| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

الثلاثاء 10/1/ 2006

 

 

 

حكومة مهنية وطنية وليس حكومة ولاءآت حزبية وطائفية

 

عادل حبه

انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية وهي الفعالية الدستورية الثالثة هذا العام بعد انتخابات الجمعية اوطنية والاستفتاء على الدستور، وهي الفعاليات الهادفة الى بناء دولة ديمقراطية عصرية يكون للشعب الرأي الفاصل في ادارة الدولة. وتعد الانتخابات الاخيرة، اي كان الرأي فيها، هي الاهم في سلسلة هذه الاجراءات الدستورية لانها ستؤدي الى قيام حكومة دائمة لمدة اربعة سنوات، هذا الى جانب قيام مجلس للنواب بمراقبة هذه الحكومة واصدار التشريعات اللازمة والتدقيق ولربما التعديل في بنود الدستور الذي اقر في استفتاء العام الماضي.
ان السؤال المطروح الآن وبإلحاح هي ماهية الاسس التي ستقوم عليها تشكيلة الحكومة المقبلة ومنهج ادارة الدولة ومستقبل العمل السياسي الذي يجب ان يضمن الاستقرار وتصفية الارهاب والعنف والشروع بإعادة الاعمار وازالة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المدمرة للعهود السابقة. لا شك انها مهمة ليست باليسيرة بل وبالغة الصعوبة، وتحتاج الى قدر كبير من التجرد والمسؤولية امام الشعب والوطن والى جهد كبير وضرورة التحلي بالصبر والتسامح وبعد النظر ونبذ للعنف في حل الخلافات والتخلي عن التعصب الحزبي والطائفي المذهبي والقومي. فالعراق ينتظر من الجميع الاسهام في انتشاله من هذه المحرقة ودوامة التدمير والعبث. لقد مرت شعوب أخرى بهذه الدوامة واستطاعت الخروج منها عبر تجارب اتسمت احياناً بالمرارة والتعثر ولكنها طوت هذه الصفحات الكئيبة. وحبذا لو يستخلص العراقيون والنخب السياسية وممنظمات المجتمع المدني العبر من دروس الآخرين اضافة الى الدروس المريرة للسنوات الثلاث الدموية الماضية في العراق.
ان الاسس التي اعتمدت في تشكيلة الحكومة المؤقتة والحكومة الانتقالية لم تعد تجدي في الظروف التي يمر بها العراق حالياً. فكلتا الحكومتين فشلتا في تأمين الاهم في حياة العراقيين وهو عنصر الامن والاستقرار. وبغض النظر عن التبريرات الفنية والادارية وتدخل القوى الخارجية وهي صحيحة، الا ان العامل الاساس هو عامل سياسي الذي بدونه لا يمكن ضمان الامن. لقد فشلت الحكومتان في تأمين الاجراءات السياسية لضمان الامن لان الحكومتين تبنت توجهات غير سياسية واتخذت بالاساس اجراءات عسكرية رادعة فقط واسقطت كلياً العامل السياسي في معالجة ظاهرة الارهاب وحلفاءه من فلول النظام السابق. وتبين احداث السنوات الثلاث الماضية ان هذه الاحراءات غير عملية و لا تتناسب مع الظروف الخطيرة التي يمر بها العراق. ان اهم ما اتسمت به الحكومتان المؤقتة والانتقالية هو تشكيلهما على اسس طائفية وعرقية وليس على اسس الكفاءة والهوية الوطنية العراقية. وهذا ما احدث تناقضات وصراعات وتصدع داخلها وحتى داخل الكتل التي شكلت هاتين الحكومتين. وفي هذا السياق كان نصيب الحكومة الانتقالية من هذه التناقضات النصيب الاكثر حيث تأخر تشكيل الحكومة لمدة ثلاثة اشهر بعد الانتخابات، ثم دبت الصراعات والتناقضات داخل هذه التشكيلة الى حد الانفراط. وبدلا من تطويق العنف والارهاب والنشاط المسلح، راحت اطراف نافذة في الحكم الى توسيع دائرة ظاهرة مدمرة في العمل السياسي وهي ظاهرة الميليشيات المسلحة مما زاد الطين بلة. كل هذه الظواهر التي ابتلت بها الحكومة الانتقالية كانت بمثابة البلسم للنشاط الارهابي التكفيري وللنشاط التخريبي لفلول النظام السابق مما زاد من نشاطهم وتنظيمهم في ظل اصرار من الحكومة الانتقالية على نهج خاطئ لا ينهي الارهاب ورموزه والتخريب والقتل على اساس الهوية ونتيجة لذلك دفع العراقيون البسطاء ثمناً غالياً في الارواح وفي حياتهم اليومية.
لقد كانت لدى الحكومة المؤقتة، وخاصة ممثلي قائمة الائتلاف العراقي للأسف، قراءة خاطئة واستنتاجات قاصرة لهذه التطورات الخطيرة واتسمت بقصر نظر في رؤية الاحداث في العراق والعالم والى حد الغرور. ومازالت على هذا الخطأ، بحيث واجهت الارهاب والقتل مواجهة طائفية حزبية ضيقة مع استفرادها بالقرار بذريعة حصولها على كذا رقم من ممثلي الجمعية الوطنية وتجاهلت قوى واسعة في المجتمع العراقي لها مصلحة في الاستقرار والحاق الهزيمة بالارهابيين وفلول الحكم السابق والى حد معاداة هذه القوى كما دلت على ذلك مجريات الامور في الانتخابات الاخيرة.
لقد تحولت الوزارات والمرافق الادارية للدولة خاصة في ظل الحكومة الانتقالية الى مقرات للاحزاب المؤتلفة فيها كما تحولت الجامعات الى مقرات مذهبية لهذه الطائفة او تلك ولم تعد ملكاً للدولة العراقية بكل اطيافها، وهو امر خطير يشتت العراقيين ويضعهم الواحد في مواجهة الآخر ويصب في ما يصبو اليه الصعلوك ابو مصعب الزرقاوي وشراذمه ومن يسندهم من خارج الحدود والذين لا يفرقون بين العراقيين فهم سواسية في القتل. ولعل ابلغ دليل على ذلك هو التفجيران الاخيران في مدينتي كربلاء والرمادي واللذان لم يفصلهما سوى وقت قصير مما يوحي بأن مدبري الحادثين من طينة واحدة.
ان معالجة التطورات الخطيرة في العراق الراهن تحتاج الى اسلوب استثنائي ينصب على جمع اكبر عدد من القوى التي لها مصلحة في استمرار العملية السلمية والديمقراطية واجتذاب ما يمكن ممن تورط في حمل السلاح الى العملية السياسية بإستثناء الارهابيين وفلول الاجهزة التخريبية للنظام السابق الذين ينبغي عزلهم وعدم التفريط بأي تيار او تهميشه. وهنا ينبغي السعي لتتشكيل حكومة او ادارة من رموز وطنية من التكنوقراط تتمتع بأرضية اجتماعية وبقبول واسع وذات مهنية عالية وايادي نظيفة وسمعة جيدة وغير متورطة في اي من اعمال القهر والسطو ومنحازة للعراق فحسب. والعراق يحفل بالكثير من هذه المواصفات، مع العلم ان تشكيل هكذا ادارة او حكومة هي حالة مؤقتة لحين تحرر العراق من هذا الكابوس اللعين. ويجب ان لا يكون المعيار في تشكيل الحكومة معيار المحاصصة من اي نوع ولا ان يكون عنصر نتائج الانتخابات هو المعيار الاساس. فنتيجة الانتخابات يمكن ان تفعل فعلها عبر ممثلي مجلس النواب الذين سيكون لهم رأيهم ورقابتهم على الحكومة الجديدة اضافة الى رأيهم في التشريعات التي سيسنها مجلس النواب. ان حكومة مهنية من الاختصاصيين القادرين على حل لغز التعثر في الادارات والفساد وضعف الفاعلية في مواجهة التخريب والارهاب وليس حكومة محاصصات طائفية او عرقية او حزبية، هي الوحيدة القادرة في المرحلة الراهنة على الخروج من الدوامة الحالية و خلاص العراق من محنته التي طال امدها.