| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الأثنين 24/4/ 2006

 

 

 

ايران تسعى الى سلاح نووي وليس الى طاقة نووية
 


عادل حبه

يبدو ان حكام ايران لم يتعظوا من حقائق عالمنا المعاصر ويعيدون تخبطات اقرانهم المغامرين من امثال صدام والقذافي وحكام كوريا الشمالية وغيرهم ممن ابتلوا بهوس "العنترة" وحيازة السلاح النووي او اسلحة الدمار الشامل والتي يعدونها وسيلة، حسب ظنهم، لفرض خططهم واحلامهم الطوباوية على العالم المعاصر. ان نتائج هذا الهوس لدى البعض عاد بالكارثة على من إبتلي به. فعلى هذا الهوس انهار حكم صدام، واستسلم القذافي وتخلى عن "طموحاته النووية" ونقل كل الاجهزة النووية الباهضة التكاليف الى الولايات المتحدة دون مقابل، وبقي شعب كورياالشمالية في حالة من الفقر المدقع ويعيش حالة الانزواء عن العالم نتيجة لهوس حكامه. و لايشذ حكام ايران عن هذا السرب الضائع، فهم يجرون البلاد الآن الى دوامة المغامرات الفاشلة وهدر ثرواتها وافقار شعبها عبر صرف المليارات على برنامج لا تحتاجها ايران سواء اكان سلمياً او عسكرياً مقابل المزيد من تراجع الانتاج المدني وفقر الايرانيين وتعرضهم الى الهلاك الجماعي نتيجة لاهمال السلطات في معالجة اهم مشكلة تواجه الايرانيين وهي الاثار المدمرة الناجمة عن الزلازل التي تهدّ هذا البلد بين حين وآخر. وبدلا من ان يلجأ حكام ايران الى ترميم آثار حرب مدمرة ضروس استمرت ثماني سنوات واحرقت الاخضر واليابس ودمرت البلدين المتحاربين، نراهم ينغمرون في برامج باهضة التكاليف ستدمر ايران قبل خصومها. ومن هذا المنطلق، لا تنفع الايرانيين "بشرى" رئيسهم احمدي نجاد بإنضمام ايران الى النادي النووي، هذه البشرى التي لا تنطوي الا على اللعب الزائف بالمشاعر الوطنية للايرانيين ودق طبول الحرب في منطقة غارقة في لهيب التوتر والصدام والحروب واثارة الدول الاقليمية ضد ايران وعزلها. ان "هذه "البشرى" ما هي الا اشعار عن رفض حكام ايران اللجوء الى الحكمة وحل المشكلة دبلوماسياً بعيداً عن التصعيد.
يدعي حكام ايران ان ابحاثهم النووية تهدف الى تطبيقات سلمية بحتة من اجل تأمين الطاقة الزهيدة في البلاد بسبب من بوادر شحة مكامن النفط والغاز في ايران او بذريعة التكاليف الباهضة لاستخداماتها. كما يؤكد المسؤولون الايرانيون ان برنامجهم النووي يسعى الى تأمين مصادر "نظيفة" للطاقة لتجنب تلويث البيئة. ويشدد هؤلاء الحكام على ان هذا البرنامج يسعى الى تطوير الانتاج الزراعي واستخدام الطاقة النووية لتطوير اساليب العلاج الطبي او كمسعى لتطوير امكانيات ايران العلمية والتكنولوجية. ان هذه المبررات لا تختلف من حيث الجوهر عن تلك المبررات التي كررها حكام آخرون في حقهم في "حيازة المعرفة العلمية" من أجل التستر على الهدف الحقيقي لمساعيهم من اجل تطوير قدراتهم في مجال صنع الاسلحة النووية وكل انواع اسلحة الدمار الشامل.
ان الوقائع والحقائق في ايران تدحض هذه الادعاءات. فإيران تحتل المركز الثاني في العالم، بعد روسيا الاتحادية، من حيث احتياطي الغاز الطبيعي. وتحتوي مكامن الغاز الايرانية على احتياطي يقدر بـ 26602 مليار متر مكعب. وتنتج ايران حالياً مقدار 83،5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً. وهكذا فإن هذا الاحتياطي يكفي لمدة 319 سنة القادمة. اما في مجال النفط، فيقدر الاحتياطي الايراني من النفط عام 2004 بمقدار 17199 مليون طن وبذلك فهي تحتل المركز الثالث بعد العربية السعودية وكندا. ويحتمل ان ينضب هذا الاحتياطي خلال 83 سنة القادمة. وفي المقابل لا تملك ايران الا مكامن محدودة من اليورانيوم اللازم لانتاج الطاقة النووية. إذ تحتل ايران المركز الثاني عشر بين الدول المنتجة لليورانيوم، حيث تقف استراليا على رأس هذه الدول ويبلغ احتياطيها قرابة 23% من احتياطي العالم. ان مقدار ما يحويه منجم "ساغند" الايراني من اليورانيوم الخام يبلغ حوالي 1،5 مليون طن وبنقاوة تبلغ 553 غرام من اليورانيوم النقي في الطن الواحد. وهذا يعني ان كل ما تملكه ايران من "الكعكة الصفراء"، اي اليورانيوم النقي، لا يزيد على 825 طن. ان هذا الاحتياطي لا يكفي ايران الا لمدة 7 سنوات لسد حاجة محطة بوشهر الكهرونووية والتي تحتاج الى 200 طن من "الكعكة الصفراء" في السنة. هذا ناهيك عن الانتاج الباهض لليورانيوم الخام وسعره المرتفع في السوق العالمي وهو ما لا تستطع ايران الحصول عليه اما بسبب اوضاعها المالية الصعبة او الحصار المفروض عليها او الذي سيفرض عليها مما سيحرمها من امكانية شراء هذه المادة من السوق العالمية.
ومن هنا فإن انتاج الطاقة النووية في ايران غير اقتصادي ولا مجدي. ان المحطات البخارية والغازية العاملة في ايران تنتج 55% من الانتاج الكلي للطاقة فيها. وإذا ما تم تحديث هذه المحطات فإن بإمكانها رفع انتاج الطاقة الكهربائية الى 55000 ميغاواط، اي بزيادة 18000 ميغاواط وهو ما يعادل انتاج 20 محطة كهرونووية شبيهة بمحطة بوشهر في جنوب ايران. ان تكاليف تحديث المحطات الكهربائية العاملة في ايران لا تحتاج الى اكثر من 6 مليار دولار في حين تبلغ كلفة بناء محطات نووية تنتج نفس المقدار اكثر من 30 مليار دولار. فتكلفة بناء محطة كهرونووية واحدة تبلغ 1،5 مليار دولار وهي تعادل ثلاث مرات تكاليف بناء محطة كهروغازية. اما فيما يتعلق بذريعة الابحاث العلمية وتطوير الزراعة والامور الطبية فهي لا تحتاج الى هذا القدر من البرنامج الضخم. ولدى ايران اربعة مفاعلات للبحوث النووية منتشرة في مناطق مختلفة من ايران، في حين ليس لدى استراليا سوى مركز واحد للبحوث النووية. ولا تتم في هذه المراكز سوى بحوث متواضعة لا تحتاج الى المفاعلات الضخمة التي تم بناؤها في ايران خاصة في ظل الحكم الحالي.
اما حديث حكام ايران عن حرصهم على البيئة ونظافتها فهو امر تدحضه الوقائع العلمية. ان اهم مشكلة تواجه كل الدول التي تستخدم الطاقة النووية هي كيفية التخلص من النفايات النووية. فهذه النفايات وطريقة التخلص منها غدت مشكلة، سواء من الناحية المادية او التكنيكية، وتصبح مشكلة بالغة الخطورة في ظروف ايران. إذ لا تملك ايران تكنولوجيا دفن هذه النفايات ولربما ستتعامل معها كما تتعامل مع النفايات او الزبالة التقليدية. وتعتبرالنفايات الذرية بالغة الضرر من حيث فعاليتها الاشعاعية واستمرار هذه الاشعاعات عبر الاف السنين، وهي الكارثة بعينها. ولنا في تجربة تعامل النظام المنهار في العراق مثال على استهتارمثل هذه الانظمة بهذا الامر الخطير المتعلق بالاشعاعات. وفي حالة ايران يصبح الوضع اكثر خطورة حيث ان هذا البلد يتميز بالنشاط التكتوني (tectonic) والزلزالي الذي يصيب ايران يوميا تقريباً بما قد يؤدي الى تسرب النفايات النووية والحاق اضرار بيئية وخاصة بالمياه الجوفية وعواقب انسانية تتجاوز حدود ايران الى البلدان المجاورة. ولنا في عواقب جريمة قصف مدينتي هيروشيما ونغازاكي بالسلاح النووي في نهاية الحرب وكارثة جرنوبل في اوكراينا والحادثة الاصغر في جزيرة رودايلند في الولايات المتحدة وما ادت هذه الحوادث الى خسائر انسانية وبيئية ناقوس خطر للمجتمع الانساني بضرورة التعامل مع هذه الطاقة بحذر بالغ. ولهذا السبب بدأت معظم الدول بأعادة النظر في استغلالها للطاقة النووية وخاصة في العقدين الاخيرين. وانتقلت هذه الدول الى بناء محطات كهروغازية، وهي الارخص والاقل تلوثاً الى جانب مصادر الطاقة النظيفة الاخرى، لتتفادى مخاطر التلوث الاشعاعي ودوامة النفايات الذرية. ويجري المجتمع الدولي ابحاثاً واسعة للاستفادة من مصادر بديلة للطاقة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الامواج البحرية ومصادر المياه الحارة الجوفية او من الهيدروجين السائل.
وتتوفر لايران امكانية كبيرة للاستفادة من الطاقة الشمسية بسبب من ان الشمس تشرق على سماء ايران مدة 2500 ساعة في السنة مقارنة بـ 1500 ساعة في بلد مثل المانيا التي بدأت بالاستفادة من الطاقة الشمسية. كما ان الطاقة الشمسية التي يتعرض لها كل متر مربع من الاراضي الايرانية يعادل ضعف ما تتعرض له الاراضي الالمانية. ومن اجل سد حاجة ايران من الطاقة يمكن ان يتم بناء خلايا شمسية تبلغ مساحتها 25X 25 كيلومتر بحيث يتم تأمين حاجة المساكن والمصانع من الطاقة ولمجموع سكان ايران البالغ عددهم الآن 70 مليون نسمة. كما تتوفر الآن على النطاق العالمي امكانية الاستفادة من الهيدروجين السائل لغرض توفير الطاقة اللازمة التي لا تحدث اضرارا على البيئة وعلى الانسان.
ان اصرار ايران على تخصيب اليورانيوم وخرقها لتعهداتها في عدم انتشار الاسلحة النووية ومواجهتها للمجتمع الدولي لا ينطوي الا على امر واحد هو ان ايران تسعى الى القنبلة النووية وليس الى الاستفادة من الطاقة النووية للاغراض السلمية. ان هذه القنبلة التي تصرف عليها موارد ايرانية هائلة لتصنعيها لا تؤمن سوى "وجاهة فارغة" فحسب ولا تؤمن لها موقع متنفذ على الساحة الاقليمية والدولية. انه ضرب من التهديد اللفظي والتلويح بالهراوة النووية لا اكثر. فالقنبلة الذرية منذ اول وآخر جريمة التي استخدمتها الادارة الامريكية في نهاية الحرب العالمية ضد المدنيين الابرياء في هيروشيما وناغازاكي، لم يعد لها دور في المواجهات المسلحة لادراك الجميع ان مغامرة من هذا النوع سوف لا تؤدي الا الى فناء البشرية في ظل هذا التكديس الهائل للسلاح النووي خلال سنوات الحرب الباردة. فهذا النتاج النووي القاتل وصل الى حد يستحيل استخدامه لانه لا يفلح احد في الهروب من الهلاك النووي. والآن فالقنابل النووية اضحت نماذج تشكل ادانة ووصمة عار لكل من انتجها وهي الان في متاحف السلاح وترساناتها ويحير اصحابها في كيفية التخلص من شرورها وخطرها. ان اسرائيل على، سبيل المثال، تحتفظ كما يشاع بـ 200 قنبلة نووية في ترسانتها العسكرية، الا انها لا تشكل الا هراوة نووية بائسة لم تستخدمها في كل عدوانها على العرب. إذ ان اية مبادرة منها الى استخدام هذا السلاح الرهيب سيلحق الاذى بالعرب الذين يقطنون في مساحة جغرافية واسعة، ولكنه سيبيد كل الاسرائيليين، الذين يعيشون في رقعة جغرافية ضيقة جدا، بعد ان فشل هتلر في ابادتهم في افرانه الغازية. فالتداخل بين شعوب المنطقة وتقارب المراكز الحضارية والمسكونة لا يسمح لاسرائيل حتى بالتفكير بهذا الجنون النووي. ان سعي بعض الحكام المغامرين العرب، واخيرا، حكام ايران المتطرفين، الى حيازة هذا السلاح هو الآخر ضرب من العبث لاستحالة استخدامه. فإذا اراد حكام ايران الرد نووياً على اي استفزاز اسرائيلي او اية محاولة لنجدة الفلسطينيين!!!، فسيقضوا على كل الفلسطينيين قبل الاسرائيليين ويهدموا اولى القبلتين وبذلك تتعرى كل نواياهم وادعاءاتهم حول الدفاع عن الدين والفلسطينيين. وهناك مخاطر اخرى من هذا الطموح النووي لحكام ايران يتمثل في خطر تسلط مجاميع عبثية فوضوية ارهابية على هذا السلاح سواء بدعم من حكام ايران انفسهم او في حالة انهيار هذا النظام وتسلط عصابات وارهابيين من شتى الالوان على المخزون النووي الايراني. وهذ الاحتمال هو خطر حقيقي لو اخذنا بنظر الاعتبار لما حصل في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وللعراق بعد انهيار حكم صدام حسين. ان المواجهة بين ايران والمجتمع الدولي بسبب خرق ايران لمعاهدة انتشار السلاح النووي هو ليس مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة التي تبعد آلاف الاميال عن ايران وتهديداتها النووية. ان شعوب المنطقة ومنها الشعب العراقي الذي ذاق مر مغامرات حكامه لهم مصلحة حيوية في دفع ايران الى التراجع عن طموحاتها التي ستستخدمها كتهديد ضد جيرانها العرب بالدرجة الاساسية وليس ضد خصومها القابعين على بعد آلاف الاميال. ان الهراوة النووية الايرانية هي مجرد هراوة مكلفة للشعب الايراني من اجل تهديد شعوب المنطقة وليست مصدرا لتأمين الطاقة للشعب الايراني. وعلى شعوبنا وحكوماتنا العمل الجاد، وليس الوقوف موقف المتفرج، ازاء هذا الامتداد النووي والسعي لتحرير المنطقة من هذا السلاح وخاصة تصفية الترسانة النووية الاسرائلية والتوجه نحو توفير الامكانات المالية والمادية لشعوبنا من اجل البناء السلمي وليس الهدر "النووي" لثروات شعوبنا.