| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الأثنين 12 /12/ 2005

 

 

 

حوار خفيف حول رقعة شطرنج!

 

عزيز الحاج

أجد مفيدا سرد الحوار التالي لي مع صديق عزيز أحترمه، برغم بعض الخلافات بيننا حول الوضع في العراق. اعتدت مع صديق أن نرتاد مرة كل شهر ناديا صغيرا خاصا بلعب الشطرنج. وكنت رغم عشقي لهذه اللعبة قد تركتها منذ خروجي من السجن بعد ثورة 14 تموز، لدخولي كليا ومجددا في العمل والكتابة السياسيين بعد أن انخرطت في السياسة الحزبية منذ نهاية الحرب الدولية الثانية،التقيت بالصديق في النادي، وكان قد وصل قبلي. جئنا بأدوات الشطرنج وقال خلال انشغالنا بصف القطع: كنت قبل أيام وبالصدفة في مقهى ضم عددا من المثقفين الذين أعرفهم هنا. دخلوا في النقاش السياسي بلا انتظام ولا ترتيب، حيث اختلطت الأمور وراحت المشاعر تلتهب لدى البعض. قال الأكثر انفعالا ـ "انظر لهؤلاء الكتاب العراقيين الذين باعوا أقلامهم لموقع إيلاف الذي يملكه صحفي سعودي! كيف تنتظر منهم أن لا يهاجموا الشيعة بحجة انتقاد التدخل الإيراني؟." وهنا عدد أسماء كنت أنت في مقدمتهم، مع بهارات كثيرة ومتبلات ساخنة." وضحك الصديق.
قلت: "وهل تستغرب هذا النوع من النقاش الذي هو مجرد حوار طرشان؟ أما الاتهامات بالطائفية أو بمعاداة الدين فقد صارت العملة الرائجة اليوم في أسواق الساحة العراقية، بينما خطر الإرهاب البعثي الصدامي يزداد، ولا يزال يشكل الخطر الرئيسي مع حليفه الزرقاوي. أما عن البيع والشراء، فإذا التقيت بهذا الشخص في مكان آخر مع غيره فلا بأس أن تقول له بأدب إن عليه وأمثاله أن يناموا مرتاحي البال؛ فلا أنا ولا مجموعة الكتاب العراقيين الأحرار الذين يكتبون معي في موقع إيلاف، نتقاضى دولارا واحدا عن مقالاتنا، مع أن في الغرب مؤلفين يعيشون على إنتاجهم الفكري أو الأدبي أو الصحفي، وإن من حسن حظي تطوعي للكتابة بلا طلب شيء مقابل وذلك كواجب وطني وضميريّ. أضيف لهذا، أننا كمثقفين عراقيين، حريصين على مستقبل ديمقراطي مدني لبلادنا، نشعر بالامتنان للأستاذ عثمان العمير صاحب إيلاف، وهو لبرالي منفتح محب للعراق، لكونه قد فتح صدر الموقع منذ تأسيسه للعديد من خيرة الكتاب العراقيين الأحرار ولنخبة من الكتاب العرب، ليدافعوا بكل وضوح وبإصرار عن شعبنا، سواء قبل سقوط صدام أو بعده، في نضاله ضد الفاشية والإرهاب الدموي. لكن يظهر أن خطيئتنا في نظر فريق من المثقفين العراقيين المصابين بالتطرف الديني أو العمى الطائفي أو الوهم القومجي، هي إيماننا الراسخ بالعلمانية ودعوتنا المثابرة لنظام مدني ديمقراطي، ورفضنا لكل أشكال النظام الإسلامي، ودفاعنا عن الفيدرالية الديمقراطية، وليس عن فيدراليات مذهبية إسلامية تسعى لها أطراف عراقية معروفة، وقد بدأت بعض مقدماتها كما يبدو! كذلك نرفض البنود الإسلامية في الدستور، وهذا الهجوم المستمر والشرس ضد المرأة بحجة أن هذا "ما أراده الله"، وضد حملات التمييز التي تعاني منها الأقليات الدينية. ومثلما ندين بقوة خطر إرهاب البعث الصدامي المتحالف مع الزرقاويين الظلاميين، فكذلك نشجب ممارسات أخرى تقوم بها مليشيات وتنظيمات ضد المرشحين العلمانيين والخصوم السياسيين، بينها عدد من عمليات الاغتيال، كما جرى مؤخرا لكادرين شيوعيين في مدينة الثورة، ومحاولة اغتيال الدكتور علاوي، ناهيكم عن حملات الاغتيال والمطاردة وفرض نظام حكم الشريعة بالقوة والضغوط في المناطق الجنوبية."
جرنا الحديث للفوضى المستشرية في عراق اليوم، فحدثني صاحبي عن الكاتب الأوكرايني كوركوف، مؤلف الروايات المتميزة، الذي نجد الحيوانات شخصيات رئيسية في رواياته. وفي رأي هذا الروائي، إن هناك بشرا لا يعرفون كيف يتصرفون عندما يحصلون على الحرية التامة بعد حرمان عهود وعهود، مثلهم في هذا السلوك مثل حيوانات منزلية تعطيها مطلق الحرية فتعرض نفسها للخطر. ويقول كوركوف إن اختياره للحيوانات رمزا يعود لأيام الطفولة حين كانت لديه ثلاثة حيوانات صغيرة من السحليات، ترك لها حرية تامة في الشقة وفي البلكون الذي كان من غير سياج. أحدها قتل سهوا حين فتح والده الباب، والثاني افترسه حيوان مشرد جائع جاء به كوركرف للشقة لإطعامه، وأما الثالث فإنه بعد يومين من فقدان زميله الثاني سقط ميتا من البلكون. وبالنسبة للبشر، في أوضاع وظروف معينة، فإن هناك نزعة للتدمير الذاتي، عن جهل وغرور، لدى شرائح من الساسة والناس. ومن لا يدري أن استفحال الغرور عند صدام وتشبثه بالسلطة المطلقة حتى حافة الحفرة إياها، كانا السبب الأول في ما وصل له البلد والمجتمع، وما حل بشخصه هو من ذل رغم بهلوانيات الغطرسة في المحكمة، التي ما كان ليجرؤ عليها لولا ضعف المحكمة، قاضيا وادعاء عاما، ولولا كاميرات التلفزيون!!! كذلك هو حال هذه التنظيمات الحاكمة باسم التمثيل الطائفي، إذ أن استمرار سلوكها الراهن تجاه الآخرين ونحو مشاكل الشعب، سيقود الشيعة وكل الشعب العراقي والبلاد إلى الهاوية، ولن تستفيد غير قوى البعث الصدامي والقاعديين ومن يمدونهم من الخارج بالعون الفعال، وربما، في هذه الحالة، فقد يصل العراق لمرحلة التفكيك والحروب الأهلية."
كان اللعب قد وصل مرحلة متقدمة، وصديقي يواصل الحديث، حينما حركت قطعة الفيل وصحت: "كش مات!" ذهل صاحبي بعد أن بوغت بالنقلة، ونظر للملك المسكين المحاصر، ثم انطلقنا مقهقهين.