| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

الجمعة 26/9/ 2008



عراق اليوم وعراق أمس، وما بينهما إيران!

عزيز الحاج

قيل من قبل "في الإعادة إفادة"، فكم هذا دقيق حين ننظر مواقف الحكم العراقي من مئات من المقالات التي كتبها كتاب عراقيون طوال هذه السنوات، ينتقدون بحق، وينصحون، ويقترحون؟؟!
تبددت أوهامنا عن قيام نظام ديمقراطي، بالحد الأدنى من الديمقراطية، بعد سقوط الفاشية البعثية. أجل، تبددت هباء منثورا وأسفاه، وكأن هذا العراق مكتوب له الخضوع للأنظمة الشمولية المستبدة، قومانية فردية، أو إسلامية تتاجر بالدين لاحتكار السلطات، الهيمنة على المجتمع، وعلى تفاصيل حياة الناس.
إن عراق اليوم غابة لكل أنواع اللصوص، وأنماط الشر، وفصائل الأشرار، من كل حدب وصوب ولون، وجنسية، ولكن الشر الإيراني يبقى هو الأخطر، بل إن إيران صارت، وكما تبرهن مجريات الأمور منذ سنوات، على كونها اللاعب السياسي الأول في العراق، بجانب دورها التخريبي الخطير في دهورة الأمن من خلال المليشيات، ودعم خلايا القاعدة، والوقوف معها في تنفيذ سلسة عمليات اغتيال لقيادات مجالس "الصحوة". إن آخر التقارير تتحدث عن اجتماعات قيادات في الحرس الثوري الإيراني، و"الاطلاعات" [الاستخبارات الإيرانية]، مع قيادات في تنظيم "القاعدة" في منطقة كرمنشاه، وبمشاركة قيادي في حزب الله، يشرف على تدريب بعض المليشيات العراقية، وذلك لوضع خطط تستهدف شخصيات سياسية عراقية تعارض التدخل الإيراني، والطائفية، وتدعو لنظام ديمقراطي علماني.
نعم، إنها اللاعب الأول وهذه هي الحقيقة المؤلمة، وذلك مهما ضجت أصوات المكابرين، والموالين، والمسايرين.

مثال الآلوسي يطارد، ويعتدون عليه في البرلمان لزيارة ندوة عن الإرهاب في إسرائيل، أما الزيارات المكوكية لطهران، فقد صارت بمثابة الحج الثاني لمعظم القيادات العراقية الحاكمة! خامنئي يطلب دستورا عراقيا قائما على أحكام الشريعة، فإذا بدستورنا يصاغ كما يريد. خامنئي يعارض الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، فإذا بالمالكي يرجع من طهران متحدثا عن "المأزق"، ثم عن "المصاعب الكبرى"، واليوم يتحدثون عن عدم التوقيع، لابد هنا من التمييز الدقيق بين معارضة إيران عدو استقرار العراق، وكل أعداء استقراره في المنطقة، ومنهم أيتام صدام في وسائل إعلام عربية، وبين معارضة قوى، وشخصيات وطنية مناضلة تعارض عن مبدأ مطلق كل أشكال التواجد العسكري الأجنبي، وتخطئ أحيانا في التعمق في تحليل الوضع الملموس، لاتخاذ مواقف مرنة لا تخل بالسيادة الوطنية، وفي الوقت نفسه تضمن أمن العراق والعراقيين، وبهذا الشأن نتفق مع ما ورد في المقال الأخير للصديق عبد الخالق حسين عن الاتفاقية ومعارضيها، [نشر في مواقع كثيرة ] قبل يومين.

كان العراق خاضعا لاستبداد فاشي، قوماني، فردي، واليوم يخضع لنظام أحكام الشريعة، المتخلف المستبد، ولأحزاب دينية، ومرجعيات تحرم حتى الغناء، وكل الفنون، وتفرض الحجاب قسرا حتى على الصغيرات.
لدينا، ولا فخر، برلمان يجيز العدوان البدني على من لا يعجبهم، ويحاربون مجلة رسمت كاريكاتيرا عن الإرهابيات في العراق؛ برلمان يدافع معظم أعضائه عن إيران أكثر من دفاعهم عن مصالح العراق.
ترى، أية "ديمقراطية" هذه؟! لقد شوهوا معنى الديمقراطية، ولو بحدها الأدنى، باسم الانتخابات الطائفية والعرقية، وبفقرات من الدستور أدرجت فيه، بعد جدال طويل، وبعد عدة مسودات وضعتها الأحزاب الدينية، كلمة ديمقراطية، بينما الدستور بمجمله دستور إسلامي.
إن إيران، يا برلمان العراق، ويا حكامه، ليست صديقة لشعبنا، بل هي العدو الأول للعراق، كما لمنطقة الخليج، وهي لا تزال تحتل جزرا عربية تنصب فيها الصواريخ، وتصر على إطلاق اسم "الخليج الفارسي" جريا وراء تسميات الشاهنشاه، وتتدخل في البحرين. هذه حقيقة نقولها من جديد مع شجب أطروحات القرضاوي، وفتاواه الطائفية عن التوسع الشيعي.

قد يقول القارئ إن كل هذا كلام مكرر ومعاد. أجل، هذا صحيح جدا، ولكن الأحداث الجديدة تفرض التكرار والإعادة والتذكير، لعل، ولعل، وإن كنا نشك في أن يلتفت لما نقول، ويقوله غيرنا من الكتاب المخلصين، المحترقة قلوبهم للمحنة التي يمر بها العراق.
حكام العراق، ومعظم نوابه، لا يأبهون بالسباق النووي الإيراني، الذي سيهدد في المستقبل أمن الخليج كله، وأمن العراق. إنهم يتسترون على التدخل الإيراني المستمر في البصرة، ومدن الجنوب، التي تعبث فيها عناصر فيلق القدس كما تريد.
إنني أقرأ المعلومات، ورسائل الأصدقاء العراقيين، عن مثقفين وطنيين زاروا العراق منذ أعوام وأقسموا ألا يعودا إليه مع بقاء حكم الاستبداد السياسي، الديني، ومنهم من يقارنون بين السيء والأسوأ، فيرون أن الاستبداد الديني الموالي لإيران هو الأسوأ.

نعم، كتبت كل هذا عشرات المرات حتى وصفني البعض بالمتشائم، والمبالغ، ولكنني أزداد قناعة بما ذكرت، وأزداد حسرة وحنينا للعهد الملكي، وفترة ثورة 14 تموز. كيف كنا، وإلى أين نذهب، وأعتقد أن هذا شعور الكثيرين منا، ممن يحرصون على مصالح العراق، ومستقبله، ولا يخضعون للابتزاز الشتائمي، الاتهامي، المبتذل.

إنهم يحنون للماضي، وقلوبهم دامية؛ يحنون لبغداد أمس، وعراق أمس، حيث الأمن، وجمال الشوارع، وتهادي الفتيات الحسان السافرات، والسينمات، وبار شريف حداد، وشارع أبو نؤاس، والبصرة المنفتحة على كل العالم، والتي كانت مثال التسامح الديني والعرقي. إنهم يحنون لكل مدينة في عراق أمس، وللرافدين، وبقية الأنهار. يحنون للعهود التي كان فيها المسلم السني والشيعي، والمسيحي، والصابئي المندائي، واليهودي، والكردي، والعربي، والتركماني، والكلدو – آشوري، يعيشون معا في تعايش فريد، ويعملون سوية من أجل العراق، وتحت راية الولاء للعراق.

أجل كان تعايشا فريدا، كما كان التعايش في مصر من قبل، مما يذكرنا به مؤخرا مقال عن أيام تعايش "حسن، ومرقص، وكوهين"، وهوعنوان فيلم قديم لعادل إمام، ومثله فيلم " فاطمة، وماريكا، وراشيل". في العراق أيضا كان هناك تعايش محمد، وميخائيل، وموشي، في مجتمع كان أهله متسامحين.
هكذا كان عراقنا، وهكذا كانت بغدادنا، ولكن عراق أمس غاب؛ غيبه صدام، والأحزاب الدينية، وإيران، والقاعدة، والتدخل الإقليمي المتعدد الرؤوس.
نعم نحِّن لبغداد أمس ولكن بألم مرددين أبيات معروف الرصافي عشية الحرب العالمية الأولى:

إليك، إليك، يا بغداد عني،             فإني لست منك، ولست مني
ولكني وإن طال التجني                يعز علي يا بغداد أني
                   أراك على شفا هول بعيدِ
تتابعت الخطوب عليك تترا           وبُدّل منك حلو العيش مرا
                   فهلا تنجبين فتى أغرّا...

ترى أين منا الزعيم عبد الكريم قاسم؟
غابت بغداد التي عرفناها، والعراق الذي عهدناه، فهل سيعود معافى، وبأبهى، وأجمل، وأروع مما كان؟!.
 


 

free web counter