| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.ukwebsite
http:// adelhaba.hotmail.com

 

 

 

السبت 4/4/ 2009



 الفتوى التي مهدت لكارثة 8 شباط عام 1963 وتسترت عليها

عادل حبه

انتهك السيد قاسم الموسوي، رئيس فرع مؤسسة شهيد المحراب في ميسان، أكثر من معيار أنساني ودستوري عندما انبرى في خطابه التحريضي التكفيري ضد الشيوعيين، وعاد بنا إلى تلك التقاليد والفتاوى التي تسترت على كارثة 8 شباط عام 1963 التي نفذها متطرفي حزب البعث في العراق. فالسيد قاسم الموسوي لا يحترم أصول الضيافة التي دعت إليها الأديان والأعراف بل وحتى الصعاليك. فقد ردد من جديد ذلك "التكفير" وبحضور ممثل الحزب الشيوعي العراقي الذي استضيف في هذا الاجتماع. فأصول الضيافة التي عرف بها العراقيون والمعايير الدينية التي يتمسك في الظاهر الخطيب بها تؤكد على احترام الضيف وصيانة حرمته. فقد نقل عن النبي حديث يؤكد فيه:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يُحْرجه". كما أكدت آداب الضيافة في الدين على ضرورة استقبال الرجل لضيوفه بعبارات الترحيب تدخل الأنس والسرور عليهم، لا أن تكفّرهم وتثير غضبهم واستنكارهم.

أما من الناحية الدستورية وفي العراق الديمقراطي الجديد الذي يتجه نحو الديمقراطية، ينتهك السيد قاسم الموسوي الدستور العراقي. فقد نص الدستور العراقي الجديد الذي وافقت عليه مؤسسة شهيد المحراب وفي الباب الأول، المادة السابعة، والبند الأول على ما يلي:"اولاً :يُحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يُحرض أو يُمهد أو يُمجد أو يُروج أو يُبرر له..الخ". فهل ينوي السيد قاسم الموسوي أن يدفع السلطة القضائية العراقية إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد مؤسسة شهيد المحراب التي ينتمي إليها، وفرض الحظر على نشاطها جراء انتهاك أحد ممثليها للدستور العراقي؟ وما هو هدف هذا الخطيب من إثارة هذه النغمة من جديد؟ هل هي عودة لأساليب البعث التي اكتوى العراقيون جميعاً بنارها؟ أم أن الهدف هو إثارة الفتنة والاحتقان وزيادة الطين بلة في المجتمع العراقي الذي يتجه نحو الاستقرار وبناء دولة القانون؟.

إن التكفير أي كان رداءه لا يبني دولة ديمقراطية حديثة. فقد رأينا أن التكفير الذي صدر بعد ثورة 14 تموز عام 1958 لم يجلب الاستقرار للبلاد، بل وضعها على حافة الانهيار الاجتماعي في 8 شباط عام 1963، الذي أفرز حكماً قل نظيره في التجبر والقسوة والدمار. كما شهدنا جميعاً تلك الفتاوى التكفيرية لأقطاب التطرف الوهابي الذي عرّض العراقيين لأشد أنواع الدمار والقتل على الهوية أو القتل العشوائي بعد الإطاحة بالطغيان في 9 نيسان عام 2003. ولا نريد هنا أن نعرج على الموجات التكفيرية للطلبان في أفغانستان وباكستان أو في إيران، وما ألحقته هذه الهيستيريا من أضرار بالحقوق المدنية والفردية للمواطنين هناك، ومن هدم لكل معايير الدولة الديمقراطية الحديثة. فهل يريد السيد الخطيب أن يفرض على العراقيين، وخلافاً للدستور، دولة ثيوقراطية استبدادية يحكمها قانون الغاب؟ لا... لا يستطيع مهما تشبث بفتاوى عفى عليها الزمن، واستنكر اطلاق مثيلات لها رجال دين متنورين يدركون نتائج مثل هذه الفتاوى الضارة. فالمرحوم والطيب الذكر ومرجع التقليد آية الله سيد أبو الحسن الإصفهاني رفض طلب الشاه بتكفير حزب توده في إيران في منتصف الأربعينيات من القرن المنصرم. ودعت مراجع دينية محترمة مثل المرحوم أية الله السيد أبو القاسم الخوئي إلى عدم استخدام الدين وزجّه في المنازعات والاختلافات السياسية، لما في ذلك من ضرر على الدين نفسه وعلى الرجعية والمؤسسة الدينية. وشهد العراقيون خلال السنوات التي تلت إسقاط النظام أضرار استخدام الورقة الدينية والمذهبية والطائفية في التنافس والخلافات السياسية، حيث كانت نتيجتها حمامات دم وقطع أعناق واغتصاب ودمار وتهجير وسطو. فهل يريد السيد الخطيب جر العراقيين من جديد إلى فتن دينية لا تعرف نتائجها؟.


الزعيم عبد الكريم قاسم يزور السيد محسن الحكيم
وهو على فراش مرضه بعد ثورة تموز 1958

لقد تخلى عن هذه الفتوى عملياً حتى أنجال السيد محسن الحكيم، حيث كان الشهيد سيد محمد باقر الحكيم، شهيد المحراب الذي تحمل المؤسسة اسمه، ومنذ تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى سواء في الخارج أو في داخل العراق، يلتقي بممثلي الحزب الشيوعي العراقي، ويتبادل معهم الرأي حول بناء دولة القانون وضمان الحريات في العراق، ولم يتطرق إلى فتاوى التكفير ضد الشيوعيين، بل جرى الحديث معهم حول العمل المشترك للتخلص من الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية. وليس هذا من باب الصدفة، فقد كان الشيوعيون في مقدمة من ناضل على الدوام ضد التمييز الديني والمذهبي والطائفي الذي جرى تبنيه مع تأسيس الدولة العراقية. وكان الحزب يتمسك على الدوام بمبدأ ضمان الحريات الدينية واحترام المشاعر الدينية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مقومات الدولة الديمقراطية التي يناضل من أجلها. ولم تخلو صحافة الحزب السرية والعلنية من التأكيد على ذلك. ودعم الحزب الشيوعي العراقي كل التدابير التي اتخذتها ثورة 14 تموز باتجاه رفع الظلم والتمييز على أساس طائفي ومذهبي. واعتمدت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم لأول مرة في تاريخ العراق الحديث معايير الكفاءة والمواطنة العراقية، وليس الانتماء الطائفي كأساس لتولي المناصب الحكومية، بحيث احتلت الطوائف وممثلي المذاهب مختلف المواقع على أساس الكفاءة. ولقيت مبادرة الزعيم الهادفة إلى احترام المراكز الدينية التفهم والدعم من قبل الحزب الشيوعي العراقي خلافاً للاتهامات المفبركة والأكاذيب التي كيلت ضد الشيوعيين، والتي لا تستند إلى أية دلائل عينية وبراهين ووثائق. وكان الزعيم عبد الكريم قاسم الوحيد من رجال الثورة من زار المرجع الديني المرحوم آية الله السيد محسن الحكيم وهو على فراش المرض. ولكن وللأسف لم يُشفع له من قبل المرجعية عندما قُتل شر قتلة في مبنى الاإذاعة والتلفزيون على يد الانقلابيين الأوباش.

كان على ممثل مؤسسة شهيد المحراب في ميسان ومن باب اللياقة، وبدلاً من دعوة العراقيين لموجة جديدة من التكفير بعد أن خرجوا من الموجة الدموية التكفيرية التي سادت في السنوات الماضي، أن يقدم التهاني للحزب الشيوعي بمناسبة ذكراه الماسية، وعدم جرح مشاعر الآلاف المؤلفة من أهالي ضحايا الحزب الشيوعي الذين قدموا الغالي والرخيص من أجل وطنهم وشعبهم، ومن ضمنها إدانتهم للانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الطغيان ضد الرموز الدينية.

وإزاء هذا الانتهاك لمسؤول مؤسسة شهيد المحراب، كان من الطبيعي أن تدين مؤسسات المجتمع المدني في محافظة ميسان هذا الخرق الفاضح والصريح للدستور العراقي ومعايير الديمقراطية. وحسناً فعل ممثلوا الحزب الشيوعي العراقي بالانسحاب من الاحتفال احتجاجاً على هذه الانتهاكات، ومطالبتهم مؤسسة شهيد المحراب بتقديم الاعتذار كي لا تتكرر مثل هذه الممارسات المنافية للدستور، والتي تذكرنا بممارسات دولة اللاقانون لسلطات الطغيان المبادة.


4/4/2009

 



 


 

free web counter