| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

االأربعاء 1/3/ 2006

 

 

على هامش الاحداث الخطيرة في العراق


نتيجة منطقية للواجهات المذهبية في الصراع السياسي

 

عادل حبه

قد لا أبالغ ولا أجافي الحقيقة اذا وصفت احداث الايام القليلة الماضية في العراق بأنها من أخطر الاحداث التي مرت على العراق منذ عقود بسبب ما سيكون لها من تأثرات سلبية أخلاقية وروحية وإجتماعية وسياسية على المجتمع العراقي. إن اللجوء إلى نسف ضريحي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء بهذه الطريقة البربرية، وهما ليسا بثكنات عسكرية للقوات المتعددة الجنسيات ولا مواقع تابعة للشرطة والجيش العراقي، وما تبعها من "حرب المساجد" هو أوج ما أنتجته قريحة التطرف الديني الإرهابي بكل ألوانه والممارسات المشينة لمافيات الجريمة الذي شهده العراقيون منذ الإطاحة بنظام القبور الجماعية. إن هذا الفعل الشائن لهو أكبر دليل على أن هدف كل التيارات والميليشيات المسلحة لا يتحدد في إخراج القوات الأجنبية، فما يعلنونه ما هوالا دجل وتضليل. فالهدف الحقيقي يكمن في مساعي لأعادة الإستبداد من جديد ليلقي بثقله على العراقيين وبشكل أكثر بشاعة، أو إقامة "خلافة" ظلامية على غرار ما أقاموها في أفغانستان على يد ملا عمر؛ أي العودة بالعراقيين إلى عهود من الإنحطاط والتخلف. وقد أكدت الأحداث الأخير هذه الحقيقة الناصعة،إضافة الى ما تعلنه صراحة هذه الزمر في شبكاتها التلفزيونية والإنترت وصحفها وتصريحات "أمرائها" كل يوم وبدون أية رتوش عن نواياهم الشريرة ضد العراق.
ولعل ما تحدث به السيد طارق الهاشمي، زعيم الحزب الاسلامي الديني المذهبي، مع السيد بوش رئيس الولايات المتحدة في أوج أزمتنا العراقية، هو دليل دامغ آخر على رياء هذه التيارات التي لا تكف عن ترديد "الآيات والتعاويذ" حول الكفار وتزيين وتبرير ما تقوم به "المقاومة" الشريفة وغير الشريفة من سفك للدماء. ففي إتصاله التلفوني الأخير مع الرئيس بوش لم يطلب السيد طارق الهاشمي منه سحب قواته من العراق، بل طالب ببقائها وتدخلها ضمناً، عندما إنتقد وقوف القوات الأمريكية موقف المتفرج من هجوم "جحافل جيش المهدي" المتطرفة من المذهب الآخر والتي راحت تحرق وتهدم مساجد ومراكز الآخرين.
و بغض النظر عن الجهة المسؤولة ومسبب هذه الجريمة اللاخلاقية وذيولها سواء أكانوا عراقيين أم غرباء، وأعتقد ان اليد الاصلية واحدة، فإن هناك حقيقة مرة يجب أن نعلنها بملأ أفواهنا ونصارح أنفسنا بها قبل غيرنا وهي أن العراق وأوساط من شعبه أصبح، وحتى قبل إنهيار السلطة السابقة، ملاذاً وحاضنة للجريمة والارهاب، بل ومفرخ لهاتين الظاهرتين الخطيرتين اللتين تحرقان الأخضر واليابس. فالنظام السابق أشرك وربى وسطاً من العراقيين على الجريمة وأضحت هذه الافعال لدى البعض ضرباً من الرجولة والفهلوة. وجاءت الحروب الخارجية والداخلية وخرابها الإجتماعي لتغذي هذه الظاهرة الخطيرة التي تعتبر قتل الناس وتدمير البلد ضرباً من العبث واللهو ومصدراً للثراء. كما اضيف إلى هؤلاء "البضاعة" الواردة من الخارج من التكفيريون والمتطرفين الدينيين العرب ومن يحتضنهم من العراقيون من الذين تلقوا الاموال الطائلة من أثرياء الارهاب في الخليج لتربية مجاميع أخرى على العنف وإزهاق أرواح من لا يستسلم لإرهابهم وتخريفاتهم. وللأسف أنظم إلى هؤلاء بعد الإطاحة بالنظام السابق وسط آخر ومن العراقيين أيضاً من بعض المتضررين من ظلم النظام السابق وتكفير الارهابيين والذين إنزلقوا هم الآخرون الى هاوية هذه الثقافة المدمرة وأندمجوا في موجة الجريمة. وهكذا تحول العراق الى ما يشبه ما يجري في الباكستان من مذابح يومية بين الطوائف الدينية أو جرائم الفتك بالابرياء وتدمير مصادر رزق الناس.
إن جريمة تدمير المرقدين المقدسين في سامراء وبيوت الله، وقبلها الكنائس والحسينيات في مدن العراق المختلفة والمذابح المريعة لتشكل إدانة صارخة لمن يتم وصفهم بزيف "بالمقاومين" أو "المجاهدين" و" جيوش فلان ..وفلان" أو "أنصار هذا المذهب أو ذاك" ممن يحملون السلاح في العراق من إرهابيين وتكفيريين وأدعياء الدين اوالمروجين للعنف من فلول النظام السابق أو أشباه رجال الدين سواء في الصحف العراقية او الاقنية التلفزيونية العراقية والعربية، إضافة الى كل الزمر الإجرامية المتسترة بالمذاهب والدين لقتل الناس وتدمير البلاد وأزهاق أرواح العباد ونسف كل أركان وقيم الإيمان الديني وما يتعلق بها من ثقافة الرحمة وحب الإنسان. فبعد كل هذه المجازر وتدمير القيم الروحية، ينبغي على العراقيين ان يعوا وينفضوا غبار الخديعة والجهل والجريمة والا سيدخلوا بلادهم العراق الكريم في نفق لا يخرج اي من العراقيين سالماً منه ولا يخرج منتصراً أي من أدعياء المذاهب المتصارعين على الكراسي.
وأعتقد جازماً إن ما شدد محنة العراقيين وإتخاذها هذا الطابع الغريب هو أن النزاع والصراع السياسي إتخذ طابعاً مذهبياً حاداً خاصة بعد الإطاحة بحكم البعث. فالقناعة الدينية أو المذهبية تتحول إلى بركان مدمر عندما تصبح واجهة للمنافسات السياسية والصراعات الرخيصة على السلطة مما سيزعزع حتى الإيمان الديني والمذهبي عند أبناء شعبنا من ذوي النية الحسنة والخيرين البسطاء. ينبغي على الجميع، وخاصة رجال الدين، ان يدرك انه لا يمكن إسقاط القناعة المذهبية أو الصراعات المذهبية التي تمتد إلى أكثر من ألف سنة على واقعنا البائس. وإن تصنيف العراقيين على أساس كونه من أهل السنة وذاك من آل البيت أو رافضي وصفوي يراد به التنكيل بالعراقيين وتحطيم الهوية الوطنية العراقية. فالعراقيون الغارقون في محنتهم وغير العراقيون غير قادرون على حل عقدة شائكة تاريخية متمثلة بالصراعات المذهبية والتي لم تستطع حلها كل الاجيال السابقة. فهذا الإسقاط يزيد من بؤسنا ويحطم بلادنا التي تحتاج الى قدر من الهدوء لإعادة البسمة إلى وجوه أطفالنا. إننا نشهد في واقعنا العراقي هذا الاندفاع الغريب لبعض رجال الدين في خوض مضمار السياسة مما أفقدهم الهيبة الروحية والمنزلة الوجدانية وتحولوا الى جنرالات وضباط شرطة أو وسطاء لقبض الفديات المالية والسطو على الملايين من الدولارات وتقديمها الى الإرهابيين . فالبعض منهم مولع بتشكيل "كتائب ثورة العشرين وجيش محمد وفيلق بدر وجيش المهدي" التي يصرف عليها أموال إسطورية ولا يعرف مصدرها. وهناك آخرون لا يكتفون بتشكيل حزب مذهبي واحد بل ثلالثة منها أو أكثر!!
وهناك أمر هام زاد من صلافة المتطرفين والأرهابيين وهو هذا التعثر الغريب في العملية الدستورية. فبعد أكثر من شهرين على إنتهاء الإنتخابات مازالت القائمة العراقية الموحدة تصارع نفسها من أجل تسمية مرشحها لرئاسة الوزراء. وهذا يدل على أن هذه القائمة لا تملك اية خطة وسياسة وتشكيلة مسبقة في حال فوزها في الانتخابات مما خلق فراغاً دستورياً خطيراً يقدم جرعة معنوية فاعلة لكل اعداء الديمقراطية في العراق ولكل فرق الموت. فبعد "الجر والعر" خرج الدخان الابيض من صومعة هذه القائمة ليعلن فوز ترشيح الدكتور ابراهيم الاشيقر لمنصب رئاسة الوزراء بفارق صوت واحد على منافسه الدكتور عادل عبد المهدي، نعم بفاق صوت واحد إستطاع فيها الدكتور ابراهيم الاشيقر الفوز بها بعد مناورات سياسية عجيبة فضحها الشيخ اللبناني السيد هاني فحص خريج الحزة العلمية في النجف. فقد إستمال الدكتور الاشيقر مقتدى الصدر، الذي يعلن انه لا يعترف بالدستور العراقي وينظم فصائل مسلحة خارج الإطار الرسمي، لكي يفوز الايقر بهذا المنصب الفاني. هنا نتساءل كيف سيوفق الدكتور ابراهيم الاشيقر بين تمسكه بالدستور العراقي الجديد وبين رفض حليفه له؟ وكيف سيوفق الاشيقر بين سياسته القائمة على تمديد فترة بقاء القوات المتعددة الجنسيات وبين من يطالب برحيلها فوراً بل ومحاربتها كما يعلن مقتدى الصدر لا في العراق فحسب، بل وضدها في كل مكان سواء الى جانب احمدي نجاد في ايران أوبشار الاسد في سوريا أو حماس في فلسطين أو حسن نصر الله في لبنان لتحرير مزرعة شبعا الصغيرة في جنوب لبنان؟؟ أين الصدق في هذه التحالفات ولماذا لا يجري كشف الاوراق للعراقيين المنكوبين وفضح هذا الرياء. ان هذه السياسة لا تجلب رضى 49% من أعضاء قائمة الائتلاف العراقي الموحد، فكيف سيستطيع رئيس وزرائنا المقبل اقناع كل العراقيين المفترض انه سيمثلهم في حالة فوزه بهذا المنصب؟
ان واقع العراق المحتقن يحتاج الى قدر كبير من رحابة الصدر وبعد النظر بعيداً عن الخطاب المذهبي الطائفي والتمسك بعزيز الهوية العراقية ورص صفوفهم حول أهداف عراقية عامة وبالمصارحة والشفافية، كما يعلنها على الدوام مرشح قائمة الائتلاف العراقي الموحد الدكتور ابراهيم الجعفري. كما أنه يجب إحترام ارادة الناخب العراقي والتباحث تحت قبة بيت الشعب، مجلس النواب العراقي، في بغداد عاصمتنا وليس خلال رحلات مكوكية الى السليمانية واربيل والنجف. فمجلس النواب العراقي هو المكان الشرعي الوحيد للئم الجراح ولم الصفوف وتشكيل حكومة من اصحاب الكفاءات وليس اصحاب الشعارات والمضاربات المذهبية لكي يحل السلام والامن ويكبح الارهاب وشروره وينتهي مسلسل الموت والدمار ويعلوالعراق واهله بكل الوانهم الزاهية.