| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 

 

 

 

 

الأربعاء 8 /11/ 2006

 

 

نيكاراغوا ودروس نضالية جديدة


يوسف ابو الفوز

1

في العراق ، وقبل اي بلد اخر ، أعتقد ان قوى اليسار العراقي والقوى الديمقراطية بشكل عام ، معنية بل ومطالبة بدراسة التجربة السياسية النيكاراغوية الحديثة . هذا ارتباطا بأنه كانت هناك محاولات سابقة لدراسة تجربة مقاومة حركة التحرر النيكاراغوية للنظام الديكتاتوري الحاكم ، واذكر هنا ان ثمة كتابا معني بتجربة الكفاح في نيكاراغوا ، صدر في براغ مطلع ثمانينات القرن الماضي ، ووصلت نسخ منه الى قوات الانصار الشيوعيين ، ايام وجودنا في كوردستان في سنوات الكفاح المسلح ، وقد قدم للكتاب السيد حميد مجيد موسى ، السكرتير الحالي للحزب الشيوعي العراقي ، وكان ايامها ممثلا لحزبه في مجلة قضايا السلم والاشتراكية النظرية المعروفة ، وتركزت المقدمة ، كما اذكر، حول الدروس الثورية المستخلصة من الثورة الساندينية ، التي اطاحت عام 1979 بأعتى ديكتاتورية عرفتهتا بلدان امريكا اللاتنية ، الا وهي ديكتاتورية عائلة سوموزا الاب وابناءه . وبالتأكيد كانت المقدمة مكتوبة بلغة ايامها ، حيث كانت دول المنظومة الاشتراكية لا تزال واقعا معاشا ، ويشكل سندا ودعما مباشرا للنضالات الثورية المعادية للسياسة الامبريالية الامريكية . وبالتأكيد ان الدروس المستخلصة ايامها غير الدروس التي يمكن استخلاصها الان ، خصوصا مع التغيرات الكبيرة التي يعيشها العالم ، والتغيرات التي شملت اساسا الفكر الماركسي وسياسة وبرامج الحزب الاشتراكي النيكاراغوي ( الشيوعي ) الذي يعتبر القوة الاساسية ، المحركة للجبهة الساندينية للتحريرالوطني ، التي هي تحالف واسع من عدة قوى يسارية . والكتاب المذكور ، وعلى ما اذكر هو ترجمة بتصرف لمجموعة ريبورتاجات صحفية كتبت عن الثورة الساندينية من قبل عدة صحفيين عالميين عايشوا احداث الثورة وقابلوا زعمائها ومنهم المناضل دانيال اورتيغا الذي يعتبر من قادة الجيل الثاني للثورة الساندينية . وللاسف الشديد تخونني الان الذاكرة لتذكر اسم المترجم ، الذي بذل جهدا مشكورا لتقديم معلومات في وقتها كان المناضلين ضد ديكتاتورية صدام بحاجة ماسة لها ، بحكم مقارعتهم لديكتاتورية فاشية ، هي ديكتاتورية عائلة صدام حسين ، التي لم تقل بشاعة ودموية عن الديكتاتورية الحاكمة في نيكاراغوا . ورغم الاختلاف بين تجربة العراق وتجربة نيكاراغوا في الكفاح المسلح ، حيث نجحت الجبهة الساندينية للتحررالوطني خلال فترة عقدين من الزمان ان تشعل انتفاضة شعبية عارمة ، عمت كل مناطق البلاد ، بينما اليسار العراقي ، وتحديدا الحزب الشيوعي العراقي ، اذ هو الحركة السياسية العراقية الوحيدة التي رفعت السلاح بوجه ديكتاتورية نظام صدام حسين ، الى جانب الاحزاب القومية الكوردية في كوردستان العراق ، فانه لم ينجح في تعريق تجربة الكفاح المسلح وتحويلها الى حركة جماهيرية ، وبقت كحركة سياسية مسلحة ذات ستراتيجية دفاعية ، وتكتيكات هجومية . واذكر اننا حينها في كوردستان ، توقفنا كثيرا عند الكتاب المذكور ، وتلك التفاصيل المشوقة للعمليات الفدائية البطولية ، التي نفذها الثوار السانديين باقتحامهم مواقع مهمة في العاصمة النيكاراغوية ، ماناغوا ، مجبرين السلطات الديكتاتورية على اطلاق سراح العديد من المناضلين المعتقلين ، وفي احداها استطاعوا انقاذ حياة المناضل دانيتل اورتيغا وحرروه ورفاق له من سجون الديكتاتورية السوموزية .
ويحمل المناضل دانيال اورتيغا ، تاريخ حافل بالنضال ، وهاهو اليوم يسجل لنا درسا مهما ، وبالغ العنفوان ، فاخيرا ، وباصرار المناضلين ، الذين لا يستسلمون ، ومن بعد اربع محاولات سابقة لم يحالفه النجاح فيها ، عاد منتصرا ، عبر صناديق الاقتراع ليكون رئيسا شرعيا للبلاد ، التي منحها شبابه وجهده . المرة الاولى كانت في عام 1984 بعد ان اجريت اول انتخابات ديمقراطية ، اثر نجاح الثورة في تموز 1979 ، التي اوصلت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني الى سدة الحكم وقيادة حكومة مؤقتة ، والتي اطاحت بديكتاتورية عائلة السفاح سوموزا (الابن) ، العميل المباشر للمخابرات الامريكية ، ونظمت الحياة السياسية في البلاد واجرت انتخابات ديمقراطية وبحضور مراقبين دوليين . وجاء نصر الجبهة الساندينية نتيجة لمسيرة كفاح مرير ، وبطولات ومآثر ، قدمت فيها الجبهة الساندينية مئات الشهداء والتضحيات من اجل تحقيق مستقبل افضل للبلاد التي كانت ولا زالت محط انظار قوى الرأسمال ، لاسباب سياسية واقتصادية عديدة . وان كان انتصار ثورة الجبهة الساندينية عام 1979 قد قدم دروسا ملهمة للقوى الثورية ـ ومنها الحركة الوطنية في العراق ـ بان الشعوب لابد ان تنتصر في نضالها ضد الديكتاتورية مهما كانت بشاعتها ومهما طال عمرها ، فان فوز المناضل داينال اورتيغا من جديد ، ومن الجولة الاولى ، وبنسب نجاح لفتت انتباه المراقبين ، وبتقدم كبير على اقرب منافسيه (38 % لاورتيغا مقابل 29% لاقرب منافسيه الرئيس السابق ) ، يبين لنا تمسك الثوريين الحقيقين بالخيار الديمقراطي قولا وفعلا ، وانهم لا يستلسمون لليأس والخسارة حتى وان ارتدت سهام الديمقراطية باتجاههم . وايضا تبين لنا تجربة المناضل اورتيغا بان العملية الديمقراطية ، تحمل معها خطر امكانية استغلالها من قبل قوة الردة والظلام ، للقيام بانقلابات سياسية عبر صناديق الاقتراع ، حيث نجحت القوى السياسية اليمينية المعارضة للجبهة الساندينية ، عام 1990 بالتنسيق والدعم المباشر من قبل الشركات الامريكية والمخابرات الامريكية ، في ازاحة اورتيغا من موقع الرئاسة ، بشكل سلمي ، واستطاعت ولفترة طويلة ، وعبر شبكة من التحالفات السياسية في قطع الطريق عليه عدة مرات للفوز كمرشح لقوى اليسار، ولكن ثقته والقوى السياسية التي يمثلها من الفوز ، وايمانه بالجماهير الشعبية التي يمكن ان تعيده الى موقع الرئاسة لم تهتز ، وبقي مصرا لتحقيق هذا النصر ، وقد فعل ونجح رغم كل خطط الولايات المتحدة الامريكية ومساعيها لان تكون امريكا اللاتينية حديقتها الخلفية الامينة . ان النصر هنا ، لم يكن سهلا ، بل تطلب عملا مثابرا ومزيدا من الاصرار في المراجعة المستمرة للبرامج واختيار خطاب سياسي اصيل لا يتجاوز الثوابت الفكرية ، ويرضي مختلف قطاعات الشعب المتطلعة للديمقراطية والسلام والرفاه ، وايضا الاخذ بنظر الاعتبار بالتطورات الحاصلة في البلاد ، وواقع شبكة القوى السياسية ، وضرورة نسج شبكة تحالفات اجتماعية واقعية تكون فيها مصلحة جماهيرالمعدمين والكادحين هي الاولى ، فبهم وحدهم يمكن الانتصار دائما ، مهما كان حجم وقوة التدخلات الخارجية .

2

تقع نيكاراغوا بين المحيط الهادي وبحر الكاريبي ، مما يجعلها تتمتع بموقع ستراتيجي فريد يربط طرق الملاحة العالمية ، ومع تواصل اكتشاف المزيد من الخامات كالذهب والفضة والنيكل والفحم والنفط فانها صارت محط انظار قوى الراسمال وشركات الاحتكار . ولقرون طويلة ومنذ اكتشافهاعام 1502 على يد كريستوف كولومبس وتلامذته ظلت نيكاراغوا تنوء من شدة الحكام الاستعماريين الاسبان ، وحتى بعد ان اعلن استقلالها في عام 1821 وانضمامها الى فيدرالية البلدان الامريكية الوسطى لم تتمكن من الخلاص من مخلفات الاستعمارالاسباني . ومنذ عام 1832 دخلت نيكاراغوا بشكل مباشر في دائرة اهتمام سياسة الولايات لمتحدة الامريكية ، حين اعتمدت هذه مبدأ " امريكا للامريكين " وكان الغرض من ذلك قطع الطريق على من يحاول مزاحمة امريكا على مصالحها في المنطقة ، وبدأت السياسة الامريكية تأخذ طرقا واساليب عديدة، اهمها اعتماد سياسة دعم الحكومات الموالية لسياستها ، وتدبير الانقلابات العسكرية ضد اي حكومة ديمقراطية ليبرالية ، وكان ذلك يتم بشكل مكشوف ودون مواربة من قبل سفراء الولايات المتحدة الامريكية في نيكاراغوا الذين كانوا المهندسين الحقيقين لسياسة البلاد . ورغم كل الظلم والاضطهاد واصل الشعب النيكاراغوي معارضته ونضاله وانتفاضاته ضد الاستعمار وضد الحكومات العميلة للسياسة الامريكية . في تموز 1927 اصدر احد الجنرالات الثوار المدعو اوغيستو ساندينو اول بيان سياسي له يدعو فيه الشعب الى الثورة المسلحة ، والتفت حوله جموع من الشعب في ثورة مسلحة لم تتوقف ، وحتى بعد اغتيال البطل الشعبي الجنرال ساندينو عند طريق الغدر بعد انتهاء لقاءه مع رئيس جمهورية البلاد للتفاوض وذلك في عام 1934 ، وتم الاغتيال على يد افراد من الحرس الوطني بقيادة الجنرال انستاسيو سوموزا ( الاب ) ، الذي سرعان ما قام بانقلابه العسكري الاول عام 1936 ليشكل حكومة عائلته الديكتاتورية التي استمرت طويلا . ورغم ان البلاد شهدت فترات انفراج سياسي نسبي وتم تحقيق بعض الانجازات السياسية على يد حكومات ليبرالية وصلت الى الحكم اثر تواصل انتفاضات واعتصامات واضرابات نقابات العمال والطلبة وسائر جماهير الشعب ، لكن المخابرات الامريكية ومن جديد نظمت وساندت انقلاب دموي للجنرال سوموزا (الاب) ليعود عام 1947 ليطرد الحكومة الليبرالية حينها ، وبعد اغتياله عام 1956 على يد ثوري نيكاراغوي وهو في قصره تسلم مناصبه ابنه لويس سوموزا (الابن ) الذي فاق ابيه بدمويته ، وسلم قيادة قوات الحرس الوطني التي عرفت بدمويتها الى اخيه الاصغر ، وجاءت الثورة الساندينية لتنهي حكم عائلة سوموزا الدموي الذي استمر حوالي 40 عاما ، وحولوا نيكاراغوا خلالها الى شركة مساهمة يديرها افراد العائلة الحاكمة ، وكانت تعمل في البلاد عشية سقوط سلطتهم 82 شركة متعددة الجنسية ، من بينها فقط 63 شركة احتكارية امريكية .

سماوة القطب
8 تشرين الثاني 2006