| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk
http:// adelhaba.hotmail.com

 

 

 

الخميس 11/6/ 2009



مرة أخرى نؤكد
" بدون قانون للأحزاب لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة "

عادل حبه

لعل من بين الأمور التي تثير التساؤل والقلق في عراق اليوم هو مصير الحياة الحزبية وسلامتها والموقف من الأحزاب السياسية في البلاد. وتنتاب الرأي العام العراقي الكثير من الحيرة والتساؤل وحتى السلبية إزاء الأحزاب التي انتشرت بشكل مثير وفوضوي بعد انهيار نظام الطغيان في نيسان عام 2003 . فقد بلغ عدد الأحزاب التي شاركت في انتخابات مجالس المحافظات ما يزيد على 500 كيان سياسي، وهو رقم كبير قياساً بحجم العراق وعدد سكانه. ويلعب عدم وجود تشريع للنشاط الحزبي والمهني دوراً مؤثراً في استمرار هذه الفوضى "الحزبية" الخطيرة التي تعم البلاد. فإن فقدان التشريع الخاص بالأحزاب من شأنه أن يشوّه العملية الديمقراطية الفتية ويعطي صورة سلبية ومشوهة للمواطن العراقي حول جدوى الأحزاب والحياة الحزبية، بل ويعرقل استتباب الأمن والاستقرار، ناهيك عن تبلور موقف سلبي لدى المواطن العراقي إزاء أية انتخابات. وهذا ما أكدته انتخابات مجالس المحافظات الأخير حيث لم يشارك فيها إلاّ قرابة 40% ممن يحق له الاقتراع .

ومما لا شك فيه أن الحزب السياسي هو مكون ضروري في الدولة الديمقراطية. فالحزب السياسي مكوّن يساعد على صياغة الآراء والتعبير عن الإرادة السياسية للمواطنين. كما أنه يتحمل مسؤولية في نضوج وحُسن أداء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والسلطة الرابعة ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى. ولكن هذا الدور يصبح ممكناً فقط إذا ما مارس الحزب السياسي نشاطه ضمن إطار تشريعي ديمقراطي وليس في ظل الفوضى السائدة الآن في الحياة الحزبية الناشئة في العراق. ويمكننا القول وبدون مبالغة إن غالبية الأحزاب العاملة على الساحة العراقية هي بعيدة كل البعد عن جوهر العملية السياسية الديمقراطية التي يراد لها النجاح في بناء دولة عراقية حديثة كنقيض للأنظمة التي تحكمت بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في مطلع عشرينيات القرن الماضي. إن تجربة السنوات الست الماضية برهنت على أن غالبية هذه الأحزاب لم تساهم في صياغة وعي وطني ديمقراطي لدى المواطن العراقي، فقد كانت تمعن في الكيدية والعزف على وتر الطائفية والمناطقية والأثنية والعشائرية والعائلة، وكانت عاملاً في تغذية العنف والاحتقان الطائفي. وبذلك أبقت هذه الأحزاب الناخب العراقي في إطار هذه المظاهر السلبية والرجعية، بدلاً من رفع وعي الناخب وتركيز أنظاره على آفاق اجتماعية واقتصادية وثقافية رحبة كي يستطيع بناء العراق المزدهر على ركام العراق الخرب الذي ورثناه من الطغيان السابق. ومن هنا وقع الناخب العراقي في غالبية الأحيان خلال الانتخابات السابقة في مطب الطائفية التي لم تجلب الكفء لمعالجة مشاكل البلاد، بل الأمي وأحياناً الحرامي ومزوّر الشهادات من الذين تتكشف يومياً "مآثرهم" في نهب قوت الشعب والمال العام والتزوير.

لقد أشار كاتب هذه السطور مراراً إلى أهمية تشريع قانون للأحزاب السياسية قبل إجراء أية انتخابات في البلاد. ففي آخر مقالة نشرت على مواقع الإنترنت في 23 تشرين الأول 2008 تحت عنوان " بدون قانون للأحزاب لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة "، جاء فيها ما يلي:" وينتاب النشاط الحزبي والسياسي الفوضى بسبب انعدام الضوابط والقواعد التشريعية التي تنظم هذا النشاط. ومن المثير هنا أن المجلس يقر قانوناً ناقصاً لانتخابات مجالس المحافظات بعد حذف المادة 50 منه، ولكنه لا يُشرّع قانوناً للأحزاب التي ستشارك في هذه الانتخابات. لقد جرت كل الانتخابات السابقة بدون وجود أي قانون أو تشريع أو مراسيم تؤطر نشاط الأحزاب السياسية العراقية وشروط مشاركتها في أية انتخابات. لقد أعلن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء بُعيد الحملة ضد الميليشيات الدينية في البصرة عن أنه سوف لا يسمح بمشاركة أية حركة سياسية مسلحة في أية انتخابات قادمة. وباعتقادي أن هذا التصريح ليس له أي تأثير وفعل، إذ أنه لا يستند إلى تشريع قانوني صادر من أعلى سلطة تشريعية تدعم هذه الدعوة لرئيس الوزراء. ورغم تحريم الدستور نشر السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، إلاّ أنه يحتاج إلى قانون يحدد آليات هذا التحريم".

إننا الآن على أبواب واحدة من أهم الانتخابات. فعلى نتائج هذه الانتخابات يتوقف استمرار أو عرقلة العملية السلمية الديمقراطية في البلاد. ويتحتم على الرأي العام العراقي الضغط على مجلس النواب للشروع بمناقشة مسودة قانون الأحزاب بشكل مبرم ومبكر كي يتم العمل به قبل الانتخابات القادمة بعد المصادقة عليه.. فقد تعرقل هذا التشريع بسبب ضغوط قوى تصدرت الساحة العراقية بفعل امتلاكها للسلاح والمال بعد الإطاحة بالديكتاتورية. وهذه القوى لا تعترف بمرجعية الشعب بقدر ما تعترف بمرجعيات ووصايا لا علاقة لها مباشرة بالشعب وإرادته. وينبغي أن يدرك الناخب العراقي أنه لا يمكن الخوض في انتخابات نزيهة دون تحديد أطر قانونية وتشريعات مدنية لنشاط الأحزاب السياسية.

إن أي تشريع لقانون الأحزاب السياسية يجب أن يتضمن عدداً من الأمور الأساسية. ففي مقدمة هذا القانون يجب التأكيد على أن أي طلب لحزب سياسي يجب أن يقدم إلى وزارة العدل أو يسجل في المحكمة العليا، وليس في وزارة الداخلية. ويمارس الحزب السياسي نشاطه بعد أن يقدم برنامجه ونظامه الداخلي وتوقيعات فريق من أعضائه يحددها القانون إلى وزارة العدل دون الحاجة إلى موافقته، إلاّ إذا كان هذا الكيان يتعارض في برنامجه ونظامه الداخلي وشخوصه مع الدستور ونظام الدولة الديمقراطي. وعندها لا يحق لأية جهة سوى المحكمة العليا الاتحادية أن تبت في قضية حظر نشاط الحزب وليس أية جهة تنفيذية أخرى.

وتحتل أهمية في القانون مسألة تمويل الحزب ومصادره المالية أو التصرف بموارده، خاصة بعد ذلك الانتفاخ المالي لبعض الأحزاب بعد سقوط النظام. فقانون الأحزاب المؤمل تشريعه، يجب أن ينص على أن موارد الحزب السياسي يجب أن تتكون من اشتراكات الأعضاء والتبرعات من المواطنين والمداخيل الشخصية لأنصاره ومن المنح التي تقدمها الدولة لكل الأحزاب، علاوة على مداخيل الحزب من المؤسسات غير الربحية المتمثلة ببيع نشرات الحزب ومداخيل معارضه ونشاطاته. ويُحرّم على الحزب السياسي في العراق استلام الهبات من الشركات والمؤسسات العراقية الخاصة، ومن الحكومات والأحزاب والشخصيات الأجنبية والمنظمات الدولية على مختلف أشكالها. كما يجب أن ينص القانون على منع أي حزب من استغلال موارده في رشوة الناخبين وتوزيع الهبات والعطايا بهدف الحصول على أصواتهم، كما حصل في انتخابات سابقة حيث تفننت بعض الأحزاب في توزيع البطانيات والدولارات والهدايا على الناخبين.


كاريكاتير نشر في جريدة طريق الشعب البغدادية

كما ينبغي أن ينص القانون على منع أي حزب تقديم هبات إلى حركات سياسية غير عراقية. ويجب على كل حزب سياسي طبق هذا القانون أن يكشف عن موارده المالية للرأي العام وللأجهزة الرقابية التابعة للدولة، كي يتم التدقيق فيها ومدى تطابقها مع مواد القانون الخاص بموارد الأحزاب المالية.

ومن الضروري أن ينص القانون على التزام الحزب السياسي سواء في برنامجه ونظامه الداخلي وحياته الداخلية أو في الممارسة اليومية بالأسس الديمقراطية التي تستند عليها الدولة العراقية الاتحادية الديمقراطية. فيجب أن لا يحتفظ أي حزب بتشكيلات وميليشيات مسلحة علنية كانت أم سرية، وبشتى المسميات والذرائع. وأن يمتنع الحزب السياسي عن النشاط السياسي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وأن يكون الحزب شفافاً في قراراته، ولا يلجأ إلى القرارات السرية والنشاط السري لبعض منظماته، وأن يواظب على عقد مؤتمراته وانتخاب قياداته بإسلوب ديمقراطي شأنه في ذلك شأن الأحزاب الديمقراطية الناشطة في الدول الحديثة.

ويجب أن ينص القانون الخاص بالأحزاب على ضرورة امتناع الحزب السياسي عن كل ما ينتهك مواد الدستور، أو تهديد سيادة الدولة العراقية الاتحادية ووحدة أراضيها ووحدة شعبها وإثارة الكراهية العرقية والدينية والمذهبية، خاصة ونحن نشهد التهديدات تلو التهديدات في السنوات الأخيرة من قبل بعض الحركات السياسية المشاركة في العملية السياسية.

ويجب على القانون أن يؤكد على أن العراق ميدان لنشاط كل الأحزاب السياسية. وهذا يتطلب أول ما يتطلب تحريم نشاط الأحزاب على أساس عائلي أو مناطقي أو عشائري أو ديني. ففي مثال العراق لا يمكن للحزب الديني إلاّ أن يكون طائفياً. وهذا يعني أن التنافس المذهبي والطائفي سيكون هو المحرك لمشاعر الناس وكارثة عليهم، وما لذلك من آثار مدمرة على البلاد والتي شهدنا آثارها الدامية خلال السنوات الست الماضية. فالرأي العام العراقي أضحى الآن أكثر وعياً لأضرار التطرف المذهبي والديني والطائفي والعشائري والمناطقي مما يتطلب من المشرّع العراقي الإذعان لرأي الناخب العراقي.

ولا يمكن لأية حياة حزبية أن تكون سليمة إلاّ إذا كفت الحركات السياسية عن استخدام الدولة وممتلكاتها وأجهزتها في الحملات السياسية والانتخابية. فاستخدام المنصب الحكومي من قبل حركات سياسية متنفذة كوسيلة لابتزاز الناخب العراق في التعيينات وجمع المال السخت، يصبّ في دائرة الفساد الإداري وتهديم كيان الدولة ولا يضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ومن هنا ينبغي على القانون الخاص بالأحزاب أن ينص على المساواة بين الأحزاب في النشاط والاستفادة من الإعلام الرسمي المدعوم من قبل الدولة، بحيث لا يتحول الإعلام والتسهيلات التي تقدمها الدولة حكراً على طرف أو تيار سياسي معين وحرمان الآخرين منه. كما يجب أن ينص القانون على منع أي حزب سياسي حتى ولو كان في السلطة من استغلال واستخدام أي مرفق حكومي وحتى الورقة والسيارة الحكومية في النشاط السياسي للحزب. لقد شهدت المرحلة الماضية نماذج سلبية في هذا المجال بحيث فقد المواطن العراقي إلى حدود كبيرة ثقته بالعملية السياسية وبالأحزاب.

نعم إن العراقيين أمام امتحان على طريق بناء دولتهم الديمقراطية الحديثة والحياة الحزبية على أسس رصينة وديمقراطية وشفافة. وإنهم بانتظار أن يباشر مجلس النواب وعلى وجه السرعة مناقشة قانون الأحزاب كي يستعد المواطن العراقي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة.



10 – 6 - 2009
 





 


 

free web counter