| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

السبت 6/2/ 2010

 

مهازل عراقية و"صداميات" لا تنتهي!
(3-3)

عزيز الحاج

نعم، لا المهازل المأساوية تنتهي في عراق اليوم، ولا استنساخ الممارسات "الصدامية"، (أضع كلمة صدامية بين قويسين لأنها صدامية مستنسخة لا أصلية ولا شأن لي بمن لا يفهم أو لا يريد الفهم!!).
أعرف أن هذه المقالات الثلاث تثير من لا يتفقون معها، ما بين من يريد الحوار الهادئ، ومن لا يتقنون غير لغة التشهير واستحضار حكايات شخصية بائخة، فيها الكثير من الافتراء، وأمثال هؤلاء لا يستحقون الرد لكيلا نعطيهم قيمة ما لا يستحقونها. أما محبو النقاش الموضوعي، وعلى أساس الحقائق والحجة بالحجة، فهم أهل لكل احترام. وأعرف أن الجو المتلبد اليوم في العراق لا بد وأن ينعكس على من يكتبون، سواء من أراد الفهم، أو من جاء منحازا متشنجا وبين يديه أجوبة جاهزة ردا على كل من يخالف في الرأي، وربما لو كان مخالفه أمامه، لطعنه بقامة! وأضيف أنني ممن يقدرون الدور الأميركي في إسقاط صدام وكنت من قبل أهاجمهم باستمرار، مكررا أنه لولا تضحيات القوات الأميركية وحليفاتها، لما كان حكام اليوم في السلطة، ولظلوا مشردين بين هذه العاصمة وتلك، فلا انتخابات يصعدون على ظهرها للسلطة، ولا يحزنون. كما أكرر ما سبق أن شخصه كاتب عزيز من الأصدقاء عن العراق وبركان نكران الجميل، وذلك بمناسبة مهرجانات المالكي وإعلانه عيدا وطنيا بخروج القوات الأميركية من المدن، ورفضه الاحتفال بيوم سقوط صدام في 9 نيسان. فلماذا كان رفضه يا ترى؟! الوطنية ليست مزايدات، كما نرى رائجا اليوم في الساحة العراقية، وخروج القوات الأميركية تم تنفيذا لاتفاقية أمنية، ولم يكن طردا لقوات احتلال في معركة وطنية. وما أحسن ما كتب، في حينه، الصديق الكاتب الدكتور عبد الخالق حسين في مقاله بالمناسبة، إذ كتب: "يقول الفيلسوف الإسباني جورج سانتايانا: ) الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها.( وهناك مقولة أخرى مؤداها: ) إن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن عاد، فعلى صيغتين: في الأولى مأساة والثانية ملهاة.( كنا نأمل من السيد نوري المالكي وغيره من الساسة العراقيين الجدد بعد سقوط الفاشية البعثية أن يكونوا قد استوعبوا دروس الماضي واستخلصوا عبرا من أخطاء آبائهم وأجدادهم منذ تأسيس الدولة العراقية، ولكن يبدو أن القوم مصممون على تكرار الأخطاء بشكل مأساة وملهاة وتحميل هذا الشعب المزيد من الدماء والدموع." ونضيف: صحيح، إن بترايوس ليس وطنيا عراقيا، ولكنه وقواته قاتلوا البعث الصدامي وحلفاءهم الجدد من القاعدة والمليشيات الشيعية من أجل ضمان امن العراقيين، فهو حريص على إخراج قواته من العراق والبلد في وضع آمن ومستقر ليتم تنفيذ الخروج في الموعد الزمني المقرر، ومن ثم، فهو الأوعى بما تتطلب المصلحة من عملاء إيران وأدوات الجنرال سليماني، من أفراد ومن مليشيات، كعصائب أهل الحق ومليشيا لواء اليوم الموعود وغيرها، ومن كل سياسي عراقي يرى إيران وطنه الأول. وهل ننسى، مثلا، قول وزير التربية العراقية، أثناء بحث الاتفاقية الأمنية، حيث قال إنه، مادام خامنئي يرى الاتفاقية غير ضرورية، فإنها غير ضرورية؟؟

نعم، مأساة وملهاة.
نعود لنسأل: وماذا، وبعد كل ما مر، عن هذه المهازل المأساوية في الوضع العراقي الراهن؟
الحصيلة: فشل، ودماء الأبرياء، وتكديس الثروات، والهيمنة الإيرانية.
آخر مآسينا 41 قتيلا و161 جريحا في تفجير مجرمة انتحارية بمناسبة أربعينية الحسين، وكنا قد فقدنا، قبل ستة وثلاثين يوما، 32 قتيلا على الأقل و146 جريحا في عاشوراء. لم يتعلم قادة الأحزاب الدينية الحاكمة والحكومة من مأساة جسر الأئمة، وقبل توجيه الاتهامات الجاهزة، يجب أن يحاسبوا أنفسهم هم، فمسئوليتهم أكبر.
إن هذه المناسبات الدينية الشيعية التي لا تنتهي، وفي وضع أمني منهار، قد تحولت لتجارة سياسية وحزبية ودينية، ضحاياها دوما من عامة الشيعة الأبرياء. وقد أحسن الكتاب العراقيون غالب الشابندر وحسين كركوش ورشيد الخيون بالكتابة النقدية والتحليلية لطغيان هذه المناسبات وما يرتبط بها من ممارسات، ومسئولية الأحزاب الشيعية الحاكمة ورجال الدين الشيعة في الترويج والتشجيع، بدلا من التوعية وترشيد الزيارات وعقلنتها، بطريقة لا تشل أعمال الدولة والتعليم، ولا تعرض البشر للموت، ولو أرادوا وفكروا لتوصلوا. يقول الكاتب حسين كركوش:
" لم تكف الأحزاب الدينية الحاكمة من الاستمرار في إعلان [ نفير عام] مذهبي: خلق المزيد من المناسبات المذهبية ودفع الناس دفعا للاحتفال بها، وتشكيل مئات الجمعيات والمؤسسات المذهبية تحت مسميات ثقافية واجتماعية مختلفة، لا يعرف أحد من يدفع تكاليفها المالية، (نقول من جانبنا إن كثرة منها إيرانية التمويل). وكل هذه الهستيريا ليست لها علاقة بالطقوس والمشاعر العفوية الشفافة التي اعتاد الناس إقامتها والتعبير عنها منذ عشرات السنين، بقدر ما لها علاقة بالكسب الحزبي الذي لا يمت للدين والمذهبي بأي صلة، ولأن هذه الأحزاب تدرك أنها لن تعيش، ولن تستمر في الحياة السياسية، إلا بالشحن المذهبي." (
كركوش)
إننا لم نجد، ولن نجد، أيا من هؤلاء الكبار ماشيا على قدميه لزيارة الإمام الحسين مئات الكيلومترات، أو راكبا جملا، أو ضاربا "قامة"!!، بل كل البلايا تنصب على رؤوس "أولاد الخايبة"، فدماؤهم هي التي تهدر، سواء بالتفجيرات المجرمة، أو بالقامات والسلاسل، وهذا أيضا ما لاحظه، في أواخر عشرينيات الماضي، المصلح الشيعي الكبير حسن الأمين وهو يجادل علماء الدين الذين هاجموه على فتواه ضد طقوس الشج والضرب بالسلاسل، قائلين له إن السماء تبكي دما على الحسين فكيف لا نفعل نحن. قال لهم إنه لم ير أي واحد منهم، أو من أفراد عائلاتهم، من شج رأسه ونزف قطرة دم واحدة، قطرة واحدة لا غير!
إن المتاجرة بالمذهب تقترن بالمزايدات السياسية باسم محاربة البعث، ومن فصولها الجديدة تدمير النصب والتماثيل والجداريات بزعم أنها ترمز لعهد صدام، بينما في السنة الأولى من سقوطه، كانوا يفعلون ذلك باسم أنها ترمز للكفر أو التطاول على الأئمة الأبرار. كما لم يتورعوا عن تبديل أسماء الشوارع والمدن لصبغها بصبغة مذهبية، وحتى مدينة الثورة، تطاولوا على اسمها التاريخي، بينما، لو وجب التغيير، لسميت بحق مدينة عبد الكريم قاسم.
إن القضية الحقيقية في صراعات وأزمة اليوم هي التزاحم على المناصب، وخصوصا منصب رئيس الوزراء، وليست في التزاحم على من يعمل ليل نهار، وبنكران ذات، من أجل الشعب، ومن ذلك ضمان الأمن. وقد قيل إن حكومة المالكي أول حكومة، منذ سقوط صدام، ضمنت الأمن، ولكن الواقع اليوم، ومع الأسف، هو العكس، والمالكي ليس بالمسئول الوحيد عن هذا.
يورد حسين كركوش حادثة جرت قبل شهور عندما حضر المالكي اجتماعا عشائريا. هناك قال أحد الحاضرين باللهجة العراقية: (ما ننطيها)، وهو يعني السلطة أو الحكم، فأيده المالكي قائلا:" ليش هو منو يكدر ياخذها منكم - أي جئنا لنبقى بأي وسيلة وبأي طريقة، وها نحن في السلطة، وسنبقى في السلطة. فهل ثمة تفسير غير هذا لكلامه؟! إن هذا التشبث من جانب الأحزاب الدينية باحتكار عتلات السلطة هو وراء قرارات المساءلة، التي أعلن عنها اللامي، ومن ورائه الدكتور الجلبي، مؤسس "البيت الشيعي"- هذا بينما يردون الاعتبار لعصائب أهل الحق الإرهابية وزعيمها المعروف بعلاقاته بإيران. وقد قال السفير الأميركي عن اللامي، متهكما:
" لم نمنحه إجازة ... كان معتقلا عندنا." كما أبدى استغرابه لإيكال هيئة اجتثاث البعث في حينه للدكتور الجلبي. وبالمناسبة، ينقل أن الأخير قال حال سقوط دولة البعث الصدامي: " سقطت دولة السنة"!، وقد علق على ذلك مؤخرا الكاتب رشيد الخيون. وينقل الخيون، بالمناسبة، عن رجل الدين العلوائي قوله:
" طائفية حزب البعث، بشقيه الشيعي والسني، هي طائفية سياسية، نفعية، انتهازية، لا علاقة لها بدين ولا مذهب، ولا يلتقيان في مقولة أو رأي. والباحث عن أي نسب لحزب البعث العربي الاشتراكي في أهل السنة والجماعة أو الشيعة إنما هو باحث عن سراب." وللتذكير، فإن الكثيرين من قادة البعث العراقي في المراحل الأولى كانوا من الشيعة، والعدد الأكبر من فدائيي صدام كانوا شيعة، ثم التحق معظمهم بجيش المهدي. فالبعث الصدامي لم يكن يمثل لا السنة ولا الشيعة، بل كان نظاما يوزع الاضطهاد على الجميع.
إن خطايا القيادات العراقية، جميعها، هي في عدم مراجعة أخطاء الماضي والاستفادة منها، وهي في التصرف اليوم بروح المزاحمة على المغانم، ومحاولة الاستئثار بالكراسي، مع وجود درجات وفروق في المواقف وفي المسئوليات.
إن الانحياز الطائفي والميل الاستئثاري وغرائز الانتقام لا تصلح لقيادة العراق ولإصلاح ما خربه النظام السابق على كل الأصعدة، وليست هي العتلات والأسس التي تصلح لقيام نظام له حد معقول من الديمقراطية التعددية والعدالة والوفاء الأول للشعب والعمل لخدمته ولحماية الوطن من الأخطار والأعداء. إنها تقود، كما قادت لحد اليوم، إلى إهمال الخدمات، وانتشار الفساد، وتهميش الأمن، وتشجيع كل أنواع التقوقع الأناني- الفئوي والحزبي والمذهبي والعرقي، وإلى ترسيخ المحاصصة، فيما الأعداء منهمكون في التخريب وسفك الدماء الزكية.
العراق أولا: هذا هو المبدأ الأول، الذي يمكن الحكم على أي حزب وزعيم سياسي بمقدار التمسك الصادق به أو التفريط به وإخضاعه لمصالح شخصية أو فئوية أو حزبية. وقد أحسن السيد البولاني، وزير الداخلية، حين كتب في مقال له ، )الشرق الأوسط عدد 6 كانون الثاني الماضي(: "علينا أن نستفيد من تجارب الماضي ومعالجة آثارها وأخطائها كما تفعل كل الشعوب الناهضة والمتحررة من أجل تطوير مستقبلنا، وأن لا نسمح لمن يقول إن التاريخ سيعيد نفسه من جديد."
نعم، عراقنا أولا! لقد ولي صدام والكيمياوي غير مأسوف عليهما، فلنقدم للعالم تجربة معاكسة تماما، تكون نموذجا وقدوة. فهل القيادات العراقية الحاكمة أهل لذلك؟! إن التجارب المرة، ومع كل أسف، لا تبعث على تفاؤل ما لأن ما يعوزها هو الحس الوطني الأصيل ونكران الذات من أجل الشعب. فهل نقول عسى ولعل!!


* - هامش:
بعد كتابة المقال سمعنا خبر هيئة البرلمان التمييزية بالسماح للمستبعدين بالمشاركة في الانتخابات على أن ينظر فيما بعد في الموضوع إن لزم. إنه حل وسط ومحمود سيساهم في تخفيف الاحتقان وإنني فرح لهذا التطور المفاجئ. ولنر بعدئذ موقف الناخبين ..
 


خاص بعراق الغد - 4 شباط 2010


 


 

free web counter