| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 

 

 

 

 

الأربعاء 30 /11/ 2005

 

 

على طريق الانتخابات ـ 3

 
في مأزق "القوري" وأرقام اللوائح الانتخابية !
 


يوسف أبو الفوز

والقوري ـ يا عزيزي القارئ ـ هي كلمة فارسية ، وهو أبريق الشاي المعروف في كل بيت عراقي ، وعنه نجد في حياة العراقيين الكثير من الاحاديث والطرائف ، ربما من اشهرها حديث المزاح بين الاصدقاء ، حين يسخرون من احدهم عندما لا يقدم شيئا جديدا في حديثه او عمله ، فيمازحوه وينعتوه بـ "مخترع القوري " ، واذ اكتب هذه السطور أتخيل الابتسامات الودودة على وجوه بعض القراء وهم يقولون :
ـ هيا صديقنا ، افتنا رحمك الله بما تريد ، والا صحنا بك : " يا مخترع القوري " !
هونوا عليكم يا اصحابي ، فمهما بذلت ـ انا عبد الله الفقير ـ من جهد وفذلكة كلامية واستعراض عضلات قوى بلاغية ، وحككت اطراف ذقني ، ومقدمة صلعتي ، وحركت قبعتي الى الامام والخلف ، وبسملت وحوقلت فسوف لن انافس "مخترعين" افذاذ واشاوس ، لم يخترعوا القوري فقط بل و" دخلوا فيه " بأقتدار لا يحسدهم عليه احد .
عن " دخول القوري " لدي حكاية ، لم استطع معرفة كل تفاصيلها رغم محاولتي في البحث ، اذ من طفولتي ، احمل ذكرى مشوشة من احد اقربائي ، الذي كان يردد اهزوجة ساخرة لا اعرف مصدرها ، ولم انجح في معرفة كل تفاصيلها ، وهل كانت من اغاني السجناء ، بحكم كونه كان سجينا سياسيا في عهد البعثيين ايام مجازر 1963 بحق الشعب العراقي ، او كانت مجرد اهزوجة مزاح اصدقاء و" فش خلق " ؟ الاهزوجة الساخرة ، التي تردد على لحن راقص طريف تتحدث عن مآزق احدهم ، و ورطته بعد الفذلكة والادعاء والنفخ ، وتنتهي بهوسة ، كنا ونحن اطفال نردح عليها ، تقول : " طالب وقع بالقوري " !
وهكذا منذ طفولتي صرت افهم بشكل ما ، ان للقوري ، هذا الوعاء المقدس تأريخيا عند العراقيين ، علاقة بالمأزق ، بل صار عندي كناية مباشرة عن " الوقوع في مأزق "، ورحت فيما بعد وعلى مستوى علاقاتي الصداقية ـ على المستوى المحلي طبعا ، ولم اتجرأ يوما لترجمة ذلك الى اي لغة اجنبية ! ـ ، احاول تسويق وترويج مقولة " وقع بالقوري " دلالة على الوقوع في مأزق ما .
وطيلة الايام الماضية ، بحثت وسألت بين اقربائي وافراد عائلتي ، ولم نتوصل معا الى تذكر نص الاهزوجة الكامل ، او معرفة من هو " طالب " المقصود ، هذا الذي وجد نفسه " وقع في القوري " ، وربما يكون هذا احسن لي ـ ولك عزيزي القارئ ـ ليكون الاسم مجرد كنية لشخص ما مجهول ، مع الاعتذار بالطبع لكل من يحمل اسم "طالب " وانا عندي منهم سلسلة طيبة ورائعة من المعارف والاصدقاء .
كل هذه المقدمة ، والقوريّات ـ وليسمح لي الاخوة اللغويين بهذه الصيغة من حالة الجمع لمفردة القوري ـ تتوارد الى ذهني وانا اقرأ هنا وهناك ـ وارى على الفضائيات ـ تفسيرات ساذجة يقوم بها البعض ـ ومع سبق الاصرار ـ لارقام لوائحهم الانتخابية ، ومحاولة اضفاء طابع قدسي عليها لخداع الناس والتغرير بهم ، واللجوء الى تفسيرات ورؤى وفذلكات لاقناع المواطن البسيط بأطروحاتهم التي يزينوها بالبسملة والحوقلة ومن غير ذلك من حشو في الكلام . هؤلاء الذين يجدون انفسهم في مأزق بسبب تزايد نشاط القوى السياسية الاخرى ، التي تنذر استطلاعات الرأي الاولية بكونها في الانتخابات القادمة ستقوم بكسر الاحتكار لحالة سياسية معينة عاشها الشعب العراقي ، وخصوصا في الجمعية الوطنية ، وبكون الاخر المنافس صار يجذب الناس ببرامجه وتعهداته الانتخابية ، فلم يجد هذا البعض وللخروج من حالة " القوري " ـ اقصد المأزق ـ التي زُج فيها سوى اللجوء الى اساليب خداع الناس والاستمرار في غسل عقول البسطاء بأقوال واحاديث منسوبة ومصنوعة عن قدسية ارقام لائحتهم الانتخابية . واذا صح قول هؤلاء عن قدسية الارقام التي تحملها لائحتهم فاني ـ ولوجه الله تعالى ـ انصح كل اصحاب القوائم الانتخابية ، مهما كانت ، من اي لون وطائفة وقومية ، بنبش كتب التفسير وكتب السيرة وكتب الاساطير والاثار وكتب التأريخ والجغرافيا والمعلومات الحياتية ، وان عجزوا يمكن الاستعانة بكتب الطبخ وتعلم اللغة السنسكريتية في سبعة ايام بدون معلم وربما موسوعة "الطرق السريعة لتمرير الخديعة "، وهناك سيجدون كل ما يسهل مهمتهم ، لايضاح وتبيان بان ارقام لائحتهم ، ايضا تحمل رموز واشارات وروح قدسية وهالة من نور وحكمة ، وقد يمكنهم هذا من رش العمى على بصر الاخرين ، وجمع المزيد من الاصوات الانتخابية للفوز بمقاعد اكثر في مجلس النواب القادم ، وان لم يقتنعوا بما اقول ـ لسبب من الاسباب ـ احولهم الى حكاية "طالب الذي وقع بالقوري " ، ليروا كيف ان "طالب " هذا ، الذي يبدو ان له وجوه عديدة وهيئات مختلفة ، وكل مرة ، وفي كل عصر وأوان ، يظهر لنا بهيئة ما ، وكيف نجح هذه المرة ودون ان يرف له جفن وخوف من رب العالمين ، بأن يرسم لارقام لائحته الانتخابية دوائر هالات قدسية لانه ببساطة يعتقد ان من يسمعونه ، سرحّوا ادمغتهم من زمااااان ، ولا يملكون سوى تصديقه ، ويتبعونه بدون نقاش وسؤاااال للدخول معه في عاااالم القوري .


سماوة القطب