| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الأحد 6/9/ 2005

 

 

خاص بموقع الناس .. رسالة الى آرا خاجادور


لنحتكم الى الناس والمنطق والتجربة التاريخية  
 


عادل حبة

العزيز آرا خاجادور
تحية طيبة
في البدء اود تقديم الشكر على جوابك ومتمنياً لك الصحة والنشاط المعهود.
كنت اتابع ما تنشره من افكار، ولكن لم يتسن لي التعليق، فهو رأي والرأي حسب قواعد الديمقراطية ينبغي ان يحترم ومن حقك ان تتمسك بأي رأي وليس من حقي ان اجبرك على تغيير رأيك كما اشرت في رسالتك.
لقد اِشرت في رسالتك الى مايلي: "ان نظريات الحزب الشيوعي لا تسمح بالتعاون مع الاحتلال من منطلق طبقي. واقول ان العدو الرئيسي هو الاحتلال وعملائه، واقول ان الجماهير سوف تطرح نقطة واحدة على الاحتلال... أجلو". هذه هي نص الجملة التي وردت في رسالتك دون اي تغيير فيها.
في البداية اود ان اشير الى انه من الخطأ الفاحش ان يتحدث اي شخص او اية جهة او حزب او ديكتاتور بأسم الجماهير، فهي تقليعة انتهى دورها وولى زمنها. فالجماهير تتحدث عن رأيها عبر صناديق الانتخابات وليس هناك من وسيلة أخرى. اما الحديث عن ان الجماهير العراقية ستطلب من الامريكان ارحلوا الآن فهو امر قابل للتشكيك، ويكفي النظر الى نتائج الانتخابات الاخيرة لنرى ان القوى التي تتعامل مع الاحتلال، وليس من باب القبول به، هي التي شغلت غالبية المقاعد في الجمعية الوطنية. ويكفي ان ننظر الى مواقف الاحزاب الكردستانية على سبيل المثال وليس الحصر والتي يقدم قادتها الشكر تلو الشكر للولايات المتحدة قد حصدت حوالي ربع مقاعد الجمعية الوطنية. اما الدكتور اياد علاوي فقد حصل على 40 مقعداً و الدكتور احمد الجلبي ربما 8 مقاعد وهما الاقرب الى وجهة نظر الولايات المتحدة وسياستها. ونفس الامر ينطبق على المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي اعتبر احد قادته ان الولايات المتحدة دولة صديقة وكذا الحال بالنسبة للغالبية الساحقة من اعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة من قبل العراقيين وفي انتخابات حرة لا يشكك احد بقدر غير قليل من نزاهتها.  اضف الى ذلك ان الحكومة المنتخبة من قبل الجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الشعب العراقي هي التي تطالب بتمديد وجود القوات المتعددة الجنسيات!! فماذا تقول عن ذلك ايها العزيز ابو طارق؟؟
اذن هناك قضية شائكة ينبغي التوقف عندها ومناقشتها ومعالجتها. وليسمح لي طبعك المنفتح بان تستمع الى عدد من الملاحظات.
اولا: لا يوجد في العراق من يرحب بالاحتلال. فلا يوجد هناك اية وثيقة لاية حركة سياسية تفضل الاحتلال على السيادة الوطنية بما فيها حزب احمد الجلبي الذي يريد هو ان يحكم وليس الولايات المتحدة او القوات المتعددة الجنسيات.
ثانيا: ان العدو للعراق هو النظام الصدامي البغيض الذي حول العراق الى خرابة حقيقية في كل المجالات. ويكفي ان نلقي نظرة على المدن العراقية لنرى ما خرب ودمر وحجم من قتل على يد هذا النظام، والشاهد القبور الجماعية التي تغطي كل العراق. وهو قضية لا ينكرها الا من يدفن رأسه كالنعام في الرمال ، وستروي لنا المحاكم القادمة لرؤوس النظام الحجم المريع للجريمة . والآن فأن العدو الاساسي هم مخابرات واجهزة صدام التخريبية التي لم تتعرض الى اي اضرار او ملاحقة وانت اعلم بهذه الامور بإعتبارك كنت خبير الحزب في القضايا الامنية. كما يلتحق بهذا العدو تلك الشراذم الاجرامية سواء من المجرمين العاديين اومن المتطرفين العرب وغير العرب الذين يحصدون العشرات من ارواح العراقيين يومياً ويدمرون البنى التحتية العراقية ومصادر الثروة. فالى من نوجه سهامنا اولا؟ هل على من يقوم بهذه الاعمال الشريرة او من ينتقص من السيادة العراقية من القوات المتعددة الجنسيات؟
ثالثا: قلت ان جميع العراقيين يطالبون بالسيادة ، ولكنهم لا يطالبون الآن برحيل القوات الاجنبية لأدراكهم بالكارثة التي ستلحق بالبلد. ان احدا من اي من الحركات السياسية لا تطالب بالرحيل الفوري وهكذا ابن الشارع العراقي. لنأخذ مثلا هيئة علماء المسلمين المنغمرة حتى نافوخها في عمليات الارهاب ضد العراقيين والتستر عليها من منطلق طائفي . فهذه المجموعة ومن يناصرها تطالب بجدولة خروج القوات المتعددة الجنسيات وليس خروجها فورا. انهم لا يريدون خروجها لأدراكهم انه في اللحظة التي سيخرج فيها الامريكان وحلفائهم من العراق فسينقض عليهم المتطرفون الشيعة. ان هؤلاء المتطرفون السنة يعتبرون الامريكان صمام امان لهم. وان ادعاءاتهم حول خروج القوات الاجنبية غير صحيحة لان قضيتهم لا تتمحور حول ذلك ، بل تتحدد في البناء السياسي القائم على الديمقراطية المنوي اقامته في العراق هو ما يرفضوه لانهم يريدون الهيمنة واحتكار السلطة والتمتع وحدهم بخيرات البلد . وهذا امر ليس بالجديد . انت تتذكر سنوات ما بعد 14 تموز، وكيف تسلط اسلاف هؤلاء على مدن الموصل والرمادي والفلوجة وعانة بنفس الطريقة وقتلوا من قتلوا من الشيوعيين والديمقراطيين لسبب بسيط هو ان الشهيد عبد الكريم قاسم قد وضع حدا للتسلط الطائفي الذي سيطر على العراقيين لقرون عديدة ، ولم يكن آنذاك اي جندي اجنبي بل هي الفترة الوحيدة التي خلا العراق من التأثير الخارجي. اضف الى ذلك فأن مقتدى الصدر هو الآخر ليس لديه مشكلة مع الاحتلال كما يصر في الظاهر وبتكرار ممل . ان مشكلته هو مع "اولاد عمه" لكي يتحدد من يسيطر على العتبات التي تمد رجال الدين الشيعة بالملايين . انه الآن وبعد تقديم قدر من الضمانات ومشاركة وزيرين منه في الحكومة الانتقالية وحصوله على 18 مقعد في الجمعية الوطنية تحول الى رجل ديمقراطي وسياسي حكيم!، والحقيقة ان مواقفه الاخيرة تثير الاهتمام. ولكنه يتذكر الآن بين حين وآخر موضوعة الاحتلال  ويدينه لفظياً بقدر ما يؤمن له الاستمرار في غزله مع "المقاومة الشريفة وغير الشريفة" بدافع اللعب على الحبال السياسية ولا يطالب بشكل جدي برحيل القوات المتعددة الجنسيات. اما بقية "امراء التوحش الارهابي" فهم الوحيدون الذين يريدون رحيل المحتل لغرض واحد ووحيد فرض نظام اسلامي متطرف على غرار ما كان في افغانستان تنفيذا لخرافات بن لادن. انني اقول ان العدو الاول هم هؤلاء القتلة من فلول النظام وعلينا التخلص منهم ثم العمل على اخراج تسوية وجود القوات المتعددة الجنسيات ومع مجلس الامن الدولي التي فوض وجود هذه القوات. ان الرفيق فهد كما تذكر وفي معمعان الحرب العالمية الثانية كف عن شرشحته لبريطانيا والتحالف المعادي للنازية والحكومة العراقية الموالية لبريطانيا بهدف توجيه الرمح ضد ما هو اخطر اي الفاشية واجل مؤقتا الامور الاخرى.
رابعاً: قلت في المقدمة انه ما من شعب يرقص للاحتلال او وجود القوات الاجنبية على اراضيه. فالقوات الامريكية التي حررت فرنسا في نهاية الحرب العالمية الثانية استقبلت بترحاب في البداية مشوب بالحذر وتحول الامر بعد ذلك الى قدر من الحساسية عندما وجد الفرنسيون ان قواتهم لم تشارك بفاعلية ولم تكن في مقدمة من قام بتحرير فرنسا. وهو امر طبيعي مارسه العراقيون ايضاً عند دخول القوات الامريكية للاطاحة بصدام. ان قاعدة العداء للقوات الغازية لها ايضاً بعض الاستثناءات التاريخية على الاقل لفترة معينة. لننظر الى التاريخ ونستقرأه. فالعرب الذين هاجموا بلاد فارس واحتلوها بعد ظهور الاسلام لم يواجهوا بمقاومة جدية من قبل القاطنين فيها لسبب بسيط ان اباطرة فارس كانوا اسوء من القادمين من الجزيرة العربية في التعامل معهم . كما ان القبائل الجرمانية المتوحشة التي اطاحت بالامبراطورية الرومانية لم تلق المواجهة من اهالي روما بسبب النظام المتعسف المتهري الذي حكم روما انذاك. ونفس الامر ينطبق على امثلة حديثة مثل تعاون الانصار الشيوعيين الايطاليين مع الدولة البريطانية ذات المستعمرات التي لا تغيب عنها الشمس والحلفاء عامة في الاطاحة بنظام موسيليني الفاشي المعزول عن الشعب الايطالي ، ورحب الشعب الايطالي بذلك وارتفع صيت ونجم الشيوعيين الايطاليين بعد قتلهم الديكتاتور. وهناك مثل آخر لجار قريب لنا هي ايران. ففي 25 آب من عام 1941 غزت قوات الحلفاء البريطانية والسوفييتية وبدعم عسكري ولوجيستيكي امريكي ايران واطاحت بديكتاتور بغيض هو رضا شاه، تماما كما هو حال ديكتاتورنا. ثم قامت هذه القوات باعلان الحريات الديمقراطية وانتخاب المجلس الوطني الايراني وتشكلت حكومة من القوى السياسية الايرانية وبضمنهم اربعة من قادة حزب توده ايران ، ومن ضمنهم شاعر ايران الشهير احسان طبري. وهناك امثلة اخرى لا يسع المجال لذكرها. ولكن بالطبع اقول ان القاعدة العامة هي المجابهة مع المحتلين والامثلة كثيرة ، الا ان المثل العراقي يدخل في باب الاستثناءات التاريخية. ان غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق عام 2003 ترافق مع مواجهة شاملة للشعب مع العصابة الحاكمة في العراق التي حرقت الاخضر واليابس ونهبت البلد وامتهنت كرامة واعراض الناس وحولت بعض العراقيين الى بؤر للاجرام والفساد والممارسات المشينة نرى فلول من يقوم بها اليوم على شاشات التلفزة. لقد حولت هذه الزمرة المشينة العراق الى ضيعة لهم وفعلا تحول العراق الى"عراق صدام" وليس عراق العراقيين . ان الوضع ادى بالعراقيين الى شعورهم بفقدان الوطن وان يستنجدوا بالشيطان للخلاص من ابو الشياطين.
خامسا: يحلو لبعض المنظرين الفاشلين وخاصة من العرب والقومجية الى تمجيد وهمي للمقاومة ابان الاحتلال او تزيين صفحة من يرتكب المعاصي والجرائم بإسم المقاومة او يلجأ عراقيون آخرون الى ارجاع سلبية العراقيين ازاء النظام وعدم تحركهم لوقف جحافل الغزاة الى فتاوى رجال الدين وخاصة الشيعة منهم وهو هراء في هراء. ان سلوك من يعمل الآن باسم "المقاومة"، وليس اثناء الاحتلال حيث هربوا كل جنرالات النظام الى الى بيوتهم ، لا يحتاج الى توضيح ، فأعمالهم خير دليل على اهدافهم الشريرة ضد العراق وليس لها علاقة بالاحتلال او المحتلين . كما ان العراقيين وقبل ان تصدر الفتاوي المزعومة كانوا ضد صدام وزمرته ولا حاجة لصدور فتاوي لهم. ان كل رجال الدين في عهد صدام ، سواء من السنة والشيعة والمسيحيين وغيرهم، وحتى بعيد سقوطه لم يجرأوا على التنفس ضد صدام وجرائمه سوى من كان منهم في الخارج . ففي حرب تحرير الكويت كان الجنود العراقيون وبمباركة من ضباطهم ينسلون من مواقعهم وخنادقهم بدون سماعهم لأية فتاوي ودون اية مواجهة الى العراق ومن تأخر تعرض لتلك المجازر الدموية على طريق الموت بين الكويت وصفوان . فالعراقيون كانوا قد اتخذوا قرارهم بعدم دعم النظام والدفاع عنه بمن فيهم انصار النظام وليس لهم اية مصلحة في ذلك خاصة وان البلد تحول الى ضيعة للديكتاتور وزبانيته وليس للشعب العراقي المظلوم اي سهم فيه.
ان موضوعة دخول القوات الاجنبية الى العراق ستبقى موضع جدل بقدر ما يتعلق الامر بضررها او فائدتها للعراق. ولا بد للايام القادمة وبعد ان تهدأ العواطف وتستقر الامور وتنحسر المزايدات السياسية ويسود المنطق السليم ان يتفق العراقيون على تقييم هذا الحدث الخطير في تاريخ العراق. ولكن ينبغي ان لا يغيب عن بالنا ان من يبيح دم العراقيين ويقطع رقابهم ويغتصب الفتيات العراقيات هم هؤلاء الاوباش وليس غيرهم.
كلي أمل ان يسود المنطق والحكمة ومصلحة البلد في تناولنا للاوضاع الشائكة في العراق، وأن لا تقودنا الخلافات في داخل كل حزب او المزايدات السياسية الى تخبط في تقييمنا لما يجري في هذا البلد العزيز.
آسف للاطالة ومع التقدير وكلي شكر.