| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز الحافظ
 

 

 

 

الأحد 28/11/ 2010

 

ثلاجة الموتى

عزيز الحافظ

تهالك إلى فراش أرض غرفته الرّث... مرهقا متثاقلا بعد نهار عمل عضلي شاق ومضن.. يدفع عربة خشبية في السوق المحلي لمدينته مقلاّ كل الحمولات المتوسطة والمتبخترة.... فهي مصدر رزقه الوحيد... لم يكترث لإقتراب طفليه... بل لم تجد لهم ، شفتاه الا ببسمة غامضة فهم لا يفقهوون ضنك عيشه...

جال مرارا ومرارا بنظره في ديكور غرفته مهموما متعوسا.... فقد كانت ترتدي كل ملابس البؤس والشقاء!
الستارة البالية.. والشباك العاري من الزجاج والمغلّف بنايلون تجليد الكتب المدرسية... والوسائد المتهرئة... وفراش الأرضية والأغطية الفاقدة الألوان وسمة التعريف,,,, شكرا لله.. وصبرا!

غدا سيتغير كل شيء في حياته... غدا سيتوجه للجنة الطبية لفحص بداية التعيين... حاملا بنشوة المنتصر... شهادة البكالوريوس في الفيزياء والمدسوسة بين احشاء فراش النوم البالي فقد كان ممنوعا من التعيين لاسباب أمنية وكأن التعيين منصات إطلاق صواريخ عابرة للقارات! هددت الأمن القومي لوطنه...

والسبب جريرة... ارتكبها أب لم يره وأم ماتت كمدا وحزنا عليه بعده ، والجريرة في النظام الفاشي قد تكون حتى بحجة عدم إحترام النشيد الوطني!

عاش يتيما مع أخواله تلاحقه تهمة الاب في كل طلب معلومات... مع انه لم يأبه لجثة ابيه التي لم يعلم اي تراب في الوطن يحتضنها بشوق وحنان... فحاضره أقسى من التبحر في مواقع جثث الاحبة الموتى...

أندس في فراشه الذي كان يحمل كل سمات طيات شوارع مدينته وهو يجوبها سنوات بعربته حتى حفظ التلافيف والمنعرجات ومنخفضاتها .. كما برع في دراسته الفيزياوية... الاكاديمية..
نهض كعادته لصلاة الفجر بميقاتها... لم يتحمس لفطور كل يوم... فهو يترك لقمته لأطفاله تناور بها أمهم بين وجبات الطعام النزر...

تحسس ملفّ معاملته وملحقاتها وقرر أن يبّكر بالذهاب للجنة الطبية... وصل المكان فبقربه يرتكن كراج عرباتهم الشامخ! أندس في الجموع محاورا من جاوره... بحبور..

مرّ زمن الانتظار بتثاقل قاس... حصل ما لم يكن في الحسبان؟
عصف ونار... أشلاء تتشظى من لحم البشر... احتراق وسيول دم جارف صبغت الجدران والشارع والعربات والسيارات بكل ما يذهل المرضعات جعلهم كعصف مأكول... لم يتحسس جسده وما ألّم به.... ولكن نشوته كانت تحلق بعيدا عن جسده رويدا رويدا...

كان في الرمق الاخير، تعرّف بنصف عين ووعي على زميل مهنة له مع أخر يرفعانه من الأرض الى عربة خشبية... تسير به مسرعة في مطبات يعرف خباياها وتلافيفها جيدا... تذ ّكره بوعورة فراش نومه... ورأسه يتوسد حافة العربة متدليا كغصن قطيع بعد قطاف... يتموج مع المطبات.. جسده متكور.. سمع هسيسا منهم (الى الثلاجة) أنتابه سرور عظيم !!ثلاجة ؟! تذكر ان أول أمانيه بمحاربة فقر غرفته.. شراء ثلاجة يزيّن بها وحشة فناء الغرفة الجرداء قبل حلول الصيف!! يا لسرعة التحقق!!

فلم يكن يعلم إنهم ينقلوه لثلاجة الموتى!!!
 




 

free web counter