| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                            الثلاثاء  8 / 7 / 2014


 

الكاتبة والناشطة النسوية الفنلندية مينا كانت... إبداع وشجاعة متميزة !

يوسف أبو الفوز

قررت الخطوط الجوية النرويجية، مؤخرا اضافة اسم الكاتبة والناشطة النسوية الفنلندية "مينا كانت" (19 أذار 1844 ــ 12 ايار 1897) - Minna Canth الى سلسلة الشخصيات الذين تزين بها اجنحة طائراتها لنقل المسافرين .

وكانت حصتها، طائرة بوينغ 737- 800، وهي ثاني مواطنة فنلندية يتم اختيارها لهذا الشكل من التكريم ، بعد ان سبقها الى ذلك مواطنها الشاعر الشهير"يوهان لودفيغ رونيبيرغ" (5 شباط 1804ـــ 6 ايار 1877) صاحب النشيد الوطني الفنلندي، وتحمل أسمه جائزة سنوية في الادب، تعتبر من ارفع الجوائز في فنلندا وفي الشمال الاوربي. شركة الخطوط النرويجية دأبت في هذا الشكل من التكريم على أختيار أعلام من الشخصيات التأريخية ممن تركوا تاثيرا في تطور حياة شعوب بلدان الشمال الاوربي، ويشمل ذلك حقول العلوم والفنون، والرياضة، والموسيقى، والقضايا الاجتماعية. وبغض النظر عن دوافع الشركة التي تريد تسويق نفسها تجاريا ، وجلب المزيد من الزبائن الفنلنديين باعتبار فنلندا سوقا مهما لها، في مجال الطيران في اوربا والدول السكندنافية ــ كما صرح مسؤوليها في الصحافة ــ إلا ان الخطوة جلبت الكثير من الاشادة من الجمعيات والمؤسسات الثقافية ، في جميع بلدان الشمال الاوربي، لما عرف عن "مينا كانت" كونها اول امرأة فنلندية يرفع العلم في يوم ميلادها تكريما لها، اعتبارا من عام 2007، وذلك بترشيح واختيار من جامعة هلسنكي، وهو تقليد تتبعه الدولة الفنلندية حيث يرفع العلم الفنلندي كل عام، في كل المؤسسات والشوارع والاحياء السكنية أكراما وتحية لشخصية في يوم ميلادها، يتم أختيارها من قبل المؤسسات الثقافية والاكاديمية. ويوم ميلاد "مينا كانت"هو ايضا يوما للاحتفال بالمساواة بين افراد المجتمع في فنلندا، اعتبارا من يوم 2003، وذلك باقتراح من وزارة الداخلية الفنلندية، ارتباطا بكون الكاتبة كانت ناشطة اجتماعية لاجل حقوق المرأة والاسرة والقضايا المتعلقة بحقوق الحركة العمالية والعمال الرعاية الاجتماعية، وكانت من اوائل الصحفيات الفنلنديات، وكانت من دعاة التعليم المختلط في المدارس الفنلندية. ويذكر ان الكاتبة تنتشر لها العديد من التماثيل الكاملة والنصفية في العديد من المتاحف والمؤسسات الثقافية والساحات العامة خصوصا في المدن التي عملت فيها وشهدت نشاطاتها مثل كوبيو، تامبيري ويوفاسكولا، اضافة الى اصدار طابع بريدي حمل صورتها في الذكرة المؤية لميلادها.

مصادر متعددة تخبرنا ، أن "مينا كانت" ، التي ولدت في مدينة Tamperee
تامبرا  - (178 كم شمال العاصمة هلسنكي) تحت أسم أولريكا ويلهلمينا جونسون ( Ulrika Wilhelmina Johnson )، انحدرت من اصول فقيرة ، اشتغل والدها في معامل القطن ، ثم عمل في متجر لتجارة القطن، واصرت على اكمال تعليمها، لتكون معلمة مدرسة ابتدائية رغم ان الامر لم يكن متاحا للنساء في ذلك الحين، وكانت مهنة القابلة هي الشائعة كمهنة للنساء . في خريف عام 1863 كانت اولى الطالبات التي التحقت للدراسة كمعلم في مدينة يوفاسكولا في حلقة دراسية انشأت حديثا ، وهناك اعتمدت اسم "مينا جونسون". وخاضت غمار العمل المهني واشتركت في منظمات خيرية لمساعدة الفقراء من الناس .

في خريف 1865 تزوجت من استاذ في العلوم وحملت لقبه ، واصدر زوجها عام 1871 مجلة في مدينة يوفاسكولا مما وفر لها فرصة لتكون من اوائل الصحفيات الفنلنديات حيث راحت تكتب في مختلف الشؤون الاجتماعية، تتناول فيها حقوق المراة والاسرة والعمال . بعد وفاة زوجها عام 1879 بعد معاناة طويلة من من المرض، انتقلت للعيش في مدينة تامبرا، الى جانب اخيها وامها لتنضم اليهم في ادارة محل لتجارة الاقمشة ، ولتكون سيدة اعمال ناجحة في تجارة التجزئة . الى جانب ذلك كان زوجها ترك لها سبعة ابناء لاعالتهم وتربيتهم، اخرهم ولد قبيل وفاته بفترة قصيرة، وكانت حياتها صعبة كأرملة لها مسؤوليات عديدة ، منها كونها ناشطة في مجال حقوق المراة، والمنظمات المطالبة بحقوق العمال الرعاية الاجتماعية. وما يزيد حياتها صعوبة كون افكارها كانت عموما متحررة جدا ، وتبدو متطرفة في ايامها، قياسا للاخلاق والعادات السائدة، وكثيرا ما اصطدمت بالكنيسة والمؤسسات المحافظة لأعتبارها الحرية الشخصية والروحية للمرأة من شروط تقدم المجتمع ، ففي كتاباتها كانت تدعو لتطوير مؤسسة الاسرة ، وما يسمى حاليا في اوربا "زواج التعايش" او " الزواج المفتوح " او ما يعرف عندنا بالزواج العرفي .

ورغم النقد الشديد ، فأنها وبشجاعة نادرة ، واصلت نشاطاتها المتنوعة ، والكتابة لاجل كسر الكثير من التقليدي في حياة النساء مما اعتبر أيامها متناقضا مع السائد مما جعلها شخصية مثيرة للجدل والنقد بسبب افكارها المتحررة، خصوصا انها افتتحت خلال وجودها في مدينة كوبيو صالونا ادبيا ، تميز بالاجواء الليبرالية، تجتمع فيه النساء والناشطات للتداول في شؤون المرأة والمجتمع ، والى هناك صار يزورها الكثير من المثقفين والشخصيات ممن لعبوا دورا كبيرا في تأريخ فنلندا الثقافي والسياسي. اثار نشاط صالونها الادبي حنق وغضب الكنيسة والمؤسسات المحافظة، ففي صالونها مثلا تم الترويج لنظرية تشارلس دارون ومناقشة موضوع الحرية الجنسية قبل الزواج ، وحقوق العمال والكثير مما اعتبرته القوى المحافطة تحديا لها فراحت تحاربها بمختلف الوسائل وصارت الكنيسة ترسل لها التحذيرات .

في اعمالها الادبية، تعتبر "مينا كانت" من رواد الواقعية في الادب الفنلندي، واصدرت عشرين كتابا بين مجموعات القصص القصيرة والروايات والمسرحيات الى جانب كتاباتها الصحفية . اول كتاب اصدرته عام 1878 وتحت اسم مستعار كان مجموعة قصصية. وتوالت اعمالها الادبية التي كانت تلاقي رواجا كبيرا، ومنها : في عام 1885 اصدرت واحدة من اشهر مسرحياتها ، مسرحية "زوجة العامل " ، في عام 1886 رواية "الفقراء " ، ومسرحية "آنا ليزا " في عام 1895 و باقي الاعمال الادبية التي صارت من كلاسيكيات الادب الفنلندي ، وأذذ كانت فنلندا دوقية ذاتية الحكم ضمن الإمبراطورية الروسية ، بعد ان كانت طويلا خاضعة للتاج السويدي، لإان اعمالها والمكتوبة باللغة الفنلندية ساهمت في ايقاظ الروح القومية عند الشعب الفنلندي .

في مسرحية "زوجة العامل " ، نجد جوانا المتزوجة من بريان المدمن على الكحول ، ومعانتها مع زوجها الذي يبتزها ليبذر كل ما تجنيه من تعبها . ولا يمكن لجوانا الاعتراض والمانعة بسبب من القانون والتقاليد. كان عرض المسرحية مثل قنبلة او اعتبره البعض كالفضيحة، وعلى اثر ذلك وبعد ست شهور سن قانون خاص حول فصل الممتلكات بين الازواج ، كخطوة على طريق تحرير المرأة من التبعية الاقتصادية لزوجها. اما مسرحية "آنا ليزا" فهي حول مأساة حول فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاما تصبح حاملا بدون زواج، حاولت اخفاء الحمل، ولكن بعد ولادته ومن الذعر خنقته، وبمساعدة صديقها ميكو اخفت جثة الطفل في الغابة، ولكن بعد سنوات قليلة، عندما ارادت الزواج من الشاب جون، الذي صار خطيبها، تتعرض لابتزاز من قبل ميكو ووالدته، اللذين يهددانها بكشف سرها او الزواج من ميكو. رفضت آنا ليزا بقوة وقررت الاعتراف بما فعلت، وفضلت السجن على الخضوع للابتزاز، وحصلت على حكم مخفف ونالت سلام الروح. وساهمت بعملها الفني هذا من رفع مكانة المراة في المجتمع والنظر لها بمنظار اخر.

توفت "مينا كانت" فجأة اثر نوبة قلبية، عن عمر ثلاثة وخمسون عاما. فكم من الاعمال الادبية والنشاطات كان بامكانها ان تنجز لو امتد بها العمر قليلا ؟!

      

                       تمثال في مدينة يوفاسكولا                   طابع بريدي في الذكرى المؤية لميلاها
 


* عن ملحق المدى الثقافي، تاتو الجريدة الثقافية الشهرية العدد 61 السنة الخامسة- تموز 2014

 

 

free web counter