| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk
http:// adelhaba.hotmail.com

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 8/11/ 2011

 


الاقتصاد الريعي ومعضلة الديمقراطية

د. أحمد علوي
تعريب عادل حبه


الدكتور أحمد علوي

إن إرساء الديمقراطية والقبول بمبادىء حقوق الإنسان يستلزم النمو الاقتصادي وزيادة الدخل الوطني، أو دخل الفرد وتحسن مستوى التربية والتعليم. (Barro1996,1999. Lipset 1959,1960. Huntigton 1991) .  ولكن معطيات التجربة تشير إلى أن الدول المصدرة للنفط، وخاصة دول الخليج التي يعتبر اقتصادها اقتصاداً ريعياً، لم يؤدي النمو الاقتصادي فيها إلى الديمقراطية.  ولذا يصبح من الضروري طرح السؤال التالي: لماذا تؤدي الزيادة في الدخل القومي أو دخل الفرد في المجتمعات المتطورة إلى تعميق الديمقراطية في حين لا يؤدي ذلك في مجتمعات الاقتصاد الريعي؟. يحتاج تحليل هذا السؤال وتحليل الرابطة بين مكونات الاقتصاد الريعي وانتاج السلطة في أي مجتمع، إلى حيازة نموذج تحليلي. إن النماذج التحليلية رغم أنها لا تمثل الواقع، ولا يمكنها أن تعكسه كلياً، إلاّ أنها تستطيع أن تجعل الجوانب المعقدة للروابط الاقتصادية والاجتماعية أكثر قابلة للفهم.  فلا يمكن فهم تشكل الأنظمة السياسية الريعية في الشرق الأوسط ، التي تشكل جزءاً من النظام الاقتصادي العالمي، إلاّ في إطار النظام الاقتصادي العالمي. ويستند اقتصاد اليوم، الذي يعتمد على الانتاج المؤتمت والممكنن، إلى الطاقة. ولذا يعتبر الحصول على الطاقة أحد الشروط المهمة  من أجل النمو والتطور الاقتصادي. وتؤكد المتغيرات العالمية على ذلك. فكلما واجهت الدول المتقدمة مشاكل في تأمين الطاقة، فيطال الخلل عملية التطور الاقتصادي. وحسب البحوث التي أجراها بررسي كلار ( 2005 Klare)، تعد المنافسة في الحصول على الطاقة مكوناً مهماً في المعادلات السياسية في عالم اليوم. ويحتل الحصول على الطاقة المرتبة الأولى في التطور الاقتصادي. ويحتل الطلب على الطاقة الآن المقام الأول في التاريخ من حيث كثافته. وهذا ما يوضح أن تركيب سوق الطاقة والنفط يعاني من احتكار ناقص(Oligopoly  (  ويعاني في مجال العرض.  ولكن في نفس الوقت فلابد من الإشارة إلى أن انعدام التوازن في سوق الطاقة والنفط سيزداد في المستقبل.  لأنه بالارتباط مع الزيادة في الطلب على الطاقة فإن ما هو معروض سوف لا يزداد بشكل ملحوظ ( ( Klare 2005. ويشير هذا الكاتب إلى أن استهلاك الطاقة سيتضاعف حتى عام 2025. ولا يوجد أية دلائل على أن الزيادة في العرض ستزداد مع الطلب بنفس النسبة. وتؤكد أحدث الإحصائيات المنشورة من قبل الأوپك على ذلك. إن مصدر 60% من استهلاك الطاقة في عالم اليوم يأتي من المتحجرات والهيدروكاربونات النفطية، على الرغم من أن الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية قد يؤدي إلى التقليل من الاستفادة من الطاقة الهيدروكاربونية في المناطق المتطورة من العالم. وإضافة إلى ذلك فإن الاستفادة من هذا المصدر للطاقة سيتسع في بلدان أخرى كالصين والهند وفي عدد آخر من البلدان. ولكن إذا ما تحقق هذا التنبؤ حول مستقبل سوق الطاقة، إلاّ أنه بالتأكيد سوف لا يؤدي إلى تراجع الأهمية السياسية للنفط ( Petro- politics ( في المستقبل. ونعني بالسياسة النفطية هو استخدام النفط في المعادلات الاقتصادية والسياسية في المسرح الدولي (Pemberton, 2004:1 ). وتؤدي الاستفادة من النفط في ميدان الاقتصاد والسياسة الدولية إلى نتائج مهمة على الصعيد الداخلي للدول المنتجة للنفط. واستناداً إلى الأبحاث التجريبية التي أجراها (Ross ,2001)، تتناسب العلاقة بين العملية الديمقراطية عكسياً مع ازدياد صادرات النفط، أي أنه كلما ازدادت المداخيل النفطية للدول المنتجة للنفط ، تصاب العملية الديمقراطية بالخلل وتتراجع الحريات السياسية. وهذا على عكس ما يجري في البلدان المتطورة. فاستناداً إلى الأبحاث المختلفة، فإن حال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية في البلدان المتطورة تتناسب طردياً مع زيادة الناتج الإجمالي الداخلي ومع دخل الفرد (Huntington 1991). وعلى خلاف ما يجري في الدول المتطورة، فلا تؤدي الزيادة في مداخيل الدولة  أو الدخل الوطني في الدول التابعة والريعية إلى التطور السياسي. وتأييداً لهذه الفكرة أشار كولير وهويبلرت (1998:571 Collier & Hoefflert) في بحثهما النوعي إلى العلاقة السلبية بين زيادة حصة المداخيل النفطية واحتمال الحروب الداخلية.  ويشير لام ووانتجكون (1998 Lam, &Wantchekon) في بحوثهما إلى أن زيادة حصة المنابع الطبيعية مثل النفط في صادرات الدول تؤشر إلى التقليل من احتمالات الديمقراطية في هذه البلدان. وتأييداً لهذه الفكرة يعتقد فريدمن (Friedman, 2006) إن أول قانون في التركيبة السياسية القائمة على صادرات النفط هو أن العملية الديمقراطية والحرية هي في تعارض مع زيادة الصادرات النفطية. إن أهمية وجهة نظر فريدمان تتحدد في نظرية أزمة المشاركة السياسية (political contribution) والعجز الإداري (Managerial inefficiency) وفقدان الشرعية السياسية في الحكومات في الدول الريعية. إذن فإن المداخيل النفطية التي يمكن أن تشكل وسيلة لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، تلعب هي نفسها دوراً في فقدان الشرعية وتفاقم أزمتها.

مفهوم الريع والدولة الريعية

أشتُق مفهوم الدولة الريعية من أرضية الحياة الفردية. ففي هذا الإطار يقوم الفرد بتأمين مداخله عن طريق تأجير الرأسمال، ويسمى بقابض الريع (Rentier). إن مفهوم الدولة الريعية هو حصيلة مقارنة بين الاقتصاد والمجتمع مع الفرد القابض للريع، ويطلق اصطلاحاً على الدولة أو المجتمع الذي يعيش في تبعية للمداخيل الناتجة من صادرات المصادر الطبيعية مثل النفط ، والتي تلعب دوراً بارزاً في كل مداخيل الدولة (Ross 2001). ويعتبر مهدوي (Mahdavy, 1970) أن مفهوم الدولة الريعية هي الدولة التي ترتبط ميزانيتها بتقديم القروض النقدية إلى الدول الأجنبية والأفراد. ويعتقد، بالتطابق مع مفهوم الدولة النفطية، بأن الدولة تؤمن ميزانيتها بالاستناد إلى تصدير النفط، وهو ما يشمل تعريف الدولة الريعية. ويعتبر آندرسون أن مفهوم "الريع" له أهمية كبيرة في مفهوم السلطوية  (Authoritarianism) في الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (Anderson, 1987). ويذكر بعض المحللين خصائص أخرى غير الاستفادة من المداخيل الناشئة من بيع المواد الطبيعية للدول الريعية. فعلى سبيل المثال يعتقد ببلاوي و لوچیاني (Beblawi&Luciani1987)  أنه في الدولة الريعية يعمل  الجزء الأساسي من المؤسسات وقوة العمل في التوزيع والاستهلاك، وتستطيع الدولة عن طريق التمركز والاحتكار أن تجعل مجموعة صغيرة مرتبطة بها تعمل في ميدان الاقتصاد والسياسة. أضف إلى ذلك فإن مفهوم الدولة لدى العديد من الباحثين (Ross, 2001 و Douglas, 1996) غير متشابه. فعلى سبيل المثال يعتقد مهدوي إن مفهوم الدولة أوسع من مفهوم الحكومة، ويشمل كل المجتمع، في حين أن تعريف ببلاوي و لوچیانی أكثرمحدودية ويشمل مؤسسات السلطة والحكومة.  إن مفهوم الدولة لدى مهدوي(Mahdavy, 1970 ) هو مؤسسة السلطة والحكومة لأن هذه المؤسسة تلعب دوراً شاملاً في الدول الريعية.

ويمكن تحديد المزايا الناشئة من الاقتصاد الريعي للمجاميع القابضة للريع في ثلاث :

1-  المزايا الاقتصادية: وهي المزايا الاقتصادية الناتجة من الحصول على الأرباح عن طريق تقديم تسهيلات لإجازات الاستيراد والتصدير، والاتفاقيات الخاصة التي يتمتع بها حماة السلطة ومريديها.

2-  المزايا السياسية: وهي المتعلقة بتوزيع المناصب السياسية ومواقع العمل ليس على أساس الكفاءة في العمل، بل على أساس الولاء للسلطة والحاكم.

3-  المزايا المعلوماتية: وهي مزية الحصول على المعلومات الاقتصادية أو السياسية القيّمة، والاستفادة منها لأغراض شخصية أو لمجموعة أو لحزب معين.

 من شأن التمتع بهذه المزايا أن يؤدي إلى زيادة كلفة التوظيفات الرأسمالية والتعاملات والنشاطات الاقتصادية، إضافة إلى تقليل إمكانية التنبؤات الاقتصادية، وتلحق ضرراً بسياسات التشجيع والحماية الاقتصادية وتمنع التنمية المستدامة. ويضاف إلى هذه المزايا بالنسبة لمجاميع معينة، فإنها تؤدي إلى إضعاف ثقة الرأي العام بقدرة الدولة وإرادتها السياسية وتراجع تعويل الرأي العام على الحكم وقبول المجتمع به.  كما تتراجع مزية الاعتماد على الريع الذي تحصل عليه الدولة، وتتقوى بنية احتكار السلطة. ويشير روس  (Ross 2001) على الأقل إلى ثلاث آليات من شأنها أن تقع الدولة الريعية في داء السلطوية، وهي آلية التبعية الريعية (The rentier effect) وآلية فرض القمع (Repression effect) وآلية التحديث (Modernization effect). إذن فهذه الأضلاع الثلاثة تعني التبعية للمداخيل غير الضريبية وغير المنتجة، وإن التحديث وتمركز المداخيل بيد الدولة لا يؤدي بالطبع إلا إلى حرمان مشاركة الرأي العام وتمركز السلطة بيد حفنة من المتنفذين.

وتشتمل التبعية الريعية على ثلاثة آثار: الأثر الضريبي  و أثر الانفاق وأثر تشكل القوى الاجتماعية.

الأثر الضريبي (Taxation effect)

 بما أن القسم الأعظم من مداخيل الدولة تأتي عن طريق الصادرات النفطية أو المواد الخام، فإن جمع الضرائب لا يصبح في صدر أجندة الدولة. ولهذا فإن حصة موارد الدولة من الضرائب من مجموع موارد الدولة الريعية محدودة جداً، لأن جمع الموارد من الضرائب مقارنة مع التحصيل الرخيص للصادرات من بيع النفط هو أكثر كلفة ولهذا لا تقوم الدولة بجمع مثل هذه الموارد. ونتيجة لذلك يصبح ضغط الضرائب على المواطنين قليل جداَ أو معدوم  كلياً. واستناداً إلى ذلك تصبح مساءلة الشعب للدولة محدودة أو  معدومة  أيضاً. ولكن الموارد السهلة الناتجة عن صادرات النفط لا تعني أنها خالية من المشاكل. إن الموارد الناتجة عن توظيف الرساميل والدخول في السوق العالمي من شأنها أن تؤدي إلى التوظيف على القوى الإنسانية وتنظيم القوى المتخصصة وانتاج العلم. في حين تفتقد فيه المداخيل النفطية إلى هذه التأثيرات، حيث أن القدرة الشرائية الضخمة والتراكم لدى الدولة تفتقد إلى القدرة على انفاق مثل هذه الموارد. ويضاف إلى ذلك أن المجتمع محدود من حيث القوى المتخصصة وتنظيم قوى العمل، ويتعرض إلى هزات مفاجئة عندما يتم ضخ كميات كبيرة من النقد. وتدل البحوث حول الأثر الضريبي على أن تراجع الضرائب يؤدي إلى التقليل من ضغط المواطنين في الرقابة على السلطات التنفيذية (Bates &Lien, 1985; Crystal, 1990).

أثر الانفاق

 يوفر الحصول على المداخيل النفطية للدولة الإمكانية على قدر من التجديد من أجل جلب رضا الرأي العام ولو كان ذلك شكلياً. إذ أن توجيه خزينة الدولة نحو الانفاق الجاري أو حتى الانفاق على التوظيفات قصيرة الأمد، لا توفر الامكانية للانفاق على البنى التحتية. لأن الدولة في العادة تميل إلى توظيف الرساميل في مجالات تعود بالربح السريع، وتهتم بالأثر الاستعراضي لذلك على المواطنين وكسب رضاهم. فهي لا تولي الاهتمام  بالبنى التحتية وتأمين قوى العمل الماهرة والقطاع الخاص الناضج والمؤسسات المنظمة للمتخصصين، بقدر ما تولي الاهتمام بالدرجة الأولى للانفاق على مشاريع قصيرة الأمد ومشاريع استعراضية جراء حصولهم على المداخيل النفطية السهلة المنال. ويضاف إلى ذلك فإن الدولة تستطيع عن طريق زيادة الانفاق الجاري من أجل أيجاد فرص عمل كاذبة والتستر على البطالة الواسعة. كما تعمد الدولة على توسع الجهاز الإداري من أجل أن يحصل الموالين للحكم على عمل لهم والحصول على مورد ثابت لهم من أجل تأمين جزء من مقومات حياتهم. ولكن ذلك يؤدي في نفس الوقت إلى ضعف أداء جهاز الدولة. وإن ضعف أداء الجهاز الإداري مع عدم استجابة الدولة لمتطلبات المرحلة وفقدان حرية الصحافة والشفافية يمهد في غالب الأحيان إلى انتشار الفساد الإداري. وتهدف الحكومة من دعم السلع الاستهلاكية إلى تفادي استياء الرأي العام. ولكن تدخل الدولة في سوق السلع أو الخدمات بدعوى القضاء على سوء استفادة القطاع الخاص قد يؤدي بشكل مؤقت إلى آثار إيجابية، ولكنه في الأمد البعيد يمهد الأرضية للفساد الإداري عن طريق تشجيع موظفي الدولة بالحصول على حصة أكبر من الريع الاحتكاري.

تكون المجاميع (Group formation)

 يستطيع الحكم وبالاستفادة من مداخيل النفط، من خلال الاستفادة من التجديد الشكلي وتقديم الامتيازات والتسهيلات المالية والامتيازات، أن يقف حائلاً أمام التنظيمات المستقلة عن الحكم، أو التنظيمات المخالفة.  وفي نفس الوقت تنظم أنصارها في اطار جهاز الدولة أو تشكيل مجاميع شبه مستقلة تأتمر بأمرها. وتشير البحوث المختلفة أن تشكيل المجاميع في الدول الريعية  يعتبر مانعاً أمام تكون المجتمع المدني المستقل عن الحكم وكذلك الرأسمال الاجتماعي (More 1966 Putnam, 1993). وعلى أساس سياسة "الشكليات" في الدولة الريعية، فإن كل فروع المجتمع المدني مثل الأحزاب والمؤسسات المدنية  وغير الحكومية هي منظمات شكلية ليس لها القدرة على المساءلة والشفافية في العلاقات الاجتماعية، والقيام بالرقابة على مؤسسات الحكم. إن توزيع الريع بين المواطنين يهدف إلى تشكيل "مجاميع منغمرة في الاجراءات الثورية للحكومة" من أجل الحصول على دعمها وعدم انجرارها إلى مواقع معارضة (Shambayati, 1994). وقد تم دراسة مثل هذه الرابطة في بحوث متنوعة تحت عنوان علاقات الزبائن الارستقراطيين (Patrician Client Relationships) والشراكة (Corporation)، والتي يمكن ملاحظتها في أغلبية الدول المصدرة للنفط. فعلاقات الزبائن الارستقراطيين  تؤدي إلى توزيع المداخيل والسلطة في مثل هذه الدول لصالح المجاميع الداعمة للحكم وبشكل غير متساو. ولكون علاقات الزبائن الارستقراطيين والشراكة أشبه بشبكة تطغي على المؤسسات الرسمية، فإن نشاطها ينحرف عن المسار القانوني والرسمي ويُزرع الفساد في إدارات الدولة. ولذا يتراجع سعي المواطنين  صوب النشاط الإقتصادي الموجه نحو التنمية الاقتصادية، وتتراجع بالطبع توليد المنتجات الوطنية. ولذا يعمد الحكم إلى استيراد البضائع من الخارج لسد النقص الحاصل في الانتاج المحلي، وهو ما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الاستيراد. وهذا ما يوضح ظاهرة الميزان السلبي في التجارة الخارجية في غالبية الدول المنتجة للنفط. أن تشكيل المجاميع غالباً ما يظهر على شكل "لوبي" في شبكة السلطة، وإذا ما وجد "لوبي" آخر أو أكثر فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انقسام داخل الحكم. إن الصراعات بين الأجنحة المختلفة في داخل الأنظمة في الشرق الأوسط ناتجة عن تنامي السلطة عند أكثر من هذه المجاميع، الذي يؤدي إلى تراجع الشفافية في شبكة السلطة، مما قد يؤدي إلى أزمة في الحكم. ويمهد استقرار لوبي مراكز القوى في السلطة السياسية إلى توفير امتيازات اقتصادية توزع بين اعضاء اللوبي بعيداً عن أية رقابة. وفي إطار هذه العملية تتحول مجاميع اللوبي الريعي تدريجياً إلى شبكة اقتصادية تحتكر لنفسها كل نشاطات المجتمع. وتركز المجاميع الريعية على سوق العملات والبضائع المستوردة والمناقصات والمزادات الحكومية باعتبارها الميادين المفضلة لقابضي الريع.

آلية إعمال النفوذ Repression Effect

تستطيع الدولة الريعية أن تسيطر على كل الحركات الاجتماعية وشلها واعمال سلطتها على هذه الحركات أو القضاء عليها بالاستفادة من الأجهزة المختلفة الإدارية والأمنية والعسكرية (Clark, 1997). وفي هذا الإطار يتم الإستفادة من أجهزة الإعلام والإعلان وتوسيع الجهاز الإداري كواحدة من الاجراءات لتحقيق ذلك. ولذا يحتل الانفاق على الأجهزة الأمنية والعسكرية والإعلامية حيزاً كبيراً في الميزانية العامة للدولة الريعية. بالطبع إن السعي لفرض سلطة الحكام الريعيين لا يمر بدون تحديات. والسبب يعود إلى أنه لو أدت آلية تكون المجاميع إلى التمييز بين المواطنين، وإلى تكون فجوة اجتماعية، فإن آلية إعمال النفوذ سوف يلحق بها الخلل والفشل. ومن ناحية أخرى فإن السلطوية لا تتماشى مع آلية الحداثة. فآلية الحداثة، حتى في مفهومها المحدود، تستلزم الحد من فرض التسلط والتقليل من الرقابة على أجهزة الإعلام وعلى حرية الاجتماعات. كما تتطلب آلية فرض التسلط إلى زيادة النفقات الأمنية التي تشكل على الأغلب حصة كبيرة في الميزانية العامة للدولة الريعية، مما تضطر الحكومة إلى تحديد النفقات الجارية المخصصة للتنمية.

آلية التحديث Modernization Effect

إن الشرط الأساسي لاستقرار الديمقراطية عن طريق التحديث هو أن يؤدي التحديث إلى الارتفاع بمستوى التعليم كي يحصل المجتمع على معرفة متنوعة في جميع المهن (1997Inglehart). فالتحديث بحد ذاته لا يؤسس للديمقراطية. ويستلزم التوصل إلى المستوى المرتفع للتعليم في عالم اليوم التعرف على الوضع الدولي، وفي نهاية المطاف سيؤدي إلى الارتفاع بالمطالب السياسية والاجتماعية. إن التخصص المهني للأفراد من شأنه أن يمكنهم من الاستفادة من سلاح  تخصصهم للنفوذ إلى شبكة الحكم. وبذلك تتشكل مجاميع متخصصة خارج إطار السلطة. وتستطيع الدولة لريعية بفعل إمكانياتها أن تعرقل الارتفاع بمستوى العلم  والوعي الاجتماعي والنهوض بالمجاميع المتخصصة، بالاقتران مع التحديث الشكلي الذي تجريه. فالتحديث الشكلي دون الغور في أعماق التحديث الأصلي هو تحديث فاشل لا يشبه التحديث في الدول المتقدمة.

ويمكن التعرف على الآليات الثلاث المشار إليها أعلاه وعلى العلاقات السببية بكل مكونات المجتمع والدولة الريعية من خلال الجدول الآتي:

عملية إعادة توليد السلطة في الاقتصاد الريعي – النفطي

وحسب الجدول الآنف الذكر، فإن الدخل الريعي يولد ثلاث آليات تؤدي حصيلة تفاعلها إلى ضعف الأسس الانتاجية في المجتمع وإلى التبعية للخارج في قطاع الخدمات والانتاج، وإلى تضخم جهاز الدولة وإنعدام مساءلة الحكومة وانعدام التعددية السياسية  والتبعية الاقتصادية للخارج وتعثر القطاع الخاص والمجتمع المدني وزيادة ظاهرة الولاء والفساد الاداري. وتؤسس كل هذه الظواهر لتمركز السلطة والسلطوية. إن أزمة الشرعية السياسية وضعف الإدارة وأزمة المشاركة السياسية، التي تشكل حصيلة حتمية للسلطوية، تحتاج إلى زيادة المداخيل الريعية وقابضي الريع. ولا تتوقف هذه الدورة (Cycle)، بل تتوسع ما دامت باقية محاورها الحياتية. بالطبع ينبغي أن لا نعتبر أن الآليات المشار إليها أعلاه وأجزائها تعمل بشكل مستقل. لأن كل أجزاء النظام المشار إليه أعلاه تعمل في تفاعل وتداخل، وتعمل أجزائه بفاعلية في ظروف معينة من التطور الاقتصادي – الاجتماعي. فعلى سبيل المثال فإن أجزاء الآلية الريعية مثل أثر الإنفاق أو أثر تشكيل المجاميع تتمتع بروابط متبادلة مع آلية فرض السلطة أو آلية التحديث. وعلاوة على ذلك لا يمكن الفصل بين الولاءات والفساد وبين الفساد الإداري.
 

المؤشرات الاقتصادية


من أجل التأكيد على الاستنتاجات الواردة آنفاً في هذه المقالة، والتوجه نحو تعميمها، ومن أجل عدم التقيد بنموذج بلد واحد، فلابد من الاستعانة بأحدث الإحصائيات  لعدد من الدول المنتجة للنفط. إن الجدول التالي هو عبارة عن مقارنة تستند إلى المؤشرات الإحصائية لمؤسسة الأبحاث "بيت الحرية"(
Freedom House) التي نشرت في عام 2005. وطبقاً لنظام تحديد البيانات والتصنيف، وضع مؤشر الديمقراطية بين درجة 1 كأعلى مستوى للديمقراطية وبين درجة 10 كأدنى مستوى لها. ويمكن أن نلاحظ في هذا الجدول العلاقة العكسية بين مؤشر الديمقراطية وبين حصة الصادرات النفطية من مجموع كل صادرات البلاد. فعلى سبيل المثال فإن حصة النفط في كل صادرات ليبيا هي 99%، علماً أن مؤشر الديمقراطية فيها هو 7. وإن ماليزيا التي لها الحصة الأدنى من الصادرات النفطية من مجموع الصادرات (13%)، فإن مؤشر الديمقراطية فيها هو الأعلى  59/4. وإن الاقتصاد الريعي في إيران له مؤشر الديمقراطية 6 و حصة الريع يبلغ 93% لتحتل مكاناً بين ليبيا وماليزيا. ومن بين هذه البلدان نلاحظ الإمارات العربية المتحدة التي على الرغم من أنها تحتل مكانة أدنى بالنسبة للبحرين فإن مؤشر الديمقراطية فيها لا يختلف عن البحرين إلا بمقدار قليل. والسبب في ذلك يجب أن نبحثه بالضرورة في التركيبة السياسية والمكانة الجيوبوليتيكية والثقافة السياسية في هذه البلدان.


العلاقة بين ريعية الاقتصاد ومؤشر الديمقراطية في عام 2005 

المصدر: بيت الحرية (Freedom House)
 

تؤكد النماذج التحليلية المتوفرة مثل التحليل المقارن (Correlation analysis) أو نموذج الانحدار الخطي (regression model) للفترة بين عام 1973 – 2005 على هذه الاستنتاجات. وتتطابق مؤشرات هذه المقالة مع استنتاجات البحوث الأخرى التي أشير إليها أعلاه. وعلى الرغم من أهمية الموارد الريعية والنفطية في التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلدان الآنفة الذكر، فلا يمكننا أن نتجاهل في نفس الوقت تأثير عناصر أخرى مثل الثقافة السياسية والموقع الجيوبوليتيكي والمؤسسات الدينية والتاريخ. ومن المؤسف أن النماذج السببية والكمية لا تستطيع أن تشير بدقة إلى دور  هذه العناصر في العملية السلطوية، وما هي العوامل التي لها دور في ريعية الاقتصاد. ولذا يصبح من الضروري تقديم أجوبة عند المقارنة بين دولة كإيران وبين دول مثل النرويج وكندا، أي البلدان المتطورة المصدرة للنفط أيضاً ولكنها ليست دولاً ريعية. إن طرح هذا السؤال ضرورياً عندما يطرح السؤال التالي: هل أن ريعية الاقتصاد هي ظاهرة لا يمكن اجتنابها بالارتباط مع المداخيل النفطية؟ وكما أشرنا تتمتع عملية الريعية بدينامية ونوع من الحياة يمكن لها أن تتقلص أو تزداد. وإن ظهور هذا الاقتصاد يصبح ممكناً في ظروف خاصة لا يمكن بدونها أن يبرز إلى الوجود. والاقتصاد الريعي قادر على الانتعاش في محيط اقتصادي خاص مثل قلة وتعثر التوظيفات الرأسمالية في رحم الاقتصاد وتعثر قطاع الانتاج في المجتمع والتوزيع غير العادل للمداخيل والسلع والخدمات واتساع رقعة الفقر والبطالة. ولكن أياً كانت أهمية هذه العوامل الاقتصادية المذكورة باعتبارها ضرورية في ظهور الاقتصاد الريعي، إلاً أنها ليست بالشروط الكافية. إذن هناك حاجة إلى عوامل مكملة سياسية وثقافية واجتماعية. إن أهم العوامل السياسية التي لها صلة بالعوامل الاقتصادية في ظهور الاقتصاد الريعي هي عبارة عن تمركز السلطة والاستبداد وتعثر مؤسسات الرقابة وانعدام المشاركة السياسية. وتلعب عوامل ثقافية واجتماعية أيضاً دوراً إلى جوانب العوامل الاقتصادية والسياسية في عملية الريعية، من بينها معاداة التحديث والتجديد والإيمان بالقضاء والقدر والصراعات القومية وانخفاض مستوى المعيشة والتركيبة الاجتماعية غير المناسبة والأمية الواسعة، وأخيراً ضعف مؤسسات العلوم التجريبية. ولكن يحتل الاقتصاد الريعي من منظور التكنولوجيا مكانة غير مناسبة، لأن التكنولوجيا التقليدية ليس لها أداء وربحية، وتنهار بسهولة أمام التكنولوجيا الحديثة. ومن أجل مواجهة الاقتصاد الريعي ينبغي اللجوء إلى منهج "التنمية المستدامة" و "التنمية المتكاملة" و"التنمية الإنسانية" التي تطرحها مؤسسات البحوث التي ليس المجال هنا للحديث عنها ونوكلها إلى فرصة أخرى.

 


المصادر:

 

- Anderson, L. (1987), The State in the Middle East and North Africa, Comparative Politics 20 9.
- Bates & Lien (1985), A Note on Taxation, Development, and Representative Government, vol 14, Politics and Society.
- Beblawi, H, in Beblawi, H & Luciani, G eds (1987), Nation, State and Integration in the Arab World, Croom Helm, London.
- Barro, R. J., 1996. Democracy and growth. Journal of Economic Growth, 1 (1).
- Barro, R. J., 1999. Determinant of Democracy. Journal of Political Economy, 107 (6-2), pp. 158-183.
- Clark, J (1997), Petro-Politics in Congo. , vol 8, Journal of Democracy.
- Coiller & Hoefflert (1998), On Economic Causes of Civil War, vol 50, Oxford Economic Papers.
- Crystal, J (1990), Oil and Politics in the Gulf: Rulers and Merchants in Kuwait and Qatar, Cambridge University Press, New York.
- Douglas, A Yates (1996), The Rentier State in Africa: Oil Rent Dependency and Neocolonialism in the Republic of Gabon, Africa World Press.
- Friedman, T., (2006), Seven Questions: Thomas Friedman’s Plan for a Hot, Flat, and Crowded World, Foreign Policy.
- Putnam, R., (1993), Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy (Princeton: Princeton University Press.
- Huntington, S. P. (1991) The Third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century. London: University of Oklahoma Press.
- Inglehart, R. (1997), Modernization and Postmodernization (Princeton: Princeton University Press.
- Klare, T Michael, The intensifying global struggle for energyhttp://www.truthout.org/cgi-bin/artman/exec/view.cgi/38/10958 (2008-01-05)
- Lam & Wantchekon (1999) Dictatorships as a Political Dutch Disease, manuskript, Department of Political Science, Yale University.
- Lam & Wantchekon (2002), Political Dutch Disease, Working Papers, New York University.
- Lipset, S. M., 1959. Some Social Requisites of democracy: Economic Development and Political Legitimacy. American Political Science Review, 53, pp. 69-105.
- Lipset, S. M., 1960. Political Man: The Social Basis of Modern Politics. Doubleday, New York.
- Mahdavy, H (1970), The Patterns and Problems of Economic Development in
- Rentier States: The Case of Iran, i Cook, M. A:s Studies in Economic History of the Middle East, Oxford University Press, London.
- Moore, B., (1966) Social Origins of Dictatorship and Democracy, Boston: Beacon Press.
- Pemberton, M (2004) Petropolitics Conference Report, International Relations Center: Foreign Policy in Focus.
- Putnam, R., (1993), Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy (Princeton: Princeton University Press.
- Ross, M. L. (2001), Does Oil Hinder Deomcracy?, World Politics. vol 53, No. 3.
- Shambayati, H (1994), The Rentier State, Interest Groups, and the Paradox of Autonomy: State and Business in Turkey and Iran, nr 26, Comparative Politics


 


 

free web counter