك بعد أسبوع وبعد أن تكون "الرسالة" قد وصلت لعامة الناس!
وبخصوص الاعتداء على د. علاوي، فأيا كانت التحفظات على شخصه وأداء حكومته، فهو رغم كل شئ وطني علماني مجرب ترك البعث منذ حوالي ثلاثين عاما، وهو يعلن اليوم مرارا بأن حزب البعث انتهى كفكر وتنظيم.
لا أكتم أنه كانت لي ملاحظات انتقادية وفي قضايا هامة لحكومة الدكتور إياد علاوي، لاسيما لأداء بعض الوزارات الهامة، وما تأكد من وجود اختراق معاد في بعض الأجهزة الخاصة. ومع أن انتقاداته المتكررة للتدخل الإيراني هي في محلها وضرورية، ولكنني مندهش لصمت الدكتور عن التدخل السوري الفاضح، وتدفق الإرهابيين من داخل سوريا والدعم الذي يقدمه النظام السوري لمن بقوا من القيادات البعثية الصدامية ومنهم من يتحركون ضد شعبنا من داخل الحدود السورية وهو ما أكدته معلومات كثيرة. كما انتقدت الحملة الإعلامية والتصريحات النارية ضد الدكتور الجلبي في عهده وتوجيه اتهامات خطيرة له دون تحقيق وحكم قضائيين. وهذا السلاح نفسه ارتد بعد الانتخابات الماضية ضد الدكتور إياد نفسه، حيث تراكمت الحملات الإعلامية والإشاعات المغرضة ضده من جانب أطراف معلومة في الحكم. وتصاعدت الحملات مع اقتراب الانتخابات القادمة خوفا من أن تحصل القائمة العراقية على نسبة عالية من الأصوات.
لقد أكد الدكتور الجلبي كنائب لرئيس الوزراء إدانة كل اعتداء يقع على أي سياسي أو مرشح. أما تفسيره لعدوان ستين من أصحاب الدشاديش السود على د. علاوي في النجف، فهو غير مقنع. إنه يقول إن هؤلاء مجرد جماعة من الأهالي جاءوا محتجين على قصف مدينتهم زمن حكومة علاوي! ولنقرأ أيضا تعليقات عدد من العراقيين على مقال الأستاذ الربعي حول الاعتداء في عدد الشرق الأوسط بتاريخ 6 ديسمبر 2005. يقول معلق بتوقيع عدنان العزي
إن الناس جاءوا ضد الدكتور علاوي لأنه "تجرأ وضرب المرقد الشريف، وحاصر مدينة النجف. لذلك طبيعي أن يستقبله الناس ب [... كلام بذئ ] والحجارة."
والآن فلنسأل أي تزييف هذا لوقائع تاريخ قريب جدا لما قبل عام؟؟ من اعتدى على النجف والمرقد الحيدري غير عصابات المهدي؟؟ وهل ننسى أن عددا كبيرا من أهالي النجف تظاهروا في حينه ضدهم؟ من دنس المراقد المقدسة باستخدامها للقتال المسلح تماما كما فعل صدام خلال الحرب حين حول المساجد والمستشفيات والمدارس لمواقع عسكرية وخزن السلاح؟ من تسبب في أكثر من 1500 ضحية في تلك الفتنة الدموية الغاشمة في النجف؟
سأعيد هنا التذكير بتصريحات لرجال الدين الشيعة أنفسهم. لقد قال "حجة الإسلام الشيرازي" رجل الدين الإيراني المعتدل بعد عودته من مدينة النجف الأشرف:
" إن المئات من [ فدائيي صدام] والمجرمين الذين أطلق صدام سراحهم قبل سقوطه انضموا إلى ما يسمى ب"جيش المهدي"، وهم الذين ضربوا قبة ضريح الإمام علي بقذائف أر.بي. جي.. " وقال الشيرازي إنكتابه عن الأشهر التي قضاها في النجف، يتضمن أن مصطفى اليعقوبي أحد صانعي مقتدى الصدر اعترف عقب اعتقاله من قبل قوات التحالف بدوره في قتل السيد حيدر الرفاعي الكليدار، [ الشرق الأوسط في 21 أيار 2004 ]. ونعرف أن هناك مذكرة اعتقال قضائية ضد الصدر منذ أكثر من عامين ونصف ولكن بلا أية متابعة بل على العكس مكافأته بوزارات و30 مقعدا في الجمعية الوطنية!
هناك شهادة أكثر أهمية صادرة عن المرجعية نفسها في رسالتها الجوابية ردا على رسالة حسن نصر الله، الذي مجد مقتدى الصدر وطالب بدعمه. تقول الرسالة المنشورة نصا في إيلاف بتاريخ 22 أيار ـ مايو ـ إن جماعة الصدر:
"هم أول من انتهك حرمة الصحن الحيدري في النجف في العام الماضي [ أي 2003 ] فأطلقوا النار داخله على السيد مجيد الخوئي فقتلوا السيد الياسري داخله وأصابوا السيد مجيد ثم قتلوا السيد حيدر الكليدار بعد ذلك وهم هم انفسهم الذين أشعلوا فتيل معركة دامية راح ضحيتها جمع من المؤمنين من أجل السيطرة على حرم الإمام الحسين بكربلاء. وجاء أيضا في الرسالة:
"إن جماعة السيد مقتدى يقومون بعمليات ترويع عامة واعتقالات للمواطنين ليس فقط لمن أسموهم بالمتعاونين مع الاحتلال، موظفين مدنيين وشرطة وأصحاب محلات يبيعون المواد الغذائية للمواطنين وغيرهم، بل وكذلك من طلاب العلوم الدينية المخالفين لهم .."
يضاف لذلك محاكمهم "الشرعية" في النجف وممارسات التعذيب والشهود الكاذبة والعقوبات الجسدية وحتى حالات إعدام.
هكذا كانت عليه النجف في العام الماضي، مما اضطر القوات الحكومية والقوات الأمريكية زمن حكومة د. علاوي لحملة تأديب حازمة كادت تستأصل جذور الفتنة وتسيطر على أسلحة جيش المهدي لولا نجدة "البيت الشيعي" عن طريق مبادرة المرجعية، وعقد هدنة حقنت الدماء مؤقتا في المدينة ليخرج المسلحون الملطخة أيديهم بالدم بكامل سلاحهم ليعيدوا الفتن وممارسات القتل والعدوان في مدن أخرى، وخصوصا في البصرة والجنوب، وذلك جنبا لجنب مع مليشيات أخرى تنتمي جميعا اليوم للتنظيمات السياسية في القائمة الائتلافية. والصدر، كما وصف الدكتور عبد الخالق حسين، "رجل مسير لا مخير"، أي تسيره الأجهزة الإيرانية. ونود التذكير أيضا بأنه قبل تلك الفترة قامت القوات العراقية والأمريكية بحملة عسكرية قوية ضد أوكار الإرهاب الصدامي والزرقاوي في الفلوجة [ وهي سنية لا شيعية كالنجف!!]، واستطاعت تلك القوات دحر عصابات الجريمة من الإرهابيين القتلة. وفي حينه وجه السيد الجعفري نداء للحكومة العراقية يحتج فيه على قصف الفلوجة بحجة أنه يؤذي السكان!!
في هذه الأوضاع القاتمة، ما بين نار الإجرام الصدامي الزرقاوي والتفجيرات ضد الحسينيات والمساجد وعمليات التفجير ضد الآمنين ومن الشيعة خاصة، وما بين انفلات المليشيات العابثة بالأمن أمام أنظار السلطة كلها، وحيث التدخل الإيراني والمناورات والمساعي المحمومة لإقامة نظام إسلامي طائفي، فإننا نتمنى لو اتفقت القوائم الانتخابية العلمانية في جبهة انتخابية التصويت من أجل تعزيز وتقوية العناصر الديمقراطية واللبرالية وسائر العلمانيين في المجلس القادم والحكومة المنبثق عنها، ولتقوية فرص تعديل المواد الخطيرة في الدستور، خصوصا ما يخص حقوق المرأة والأحوال الشخصية وجعل كل التشريعات خاضعة لأحكام الشريعة.
إن ما تركه نظام البعث الصدامي من الخراب والدمار والضحايا لا يبرر أبدا أن تقوم المليشيات الدينية المنفلتة اليوم بممارسات مماثلة، من قتل المرشحين، وحملات الاغتيال في البصرة والجنوب، والعدوان على النساء السافرات وعلي المسيحيين والصابئة المندائيين، وعلى الجامعات ومحلات الحلاقة ومحلات بيع الخمور، ومنع الأطباء من علاج النساء، وممارسة التعذيب، وإرجاع عهد السجون السرية. إن هذه الممارسات الرامية للاستحواذ على جميع مقاليد السلطة والتي تحظى بدعم عسكري ومالي ودعائي معروف من النظام الإيراني، يجب أن تقف القوى الديمقراطية واللبرالية والشخصيات الدينية المعتدلة وسائر قوى المجتمع المدني، في وجهها وقفة جماعية حازمة وبلا مجاملات وأيا كان الممارسون ومن يوجهونهم. وكما قلنا مرارا، وكتاب آخرون منهم الدكتور كاظم حبيب، فإن هذا النداء موجه خاصة لأطراف الجبهة الكردستانية لكيلا تأخذهم النشوة لمجرد الاتفاق مرحليا على الفيدرالية الكردستانية. إن الأنظمة الإسلامية، والنظام الإيراني خاصة، تمارس تكتيك ضرب القوى واحدة بعد الأخرى، وهو نفس التكتيك الذي استخدمه صدام للاستحواذ الكامل على السلطة وإقامة دكتاتوريته الفردية الفاشية. وإذا كانت الأطراف السياسية المذهبية وميليشياتها لا تجرؤ اليوم على العدوان على شخصية كردية من قائمة الجبهة، فلكونها تعلم جيدا أن ثمن ذلك هو انهيار التحالف "الاستراتيجي" بين الجبهة الكردستانية والائتلافيين، وهو التحالف الذي استغلها هؤلاء أسوا استغلال لإضعاف قوى المجتمع المدني والتيارات العلمانية. وكما انتقل النظام الإيراني من ضرب اللبراليين واليساريين إلى العدوان على الشعب الكردي، فمثل هذه التجربة قد تتكرر في العراق إذا أعادت القوى الدينية المذهبية السيطرة على الجمعية الوطنية والحكومة القادمتين للقفز نحو نظام ولاية فقيه جديدة على أرض العراق.
وأخيرا فإن جميع القوى الوطنية السياسية يجب أن تدين بحزم تام، وبلا تلطيف أو تبرير، كل اعتداء على أية شخصية سياسية ومرشح انتخابي، ومهما كانت توجهاته وميوله السياسية.