| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الجمعة 23/3/ 2007

 

 

الى أين تتجه الصين *


عادل محمد حسن (حبه)

أخيراً اعلن الرئيس الامريكي بيل كلينتون، وبعد تردد، قرار تجديد الوضع التجاري المتميز المعطى للصين. ومن المفهوم إن دافع هذا القرار إقتصادي بحت بسبب حاجة الولايات المتحدة الى السوق الصينية. هذا الدافع يختلف عن دوافع الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس نيكسون بسبب الحرب الباردة ومساعي الولايات المتحدة لإبعاد الصين عن الإتحاد السوفييتي أنذاك.
وتجتذب الصين رؤوس الاموال الاجنبية، خاصة بعد إعلان سياسة الاصلاح في السنوات الاخيرة.ويعود الاهتمام الذي يوليه المستثمرون الى الصين بسبب سوقه الضخمة ورخص الايدي العاملة والتطور السريع في معدلات النمو الاقتصادي فيها. إن النمو الاقتصادي بلغ في السنوات الاخيرة معدل 8% سنوياً. ووصل هذا المعدل الى 20% في المناطق الجنوبية الشرقية. هذا في الوقت الذي لم يزد معدل النمو في اليابان واوربا الغربية عن 2%.
إن السؤال الذي يثار الجدل حوله في داخل الصين وخارجها هو هل سيؤدي هذا النمو المتسارع الى الاشتراكية، أم هو طفرة سريعة نحو إقتصاد السوق أي الرأسمالية؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه الشعب الصيني لقاء هذين الخيارين؟
لازال المجتمع الصيني يقوم على ملكية الدولة، بالرغم من تنوع الملكية في الاقتصاد. ويبلغ مجموع العاملين في المدن 153 مليون شخص، في حين يعمل 107 منهم في المؤسسات التابعة للدولة و 36 مليون في المؤسسات التعاونية و 10 مليون في مؤسسات القطاع الخاص. ومع ذلك تعكس هذه الارقام التطور الكبير في القطاع الخاص خلال العقد الاخير. ففي عام 1981 لم يعمل الا 1% من عمال المدن في القطاع الخاص.
ومازالت الحكومة الصينية تعلن تمسكها بخيارها السابق، الا انها تعرف بأن النمو المتصاعد أدى الى تفشي البطالة وافلاس العديد من مؤسسات الدولة. وتشير الاحصائيات الرسمية الى ان البطالة قد بلغت 10 مليون عامل، إضافة الى ملايين العاطلين في الريف، علماً ان عدد القادرين على العمل في الريف يبلغ 430 مليون نسمة.
تستند الصين في نهج تطورها الاقتصادي على الارتفاع بإنتاجية العمل وتوفير الخدمات للعمال والمستخدمين. وتقدم الحكومة خدمات اكثر للمواطنينن مع الحد الادنى للمستخدمين. وعلى اساس ذلك يجري تسريح 9 مليون من أصل 43 مليون عامل ومستخدم في جهاز الدولة. وفي محافظة ووهان تسعى الحكومة الى الارتفاع بإنتاح الفولاذ من 40 طن لكل عامل الى المعيار الياباني أي 800 طن سنوياً.
وتعتبر البطالة ظاهرة جديدة في الصين. وتفتقد البلاد الى نظام الضمان الاجتماعي، حيث توجهت الحكومة أخيراً الى تخصيص ميزانية محددة لمساعدة العمال والمستخدمين العاطلين عن العمل. ولحد الآن فإن روح التكافل بين أبناء الشعب، وخاصة في إطار العلاقات العائلية وتدني تكاليف السكن، يحد من تدهور جدي في أوساط معينة من السكان.
وتشير الاحصائيات الرسمية للدولة الصينية الى ان ما يزيد عن ثلث المصانع والمؤسسات الحكومية غير مربحة. وهذا ما اضطر الدولة الى تقديم مساعدة تزيد على 100 مليار دولار لهذه المؤسسات. ورغم ذلك اعلن عن افلاس مئات المصانع والمؤسسات الانتاجية في عام 1992. وأضطرت الدولة الى التدخل في إدارة شؤون المؤسسات بحيث تتحمل هذه المؤسسات نفسها حالة الخسارة والربح. وقد أشار السكرتير العام للجنة الدولة المكلفة بإعادة بناء الاقتصاد الى ان السياسة الجديدة للحكومة تولي اهمية أكبر لإقتصاد السوق.
وتأمل الصين بزيادة إنتاجية العمل في المصانع والمؤسسات الاقتصادية وربحيتها عن طريق جلب الرساميل والادارة الاجنبية والتكنولوجية المتقدمة بما يؤدي الى تحسين مستوى معيشة الشعب. وبسبب من النقص في الرساميل المحلية، تتوجه الصين الى جلب 25 مليار دولار سنوياً من الرساميل الاجنبية خلال السنوات الخمس القادمة. وتقوم الحكومات الاقليمية والبلديات ببيع المصانع والمؤسسات الاقتصادية غير المربحة. فعلى سبيل المثال قامت بلدية مدينة كوانك زو في محافظة فوجيان ببيع 60% من اسهم 40 مصنعاً تابعاً للدولة الى أحد مصانع هونك كونغ؟ وحصل نفس الشئ في محافظة هنان حيث بيع 200 مصنع. لقد حققت الصين مزايا من جذب الرساميل الاجنبية. إن المؤسسات الانتاجية الكبيرة الاجنبية الواقعة على الحدود مع هونك كونغ حصلت على ارباح كبيرة جراء رخص الايدي العاملة والضرائب المتدنية. وتتجاهل الحكومة في بعض الاحيان انتهاك ابسط القوانين من قبل ارباب العمل. فعلى سبيل المثال باعت الحكومة مصنعاً للنسيج الى احد الرأسماليين من هونك كونغ وتغاضت عن تسريح 1200 عامل من أصل 2000 عامل من العاملين في المصنع. ويعفى الرأسمال الأجنبي من الضرائب لمدة ثلاث سنوات ، ويدفع بعدها ضريبة قدرها 16,5%، في حين يدفع الرأسمال المحلي ضريبة قدرها 55% ومنذ السنة الأولى.
ويعتبر بيع الارض والعقار احد الطرق لجذب الرأسمال الأجنبي. بالطبع لايعد هذا الاسلوب رأسمالاً منتجاً ولا مثمراً. وبدأت في الصين حملة تقديم الامتيازات الى الشركات العالمية في ميدان الصناعة النفطية والطاقة. ومن جملة التدابير التي إتخذتها الحكومة هي إعطاء الحق للرأسمال الأجنبي بإمتلاك محطات الطاقة. والهدف من ذلك هو سعي الصين للحصول على التكنولوجيا المتقدمة في ميدان انتاج الطاقة واستخراج النفط وتكريره لسد الحاجة الى الطاقة في الزراعة والصناعة، علماً ان الصين تحتل المقام الرابع في تكرير النفط.
بالطبع فإن الحصول على التكنولوجيا المتقدمة يتطلب إقامة علاقات مناسبة على النطاق العالمي. وعلى الرغم من الاجراءات التي اتخذتها الادارة الامريكية ضد الصين بسبب قضايا تتعلق بحقوق الانسان او بيع الصين لبعض نماذج الاسلحة الى باكستان، الا ان الادارة الامريكية لها مصلحة في اقامة روابط نشطة مع الصين. وعلى هذا النهج بادرت الادارة الامريكية الى رفع الحصار عن فيتنام.
ولكن يبقى السؤال مطروحاً حول آفاق التطور الاجتماعي والاقتصادي في الصين. هل تتعارض هذه التدابير مع السياسة المعلنة للحكومة الصينية؟ وما هي حدود الامتيازات التي تقدمها الصين لجذب الرساميل؟ وكيف ستعالج مشكلة البطالة المتزايدة؟ والى أي حد يستطيع الرأسمال الخاص المتنامي حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الصيني البالغ التلون والتعقيد؟ لا بد ان المستقبل سيقدم الاجوبة المقنعة على تساؤلاتنا.


* نشر المقال في آيار عام 1995 في جريدة الحياة اللبنانية

¤ مقال اخر عن الصين " الصين : التخلي عن نهج حرق المراحل "