| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الخميس 7/7/ 2005

 

 

على هامش نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية  


فن تزوير ارادة خلق الله بإسم الله
 


  عادل حبه

يتحدث كارل ماركس عن نابليون بونابرت ويقول :"ان الاحداث التاريخية تجري على مشهدين، الاول مشهد كوميدي ثم يعقبه مشهد ثاني هو المشهد التراجيدي". ويقصد كارل ماركس بذلك كوميديا صعود نابليون بونابرت الى المناصب العليا للجمهورية الفرنسية عبر الانقلابات والمؤامرات والمغامرات العسكرية الخارجية  ليتحول هذا الملازم المغمور الى امبراطور عندما اعاد الى فرنسا الملكية من جديد ثم تراجعت مسيرته اثر ضربات القوى الخارجية ليبعد ثم يعود الى العرش لامبراطوري ثم يهزم نهائياً في معركة واترلو الشهيرة. ولربما هناك في ذهن كارل ماركس بالطبع امثلة تاريخية أخرى لكي يتوصل الى هذا الاستنتاج.
ولكن هذا الاستنتاج هو القاعدة ولا ينطوي على الاستثناء. فإستنتاج ماركس لا ينطبق على الحالة الايرانية منذ ملحمة الثورة الشعبية عام 1979 التي ابتدأت بتراجيديا مفعمة بالحماس للايرانيين من اجل الاطاحة بالاستبداد البهلوي واشاعة الديمقراطية، الا انه سرعان ما طغى الاستبداد الديني لينتهي الآن بمشهد كوميدي فريد. ففي ايران الدين المختطف والمشوه  يتحول المجرمون السابقون والبلطجية من امثال احمد هاشمي نجاد الى امل المستقبل وامل الاصلاح السياسي الموهوم وحماة المحرومين وهو المعروف في ضلوعه في الاغتيالات السياسية ومنهم اغتيال المرحوم عبد الرحمن قاسملو وآخرين من المعارضين الايرانيين وعضويته في الاجهزة الاستخباراتية الجهنمية. اما منافسه هاشمي رفسنجاني الثعلب المكار على حد وصفه من قبل الشارع الايراني فقد تحول هو الآخر بقدرة قادر الى رمز لحماية البلاد من الخطر الفاشي المرتقب في حين انه يمثل احد اقطاب الاستبداد الديني حيث يقف على رأس "هيئة تشخيص المصلحة"، اضافة الى مسؤوليته عن التصفيات الواسعة للسجناء السياسيين في سجون ايران في ظل فترة رئاسته للجمهوريةالايرانية في اواخر الثمانينيات بعد ان تجرع المرحوم اية الله روح الله الموسوي الخميني "جرعة السم" ووافق على وقف الحرب التي اشعلها الطاغية صدام حسين، ناهيك عن سجله الحافل بهدر المال العام. هكذا اذن تتحول التراجيديا الى كوميديا في ايران خلافاً لاستنتاج كارل ماركس القائل بأن الاحداث التاريخية تبدأ بمشهد كوميدي.
ان الانتخابات الرئاسية الايرانية الاخيرة توضح بشكل لا يقبل الشك عمق ازمة النظام الديني المتطرف في ايران والتناقضات العميقة التي تعصف بالمؤسسة الدينية الحاكمة نفسها ورفض الناخبون الايرانيين لتدخل رجال الدين في كل تفاصيل شؤون الدولة الايرانية. وقد جرت الانتخابات في ظل حرمان كل الاحزاب السياسية الايرانية من المشاركة فيها والتي جرى تصفية الالاف من اعضائها او مازال يرزح آخرون منهم في سجون حمهورية الرعب للمعممين الايرانيين المتشددين.
والانتخابات الاخيرة ما هي في الواقع الا انقلاب مسلح قادته القوى المسلحة الاشد تطرفاً في ايران، حراس الثورة"باسداران انقلاب" والتعبئة" بسيج"، والتي تخضع كلياً لأمرة ولاية الفقيه المطلقة السيد علي خامنئي. ففي خلال ساعات وقبيل الشروع بعملية الاقتراع سيطرت هذه القوى المسلحة، التي يبلغ تعدادها حوالي 300 الف مسلح، على كل مراكز الاقتراع وصناديقها في مدن وريف ايران. وهكذا تحكم "حزب الثكنات" بنتائج الانتخابات قبل الشروع بالاقتراع ليؤدي ذلك الى تطابق كلي بين مؤسسة مرشد الثورة الاستبدادية وبين مؤسسة الرئاسة الايرانية.
لقد تم التحضير لهذا المشهد الكوميدي مسبقاً عندما بادر مجلس حراسة الدستور "شوراي نكهبان" ،الذي تحول الى هيئة استبدادية، الى شطب 997 اسماً من اسماء المرشحين الى الانتخابات بدون اي حق قانوني وسبب يذكر للشطب وذلك بهدف حصر الناخب الايراني بين خيارات تصب جميعها في خضوع المؤسسات المنتخبة الى المؤسسة الاستبدادية الدينية غير المنتخبة اي "ولاية الفقيه المطلقة" التي بيدها السلطة الفعلية حيث يشغل الفقيه منصب القائد العام للقوات المسلحة ويحتكر تعيين قادة هذه القوات ومناصب المخابرات العامة ويسيطر على الامبراطرية الاقتصادية التجارية الصناعية العسكرية الرئيسية في البلاد ويعين رؤساء المراكز الاعلامية اضافة الى حقه في رفض كل ما يصدر في مجلس الشورى ومجلس الوزراء من قرارات. ومن اجل ذر الرماد في العيون بادر المرشد في المرحلة الاخيرة التي سبقت الاقتراع الى السماح لثلاثة آخرين في المشاركة في المنافسة. لقد تحول ولي الفقيه في ايران الى حاكم عسكري بيده الحل والربط كله. وبدلاً من ان يتقيد ولي الفقيه بإعطاء وجهة نظره في الاحكام الشرعية فحسب، الا انه اخذ يتدخل في ادارة البلاد وحفظ حدودها وامور الدفاع والطاقة الذرية والصواريخ وصادر صلاحيات القوة التنفيذية والقضائية والتشريعية مجتمعة وحصرها بيده خلافاً لمهمة رجل الدين. وتجاهل هذا الولي حتى ما انزل من رب العالمين من احكام حيث جاء في سورة الشورى"امرهم شورى بينهم" او في سورة عمران مخاطباً النبي "وشاورهم في الامر" او في سورة يوسف "ان الحكم لله"، الذي تحول الحكم الى ولي الفقيه وليس لله في ظل هذه الدولة العجيبة التي يريد بعض العراقيين نقل نموذجها الى العراق المنكوب.
وهنا يطرح المواطن الايراني التساؤل عن جدوى هذه الانتخابات والاموال التي تصرف عليها هدراً في حين ان السلطة الفعلية يحتكرها ولي الفقيه مهما كانت النتائج؟
ان التلاعب بمشاعر الايرانيين الذين يأنون تحت ضغط الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد لعقود مديدة لا يؤدي الى حل ازمة البلاد. فمحاولة الرئيس السابق ولدورتين انتخابيتين ادخال قدر من الاصلاح على النظام الايراني اصابها الفشل وادى الى احباط كبير في وسط الشباب والنساء وباقي افراد الشعب الايراني الذين صوتوا له وحاز على 22 مليون صوت. وفقد محمد خاتمي بريقه ومكانته بين الناخبين. وسيفقد الرئيس الجديد مكانته ايضاً والذي تلاعب على مشاعر المحرومين والمهمشين لانه بنهجه وتبعيته لولايةالفقيه ورصيده العنفي سوف لا يمهد الارضية لخروج ايران من عزلتها الدولية واقامة الدولة العصرية الديمقراطية وازالة التذمر الشعبي من تدخل رجال التطرف الديني في شؤون الدولة وازالة الفساد الذي استشرى في جسم البلاد وتأمين حقوق الفئات المسحوقة وهي كلها مفاتيح اساسية لخروج ايران من ازمتها.
ان الانتخابات الاخيرة تحمل في نتائجها تناقضات اضافية الى جانب التناقضات السابقة. فقد حدث شرخ واضح في المؤسسة الدينية الحاكمة عندما جرى ابعاد رفسنجاني عن الرئاسة وحرمانه من طموحه لولايات جديدة في منصب رئاسة الجمهورية. ان رفسنجاني والقوى الاجتماعية، المرفهة والمنتفعة، التي تسانده سوف لن تستكين وستضع الاسافين في عجلة الولي المطلق وربيبته رئيس الجمهورية الجديد. وستتعمق الهوة بين الشعب والنخبة الحاكمة حيث لا يستطيع الرئيس الجديد تقديم اية حلول للفئات المحرومة في المجتمع لسبب بسيط هو ان الامور ليست بيده. كما ان الوضع الجديد ينبأ بعدم استقرار اجتماعي اضافي يتمثل في صعود ممثل القوى المسلحة المتطرفة الى سدة رئاسة الجمهورية مما يعني احتمال الصدام مع كل المؤسسات الاخرى تحت طائل التهديد بالقوة لحرس الثورة وقوات التعبئة.
ان شبحاً يحلق في سماء الجمهورية الاسلامية الايرانية ويتأثر بما يجري في عالمنا من سعي لاحترام الحريات العامة واقامة دولة القانون مما سيترك تأثيره على الشارع الايراني الذي يطالب بإلحاح لإزالة نمط دولة اللاقانون وكبت الحريات وتسلط التطرف الديني على شؤون البلاد.  ولا يسعني في هذا المجال الا ان استعير فقرة من رسالة آية الله حسن علي منتظري الى المسؤوبين الحاليين في ايران حيث جاء فيها:"كنت قبل وبعد الثورة الى جانب المسؤولين الحاليين واود التذكير بأن اساليب العنف والخشونة من قبلكم وأنصاركم خاصة وانها تجري بإسم الاسلام تؤدي يوماً بعد الى ابتعاد الشعب. فالشعب ينفصل عن رجال الدين والنظام الاسلامي تماماً كما انفصل الشعب عن النظام السابق وانصاره. ولهذا ينبغي اعادة النظر بهذا الاسلوب".