| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الثلاثاء 13/6/ 2006

 

 


الزرقاوي في ذمة الشياطين

 

عادل حبه

لم ير العراقيون البسمة ويتحسسوا الامل منذ الاطاحة بنظام القبور الجماعية وحتى الآن الا في ثلاثة مرات، الاولى عندما هدم تمثال الطاغية في ساحة الاندلس، والثانية عندما تم القاء القبض على "القائد المنصور" في احد جحور الدور. أما الاخيرة فهي عندما تم الاجهاز على "شيخ طريقة" سفك الدماء ومثير الفتن الطائفية في العراق، المتوحش الزرقاوي.
هذه الفرحة التي انتابت العراقيين في كلا الأحداث الثلاثة لها دوافع واسس تعود الى الكثير من تشابه السمات الشريرة لكلا "فارسي" التطرف والعنف والتعطش لسفك الدماء. فصدام حسين هو الذي نصب طاحونة الموت التي طالت مئات الالاف من العراقيين الابرياء، حتى انه قام شخصياً بقتل ضحاياه ومن ضمنهم اقطاب حزبه. كما انه هو الذي بدء حياته "النضالية" بالسرقة والنهب والاعتداء على ابناء بلدته بمن فيه معلمه. ثم انتقل من حياة الصعلكة والسطو الى حياة أخرى لاتختلف من حيث شرها ولكن "بجعجعة" قومية فاشية غارقة في التطرف، استلهمها من خاله الذي تدرب على يد النازيين العراقيين. و شرع صدام حسين حين تسلط على رقاب العراقيين بزرع افضع ممارسات التطرف والتمييز القومي والطائفي في ارض الرافدين. واضافة الى كل هذا التراث البغيض، فإن هذا العنصر الشاذ لم يكتف بإيذاء العراقيين، بل مد بساط بطشه وتجبره المخجل الى شعوب مجاورة كالشعب الايراني والكويتي فدمر ما دمر وزرع الموت ونهب ما تيسر له. وتكاد تنطبق نفس هذه المواصفات المشينة على "المجاهد" و"شهيد الامة"، واية امة، احمد فضل الخلايلة الاردني، والملقب بأبي مصعب الزرقاوي، مع الاختلاف في المكان والخطاب والزي. فهذا الاخير بدء هو الآخر حياته بالصعلكة والسطو والسرقة والاعتداء على ابناء بلدته الزرقاء في الاردن. وسرعان ما تلقفته ايادي اقطاب التطرف والارهاب الديني الذين يبحثون عن ضالتهم في مثل هذه النفوس المريضة والشريرة لتنفيذ مآربهم للحط من مكانة الدين وسمعته، والحاق اقسى الاذى بعباد الله وابناء جلدتهم. هذه الافعال وكأنها مدبرة سلفاً لاستعداء شعوب العالم على المسلمين ودينهم وتقاليدهم وهو ما لم تستطع تحقيقه اية قوة في كل تاريخ الاديان. ان هذا "الغريب"، هو الآخر، لم يكتف بزرع القتل والدمار والفتنة في بلده الاردن، بل تعدى ذلك الى الحاق الشر بشعوب أخرى كالشعب الافغاني وأخيراً العراقي الذي تحمل الامرين من فسق هذا الانسان وبشاعة ممارساته.
ان ما يتميز بها كلا الطرفين هو اعتمادهما على شلة من القتلة والمأجورين الذين يمكن اختراقهم وشراء ذممهم لكي يدلوا على اقطابهم والوشاية بهم. وهذا ما حدث بالفعل. فالاول تعرض للوشاية من قبل اذنابه لقاء مبلغ 50 مليون دولار، وهو يكفي لاطعام المواشي وعشيرته وابلهم لفترة طويلة. اما الزرقاوي فقد تمت الوشاية به من احد انصاره هو الآخر لقاء مبلغ 25 مليون دولار.
ولكن ينبغي ايضاُ قول كلمة حق، فعلى الرغم من كل هذا التشابه بين هذين الشريرين، الا ان الزرقاوي امعن في صلافته واستمر في زرع الموت في كل نواحي العراق، ونصب من نفسه، وهو الذي جاء من بيئة متخلفة، "أميراً للموت والتدمير في بلد نهضت عليه حضارات كانت دلئماً مثار نقمة المتخلفين من أسلاف الزرقاوي وأضرابه. . في حين ان "رئيسنا الملهم والفلتة وبطل الصولات الكارثية" و "فارس الامة" و "سيف العرب" تردد في أعلان نفسه "اميراً" شأنه شأن قرينه الزرقاوي.
ان لسقوط الزرقاوي، كما هو حال سقوط طاغيتنا السابق، دروس وعبر لمن يريد العبرة و الاتعاض، وما اقلهم في بلداننا العربية. ولربما ان احد اول الدروس والعبر هي ان تقليعة المتاجرة بالدين وترديد الايات القرآنية زوراً وتبرير قتل الابرياء بحجج "شرعية" و "بمحاكم دينية عبثية" واقحام الدين في السياسة ودروبها ما هو الا باب مسدود ومحفوف بالمخاطر ولا يعود على من يغامر به الا بالخزي واللعنة. قد يؤجج هذا الاسلوب المشاعر النبيلة للناس البسطاء، الا أنه يوقعهم في الهاوية ولا يحل مشاكلهم ولا يوحد صفوفهم، بل ويدق اسفين العداء بينهم. ان استغلال الحجج الدينية في بازار المضاربات السياسة والتطرف ألحق و يلحق اكبر الاضرار بالمعتقد والايمان الديني ومقدسات المؤمنين. ولعل تجربة ما جرى في افغانستان اثناء حكم ملا عمر والطالبان والتجربة الايرانية الحالية وكوارث الحركات الدينية في الجزائر وغيرها من البلدان وآخرها تجربة المحاكم الشرعية وميليشياتها المسلحة التي تزحف من مدينة الى اخرى في الصومال هي غيث من فيض من الامثلة التي يزخر بها عالمنا بل وتاريخنا والتي لم تجلب الخير لشعوبنا ولا الاحترام والاستقرار لهذه الانظمة. فهذه الظاهرة لم تجلب لنا سوى"امراء الموت" و "الذباحين" و"قاطعي اعناق الابرياء" و "امراء الخاوات"، وجر مجتمعاتنا الى هاوية الظلامية والتقهقر والتي لم تشهده بلداننا العربية والاسلامية نظيراً لها حتى في اشد العهود ظلامية من تاريخنا. إن سقوط الزرقاوي بهذه الطريقة الدرامية لخير دليل على الافق المسدود لهذا الخيار.
اما العبرة الاخرى، وخاصة بالنسبة للعراقيين منهم، فهي ان التدخل في الشؤون الداخلية لشعب آخر هو ضرب من العبث لا طائل ولا جدوى منه. فالتذرع بموضوعة "الامة" الواحدة دينية كانت ام قومية، وتحويل هذه الموضوعة الى ذريعة تسمح لتدخل من هب ودب في امور شعوب أخرى بحجة الواجب الشرعي والقومي، لا يحل مشاكل هذه الشعوب بل يزيدها تعقيداً وتدهوراً. ولعل مصير الشعب الفلسطيني هو خير مثال على استدلالنا. فقد جيّش الحكام العرب الجيوش والمتطوعين من كل بقاع الدول العربية بذرائع دينية او قومية، وتحولت القضية الفلسطينية الى "المسألة المركزية" في العالم العربي، حتى يتسنى للعابثين خلط الاوراق فيها. وبقي الشعب الفلسطيني بعيداً حتى عن التفكير في تقرير مصيره واختيار السياسة المناسبة التي ينبغي عليه اتباعها. وتركت زمام الامور للمضاربين العرب وغير العرب وآخرهم المضاربون الايرانيون. وصارت القضية الفلسطينية مادة للمتاجرة بين العرب وغير العرب حكاماً وتيارات سياسية وميداناً للصراعات بينهم. فصدام حسين يهاجم ايران تحت شعار"الطريق الى القدس عبر عبادان". وحكام ايران المتطرفين يغزون الاراضي العراقية تحت شعار"الطريق الى القدس عبر كربلاء!". فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة ان احتلت كل الاراضي الفلسطينية من قبل المعتدين الاسرائيليين بعد ان وضعت القضية الفلسطينية في سلة الحكومة المصرية وحساباتها الخاطئة ومضارباتها. وضاقت عملياً امكانية تمتع الفلسطينيين بحق تقرير المصير.
ان البعض من العرب وغير العرب يحاول تطبيق نفس البدعة في العراق عن طريق زمر مشبوهة من امثال القاعدة والتكفيرييين وفلول حزب صدام واجهزته القمعية ومريديه في كل الدول العربية بل وحتى من الافغان والباكستانيين والبوسنيين، وبدعم من اثرياء الارهاب في الخليج بذريعة "حماية الامة" من "الكفار" وغيرها من الخزعبلات. انهم لم يعطوا ولا يريدون ان يوفروا الفرصة للعراقيين لحل المشاكل الضخمة التي ورثوها من النظام السابق. لقد عارض ادعياء الحرص على العراق من "عتاة الامة" موقف غالبية العراقيين، في اسلوب تدبير شؤونهم والتعامل مع وجود القوات الاجنبية على اراضي بلدهم وكيفية انهاء هذا الوجود. وغدا واضحاً الان ان هدف العصابات الاجرامية، التي عبرت الحدود ومن يحميهم من الخونة العراقيين ومن شتى الالوان، هو القتل الجماعي للعراقيين كل العراقيين وتدمير العراق وتحويله الى ميدان لعبث هؤلاء وليس "حماية الامة" والدفاع عن "ناموسها" وما شاكل ذلك من الذرائع الواهية.
ان من العبر الهامة لمصير الزرقاوي وامثاله هي ان على العراقيين ان يأخذوا قضيتهم بيدهم ويوحدوا جهودهم، فهم لا يحتاجون الى اوصياء من اصول متخلفة ومتطرفة وجاهلة ولا تعرف ما يجري في العالم. ان سعي البعض من العراقيين الى تغليب التباين في الدين والمذهب والعرق والمنحدر على هويتهم التي وحدتهم وتوحدهم، وهي الهوية الوطنية العراقية، باطيافها والوانها هو ضرب من التدمير الذاتي. كما ان هذا التغليب لا يؤدي الا الى تمهيد وتعبيد الطرق لتدخل العامل الخارجي وتعقيد الوضع في البلاد. ولعل في تجربة السنوات الاخيرة الثلاث من حياة العراقيين خير دليل على ذلك. فالمبالغات في الخصائص المذهبية ومراسيمها الدينية لشتى الطوائف غطت على ما هو مشترك بين العراقيين. وتحول الصراع السياسي في المجتمع العراقي، وهو موجود في كل مجتمع، الى صراع مذهبي وتصفيات خطيرة طالت الالاف من الابرياء وعلى الهوية المذهبية. وفي مسعى لتمزيق النسيج العراقي ووقف اي مسعى لتطوير العملية السياسية، قامت دول اقليمية مثل ايران وعدد غير قليل من الدول العربية والحركات التكفيرية فيها، و بيانات الزرقاوي شاهدة على ذلك، وحتى العديد من الحركات السياسية، بدعم التيارات المتطرفة الطائفية والقومية لتحويل العراقيين الى ادوات لمخططاتهم والعراق الى ساحة تصفيات سياسية ليس للشعب العراقي اي مصلحة فيه، تماماً كما حدث في لبنان منذ الحر الاهلية وحتى الآن.
لقد ادرك الكثير من العراقيون خفايا اللعبة التي يلعبها الارهابيون وفلول النظام السابق في العراق وما يخططون من تدمير للبلد بحجة "مقاومة الاحتلال" او "الجهاد والقيام بواجبهم الشرعي والقومي". واصبح واضحاً اكثر من اي وقت مضى، خاصة بالنسبة للعراقيين القاطنين في المناطق الساخنة، ان هؤلاء الارهابيين لا يريدون الاستقرار والازدهار للبلد ولا المستقبل لاولادهم، فراح العراقيون يضيقون الطوق حول هذه الشراذم بعد ان امعنوا في المذابح في الرمادي وباقي مدن الغربية، مما اجبر هذه العصابات على الفرار والتوجه نحو مناطق نائية في محافظة ديالى، وهو ما اثار العراقيين في تلك المناطق وبادروا الى اخبار السلطات عنهم والايقاع بهم. ولنعترف ان هذه ظاهرة جديدة في الوسط العراقي بعد ان تم خلط الاوراق قبلئذ، وهي لا تعني الا الى ان العراقيين بدأوا يسيرون في الطريق الصحيح ويسدون الثغرات التي ينفذ منها الارهابيين واعداء وطنهم. واصبح خيار التطرف والارهاب في طريقه الى الخذلان. وفي الواقع انها لابلغ عبرة لمن يريد دفع العراقيين الى هاوية التدمير الذاتي واقتتال ابناء الوطن الواحد وعرقلة المساعي لانتشال ارض السواد والجبل من هاوية التخلف ومنعه من الشروع باحياء هذا البلد الكريم.
ولعل ابرز عبرة لمصير الزرقاوي واضرابه كونه برهان على خطل النزوع الجارف نحو تشكيل الميليشيات المسلحة وتحويلها الى ادوات سياسية عنفية لفرض مجموعة من الناس ارادتها بالقوة على الآخرين بما يعطل الخيار السلمي الحر للمواطن العراقي في تقرير شؤونه. والامر سيان سواء اكانت هذه الميليشيات مناهضة للعملية السياسية الجارية في العراق او تدعي كذباً انها تسعى لاخراج القوات الاجنبية، او انها تدعي العمل في اطار هذه العملية السياسية. ان سلسلة الانتخابات التي جرت في العام الماضي اكدت بوضوح ان العراقيين بسعون لحل جميع مشاكلهم سلمياً وليس عن طرق القوة المسلحة بما فيها قضية التعامل مع مسألة وجود القوات الاجنبية في العراق. وعلى هذا فإن اي حديث عن "مقاومة مزعومة شر يفة كانت ام غير شريفة" هو ستار لتغطية اعمال فوضوية عشوائية ارهابية لا غير. وينبغي على جميع التيارات السياسية العراقية، وخاصة تلك التي تشارك في العملية السياسية الاعلان فورا والاقدام على حل الميليشيات من جنوب العراق الى شماله دون ابطاء لكي يسدوا الطريق على المغامرين والبلطجية من امثال "الزرقاوي" وخليفته المزعوم "ابو حمزة المهاجر" في الفتك بالعراقيين تارة باسم اخراج المحتل او "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" او تطبيق الشريعة الاسلامية. فالقانون العراقي هو الفصل في التعامل مع اية ظاهرة مضرة بالمجتمع وليس شراذم البلطجية او "كتائب" بعض رجال الدين. وعلى الجميع ان يحترم قرار الجمعية الوطنية بحل الميليشيات المسلحة والشروع بجمع السلاح الذي نهب من ترسانات الدولة العراقية ومنع اي شخص يتستر بزي الملثمين والالبسة السوداء لتدمير البلد، وحرمان رجال الدين من رعاية الميليشيات المسلحة واجبارهم الى العودة الى مهمتهم الوجدانية وليس العسكرية والارهابية. ان السيد رئيس الوزراء الجديد قد وضع اليد على الداء عندما اعلن في اول خطاب له عن نشاط حكومة الوحدة الوطنية حل الميليشيات المسلحة التي تحولت الى كارثة على البلد. وهنا لم يعد هناك اي تبرير للسيد طارق الهاشمي – نائب رئيس الجمهورية-، وهو الذي يشارك في الحكم، في ترديد تصريحاته حول "المقاومة الشريفة" والدفاع عنها والسكوت على نشاطات "جيش محمد" وغيرها من التسميات التي تتستر وراء هيئة علماء المسلمين. كما انه ليس هناك اي مبرر للابقاء على ميليشيات مقتدى الصدر وهو الذي يشارك باربعة او خمسة وزراء في الحكومة الجديدة. وسوف لا يجد السيد عبد العزيز الحكيم اي مبرر رصين للاحتفاظ بمنظمة بدر التي مازالت تعمل كمنظمة مسلحة رغم تغيير اسمها. ان مسؤولية الحفاظ على العراق واحترام القانون تقع على الجميع ولكي يبقى السلاح بيد الدولة التي عليها تأمين الأمن للمواطنين.
ان مصير الزرقاوي وهلاكه هو ضربة موجهة الى كل العقليات الفوضوية والتطرف التي سادت العراق حتى قبل الاطاحة بالنظام السابق. ولكن حال العراق الآن يحتاج الى المزيد من الجهد لتصفية ثقافة العنف والتجبر، ثقافة البندقية والسيف والعبوة الناسفة والرجال الملثمين والجهالة ، لكي ننتقل ببلادنا الى ثقافة الحوار والتسامح والعلم والتنوير، التي بدونها لا يمكن الحديث عن عملية احياء العراق وازدهاره.