| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.ukwebsite
http:// adelhaba.hotmail.com

 

 

 

الأحد 30/3/ 2008



فرصة من فرص أمام التيار الصدري

عادل حبه

إن أكثر ما يقود الحركات السياسية إلى جادة الانهيار والزوال والمآزق هو نزعة أقصاء الآخرين وأحلام الغطرسة والتعالي على كل من يخالفها في الرأي وسعيها للاستئثار بالسلطة. ففي عالمنا اليوم لا يوجد من يحتكر الحقيقة. فالحياة نهر جار من المتغيرات في كل شئ، في الفكر والمصالح والمشاعر. وما على الأنسان، والسياسي على وجه الخصوص، إلاّ أن يكون على الدوام تلميذاً مجداً لإدراك هذه المتغيرات واستخلاص الدروس منها، وأن لا يضع الحواجز التي لا تصمد امام المتغيرات الجارفة للزمن. واذا كان السادة في التيار الصدري قد أصيبوا بدوار الرأس والغرور من حجم مؤيديهم من العاطلين عن العمل وضحايا النظام السابق الذين يناصرونهم الآن بفعل ما حصلوا عليه من مال وسلاح بعد إنهيار الديكتاتورية، فإن أي تغيير في الصورة الاجتماعية والوعي، وهو قادم لا محال، سيكون جارفاً بالضرورة ويغير هذه الخريطة. فلابد أن يؤدي ذلك إلى تغيير في مواقع مناصريهم الحاليين وانتقالهم إلى مواقع سياسية وفكرية أخرى بحكم المصالح وارتفاع الوعي وليس بفعل قناعتهم بتعاويذ دينية أو تاريخ لهذا الرجل الديني أو ذاك.
وللأسف إن الحماس والغرور الجارف لقادة هذا التيار، والذي ينعكس بوضوح في كل تصريحات المعممين من قادته على وجه الخصوص، يشير إلى أنهم أصبحوا أسرى لجمهرة منفعلة غير منضبطة، مما يعمي قادة هذا التيار عن النظر إلى ما سيحدث بعد أمد قليل. فهؤلاء لا يعرفون معنى التغيير في الواقع الاجتماعي وآثاره الفكرية والسياسية. فهم ينظرون إلى الكتلة البشرية التي تساندهم الآن وبشكل أعمى، ككتلة أزلية لايهزها أي تغيير. وهذا هو الخطأ الكبير لقادة التيار الصدري، وما ينجم عن هذا الخطأ من غرور وغطرسة وتعالي على الآخرين، والظن بأنهم هم وحدهم يملكون عصا الحقيقة وشؤون الدين وغير ذلك. إن قادة التيار الصدري الآن أشبه بسائق سيارة تسير بأقصى سرعتها وفي جو من الهوسات والانفعال والتشجيع ولبس الأكفان وقعقة السلاح من قبل مناصريه، ولكن بدون فرامل. وهذا يعني أنهم لايستطيعون التحكم في ادارة السيارة، وبذلك يصبحون عرضة للوقوع في الهاوية، كما وقع آخرون من قادة حركات سياسية في درب الهاوية ممن ساروا على نفس الدرب وجلبوا الأفلاس لحركاتهم والكوارث لأنصارهم والمشاكل لبلدانهم.
وهنا ما على قادة التيار الصدري الآن، بعد أضاعوا فرصاً عديدة في السابق، إلا أن ينصتوا إلى صوت الحكمة والعقل، صوت الكثير من قادة الحركات السياسية العراقية الحريصة على هذا التيار ودوره في الحياة السياسية العراقية، الصوت الذي طالبهم مراراً بأن يحولوا حركتهم إلى حزب سياسي شأنه شأن الأحزاب السياسية المدنية الأخرى، ويتخلوا عن نهج الميليشيات المسلحة، ويحلّوا جيش المهدي ويسلّموا أسلحته إلى الدولة. فلم يعد من الجائز في ظل الأوضاع الخطيرة في العراق القبول بوجود أكثر من جيش في دولة واحدة. إذ أن ذلك ضرب من نشر الفوضى الدموية ونحر للديمقراطية التي ينشدها جميع العراقيين. فعلى التيار الصدري أن يحسم أمره، أما مع دولة الفوضى والميليشيات أو مع دولة القانون الحديثة التي تستند إلى مؤسسات منتخبة. إن هذا المنهج المسؤول، في حالة قبوله من قبل التيار الصدري، سيؤدي بالتيار الصدري إلى التنافس لا على جمع السلاح والتهديد به، بل التنافس على البحث عن أفضل الحلول لحل مشاكل اقتصادية واجتماعية وآثار خطيرة تركها النظام السابق بعد انهياره. وبذلك سيقوم التيار الصدري بدوره لخدمة مصالح العراق وشعبه المنكوب، ويعود ذلك بثماره الايجابية على التيار الصدري نفسه وعلى حفظ احترامه ومكانته بين القوى السياسية العراقية.
وتبعاً لذلك يجب على التيار الصدري أن يسلّم جميع المطلوبين من أعضائه ممن خرق النظام إلى القوى الأمنية الرسمية، وخاصة أولئك المتهمين بحوادث السلب والنهب والقتل وحمل السلاح بوجه المواطنين والأجهزة الأمنية الرسمية. كما يجب عليه أن ينفذ الوعود التي أطلقها السيد مقتدى الصدر بتطهير عناصر التيار من المجرمين والفوضويين عشية دعوته لتجميد جيش المهدي قبل شهور. كما يجب عليه أن لايتصدى للقوى الأمنية في البصرة والتي تطارد عصابات الجريمة في مدينة البصرة. فكل تردد في ذلك أو التلويح بمقاومة غير قانونية لاجراءات الحكومة، لا يؤدي إلى إلا إلى ضياع فرصة من فرص أخرى فوتها التيار الصدري في السابق كي يثبت مصداقيته في حفظ هيبة الدولة وأمنها واستقرارها، والحفاظ فعلاً على دم العراقيين كما يعلن أقطاب التيار نفسه.
إن أي خطوة من قبل التيار الصدري على طريق السلام وازالة مظاهر التسلح وحل جيش المهدي والتوجه نحو النشاط السياسي السلمي، يشكل ضربة قوية لكل طيش المجاميع المسلحة التي تعبث بأمن العراقيين شمالاً وجنوباً وتطوق وتزيل إلى الأبد نشاط القوى الأرهابية في العراق. إنها خطوة هامة ستساعد على تصفية نشاط أكثر من 21 ميليشيا مسلحة في مدينة البصرة وحدها تلقى الدعم من قوى خارجية، وخاصة من المتطرفين في إيران، والتي تحول حياة العراقيين إلى جحيم. فأية خطوة يخطوها التيار الصدري على هذا الطريق ستسجل كنقطة أيجابية في تاريخ العمل السياسي لهذا التيار بالتأكيد.
كما ينبغي أن يتم القيام بحملة وطنية عامة من قبل كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حملة تسعى إلى نبذ حمل السلاح والاستفادة منه في الصراع السياسي، حملة تدين العنف والأرهاب بكل أشكاله، حملة تسعى إلى عدم التستر على الجريمة والمجرمين والعابثين بأمن البلاد، حملة تسعى إلى نشر قيم حضارية في التنافس السلمي واتباع لغة الحوار وثقافته، حملة تمهد الطريق كي ينعم العراقيون بالأمان من أجل اعادة بناء البلد وازالة كل مظاهر الشر والظلم فيه. فلم يعد من المقبول تحمل وجود قوى سياسية مسلحة لها ممثلون في مجلس النواب العراقي ممن أقسموا على الدستور الذي حرّم تشكيل فرق وجيوش مسلحة خارج إطار القوى المسلحة الرسمية. إن احتفاظ حزب الله وثار الله وحزب الفضيلة ومنظمة بدر وغيرها من التنظيمات التي لها ممثلين في البرلمان بمليشيات هو أمر خطير ينبغي على الحكومة أن تعالجه دون أن تؤجله أو تسير على طريق التسوية وبوس اللحى والسكوت لدوافع سياسية ضيقة لا تخدم العراقيين وأمنهم ومستقبل البلاد.
كما ينبغي على الحكومة أن تلتزم بما جاء في خطاب السيد نوري المالكي في مدينة البصرة، وتأكيده على أن الهدف من "صولة الفرسان" هو سحق فلول الجريمة والسلب التي تعيث فساداً في البصرة وفي العراق كله، بغض النظر عن المنحدر الطائفي والحزبي والعرقي لهذه الفلول. كما يجب أن تلتزم الحكومة بما أكد عليه رئيس الوزراء أن لا تسوية مع أساطين الجريمة والنهب ولا حوار ولا أعلان مبادئ معهم. فهذه الزمر لا تعرف الأخلاق ولا العهود والمواثيق. ولنا تجربة مريرة في ذلك عند السكوت على القتلة في المدن المقدسة، وخاصة النجف عند أغتيال الفقيد السيد عبد المجيد الخوئي. فهذا السكوت وبوس اللحى، وهذه التسويات المريبة التي تقف ورائها شخصيات سياسية تشكل غطاءاً لهذه الزمر الأجرامية كي توظفها لمصالح ضيقة وليس لصالح العراقيين، لم تؤدي إلا إلى المزيد من الجرائم والعبث في الأمن وتدمير البلاد والاساءة إلى سمعتها، وعرقلة بناء كيان سياسي عراقي ديمقراطي مستقر. كما ينبغي على الحكومة أن تتخذ اجراءات حازمة ضد كل فصيل سياسي يجمع السلاح ويستخدمه خارج إطار مؤسسات الدولة.
إن التجربة المرة التي يعيشها أبناء وبنات البصرة النجباء، وبل العراقيين عموماً، تستدعي وقفة وطنية عامة لحماية الدين من أناس يلبسون جلباب الدين ولكنهم لا يحملون سمات الرحمة والورع والزهد والخلق الرفيع للدين. وما على رجال الدين العقلاء إلا أن يستدعوا رجال دين تحولوا إلى جنرالات جيش وأبتعدوا عن مهمات الرحمة والوجدان وشرعوا لا يتعاملون مع الكتب المقدسة بقدر تعاملهم مع الكلاشنكوف والغدارات والعبوات الناسفة، نعم يستدعوهم ليعودوا إلى جوامعهم ومعابدهم ودور الله كي يعضوا هذا الشعب المظلوم بقيم المحبة والتسامح، لا قيم السلاح وسفك الدماء. هذا هو الطريق الأسلم للعراقيين، وهو الأسلم للحفاظ على الدين وعلى ما تبقى من وطننا المقدس الجميل.

29/3/2008












 


 

free web counter