| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الخميس 23 /2/ 2006

 

 

 

أطفئوا مواقد الإرهاب والفتنة بدل صراع الكراسي!

 

عزيز الحاج

يبدو الوضع العراقي، الشديد التشابك و"الخربطة" المأساوية، كلوحة سريالية معكوسة ومشوهة. القتلى والجرحى يتساقطون يوميا بالعشرات، من عمليات إرهاب بعثية وزرقاوية متصاعدة، ومن عمليات خطف واغتيال في الظلام تمارسه بعض المليشيات، التي هي مسلحة وليست "منظمات مدنية" كما قال السيد رضا جواد تقي، القيادي في المجلس الأعلى. وبينما الإرهاب والقتل المضاد مستمران، نجد أن القيادات السياسية لم تستطع بعد تشكيل الحكومة، لأسباب من نزعات الهيمنة والتسلط عند البعض، وضعف الحسّين الوطني والديمقراطي عموما.

إن الاعتداء الأثيم والغادر على مرقدي الإمامين علي الهادي وحسن العسكري في سامراء، مفضوحة أهدافه وأغراضه للجميع، أي كمحاولة بربرية جديدة لإشعال الفتنة الطائفية. وسواء كان المنفذون من القاعديين أو من بقايا البعث أو من الطرفين، فإن العملية هي أخطر محاولة إجرامية تقع منذ سقوط صدام لدفع المجتمع والبلد نحو الصدام الطائفي.

إن من حسن الحظ أن القيادات الدينية الشيعية ورمزها آية الله السيستاني، والأطراف السنية الممثلة في الحزب الإسلامي العراقي وغيره، قد بادرت لقطع الطريق على دعاة الفتنة من القتلة الملوثة أيديهم بدماء الآلاف من العراقيين منذ سقوط النظام الفاشي.

إن القيادات السياسية تواجه صعوبات كبيرة للاتفاق، والائتلافيون يصرون على تولي أكبر المناصب التي تملك مفاتيح الأمن والنفط والمالية، بينما تصر أطراف وطنية أخرى على إبعاد المناصب الأمنية والدفاعية عن التحزب والتسابق الطائفي، فيما راحت الدول العربية تستقبل بأذرع مفتوحة السيد مقتدى الصدر، الذي صدر بحقه أمر قضائي في اليوم الأول من التحرير. وتلك أيضا من معجزات الغرائب والعجائب في عراق اليوم.

إن نداء السيد السيستاني لاستنكار الجريمة الكبيرة في سامراء مع تجنب العنف، موقف يلبي المستلزمات الدينية والأخلاقية والإنسانية، وهو من عدة نواح يصب في غدير الوحدة الوطنية، التي بدونها سوف نخسر كل ما تحقق من مكاسب، وستذهب دماء الضحايا وأرواحهم هدرا. إن مثل هذا الموقف النبيل والحكيم هو المطلوب من المقامات الدينية، بدلا من محاولات الأحزاب السياسية الدينية زج هذه المقامات الكريمة في دهاليز وتفاصيل العملية السياسية، كما يفعل الدكتور الجعفري والمجلس الأعلى. إن المجال السياسي الصعب والمعقد يشهد خلافات حادة وتضاربا في المواقف والآراء، وهو ما يجب تجنيب المراجع الدينية من زج نفسها فيها.
إن المأمول، وضحايانا تتكاثر كل يوم، ودعاة الفتنة المجرمون يواصلون عمليات الغدر الجبانة والوحشية، أن تفلح القيادات السياسية في الاتفاق على برنامج سياسي مشترك عاجل لتشكيل الحكومة على أساسه، وإنقاذ الوطن، بعيدا عن الطائفية ونزعات التسلط والهيمنة، والصراع المحموم على الكراسي.

نعم، نعرف أن الشارع العراقي يعاني كثيرا من عواقب الخراب الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والفكري، الذي خلفه النظام الساقط، ونعرف أن الشارع يكاد يكون محتقنا طائفيا. وإذا عجزت النخب والقيادات عن ممارسة مهماتها في التوجيه، ورسم الطريق، والتوعية الصبورة والجادة للجماهير، فإنها ستحكم على نفسها بالفشل أمام التاريخ، وستتحمل هي مسؤولية أي خراب جديد والفوضى المستمرة، بدلا من الإصرار على الخطأ، والمكابرة ومحاولة إلقاء المسؤولية على الأمريكان، كما يفعل البعض. فبعد حوالي ثلاث سنوات من التحرير، وتجاوز الأخطاء الفادحة التي اقترفتها قوات التحالف في العراق، فإن مسؤولية إنقاذ العراق وشعبه اليوم تقع كلية على العراقيين أنفسهم، بالاعتماد على إسناد القوات متعددة الجنسية وتضحياتها، وهذه أولا هي مسؤولية النخب السياسية والفكرية والدينية، وكل في مجالها المستقل.
إن المزايدات السياسية والمذهبية، ومواصلة مغازلة العواطف الحامية للمواطنات والمواطنين الشاعرين بكل أنواع المرارة والإحباط، وبكل آثار الذل والتمييز الطائفي والتمييز العنصري لنظام صدام، هي سياسات خطرة جدا وتؤدي لكوارث جديدة.
وعسى أن نرى بداية فعالة لنهاية هذه المأساة الآخذة بخناق البلد وشعبه.