| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عزيز الحاج

 

 

 

 

الأحد 11/2/ 2007

 

 

برامج التعليم العراقية ورجال الدين!

 

عزيز الحاج

صرح مدير عام التربية في النجف يوم 10 الجاري للصحفيين بأن الوزارة وزعت مبادئ جديدة لفلسفة التعليم ووزعتها على كافة مديريات التربية مع نسخ منها إلى "مكاتب المرجعيات" للاطلاع عليها وتقديم الأفكار والاقتراحات، وأضاف بأن التغييرات على المناهج "لن تكون بعيدة عن أفكار وتوجيهات المرجعية"، أي المرجعية الشيعية.
إن هذه أول مرة في تاريخنا الحديث يتحول فيها رجال الدين لمرجعية وضع برامج التعليم وفلسفتها.
نحن نعلم أن النظام السابق قد أفسد النظام التعليمي بتبعيثه، والاعتداء على الدرجات العلمية، وجعل الانتساب للبعث معيار التقدم الوظيفي والإرسال للبعثات. واليوم يبدو أننا مقبلون على نوع جديد من تغيير التعليم ومحتواه بوضعه تحت رحمة فتاوى وأفكار رجال الدين، بعد أن استطاع الحكام تمرير دستور تلفيقي يفتح باب العبور لقيام نظام حكم الشريعة.
لقد كان المأمول بعد سقوط صدام أن تهتدي برامج التعليم بفلسفة وروح حقوق الإنسان، والإيمان بالعلم وبحرية الفكر واستقلاله، بعيدة عن الحزبية والطائفية والعرقية. غير أن ما يلوح في الأفق مع الأسف الشديد هو خيار آخر للحكومة، التي ساهمت بإعلامها وتصرفاتها في انتشار الطائفية الذي بدأت بممارستها ولا تزال تمارسها قوى الإرهاب الصدامية، والقاعدية التكفيرية المشبعة بالطائفية والعنصرية، والترويج للعنف وسفك الدم واحتقار البشر. كما نعرف تجارب الفلوجة والحويجة وغيرهما عندما سيطر الإرهابيون وأرغموا السكان على أنماط متخلفة من السلوك وتدخلوا في صميم تفاصيل الحياة والحريات الشخصية للمواطنين.
إن الخراب الفكري والتعليمي والأخلاقي الذي أحدثه النظام المنهار كان المفترض معالجته بروح العصر وحضارته ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ودستور المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم. أما نية الشروع بمغامرة جديدة في مجال التربية، كما صرح المصدر الرسمي المذكور، فمعناه إشباع الجيل الحاضر والأجيال المقبلة بالأفكار التي ترجع العقول والنفوس للوراء قرونا!
ليس في هذا مبالغة ما، لكوننا نعرف جيدا الفتاوى الدينية بتكفير حملة الديانات الأخرى، وتحريم الموسيقى والفنون، وحجز حرية المرأة، والتضييق على حرية الفكر لصبها في قالب واحد.
إن التعليم يجب أن يكون محايدا لا منحازا لجهة دون أخرى، وأن يقر المنجزات العلمية ويثقف بها، وأن يدعو للمساواة الحقيقية بين البشر، وروح المواطنة العراقية وواجباتها، وأن لا تهتدي فلسفة التعليم بفلسفات من شأنها تقييد الفكر، وفرض إعادة مهزلة "إعادة كتابة التاريخ" التي مارسها صدام، والخطر اليوم هو تكرار التجربة باتجاه آخر ضيق ومنحاز.
هذه كلمة أولى بانتظار المناهج الجديدة لإبداء الرأي فيها بالتفصيل.
أقول أخيرا إنه إذا صحت المعلومات عن الاتجاهات المفروض إخضاع مناهج التعليم لها فسيكون ذلك كارثة كبرى جديدة قد تكون أخطر عواقب وأبعد أثرا من كوارث الإرهاب والعنف الطائفي.
إن الحكام يجب أن يتحلوا بروح المسؤولية العالية وهم في مراكزهم الخطيرة، وأن يفكروا أخيرا بمستقبل أجيالنا، وليس إخضاعها لحسابات واعتبارات شديدة الضيق وبالغة الخطر.
فهل هم فاعلون؟!!

11 فبراير 2007