| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

السبت 17 /12/ 2005

 

 

 

هل كل ما بني على باطل هو باطل على الدوام؟

 

عادل حبه

منذ ان دخلت القوات الاجنبية الى العراق في التاسع من نيسان عام 2003 وما تبعه من انهيار حكم الطاغية، تكررت الى اسماعنا عبارة "كل ما بني على باطل هو باطل" من قبل بعض العراقيين من رجال دين وسياسيين سواء بحسن نية تستند الى عدم قبولهم بالاحتلال الاجنبي او من البعض من العراقيين ممن فقدوا سطوتهم وامتيازاتهم في ظل النظام السابق محاولين من خلال هذا الشعار استعادة طغيانهم على العراق مجدداَ. وردد هذا الشعار البعض من غير العراقين سواء مواطنين عرب وغير عرب من الشيشان والافغان والباكستان وخاصة اؤلئك المتعاطفين مع التيارات الارهابية الدينية التي ترى في الحدث فرصة للقفز على العراق وبناء "امارتهم الظلامية" دون احترام لارادة العراقيين وموقفهم والاستماع الى وجهة نظر الاغلبية منهم.
وهكذا انخرط انصار هذا الشعار بحملة عنفية وغير عنفية لتسفيه كل اجراء يتم على طريق تطوير العملية السياسية وبناء المؤسسات المنتخبة من قبل الشعب والسير بالعراق على طريق الديمقراطية ودولة القانون بعد الاطاحة بنظام التجبر والاستبداد. ان العراقيين هم ليس اول شعب ولا الاخير الذي يبني مؤسساته المنتخبة اما في ظل الاحتلال الاجنبي او وجود القوات الاجنبية على اراضيه. فالشعب العراقي نفسه سن اول دستور للدولة العراقية الحديثة ومارس اول انتخابات رغم وجهة النظر فيها في ظل الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الاولى. ولم يطالب آباء واجداد من يرفع شعار "ما بني على باطل فهو باطل" اليوم بوقف العملية الدستورية آنذاك على محدوديتها، بل انهم يترحمون على تلك الايام. اما الشعب الفلسطيني فهو الآخر يمارس العملية الديمقراطية في ظل نظام استيطاني عنصري بعد ان تم تشريد الفلسطينيين من ارضهم. ومع ذلك يصر الفلسطينيون بمن فيه انصار التيارات الدينية المتطرفة على خوض العملية الانتخابية في ظل الاحتلال الاسرائيلي، ومن المفارقة ان لا يردد البعض من رجال الدين والساسة الفلسطينيين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، ممن يدينون العملية السياسية في العراق، معزوفة " كل ما بني على باطل فهو باطل". ولو راجعنا امثلة اخرى فان الامر يتعدى ذلك الى دول بنت انظمة ديمقراطية يشير اليها بالبنان الآن. فالجمهورية الفرنسية التي قامت على انقاض الاحتلال الهتلري لفرنسا واضحت تعيش في ظل وجود القوات الامريكية التي قهرت القوات النازية، بنت نظاماً ديمقراطياً هو الارقى في تاريخ فرنسا منذ الثورة الفرنسية. كما يمكننا ان نشير في هذا الصدد الى امثلة اخرى كاليابان وايطاليا وكوريا الجنوبية وغيرها والتي شقت طريقها الى النظام الديمقراطي.
لقد اوضحت الانتخابات الاخيرة التي جرت في العراق في 15 من كانون الاول لانتخاب اول مجلس للنواب هشاشة فكرة "ما بني على باطل هو باطل"، واوضح العراقيون بمشاركتهم الشاملة انه من الممكن،اذا اعتقد البعض ان وحود القوات المتعددة الجنسيات هو باطل، ان يشارك العراقيون في انتخابات اجمع الكل على مشروعيتها وانها غير باطلة. فعلى الرغم من جعجعة الصعلوك "الغريب" ابو مصعب الزرقاوي حول "غزواته" والتلويح بسيفه وخنجره الا ان العراقيون، بمن فيهم اؤلئك الذين قاطعوا الانتخابات السابقة او حرموا منها بسبب تهديدات فلول صدام وحلفائه التكفيريين، شاركزا وقالوا عملياً ان الانتخابات غير باطلة. فقد شارك في الانتخابات حتى اؤلئك الذين حملوا السلاح العبثي الذي وجه ضد العراقيين اساساً، والذبن فطنوا لمناورة من يريد العبث بالبلد واثارة الفتنة بين العراقيين والذين يعلنونها جهاراً ان لا مستقبل للاستقرار في العراق كما اكد ذلك مشعل من قادة التطرف الديني في فلسطين في خطاب له في الجامع الكويتي في دمشق. لقد تيقن من ارتهن للارهاب من العراقيين في بعض مناطق العراق ان الارهابيين لايريدون الاستقرار والمستقبل لاولادهم وبلدهم وهم بمشاركتهم في الانتخابات سحبوا البساط والغطاء السياسي للمنظمات الارهابية التي كانت تدعي الدفاع عن دينهم وعرضهم. كما ان هذه المشاركة قد سحبت البساط عملياً من بعض المؤسسات الدينية التي تدعي النطق بهذه الطائفة او تلك والتي دعت في فتاوى لها الى مقاطعة الانتخابات كما اعلن ذلك السيد حارث الضاري بعد مقابلته لبشار الاسد في دمشق قبيل الانتخابات.
ان صندوق الانتخابات في الخامس عشر من كانون الاول عام 2005 سيظل صندوقاً تاريخياً لانه لستطاع توحيد العراقيين وان يكون الحكم الفصل في تحديد مستقبلهم. ان العراقيين في مشاركتهم الواسعة في الانتخابات الاخيرة قد ادان لغة الخناجر والمفخخات وقطع الاعناق وحرق مقرات الاحزاب، لغة التطرف الطائفي والقومي، لغة الغرباء الذين وفدوا الى العراق ببضاعاتهم الطائفية والتكفيرية. نعم مرحى لعراق الديمقراطية، عراق الحوار الاخوي الجاد لبناء البلد العزيز الذي خربته الاعاصير السوداء والتطرف الديني والطائفي والقومي ليصبح بارادة العراقيين واحة للديمقراطية والابداع والازدهار والتآخي القومي والمذهبي لاعلاء شأن ارض السواد والجبل، ارض من سن اول شريعة ودستور، ارض اهل الخير. ومرحى للعراقيين في جولتهم الانتخابية الاخيرة لكي يؤسسوا حكومة عراقية للجميع لا لطائفة ولا لعنصر، بل لكل العراقيين.