| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الخميس 22 /12/ 2005

 

 

خطاب من القلب للأخوين العزيزين مسعود برزاني وجلال طالباني المحترمين

 

 خطاب إلى مسعود برازاني وجلال طالباني  - عزيز الحاج


 

سيادة الأخ رئيس الجمهورية العراقية، وسيادة الأخ رئيس إقليم كردستان:

بداية، أتقدم لكما ولكل المناضلين في الحزبين المجيدين، بأحر التحية وأصدق التمنيات مع كل احترامي.
إنني لأشعر بكل الاعتزاز والتقدير لدوريكما في كل من عهد المعارضة وعهد ما بعد سقوط صدام. وقد لمس العراقيون أن الأخ الرئيس مام جلال قد أدى واجباته الصعبة كرئيس للجمهورية خير أداء ممثلا لكل الأطياف العراقية بلا تمييز، وهذه هي كذلك مواقف الجبهة الكردستانية، التي لم تحصر اهتماماتها بالقضية القومية الكردية حسب، بل تعدت ذلك إلى خطوات العملية السياسية والعناية بما يجري خارج كردستان، ومتابعة التطورات هناك.

إن تصريحاتكم المتكررة عن الدروس المرة من أداء حكومة السيد الجعفري ومن التحالف مع الائتلاف، تعبر دون شك عن المرارة من وقائع وممارسات باتت معروفة على أوسع نطاق. ومعلوم أن التحالفات السياسية، إذ تراعي الانسجام بين زعماء القوى والأطراف الوطنية وحسن العلاقات الشخصية، فإن الأهم هي برامج هذه القوى والأطراف، التي لابد لكل مسؤول حزبي التقيد ببرنامج الطرف الذي ينتسب إليه. وفي لقائي بباريس بعد تشكيل مجلس الحكم مع الأخ مام جلال، فإنه قد طمأنني على جدوى وأهمية التحالف مع المجلس الأعلى، مستشهدا بمواقف المرحوم السيد محمد باقر الحكيم والجوانب الثرة في شخصيته. وكان الشهيد بحق نموذجا للتواضع والاعتدال ومعروفا بسعيه الحثيث للابتعاد عن كل تأثير إيراني رغم الصعوبات والتعقيدات، وهذا ما أعطى الكثير من الوزن للمعلومات حول دور المخابرات الإيرانية في عملية اغتياله الغادرة.
على ضوء تصريحاتكم الداعية لضرورة توسيع التحالفات الوطنية، فلا شك أنكم ستعيرون اهتماما استثنائيا لتعزيز التعاون والتحالف مع كل القوى والعناصر العلمانية، المؤمنة حقا بهدف النظام الفيدرالي المدني، وهي القوى والعناصر التي يجب أن يقوى ويتعزز دورها في تشكيل الحكومة المقبلة.

واليوم يا سيادة رئيس الجمهورية ويا سيادة رئيس إقليم كردستان، فإن كل ما حدث منذ التاسع من نيسان، وخصوصا في البصرة والجنوب، قد أثبت مع الأسف أن الائتلافيين ينطلقون من نوازع الهيمنة ومحاولة فرض برامجهم الإسلامية على نطاق العراق. كما أن توسع واستمرار التدخل الإيراني دون مقاومة حقيقية من الوزراء المعنيين ومن محافظي العديد من المحافظات الجنوبية وشرطتها، يؤكدان فشل حكومة الائتلاف في تمثيل مصالح كل العراقيين وفي الحرص على الديمقراطية والوفاء لتعهدات سابقة وفق بنود الدستور المؤقت والتزامات عهد المعارضة. وكما بينت في مقالات كثيرة، فإن الدستور نفسه يتضمن مبادئ أساسية تفتح الباب لقيام حكم إسلامي، نجد اليوم نموذجه في البصرة والجنوب ومدينة الثورة، من انفلات دور المليشيات المسلحة التي يحرم الدستور وجودها، ومن فرض الحجاب، واختراق الشرطة، ومطاردة المسيحيين والصابئة المندائيين، ومن تحريم للموسيقى والفنون، ومن عمليات اغتيال وتسلط ولحد العودة للسجون السرية وممارسات التعذيب. كل هذا يجري والبلد لا يزال فريسة الإرهاب الفاشي بشقيه الصدامي والزرقاوي، ولا تزال دماء ضحاياه تسيل مدرارا.

إلى جانب كل هذا، فإن الانتخابات تكشف عن مدى تدخل الإخوان الائتلافيين في مراحل العملية الانتخابية وبكل الأساليب والصيغ، وعن اختراق المفوضية العليا ومكاتب المفوضية في الجنوب والخارج، وغيرها من ممارسات كشفت عنها عدة أطراف وطنية. إننا لو طرحنا نصف المعلومات المنشورة بهذا الصدد جانبا وافترضناه مبالغات، فإن النصف الآخر بحد ذاته مذهل في مدى مجافاة هذه التصرفات لمبادئ الانتخابات الديمقراطية الحقة، وأعتقد من الواجب العمل لكي تتدخل هيئة الأمم لتشكيل لجنة تحقيق موسعة فيها ممثلون عن كل الأحزاب المشاركة في الانتخابات وكذلك ممثلون مراقبون من الأمريكان والبريطانيين باعتبار هذين البلدين يتحملان مع الأمم المتحدة مسؤولية خاصة عن حسن سير العملية السياسية في العراق.
إن استبدال الاستبداد السياسي الفاشي والدموي لنظام صدام بنظام الاستبداد الديني والمذهبي باسم تنفيذ أحكام الشريعة يعني أن كل التضحيات الكبرى راحت هدرا، بل ويعني فتح الطريق لنشوب حروب داخلية وخطر التقسيم، واستمرار وتفاقم خطر الإرهاب الصدامي ـ القاعدي، المعتمد على العون الإيراني والسوري، وعلى أموال بعض الجهات الخليجية.

يا سيادة الأخوين الرئيسين:
إن العراق أمام منعطف دقيق، وثمة قوى شريرة لا تريد الخير للعراق، وعلى رأسها قوى الإرهاب الدموي الذي يتقنع باسم المقاومة الوطنية. ونعلم أنه حتى عمليات قتل جنود التحالف الصديق ليست مقاومة وطنية، إذ بفضل وجود القوات متعددة الجنسية، التي حررت الشعب العراقي، يمكن ضمان تدريب القوات العراقية، ومساعدتها على حماية الحدود وأمن المواطنات والمواطنين، ولجم ودحر قوى الإرهاب، رغم أن ذلك يتطلب الوقت والصبر والمثابرة. كما أعتقد أن من مستلزمات دحر الإرهاب وإحقاق العدالة والحق، أن تجري محاكمات كبار أركان العهد المنهار باحترام لكل المواصفات القانونية، ليس فقط من جهة حقوق المتهم وحرية الدفاع عنه، وإنما في الوقت نفسه صيانة حرمة المحكمة والشهود وذكرى الضحايا الغالية التي لا يجوز لكائن من كان التطاول عليها أمام المحكمة. ولعلكم قد قرأتم العشرات من المقالات لكتاب وطنيين عراقيين في انتقاد سير المحاكمات وما ينبغي عمله من إعادة النظر في الأساليب والأداء ليس أبدا لقمع المتهم أو لجم الدفاع عنه، وإنما لضمان عدم خروج الكلام عن القضايا المطروحة في الاتهام، والحيلولة دون توجيه المحاكمة وجهة سياسية ليست المحكمة مجالها. وعندما يعتدى أي متهم على شاهد ما وعلى المحكمة، فإنه يجب إخراجه فورا كما تفعل المحاكم الأمريكية نفسها، حيث تعاقب على إهانة المحكمة، بل وتحكم بالغرامة على المحامي الذي يتحدى توجيهات القاضي. كما أن محاميا لا يعترف بالمحكمة يجب أن يقال له بكل صراحة ولكن بلباقة أن لا مكان في القاعة لمحام لا يعترف بالمحكمة. أليس هذا ما يفعله القضاة في الدول الديمقراطية؟ فلماذا يراد أن نكون من التساهل واللين بحيث نسمح بخرق قواعد ثابتة في المحاكمات الأصولية؟
إنني إذ أثير هذا الموضوع، فلأن القاضي المحترم الأستاذ رزكار، وأنا أقدر عاليا نزاهته وكفاءته وسيرته، هو كردي؛ ويؤلمني أن أسمع حتى من بعض أصدقائي ما يوحي بأن أداء السيد القاضي يعكس موقف الجبهة الكردستانية، برغم يقيني الكلي بأن هذا غير صحيح بالمرة.
تلكم أيها الرئيسان الموقران ملاحظاتي أبثها بتواضع من القلب كمواطن كردي عراقي، يهمه وصول العراق لعهد النظام الديمقراطي الفيدرالي المدني، وراجيا أن لا أكون قد شططت، ومتمنيا لكما كل النجاح والصحة، وأصدق تمنيات العام الجيد الذي هو على الأبواب.