| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز الحافظ
 

 

 

 

                                                                                    السبت 14/5/ 2010

 

عندما يكون قلبك الجَذِلْ ممرا لقدوم الأيتام

عزيز الحافظ  

اقتربت السنة الدراسية من النهاية في أغلب مدن العراق دون أن اعرف مآلها في إقليم كردستان.. هناك عفو من امتحانات آخر السنة للمتميزين من الطلاب لنبوغهم او اجتهادهم طيلة سنة الدراسة.. شاءت الأقدار أن توجه لي دعوة من متوسطة عراقية لا يهم في الفلوجة او في ناحية المعتصم او بغداد خلف السدة.. والسبب ان لي ابنا متفوقا معفوا من الامتحانات ولتخوف ابني من عدم حضوري خوف سحب شارة الكابتنية منه!! قررت الذهاب!

وجدته احتفالا ليس فقط لتكريم المتميزين بل لتكريم الأيتام من الطلاب وهي مبادرة قتلت في نفسي فرحة بسيطة تداعب قلب أب بسروره لتفوق ابنه.. وعرفت ان احد النواب العراقيين هو راعي الحفل لا داعي لذكر اسمه الكريم ولكن مبادرته الطيبة بأن يتصدر تكريم الأيتام بداية الحفل قبل سرور الآباء والأمهات اللواتي سكبت بعضهن دمعا ممزوجا بعين فرح لفلذات أكبادهن وعين حزن للطلاب الأيتام. مع إنه لم يحضر واعتذر ممثليه عن ذاك ولكن تقبيلهم للأيتام واحد تلو الآخر عند توزيع الهدايا هو كان الذي يريق دم المتظاهر بالتفاخر بتفوق ابنه!

شاءت الأقدار ان يكون ممر الطلبة الأيتام الذين ينتظرون دورهم لتسلم هدية التكريم قرب محل جلوسي.. لأرى تلك الوجوه التي غاب عنها لأسباب معروفة عين الدفء الدافق الأبوي، جذلة / مبتهجة/ مسرورة/ جعلت دمعي العصي أحيانا تيارا من انهمار مكتوب ومكتوب عليه من سيرعاهم؟ من سيهتم بهم؟ كنت انظر لملابسهم وانظر عفوا لأحذيتهم وهي تدوس بطريقها للمنصة على قلبي! وانا بين تعاسة الموقف والفرح بوجوههم البشوشة التي تفقه ما ترى ولا تفقه ما يدور في أذهان المبتهجين بتفوق أولادهم!

وحصل معي الأغرب ففي ذاك الخضم الصاخب والموسيقى والكلمات والنداء على أسمائهم لم أكن اعرف موقع ابني في اي طرف من تلابيب التشتت في ذاتي التي هزمتها رؤية هؤلاء الطلبة الأيتام وإذا بغرابة تحصل! اسمع اسماء الايتام تباعا ثم ارى السحنة اليتيمة التي تسحق ثبات ذاتي تتوجه للمنصة! فانا أجاورها جغرافيا وقلبيا...لأرى ابني يتقدم للمنصة! وأبوه حي يرزق و حاضر..! عرفت ان المدرسين أرسلوه لاستلام هدية يتيم لم يحضر! زاد حنقي على فرح النفس اذ كيف تنجمع في ذواتنا تلك كروموسومات الفرح والحزن بجلسة واحدة يتفوق فيها كروموسوم الحزن مليون مرة على نظيره الفرح!!

تمنيت ان تكون كل مدارس العراق تقوم بذكر الأيتام وتعطيهم أعظم درجات الاهتمام النفسي والبناء الأخلاقي والرعاية وتحنو عليهم بحنان وتغدق عليهم محبة إستثنائية وتجعلهم هدفها الاحتضاني مع انه ضرب من خيال التمني... نادى المنادي على اسم ابني.. كان من الأوائل ذهب لاستلام جائزته... كنت أسيرا في قفص حزن لم يعيه بطفولته البريئة ...

تظاهرت نعم تظاهرت بالسرور أمامه وقبلّته وأجلسته على كرسي خلفي ولكن وجدت بفطرتي الحزائنية كظما كتوما للغيظ فيه! أفقنا نحن الآباء أوسع في كل الحياة بحكم التجارب وخبرتها إذن لم ولدي شبه حانق؟ سألته؟ قال إنا الأول فعليا يا أبي ولكن الأول عمليا خاله السيد المعاون!! ودرجاته في نصف السنة حتى فيها 70% غيروّها للأعلى دون علم المدير! ثم قاموا بتنزيل درجة الرياضة والفنية لولدي مع إنها دروس تكميلية كل هذا ليكون القريب هو الأول!! ولاني اعرف ان ابني ليس رياضيا فقط بل ومتابع كبير لكل دوريات الكون بحذاقة لا تناسب سنه اليافع.. وكان لاعبا في منتخب مركز شباب منطقته فئة الناشئين أفلا يستحق 100% بالرياضة؟ طمأنته... فالاطفال لا يكذبون... أمامك البكالوريا لا تدليس فيها ثم نبهته... ألا تشعر بالسعادة انك زرت المنصة مرتين دون كل الطلاب!!استلمت هدية صديقك اليتيم واستلمت هدية تفوقك والصور والكاميرات والإشراف التربوي شواهد وتركت لأبوك حزن مرور نسمات الطلاب الأيتام من قربه لتسحق ثباته وتجعل دمعه الكتوم يتقافز دون ان تعي!

 

free web counter