موقع الناس http://al-nnas.com/
هل سيطفئ برد فنلندا القطبي نار الصراع الطائفي في العراق ؟ *
يوسف أبو الفوز - هلسنكي
مع تدهور الاوضاع الامنية في العراق ، وتعثر الحالة السياسية ،
وبروز الازمات بشكل متعاقب، برزت الدعوات لتدويل الازمة العراقية ، واعتبر كثيرون
ان تصويت مجلس الامن الدولي مؤخرا لصالح قرار يمنح الامم المتحدة دورا سياسيا موسعا
في العراق لتعزيز المصالحة بين طوائفه المتناحرة والحوار مع دول الجوار ، يأتي كجزء
من هذه الدعوات . فنلندا البلد الصغير ( 5 ملايين نسمة ) المرمي على حافة القطب
الشمالي ، رغم شتاءها الطويل البارد ، ونهاراتها القصيرة ، الا انها احتلت مكانا
بارزا في الصراعات السياسية العالمية ، منذ ايام "الحرب الباردة" والصراع بين
القطبين المتناحرين ، الامريكي والسوفياتي ، وعملت لتكون وسيطا على الحياد ، ومن
هنا كانت المكان المناسب لعقد اتفاقية اتفاقيات هلسنكي ، التي توصل إليها "مؤتمر
الأمن والتعاون في أوروبا " خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ، حيث
ضمنت تعاونًا مُتزايدًا بين دول شرق أوروبا وغربها ، وتوج ذلك بتوقيع كندا،
والاتحاد السوفييتي (سابقًا)، والولايات المتحدة الأمريكية، و32 دولة أخرى معظمها
أوروبية على الاتفاقية الرئيسية في العاصمة الفنلندية هلسنكي ، وذلك في الاول من اب
1975 ، الاتفاقية التي لعبت دورا بارزا في الحفاظ على السلام العالمي . هذه المرة ،
تريد فنلندا ان تاخذ دورها ، في تهدئة الازمة السياسية في العراق ، وجاءت الدعوة
للحوار والتفاهم من منظمة " المبادرة لادارة الازمات " (Crisis Management
Initiative) ، وهي منظمة فنلندية ، مستقلة ، مقرها العاصمة
الفنلندية ، هلسنكي ، وتتمتع برعاية معنوية ومادية ، من الاتحاد الاوربي والولايات
المتحدة الامريكية ، ويسجل لهذه المنظمة انها نجحت في جمع اطراف النزاع في
اندنونسيا الى طاولات مفاوضات ، في مفاوضات استمرت لفترة خمس جولات مضنية ، وانتهت
في 15 اب 2005 بتوقيع اتفاق حدد انهاء الصراع بين المعارضة المسلحة والحكومة
الاندنونسية ووضع حدا لمخاطر نشوب حرب اهلية في البلاد . منظمة " المبادرة لادارة
الازمات " ، والتي تعرف في وسائل العلام ، بمختصر اسمها (CMI)
، والتي تؤمن باهمية معالجة الازمات من خلال الحوار وتؤمن بالترابط بين الامن
والتطور الاجتماعي الحضاري ، اسسها عام 2000 ، ويرأسها حاليا ، الرئيس الاسبق مارتي
اهتي ساري ، وذلك بمجرد انتهاء ولايته لرئاسة الجمهورية الفنلندية ، والتي بدأت بعد
فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1996 . والسيد اهتي ساري ، من الزعماء التقليديين
للحزب الديمقراطي الاجتماعي الفنلندي ، وهو معروف للعراقيين بشكل جيد، فقد كان
مبعوث الامم المتحدة الخاص الذي زار العراق ، بعد طرد قوات صدام حسين من الكويت ،
واطلع على حقيقة الدمار الذي الحقته قوات الولايات المتحدة الامريكية بالبنى
التحتية للعراق ، وقدم تقريره الى الامم المتحدة ( نشر في حينه في طريق الشعب ) ،
والذي انتقد فيه بشدة سياسة الولايات المتحدة الامريكية ، واشار الى ان اعمالها
العسكرية في العراق تعدت حدود طرد قوات صدام من الكويت . والرئيس اهتي ساري ، الذي
يحتل حاليا موقع المبعوث الخاص للامم المتحدة لحل الازمة في كوسوفو ، سوف لن يحضر
اللقاء المرتقب بين السنة والشيعة من العراق ، الذي سيعقد في فنلندا مطلع ايلول
القادم ، وحيث اعلنت وزارة الخارجية الفنلندية انها لن تكون طرفا رسميا في اللقاء ،
رغم مباركتها له . التلفزيون الفنلندي في نشرته الصباحية ليوم 22 اب 2007 ، اذاع
خبر اللقاء المرتقب ضمن نشرته الاساسية الصباحية ، وكان ايضا الخبر الاساس في صحيفة
( هلسنكي سانومات ) اكبر صحف البلاد (توزع 3 ملايين نسخة ) والقريبة الى
المصادرالحكومية ومراكز صناع القرار . واشارت التقارير الاعلامية ، الى ان الاجتماع
سوف لن يحضره اي مسؤول من الحكومة العراقية **
، وسيقتصر على مشاركة برلمانيين وبعض القادة الحزبيين ، من السنة والشيعة ،
وبدون اي مساهمة من الجانب الكوردي، وسيكون اللقاء على شكل حلقة دراسية للتفاهم ،
اكثر منه لقاء مفاوضات ، ومن اهدافه التعرف على تجارب الاخرين ، عبر محاضرات ستقدم
عن نزاعات مماثلة في شمال افريقيا وشمال ايرلندا . ولا اعتقد ان اللقاء سينجح في
ايجاد حلول للازمة السياسية في العراق ، لكون اللقاء لا يشمل كل اطراف النزاع في
القضية العراقية ، ولكون اللقاء اسأسا ينظر الى الازمة العراقية من باب الصراع
الطائفي بين السنة والشيعة ، ويلغي كل اسس الصراع ومكوناته الباقية ، وايضا لكون
المساهمين في اللقاء بالاضافة الى كونهم كما هو متوقع من الاطراف الثانوية ، وغير
الاساسية ، فهم سوف لن يكون بامكانهم التاثير على اصحاب القرار في الصراعات الدائرة
داخل العراق باسم الطائفة في حين ان الاساس الحقيقي لهذه الصراعات هو من اجل السلطة
والمصالح والثروة ، هذا من غير ان اللقاء المرتقب سيكون لقاءا مغلقا ، بدون اي
شفافية ، حيث لا يسمح بالدخول اليه حتى للصحفيين ، وسيكون بدون مساهمة ما من ابناء
الجالية العراقية المقيمين في فنلندا ، حيث لم يعلن بعد عن طريقة ما لمساهمتهم
ونوعها ان وجدت . السيدة ماري يارفا من منظمة " المبادرة لادارة الازمات " ، قالت
لنا ، في حديث هاتفي ، ان كل هذه الاجراءات الصيانية المتشددة ، وعدم ذكر اي
معلومات عن اسماء ومكان وتأريخ اللقاء ياتي في اطار الاجراءات الامنية المشددة بسبب
الاوضاع الامنية في العراق ، وهي تعتقد ان اللقاء سيكون مناسبة جيدة لتبادل وجهات
النظر . وهكذا ، وبغض النظر عن عدد ونوعية مواقع المساهمين في اللقاء ، لكن ثمة
سؤالا يبرز امام المتابع والمواطن العراقي المنتظر لنتائج اللقاء المرتقب : هل
سيتمكن برد فنلندا القطبي ، في تهدئة نيران الصراع بين الخصوم ؟ نأمل ان اللقاء
سيساهم في تعليم المتحاورين شيئا من فن الحوار بالكلام والحجج بدلا من الحوار
بالبنادق والهاونات ؟؟
سماوة القطب
22 اب 2007
* عن طريق
الشعب 2 ايلول 2007
** ملاحظة
متأخرة : اعلن مؤخرا ان السيد اكرم الحكيم ، وزير الحوار الوطني في الحكومة
العراقية الحالية ساهم في الاجتماع المذكور .