| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الأثنين 13 /2/ 2006

 

 

 

وجهات نظر فرنسية في الزوبعة الإسلامية الجديدة!

( 1 - 2 )

عزيز الحاج

كان من بين أهم المقالات التي قرأتها عام 2004 حول زوبعة الحجاب بفرنسا مقال لتركي الحمد في الشرق الأوسط بعنوان "مسلمون نعم.. ولكنهم فرنسيون." [عدد 19 يناير 2004]. هذا المقال، الذي أتمنى لو أعيد نشره في أكثر من مكان، يبتدأ بالقول: "يبدو أننا، عربا ومسلمين، قد أدمنا القضايا حتى أننا لا نستطيع العيش بدون قضية. والغريب أننا نختار من القضايا ما ينفر الناس منا وينفرنا من الناس، ويبعدنا عن ويبعد العالم عنا في الغالب الأعم."

إن الإسلام السياسي وانتهازية وحسابات بعض الأنظمة في العالمين العربي والمسلم يجهدان النفس لالتقاط أية قضية لتمرير أجندتهم السياسية: من فلسطين بالأمس واليوم، وإلى أفغانستان ثم العراق، فالحجاب، واليوم رسوم فنان كنا جميعا نجهله ونجهل رسومه الكاريكاتورية لولا زوبعة الغوغائية العنفية، التي يقودها محور طهران ـ دمشق ـ والأصولية بزعامة القاعدة، دون أن ننسى حماس وحزب الله المرتبطين بالنظامين المذكورين. وقد أشار الدكتور عبد الخالق حسين لمثال المجلة الأسبوعية "شارلي إيبدو" التي زادت مبيعاتها خمسة أضعاف في يومين لنشر تلك الرسوم. إنه فضول المواطنين الفرنسيين والغربيين عموما لرؤية رسوم أدت لأعمال قتل وحرق للسفارات والكنائس وتهديد بالقتل ومطالبات بتعديل وتغيير مبادئ الدساتير العلمانية والقوانين القائمة عليها. ونشرت اليوم صحيفة الهيرالد تريبيون كاريكاتورا كبيرا يمثل مظاهرات مسلحة تحمل شعارات:" اقتلوا الملحدين"، "اقطعوا أيديهم"، "اقطعوا رؤوسهم"، "اقطعوا رؤوسهم وأيديهم"؛ وثمة متظاهر يقول لحامل كلاشنكوف:" انظر! ربما أحد رسامي الكاريكاتور سيعيد نشر هذه اللافتات لنظهر للعالم أشرارا"! وقبل ذلك كانت صحيفة [ لي باريسيين" الفرنسية قد نشرت يوم 3 الجاري كاريكاتورا يمثل داعية إسلاميا وجلادا يقطع الأيدي، والداعية المعمم يقول للجلاد:"سنكف عن قطع أيدي اللصوص، إذ سيكون لنا عمل كثير مع الرسامين!" الرسوم إذن هي اليوم "القضية المصيرية الكبرى"، والتي تحولت لما يشبه الهدية الكبرى لأطراف المحور المذكور والجموع المتطرفة السائرة وراءها لاقتراف "كل ما هو غير عقلاني في السياسة والثقافة والخطاب"، على حد تعبير مقال تركي الحمد.

لقد نشر العديد من كتابنا الموضوعيين والشجعان، ورغم حملات التشهير والقذف الوقحة والسفيهة، مقالات تحليلية جيدة للظاهرة ـ الزوبعة، ومغزاها ونوايا وأهداف المحرضين وحسابات كل طرف. أما في فرنسا، فقد أعادت صحف عديدة نشر بعض من تلك الرسوم مع تعليقات، وانفردت "فرانس سوار" ومجلة "شارلي إيبدو" الأسبوعية بنشر جميعها خلال الأسبوع الماضي. وقد حاولت الاتحادات الإسلامية وجامع باريس منع النشر عن طريق القضاء فرفض القضاء دعواهم، ولكن المجلس الأعلى للمسلمين الفرنسيين رفع دعاوى جديدة على الصحف المذكورة. كما أن رئيس منظمة "الحركة ضد العنصرية والصداقة بين الشعوب" وهو جزائري الأصل، مولود علوني، رفع من جانبه دعوى على "فرانس سوار" بتهمة الترويج للعنصرية، وهو قرار أدى لانقسام الرأي في حركته، لاسيما وإن منبر الصحيفة كان مفتوحا له دوما لنشر بياناته ضد التمييز العنصري. ومع أن أية مظاهرات لم تقم خلال الأيام الماضية، فإن الاتحاد الإسلامي لضاحية "سان سان ديني" نظم بعد ظهر 11 شباط مظاهرة سلمية في باريس ضمت ثلاثة آلاف شخص فقط، ولم يجرؤ أحد على اقتراف عمل عنيف خوفا من إجراءات القضاء وحتى الطرد. وللتعريف فإن هذه الضاحية كانت البؤرة الأولى لاضطرابات الشغب والعنف في نوفمبر الماضي، وفي هذه الضاحية يعمل مسجد بلال الذي يسيطر عليه تنظيم "تبليغ" المتطرف، والمسؤول عن تجنيد العشرات من إرهابيي الجماعة الإسلامية المسلحة. كما جرت منذ التسعينات هناك سلسلة أعمال عدوان في المدارس الثانوية المهنية وخصوصا ضد المدرسات الشابات. وخلال الشهرين الماضيين اعتدى طالب على مدرسة شابة بالطعن مرارا بالسكين، ولكن الطب أنقذ حياتها؛ وبعد ذلك جرى الاعتداء على مدرسة شابة حامل حيث حاول طالب خنقها في الصف. إن الاتحاد الإخواني العام الذي يهيمن على أكبر عدد من مساجد فرنسا وعددها 1500 مسجد والذي يعتبر القرضاوي مرشده، وإن منظمة تبليغ المتطرفة وأمثالهما، ستحاول رغم كل شئ تسميم الجو، وانتهاز الفرصة لصب الزيت على النار. وقد اعتبرت الصحف الفرنسية أن عودة مسجد باريس والمجلس الإسلامي الأعلى للقضاء تحت ضغط الاتحاد القرضاوي وبعد خفوت التوتر، هي بحد ذاتها صب للزيت وتأجيج.
إن شيراك ورئيس وزرائه اتخذا موقف المهادن ويتحدثان عن "الاستفزاز" وجرح المعتقدات؛ ولكن وزير الداخلية يعلن رفضه الصارم للعنف وإدانته لردود الفعل الهمجية، وهذا موقف عدد من النواب الشيراكيين ورئيس الوزراء السابق بالادور. ونعلم أن الرئيس بوش اتخذ في البداية موقفا مماثلا، ثم عاد للتنديد القوي بعمليات الحرق والاعتداء وطالب بدعم أوروبا لحماية أمنها. وانتهز بوتين الفرصة للتصريح باستعداده "للوساطة" بين المسلمين والغرب!!!
إن الحقيقة، هي أن الرئيس الفرنسي محرج ولكن موقفه الشديد الاعتدال، والأميل لرفض تشر الرسوم، [وهو نفسه موقف توني بلير]، لم يمنع عصابات حزب الله وأحمدي نجاد من الاعتداء المتكرر على السفارات الفرنسية، مثلما لم يشفع لفرنسا مقاومتها لحرب تحرير العراق، حيث وجد الإسلاميون في العالم العربي وشبكات القاعدة في قضية الحجاب حجتهم الجديدة للتأليب ضد فرنسا. أما الحزب الشيوعي فلا أعرف عن ردود فعله، ولكن قادة تيارات الحزب الاشتراكي أعلنوا رفضا صارما لردود الفعل الهمجية والمطالبات بالحد من حرية النشر والصحافة، وزعيم الحزب اليميني لوبين استسخف الرسوم أصلا وأكد أن المشكلة الحقيقية في فرنسا هي مشكلة الهجرة بلا حدود والتي تهدد الاقتصاد الفرنسي والمجتمع كما قال. وقد وقف العديد من رجال الدين المسيحيين واليهود ضد نشر الرسوم، ويقال إن الكنيسة والحاخامية تريدان استغلال المناسبة لإعادة فتح ملف العلمانية بالمطالبة بوضع قوانين تحظر المس بأية عقيدة دينية ونقدها، تماما كما طالب السيد عمرو موسى والمؤتمر الإسلامي من كوفي عنان. وكانت الكنيسة والفاتيكان قد احتجا قبل سنوات على فيلم عن المسيح اعتبراه مسيئا له وللمسيحية، ووقفت الاحتجاجات عن هذا الحد بلا مظاهرات وحرق. وفي مناسبات أخرى صدرت احتجاجات أخرى في فرنسا على رسوم وأفلام اعتبرت مسيئة للسيد المسيح.
إن المعلوم أن العلمانية قامت أساسا ضد تسلط رجال الدين ومؤسساتهم، وأعطت لكل من الدين والدولة مجالا مستقلا به دون مزج كما كان الأمر في القرون الوسطى من طغيان الكنيسة واستبدادها المطلق والدموي أحيانا.

جواب فرانس سوار:

لقد ردت فرانس سوار في افتتاحية بعنوان "محاكمة" في عدد 7 شباط الجاري بالتذكير بأن "الإلحاد نفسه ليس جريمة في بلد فولتير"؛ ومعروف أن حرية المعتقد والضمير تعني حرية التدين واحترام الدين ولكنها في الوقت نفسه مع حرية نقد الدين ونشر الفلسفات اللأدرية والإلحادية. وإذا كان مقام الأنبياء ساميا فإن مقام الله أكبر، ومع ذلك هناك ملحدون وفلاسفة يبشرون بالإلحاد؛ فهل يجب حجزهم ومنعهم من حرية التعبير والنشر وحرق كتبهم؟؟
تقول الصحيفة إنه خلال الأربعين سنة الماضية تحولت مسألة التأكيد على وجود الخلافات بين الأفراد وكأنها تعطي حقوقا متميزة مختلفة للمتخالفين. الصحيفة تقصد المبالغة خلال العهد الاشتراكي وبعده في التأكيد على الخصوصيات المتعددة لدرجة أدت لتهميش مبدأ المواطنة وخضوع الجميع للقانون ومبادئ الجمهورية. نعم لحرية الدين وتنوع الثقافة، وحرية التعبير والضمير. ذلكم هو من صلب الديمقراطية العلمانية. ولكن هل هذا يجيز للفرنسيين المسلمين أن تكون لهم معاملة خاصة وأن يستثنوا أنفسهم وممارساتهم من مبادئ الجمهورية العلمانية بحجة الهوية والشريعة الإسلامية؟ وكيف يجوز القبول في الدول الديمقراطية بأن تجري في أراضيها عمليات "غسل العار"، وإطلاق حرية تعدد الزوجات، وتحليل ضرب الزوجة، والمطالبة بقبول الحجاب في المدارس العامة؟ وهل احترام الخصوصية يبيح استغلال المساجد لإطلاق دعوات العنف والأصولية التي ترفض الاندماج في المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون والانكفاء في "غيتو" ينقطعون فيه عن المجتمع ويجعلهم يكرهون الآخر أو يعتبرونه عدوا، مما ينفر الآخر منهم. وإذا كان من حق الحكومات العربية والمسلمين المطالبة بالتراجع عن قرار رفض الرموز الدينية في مدارس الدولة، فهل من حق الفرنسيين وحكوماتهم مطالبة دول كإيران والسعودية وباكستان والسودان بالتراجع عن فرض الحجاب عندهم حتى على الطفلات؟ أم هو الكيل بمكيالين؟!

تقول فرانس سوار: "إن الإيمان يعود للمجال الشخصي، ولا يمكن لدين ما فرض تعاليمه ووصاياه على الجميع. وهذا هو الذي يجعلنا نعيش سوية. أما اتهام نشر الرسوم بمعاداة كل العرب والمسلمين، فإن ذلك نظرة بوليسية في التاريخ"؛ وربما تقصد محاكم التفتيش في أوروبا. وتوجه الصحيفة خطابها لشيراك بقولها: "إن تراجعنا عن مبادئنا لا يجعلنا أكثر احتراما في العالم العربي، فالضعفاء هم عادة موضع استخفاف." وبهذا الصدد يجري الاستشهاد بقول تشرشل في الموقف من هتلر قبل الحرب الدولية الثانية إذ قال: "وذا رضينا بعار التنازلات باسم منع الحرب فسوف نجلب الحرب والعار معا."

أما رئيس منظمة "معاداة العنصرية "دومينك سوبة" الأفريقي الأصل، فأدلى بتصريح للصحيفة يؤيد موقفها، وقال إنه كعدو للعنصرية تقدمي وضد الظلامية. والمؤرخ مارك نوبل يقول إنه مع نشر الرسوم بشرط أنه كان يجب أن ينشر معها إيضاح بكونها ليست ضد الني الإسلام ونبيه بل ضد من يستغلون اسميهما لتنفيذ عمليات الإرهاب. وقد أيد وجود طابع المناورة والتحريض والتوقيت المبرمج بدليل أن الضجة بدأت بعد أكثر من أربعة شهور على نشر الصحيفة الدانيماركية.

إن المحتجين الصاخبين باسم وجود حملة عداء ضد الإسلام يتناسون عن عمد أن ملايين غفيرة من المسلمين تعيش قي أوروبا وتحمل جنسيات بلدانها وتتمتع بكل حرية للدين وممارسته بلا شروط ولا قيد سوى عدم بث الكراهية باسم الدين. كما تقدم لهم جميع أنواع المساعدات السخية والخدمات المجانية، ولو كان ما يدعونه حقيقة فلماذا هاجروا ويهاجرون بموجات جديدة للغرب ولم يذهبوا لباكستان أو السعودية أو إيران أو السودان، حيث السلطة لأحكام الشريعة؟؟ وهل يريدون حقوقا بدون واجبات تسري على كل المواطنين وبلا تمييز؟؟



وجهات نظر فرنسية في الزوبعة الإسلامية الجديدة! (2/2)


الحوار المستحيل مع حملة الخناجر والأحزمة الناسفة!



قبل مواصلة الحديث تذكر بعض معلومات اليوم [ 12 منه] أن عدد مبيعات مجلة "شارلي" الساخرة وصل سبعة أضعاف وليس خمسة كما كان معروفا، أي بيع من العدد 700 ألف نسخة بدل 100 ألف التي توزعها المجلة عادة. الفضل في ذلك للزوبعة وعمليات العنف والحرق!
تقول المجلة في عددها الصادر في 16 صفحة كانت مخصصة كلها للرسوم والتعليقات:
" يقولون: "لا تجرحوا معتقدات الناس." إننا منفتحون للنقاش، ولكن من أجل الحوار، فقبل كل شئ يجب على بعض المؤمنين أن لا يجرحوا من لا يحمل نفس قناعتهم كما هي، والكف عن الرد على القلم والريشة بالخناجر والأحزمة الناسفة، [عدد 8 شباط الجاري]. وتذكّر المجلة بالفتاوى لقتل سلمان رشدي وتسليما نسرين، واغتيال المترجم الإيطالي لرواية الأول بالسكاكين والرصاص، واغتيال تيو فان كوخ، والاضطرابات الدموية في نوفمبرعام 2002 في نيجيريا بسبب مقال عن ملكة جمال العالم اعتبر تجديفا، وحيث قتل 220 شخصا وجرح 1100. "إن إيمانا كهذا لو كان يخلق جبالا، فستكون جبالا من الجثث، ولا استثناء في تطرف أي دين." وتدين المجلة طلب المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية بسن قوانين دولية لقمع "كل ما يعتبر مسا بالأديان والأنبياء"، أي يريدون أن تكون الشريعة مطبقة في كل مكان وحتى في الدول العلمانية، أي فرض أحكام الأديان على نطاق عالمي من خلال الأمم المتحدة،" وهذا يعني وضع قوائم اتهامات بأمثال سلمان رشدي ونسرين وتيو ممن يجب إعدامهم، [نضيف و فرج فودة ومحفوظ والعفيف الأخضر وغيرهم]! "وترى كم من صحيفة وكم من كتاب يجب حرقها، لكي ينطفئ بتلك الإعدامات والحرائق عطش المتطرفين الدينيين لفرض احترامهم على العالم كله!"
وقد نشرت المجلة في العدد بيانا باسم "جمعية مانيفستو الحريات"، الصادر باسم فريق من المثقفين العرب والمسلمين، وقع عليه توفيق علال. وتندد الجمعية بمطالب المؤتمر الإسلامي والجامعة، وتدعم حرية النشر والتعبير، وتؤكد أن حصون القمع والظلام لابد وأن تهدم يوما. ونشرت المجلة مادة طويلة تحت عنوان "المعجم الصغير لأسبوع كاريكاتوري" تقول في بدايتها إن رسول الإسلام شخصية تاريخية مرموقة كبقية الأنبياء ويجب تقدير دوره التاريخي. وإذا كان السنّة يحرمون رسم صورته أصلا، ومهما كانت، فإن " في بلد حقق حرية التعبير يمكن رسم صورة المسيح أو بوذا أو موسى... "، وأية شخصية دينية وسياسية مرموقة من شخصيات أمس أو حاضرا، و"إن على الدول الديمقراطية أن لا تتنازل عن المبادئ التي تأسست عليها." وتضيف المجلة أن التنازلات خوفا من الاستفزازات والأزمات والحروب عبث وخطر، وسيعتبرها الشموليون الأصوليون مشجعا لهم على إشعال أزمات لاحقة. وتواصل المجلة:
"إن الحزم الهادئ وبلا عدوانية هو وحده يمكن أن يهدئ هذا الجنون الفائر اليوم، وعندما يستطيع المتطرفون، بالابتزاز أو الإرهاب، أن ينتزعوا من الديمقراطيات تنازلات في المبادئ، فسيعني ذلك عدم دوام هذه الديمقراطيات طويلا، ولدينا مثال اتفاقيات ميونيخ." فالمسألة في قضية الرسوم ليست نقدا لها فنيا وجماليا ولكونها مجرد فن عادي، ولكنها مسألة الدفاع عن مبدأ، و عندما يخطف الإرهابيون صحفيا، فنحن لا نتوقف لنسأل هل هو صحفي عبقري أو عادي."
و تطرح المجلة توضيحا هاما للرسوم مفاده أن الرسوم لا تصور الإسلام والنبي، بل تصف رؤية الجماعات الإرهابية الإسلامية لهما. فهؤلاء يدعون أن النبي هو الذي يلهم القتلة لكي ينفذوا القتل وعمليات الإرهاب وتحت لافتة "الله أكبر." إن السعار الذي أشعله الأصوليون ليس حرصا على مقام الله ورسوله، بل احتجاجا على رسم رؤيتهم هم وتفسيرهم هم للإسلام والنبي. إن حرية التعبير مهددة دوما من جانب الذين لا يريدون فضح جهنم التي بداخلهم"، على حد ما ورد. "إن الله ونبيه عند الناس الطيبين والمتسامحين هما طيبان ومتسامحان، أما عند دعاة الكراهية والقسوة، فهما مقترنان بالحرب والقتل. إننا في بلد دولة القانون، حيث كل شئ خاضع للتشريع القانوني. إن التشهير والعنصرية وشتم الأشخاص تقرر محاكم الجمهورية أمرها. نحن مطلقو الحرية في اختيار فسحة حريتنا كما نريد، ولكننا عندئذ نعرض أنفسنا للمخاطر. لقد كانت لمجلتنا دعاوى كثيرة مع المتطرفين المسيحيين ربحناها جميعا وصارت جزءا من القواعد التشريعية التي تأخذ بها المحاكم ...

إن إيران هي التي روجت لتهمة "إسلام فوبيا" لإلصاقها بكل نقد للدين والعنصرية، وهكذا أيضا شأن المتطرفين المسيحيين. إن كل دين يحرم أو يحلل عددا لا يحصى من الأمور، ولو أراد كل دين فرض مواصفاته على بقية العالم، فسوف لا نستطيع أبدا أن نأكل أو نشرب أو ننام أو نلبس، أو نحلق الذقن، أو نرسم؛ بل لا نستطيع أن نعيش أصلا. إن محرمات الأديان لا تخص غير معتنقيها." وتذكّر المجلة بأن الضحايا الرئيسيين للتطرف الإسلامي هم مواطنو الدول المسلمة، كما حدث مثلا في الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات، وإذ سقط أكثر من 150 ألف قتيل، من كتاب وصحفيين وفنانين وفلاحين وشباب وقانونيين ـ ناهيكم عن الآلاف التي اضطرت للهجرة لفرنسا والذين يفهمون أن نقدا ما للدين ليس بالعنصرية ضد العرب والمسلمين.
"ما هي العنصرية؟ إنها أن تلصق بشعب بكامله مسؤولية تصرف فرد أو عدد من مواطنيه، وأيا كانت جنسية ذلك الشعب. فرسوم فنان واحد دانيماركي أدت على نطاق الشرق الأوسط لعملية مطاردات لجميع الدانيماركيين والنرويجيين. إن هذا الإلصاق لأمر ما قام به فرد واحد بالشعب كله هو التعبير الأكثر رواجا للعنصرية في التاريخ. إنه قرين المذابح الجماعية." وفي نظر المجلة، فإن المعتقدات تتطور ولا تجمد، وإن الصراع في حقيقته هو بين دعاة التقدم والتغيير ودعاة الجمود والتكلس على الماضي. سوف تظل الخلافات في العقائد والقناعات والآراء، "وهذا ليس خطرا بحد ذاته فيما لو وضعنا جميعا قبل أي اعتبار كون حياة الآخر مقدسة. إن هذا وحده يضمن الحفاظ على الثروة الوحيدة بلا شك التي يملكها كل منا، ألا وهي الحياة."
هذه هي الخلاصة المركزة جدا لموقف مجلة "شارلي" في تفسير وتبرير موقفها. ويقول صديق لنا إنه مادام غرض الرسام كان هكذا، فهل لم يكن عليه وضع اسم بن لادن على الصور بدل اسم النبي الكريم، وذلك بعد إدخال شئ من التعديلات عليها؟ والظاهر أن الرسام والكثيرين جدا في الغرب لم يفهموا بعد دور التطرف الديني في الحياة المعاصرة للمسلمين، وما يتوقع وقوعه من استغلال للرسوم لأغراض سياسية شتى لا علاقة حقيقية لها بالدفاع عن الدين والنبي. وللعلم فإن دستور الدانيمارك يعترف في دستوره ب12 دينا وحرية كل دين منها. ونسأل: أي بلد عربي ومسلم يعطي مثل هذه الحرية الواسعة للأديان؟!هل عندما يجري منع وجود مسجد سني أو مسجد شيعي؟؟ أو منع معتنقي الأديان الأخرى من ممارسة أبسط حقوق التدين، إن لم يكن مطاردتهم وحرق الكنائس كما يحدث في العراق وبيروت، وتدمير تماثيل بوذا في أفغانستان؟

أما صحيفة الفيغارو، فإنها نشرت في عدد 7 شباط الجاري مقالا عن الرسوم وردود فعل العرب والمسلمين للمحرر الرئيسي لصفحة السياسة الخارجية، رينه جيرارد.
المقال يسأل:
"هل نحن الذين لدينا مشكلة مع الإسلام؟ أم إن للإسلام مشكلة معنا؟ طبعا هم، المسلمون." وتؤكد الصحيفة على ما نادت به الصحيفتان السابقتان من وجوب الثبات على المبادئ وعدم التنازل بحجة تجنب المشاكل؛ كما توضح هي الأخرى أن الرسوم أرادت أن تعرض كيف يتعامل الإرهابيون مع النبي محمد، أي أنهم ينادون باسمه وينتسبون له قبل وضع القنبلة، حيث لم تكن القنابل موجودة في عهد الرسول. تقول الفيyارو:
" إن الشعب الدانيماركي الصغير والدؤوب في العمل والمتسامح شمال أوروبا، ليس ضد محمد ولا معه، ولا يعرفه ولا يرد في تاريخه؛ ولكن الدانيماركيين، وككل الشعوب الأخرى، عليهم منذ تفجيرات 11 سبتمبر التي نفذت باسم الإسلام، أن يتخذوا تدابير أمنية صارمة قبل أن يستقل أحدهم الطائرة. إن من حق أي شخص أن يستقبح هذه الرسوم.... إن المهم في شخصية محمد ليس كاريكاتور تعليماته من جانب بن لادن وشركاه، كلا، بل المهم شخصيته التاريخية، إذ جاء في القرن السابع كرجل تقدم. إنه حضّر الحياة المدنية للمجتمع في زمنه"، و"إن مشكلة الدين الإسلامي مع العالم المعاصر ليست في تعاليم زمانه، ولكن الحقيقة أنه منذ القرن الثاني عشر قد أغلق باب الاجتهاد في الإسلام. إن المسيحية الكاثوليكية لو لم يجر إصلاحها جذريا بعد مذابح البروتستانت المعروفة [ برتولومي]، لما كان أحد في الغرب يستمع لها اليوم، وعلى كل، فقد كان واجبا غلق الملف أو إلغاء الاشتراك في الجريدة الدانيماركية." وتتوقف الصحيفة لدى الاستغلال السياسي للرسوم من جانب سوريا والأحزاب الموالية لها ومن جانب إيران، وكيف اقترنت الردود بالعنف والحرق والقنابل في طهران ودمشق وبيروت والأراضي الفلسطينية، وتقول:
" خلال عقدين من الزمن برهنت الدانيمارك على سخاء لا نظير له تجاه العالم الإسلامي، كالعون للفلسطينيين، واستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين البوسنيين؛ وإذا تفهمنا دور تفشي الجهل في الردود الأفغانية، فكيف نفهم ردود مسلمي بلجيكا، الذين استغلوا الحريات السياسية في الغرب أسوأ استغلال لاغتيال حرية التعبير! إنهم لم يتظاهروا في مناسبات هامة أخرى كجرائم بن لادن، أو أفلام قطع الرؤوس، [ في العراق]. وكيف لم يفكر هؤلاء أصلا بالاحتجاج على منع السعودية لمئات الآلاف من المهاجرين المسيحيين القادمين من الفيليبين حتى من إقامة قداس؟ مهاجرون فقراء يمنعون من ممارسة أبسط حق ديني. فهل هناك معياران وانتقائية وازدواجية في إعلان الغضب؟ إن في التاريخ شعوبا أخرى تظاهرت للتعبير عن الشعور بالعار، كمظاهرات نصف مليون إسرائيلي في تل أبيب عام 1882 استنكارا لحوادث صبرا وشتيلا." وتقول الصحيفة لو أن الخمسة آلاف متظاهر في بلجيكا يخافون القيم الغربية في الحرية والعلمانية، فلم لا يذهبون للعيش في دولة نظامها إسلامي؟! ويواصل الكاتب قائلا:
"إن على الغرب الدفاع عن قيمه. ترى كيف تجرأت مارتين أوبري، [ هي وزيرة اشتراكية سابقة ورئيسة بلدية مدينة ليون ـ عزيز ـ ]، على قيام فصل عنصري نسائي ـ رجالي في المسابح العامة ؟"
وفي عدد أمس المصادف 11 شباط نشرت نفس الصحيفة مقالا ينتقد بشدة توني بلير على تراخيه تجاه مظاهرة لندن التي حملت لافتات حاقدة "دينية فاشية"، مع مشاركة صاحب الحزام الذي يشبه الأحزمة الناسفة. وهنا، وقد تبين أن الشاب المذكور كان محكوما عليه بالسجن لتعاطي المخدرات، نقول إن تعاطي وتجارة المخدرات ممارسة معروفة لدى الإرهابيين الأصوليين. فالطالبان وبن لادن كانوا يفعلون ذلك لتمويل قواعد الإرهاب والتطوع، وإيران تصدر اليوم مخدراتها للمدن الجنوبية من العراق لدواع تجارية وغير سياسية. وأكثر، ففي أعقاب عمليات الحرق والشغب بالضواحي الفرنسية في نوفمبر الماضي، جرت سلسلة حملات بوليسية لمطاردة مافيات الضواحي الباريسية. وقد كشفوا العديد من شبكات المخدرات و تببيض الأموال والدعارة. وتبين أن بعض تلك الأموال كانت تعطى لخلايا إرهابية إسلامية!!
في ختام هذا الاستعراض المختصر نعود لمقالة تركي الحمد حين يكتب عن احتجاج الفرنسيين المسلمين على قوانين العلمانية وقرار رفض الحجاب في المدارس العامة:
" أن يحتج الفرنسيون المسلمون على هذا القرار حق من حقوقهم، لا بصفتهم مسلمين، ولكن بصفتهم مواطنين فرنسيين يمارسون حق التعبير عن الرأي، وهذا حق يكفله الدستور والقانون هناك، كما هو حق لليهود والكاثوليك وغيرهم بصفتهم مواطنين فرنسيين لا بصفتهم الفئوية. ولكن في نفس الوقت لا يحق لهم الخروج على القانون، عندما يصبح القرار قانونا، بصفتهم مواطنين أيضا. فكما أن المواطنة تعطي حقوقا فهي تعني واجبات والتزامات أيضا، ولا يمكن الإخلال بذاك التوازن بين الحقوق والواجبات: لهم حق الاحتجاج، ولكن عليهم واجب الطاعة في ذات الوقت، فلا حق دون التزام ولا التزام دون حق. والمسلمون الفرنسيون حين اختاروا أن يكونوا فرنسيين، فإنهم اختاروا تلقائيا الخضوع لقانون فرنسا، حتى وإن تناقض مع قناعتهم، دينية كانت أو غير ذلك، فهم يعلمون ساعة الاختيار أن فرنسا دولة علمانية وفق الدستور الذي يحدد إطار الحركة في الدولة الفرنسية، وليست باكستان أو إيران أو السعودية مثلا." وعن احتجاجات الشارع العربي والمسلم عن القرار الفرنسي، يقول الحمد إن المشكلة "تكمن في الشارع المسلم الغارق في أوهام حشي بها دماغه، جاريا وراء كل ناعق باسم الدين أو المؤامرة أو الكيد للإسلام والمسلمين، غير مدرك أين تكمن المصلحة، ولا ما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج مثل هذه الأمور من عواقب وخيمة."
ما أشبه الليلة بالبارحة، بل إن حال الشارع العربي والمسلم هو اليوم أسوا!