| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز الحافظ
 

 

 

 

الأربعاء 9/2/ 2010

 

صريع فرحة نجاته‏

عزيز الحافظ

بتلك القامة الهيفاء والوجه الككوائي البشوش أمتطى محسن دراجته الهوائية جذلا مسرورا بعودته سالما من اعنف هجوم عسكري في تلك الحرب المجنونة وخاصة ان منطقة القتل المنتخبة كان اسمها الفاو يثير رعب العوائل وهي لا تدري ما حلّ بأبنائها العسكريين وهم يتنقلون في جبهات الموت المستعرة من موقع لآخر.. ولكن الفاو وحدها كانت تثير الرعب لكونها مقبرة بشرية لا يدخلها إلا الموتى الذين ينتظرون دورهم للمغادرة بشظية تائهة أو رصاصة قناص أو قذيفة مدفعية أو هاون أو قصف الهليكوبترات أو من شدة الفزع! فلا ينجو منها وقتها إلا المتيقن من الموت!

كان الناجون قليلين ومنهم محسن نفسه فقد كانت قصته في النجاة لا تلج عقول المستمعين للأهوال التي عاشها كمخابر يحمل جهازا بدائيا للاتصالات وقتها فهو نفسه لم يصدق النجاة لو رسم سكتها في مخيلته وهو يقلّب شريط ذكرياته التي عاصرت حروب 1967 و1973 فقد عاشها عسكريا في الأردن وسوريا ونجا ودخل حرب إيران سنوات ونجى فمقره دائما أمام القطعات القتالية أو في وسط حممها النارية ولكن الأقدار في أحيان غفلية تنسى رواد الموت اليومي ومنهم الناجي محسن الجذل بنجاته وصل داره غير مرتدي زي النجاة! وأطمأن علي صغيرته الوحيدة وكانت دموع زوجته قطرات ندى اللقاء فقرر ان يذهب ليبشّر والديه بنجاته في مدينة جغرافيا حتى سيارة الأجرة ستكون بعيدة عن سرعة إيصاله لهم لشغف في نفسه ان دراجته الهوائية المتربة المفقودة هواء الإطارات ستحمله مع صغيرته على بساط الريح لوالديه لتقّر أعينهم بنجاته ويفرحون بمقدمه مع حفيدتهم من ابنهم البكر .

ودع زوجته وحمل صغيرته أمامه على الدراجة الهندية التي كان يعشق التنزه بها وقت الإجازات وصل الشارع العام ذو الاتجاهين ترجل عند الجزرة الوسطية ليعبر للاتجاه الآخر وصغيرته على الدراجة يتطلع حذرا من سرعة السيارات القادمة فالبلد بحالة حرب والناس فاقدة أعصابها وأحبابها وألبابها.. تتوجس خيفة من كل شيء.. ومناظر الالات الحدباء ..التوابيت شائعة السطوع في كل شارع وحارة تسرق حسرات وشهقات النساء النواظر فإذا بسيارة مسرعة بجنون تشق عباب الحذر المحسني فتصدمه بسرعة البرق ليكون وبسرعة رد فعل برق القدر المنتظر دراميةالمشهد، درعا يقي بجسده حياة صغيرته فأنقذها عندما أمال مقود الدراجة نحو ترمومتر الجزرة الوسطية لتسقط طفلته عليها بأمان عدا الفزع الطفولي الصراخي ولكنه كان للحظات يجد جسده الجذل بنجاته من عزرائيل الفاو يطير من قوة صدمة السيارة ويرتطم رأسه بإسفلت الشارع لا يستطيع حتى يهمس همسا أو تلويحا بوداع صغيرته للأبد فقد صار الآن صريع فرحة نجاته ليصل خبر وفاته لوالديه ليس من شهداء الفاو كما يسمونهم بل من بغداد متوفيا أثناء الخدمة جذلا لم يتم جذله بأنه من الفاو نجى ولكنه من موت رخيص رصيفي لم ينجو!!

هل يصدق أنه ارتمى تحت عجلات المنون الذي كان ملاصقا له كملابسه في الفاو والزرقاء وجبل قاسيون ..ليعانقه في رصيف جزرة وسطية ببغداد ؟ رحل القدر بسحنة الجَذِلْ بنجاته محسن ،وبسمته وترك اليتم المبكر لصغيرة كان مشهد نجاتها الغريب و الرحيل الدراماتيكي لوالدها يلاحقها برحلة العمر كله يعانق شغاف شبكيتها.

 

free web counter