| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                            الأحد 30/12/ 2012


 

حلف الناتو لا يمكنه تجاوز الجغرافيا  بين روسيا وفنلندا !

يوسف أبو الفوز

أجرت القناة التلفزيونية الثالثة في التلفزيون الفنلندي ، مؤخرا ، استطلاعا عارض فيه حوالي سبعين بالمائة من الفنلنديين انضمام بلادهم الى حلف الناتو . وتناول الاستطلاع الاسباب  التي تدفع الفنلنديين الى ذلك منها انهم لا يريدون ارسال  ابنائهم وقودا  للحروب، وانهم يريدون ان يبقوا خارج الصراعات بين القوى الكبرى ، وهناك مخاوف من ارتفاع ميزانية الانفاق العسكري ، الدفاعي خصوصا ، وهذا سيترك تأثيره السلبي على الاوضاع الاقتصادية . واشار الاستطلاع الى ان نسبة غير قليلة من المشتركين فيه يرجعون معارضتهم الى منكلقات انسانية ، ويعود  هذا الامر  الامر الى كون الفنلنديين شعب  مسالم ومحب لعلاقات حسن الجوار ، خصوصا مع جارهم الاكبر ، روسيا ، الذي تمتد الحدود معها لأكثر من ألف وثلاث مئة كم عبر غابات وبحيرات متشابكة .

منذ تأسيس حلف الناتو عام 1949 ، كانت احدى اهدافه الستراتيجية هو تطويق الاتحاد السوفياتي ، ثم انتقل الهدف الى تطويق روسيا التي ورثت الترسانة النووية السوفياتية . نجح حلف الناتو في ان يضم الى صفوفه العديد من الدول التي كانت في سنوات ليست بعيدة حليفة للاتحاد السوفياتي ، ومنها دول جارة لفنلندا ولروسيا مثل استونيا ولاتفيا وليتوانيا حيث انضمت للحلف في عام 2004 .

ومرت العلاقة بين روسيا وفنلندا بالعديد من المنعطفات الحادة وكانت هناك اكثر من معاهدة سلام ، الامر الذي دفع جوزيف ستالين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت فنلندا حليفا لالمانيا النازية التي خسرت الحرب ، ان يقول للفنلنديين خلال مباحثات السلام " لست مسؤولا عن الجغرافيا " ، وكان ستالين يطلب من فنلندا ان تحافظ على خيار الحياد في الصراع بين محاور الشرق والغرب . معروف تماما لكل الاطراف أن ما يدخل في اهداف حلف الناتو هو الثروات الهائلة التي تحويها منطقة القطب الشمالي من الغاز والبترول ، الامر الذي دفع روسيا لاتخاذ اجراءات احترازية عديدة وتعزيز وجودها العسكري في منطقة القطب  ، وما ان طرحت للنقاش الصيف الماضي فكرة نشر حلف الناتو لمنظومات صاروخية ضاربة في فنلندا حتى ارتفعت الاصوات الرافضة والناقدة داخل فنلندا اكثر مما في روسيا .

ولا تجرؤ الحكومة الفنلندية الحالية ، التي يقودها حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين معتدل) منذ عام 2011 انطلاقا من ادراكها لموقف الشعب الفنلندي وقواه السياسية الاساسية ، على الحديث عن انضمام فنلندا الى عضوية حلف الناتو ، لكنها تعتمد في علاقتها مع الحلف سياسة تسميها " الباب المفتوح" التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو مباشرة كعضو اصيل ، ولكنها لا تغلق الباب امام التنسيق والتعاون معه . وعلى هذا الاساس اشتركت فنلندا في قوى السلام ضمن قوات حلف الناتو في افغانستان واجراء العديد من المناورات العسكرية والتدريبية التي اغضبت الجارة روسيا ، خصوصا فكرة نشر المنظومات صاروخية الضاربة .

و زار فنلندا مؤخرا الامين العام لحلف الناتو وصرح بأن فنلندا شريك جيد للحلف في المنطقة ، مما اغضب القيادة الروسية وزعماء اليسار في فنلندا ، الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين اشار في واحد من تعليقاته ، الى "ان مشاركة أية دولة كانت ، في التحالفات العسكرية يفقدها جزءا من استقلالها " في اشارة منه الى فنلندا . من جانبه ، جدد اليسار الفنلندي موقفه الرافض دوما دخول فنلندا في سياسة الاحلاف العسكرية ، وجددت مؤخرا الشخصية القيادية في الحزب  الاجتماعي الديمقراطي ، ورئيسة الجمهورية السابقة تاريا هالونين موقفها الرافض للعلاقة مع حلف الناتو خلال حفل توقيع كتابها " من أجل حياة أفضل " الذي يروي سيرتها الذاتية .

ويريد الشعب الفنلندي ، وهو يحتفل في السادس من كانون الاول بعيد الاستقلال الخامس والتسعين دخول العام الجديد وهو مفعم بالشعور بأستقلال بلده ، وهو يدرك أنه بأمكانه ان يرمي تاريخ الحروب والصراعات جانبا ، لكنه لا يمكن تجاوز الجغرافيا ، لانها ترسم دائما واقعا لا سبيل للهروب منه في العلاقات بين الدول ، وللحفاظ على الانجازات الديمقراطية التي حققها الشعب الفنلندي ، فان السلام في المنطقة مطلوب وضروري . 

 

* طريق الشعب العدد 96 الأحد 30 كانون الأول‏ 2012

 

 

free web counter