| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 27/2/ 2009



لقاء مع الفنان المبدع جعفر حسن *


- فترة حكم النظام الديكتاتوري الشمولي هي من عمر خراب الوطن والثقافة
- تركة النظام الديكتاتوري اثمرت لنا اغاني البرتقالة والخيارة والباذنجانة
- ادعو الى وضع مقاييس فنية لاختيار الاغاني وبثها
- ادعو الجهات المعنية الى المبادرة لحماية المبدع العراقي من سرقة جهوده وابداعه

يوسف أبو الفوز

يوما ، في بغداد ، في سبعينات القرن الماضي ، في حفل زواج ، حين ترك اغلب الحاضرين وقارهم جانبا وراحوا يدبكون مع أغنية "عمي يا بو جاكوج " واغنية " اليمشي بدربنه شيشوف يا بوعلي " سألتني امرأة عراقية ، وقور :
ـ من اين تأتون بهذه الاغاني التي تملك كل هذا السحر ، ولا نسمعها في الاذاعة أو نراها في التلفزيون ؟
بعد سنوات طويلة ، وعبر طاولة مجاورة ، في كافتريا مقر جريدة "الصباح الجديد " في اربيل ، حيث كنت مطلع شباط 2009 في ضيافة زملاء احبة ، طارت اليّ ابتسامة مترعة بسحر الذكريات ، وسرعان ما شدت على يدي بحرارة تلك الانامل التي طالما قدمت لنا اعذب الالحان التي اجتاحت العراق والوطن العربي . قبل هذا، ولاخر مرة كنت التقيته على شواطئ مدينة عدن ، مطلع ثمانيات القرن الماضي ، حيث ضمت اليمن الديمقراطية اعدادا من العراقيين اللذين اجبرهم الطاغوت على ترك وطنهم . تنوعت وتعددت منافي جميع العراقيين . وكنت اتابع اخباره دائما . وهاهو الفنان الصديق جعفر حسن ينتصب امامي ، مفعما بذات النشاط والحيوية والدفء . واتفقنا على لقاء خاص بصحيفة طريق الشعب :

• ابو سلام ، أين هو جعفر حسن الان ؟
ـ موجود منذ 2004 في العراق ، في اقليم كردستان ، عملت مستشارا لوزارة الثقافة في الاقليم لفترة ، والان اعمل مستشارا فنيا لفضائية " النهار " التلفزيونية العراقية ومخطط لها ان تنطلق قريبا .

• وفنيا ؟
ـ حاليا انا مشغول بأعداد فواصل موسيقية وتايتلات لفضائية النهار .

• والاغاني الجديدة ؟
ـ لدي مجموعة من الاغاني الجديدة ، منها اغنية " وديني للبصرة" ، من كلمات ستار الساعدي والحاني وغنائي. واغنية " اهلي اكراد فيلية " من كلمات فالح حسون والحاني وغنائي ، ومن كلمات الشاعر احمد فؤاد نجم والحاني اغنية " يسعد صباحك يا وطني " ، ....

• هذه الاغاني ، هل سيضمها البوم واحد ؟
ـ لدي مجموعة البومات انتجتها في الاونة الاخيرة ، تضم مجموعة من الاغاني انجزتها بالتعاون مع العديد من الاخوة الشعراء ، وبعض من هذه الاغاني صارمعروفا ومطلوبا في الحفلات . مثلا البوم " الغريب " ، ايضا لدي البوم اغانيه فقط من كلمات الشاعر احمد فؤاد نجم .

• هل ترى ان الاغاني الوطنية ، او ما عرف بالاغاني السياسة ، لا يزال لها جمهورها ؟
ـ صحيح ان الاوضاع تغيرت . الاجواء الان غير ما كانت في سبعينات القرن الماضي . ولكن لا زال هناك أيمان بان الناس تقبل الاغاني التي تتغنى بالوطن والمستقبل والامل والكادحين . وانا متـاكد لو ان الاوضاع الامنية مناسبة ونزلت بقيثاري الى الشوارع مع اربع موسيقين لالتف علينا الكثير من الشباب رغم كل ما يقال عن الاوضاع الثقافية الحالية السائدة في العراق .

• هل تعتقد ان لغة " اليمشي بدربنه شيشوف ... يو موت لو سعادة " لا تزال ملائمة للوضاع الحالية ؟
ـ بالتأكيد ان المفردات والمفاهيم تغيرت كثيرا . انا اجد ان الحاني القديمة لا زلت مقبولة ومرغوبة . اما مفرداتها ومفاهيمها فهي كانت ابنة عصرها . ابنة ايامها . ولدت وانتشرت وسط ظرف مغاير تماما . الان حين يطلبوها مني استبدل بعض الكلمات ارتباطا بالمتغيرات ، مثلا بدلا من " يو موت لو سعادة " اقول " شوق ووفه وسعادة" . هذه الاغاني شكلت لنا هوية ، وانا افخر بها وهي تأريخي ، ولا زلت اقدمها في مناسبات معينة . قدمتها قبل فترة من على قناة عشتار . في مصر ، في سهرة مع الشاعر " احمد فؤاد نجم " غنيت " عمي يا بو جاكوج " و" يا بو علي " والعديد من الاغاني التي ارتبطت باسم ونضالات الحزب الشيوعي العراقي . في اواسط سبعينات القرن الماضي كان المناخ السياسي مواتي . كنا نطرح افكارنا عبر اغانينا. الحياة الان في العراق تشهد عدم وضوح في الرؤيا. نحن لا زلنا ننتظر هدوء هذه الفوضى .

• اين تجد جمهورا يطلب الاغاني السياسية ؟
ـ مرة اخرى ، اقول ليس كما في سابق الايام ، لكن هناك من يرغبها . خصوصا في الاحتفالات . المشكلة هي ان الحفل الفني عندنا لا زال مرتبطا بالعمل السياسي ، بل جزءا منه ، بطابع احتفالي بمناسبة ما . واذا ذهب الفنان الجاد لحفل سياسي ما لا يحصل على كوب شاي . مهمته عند السياسيين ان يغني للمناسبة الفلانية ومع السلامة . كأنه عنصر تكميلي لادوات وزينة الاحتفال . للاسف لا زلنا بدون تقاليد فنية. لا زلنا مرتبطين بالخطاب السياسي . لا يوجد لدينا جمهور مسرحي يتوجه الى المسرح لسماع اغاني ملتزمة جادة ، وجدانية ووطنية ، ليتغذى روحيا.

• هذا يقودنا للحديث عن واقع الاغنية العراقية ؟
ـ للاسف هناك حالة تردي في حال الاغنية العراقية ، رغم جهود فنانين جادين واصلاء للحفاظ على صورة مشرقة للاغنية العراقية . واقع الاغنية العراقية الحالي يذهب باتجاه الاغنية الهابطة السطحية . اغاني الهز واغان الغجر، بل يمكن القول لا هي اغاني غجرية ولا اغاني مدينة هي خلطة نشاز جدا . واذا كان الفن مرأة يعكس واقع المجتمع فأن هذا الغناء يعكس واقع مجتمعنا الحالي المحزن ، خصوصا مع هذا الانتشار الوبائي الفظيع للاغاني الهابطة من اغاني الباذنجان والتفاح والبرتقال . شئ مريع . تردت كلمات الاغاني بشكل يخدش حتى الذوق وبدون خجل. تصور ان مطرب يغني " عذبيتي الله يعذبك ... عذبتيي الله يموتك " . هل يمكن ان تستوعب هذا ؟ اغنية تحمل لغة تهديد ؟ اين كلمات الغزل والعتاب الرومانسي الوجداني ؟ يساعد على ذلك وجود الفضائيات التي تريد فقط مادة حشو ، اي مادة بغض النظر عن مستواها ، لسد ساعات البث الطويلة ، فتنتشر مثل هذه الاغاني الهابطة فتساهم في تسطيح عقول الناس وتسد الطرق امام الاغاني الوجدانية والجادة .

• واين تكمن اسباب ذلك ؟
ـ انا اعتبر كل ذلك نتاج مباشر لفترة النظام الديكتاتوري. حيث ان اربعين عاما هي فترة حكم النظام الديكتاتوري الشمولي هي من عمر خراب الوطن والثقافة ، هذا الخراب اثمر لنا اغاني البرتقالة والخيارة والباذنجانة . كانت حكومة ديكتاتورية جاهلة ، نشرت اغاني الحرب العدوانية والاغاني الهابطة . وسمحت لاشباه الفنانين ان يصيروا نجوما . الفنانين الجادين تركوا العراق مرغمين ، وحتى خارج الوطن كانوا يطاردون ومحاصرين من اجهزة الانظمة العربية المتواطئة مع اجهزة النظام الديكتاتوري . تصور ان النظام الديكتاتوري مسح كل الاغاني المسجلة بصوتي او من الحاني من ارشيف الاذاعة والتلفزيون ، وكذلك فعل مع الكثير من اغان واعمال زملائي واصدقائي الذين تركوا العراق خصوصا ممن ترك العراق بشكل مبكر ولم يساهم في الردح للنظام خلال سنوات الحرب الكارثية.

• وما هو برأيك الحل ؟
ـ في سبعينات القرن الماضي ، قبل تسلط النظام الديكتاتوري ، حيث بحق يمكن تسميته بالعصر الذهبي للاغنية العراقية ، كانت هناك لجان متخصصة لفحص النصوص والالحان والاصوات . وكان الفنان يبذل جهدا ملحوظا في البحث عن نص هادف ، راقي ، ويعتكف لوضع اللحن ويراجعه كذا مرة ، ويعاني من اجل ان يرى عمله النور بشكل متكامل . الان الامور سلق بيض . بأختصار اختلط الحابل بالنابل . انا ادعو الى وضع مقاييس فنية لاختيار الاغاني وبثها .

• والفيديو كليب ؟
ـ عن الفيديو كليبات حدث ولا حرج . حيث تحوي هذا االكليبات كل ما لا يمت للفن والغناء بصلة . وحتى لا اكون ظالما فان 75% منها هابط وغير فني ، والنسبة البقية تحتاج الى تقويم لفرزها بمستويات مختلفة .

• هل فكرت شخصيا بانتاج فيديو كليبات خاصة بك ؟
ـ نعم اعددت بعض الفيديو كليبات ، بثتها بعض الفضائيات العراقية . بالتعاون مع الاخوة الفنانين المصورين والمخرجين حاولنا ان نقدم عملا فنيا له علاقة بالغناء . صورة ومعنى لهما علاقة باللحن والكلمات ضمن سيناريو بسيط معبر . اتعاون الان مع الفنان قتيبة الجنابي والفنان عماد حسن لاعداد اغنية الغريب . واغنية دجلة الخير من كلمات الجواهري ستكون من اخراج الفنان عماد حسن . وهناك تعاون مع الفنان ناصر حسن لاغنية اخرى .

• وكيف ستجد هذه الاغاني والفيديو كليبات طريقها لتصل الى الجمهور ؟
ـ هنا المشكلة الاساسية . وهي مشكلة شركات التوزيع والانتاج . فبعض من البوماتي انتجتها على نفقتي الخاصة وبنسخ محدودة . وما ان يحصل بعض الموزعين على نسخة من البوم ما ، وبدون اذن وترخيص تجدهم يطبعون ويوزعون منه المئات بدون اي مسؤولية او خوف وبدون الرجوع للفنان لاخذ اذنه او للاتفاق معه بأي شكل . لا توجد قوانين تحمي حقوق الفنان . الكتاب لديهم نفس المشكلة . نحن في العراق بحاجة الى قوانين تحمي حقوق الابداع . وزارة الثقافة والجهات المعنية مطالبة بالعمل الجاد لسن مثل هذا القانون ، وعبر طريق الشعب ادعو الجهات المعنية الى المبادرة لحماية المبدع العراقي من سرقة جهوده وابداعه. نحن بحاجة الى شركات انتاج وتوزيع تعمل وفق معايير فنية وقانونية ، تساهم في دعم الفنان وحماية نشاطه وابداعه وبالتالي تساهم في تطور عمله .

• وما هو دور نقابة الفنانين ومؤسسات الدولة المعنية بهذه القضية ؟
ـ للاسف ، مرة اخرى اقول ، لا يوجد اي دور ملموس . ما تحدثنا عنه في جواب السؤال السابق هو عمل ومهام نقابة الفنانين التي يبدو انها عاجزة ، وكذلك وزارة الثقافة العراقية التي لم نر منها اي مبادرات بهذا الخصوص . مرارا طالبت شخصيا بتأسيس اتحاد جديد لجمهرة الفنانين المغضوب عليهم سابقا وحاليا . لدينا اسماء مبدعة تنتشر هنا وهناك ، داخل وخارج الوطن ، بدون اطار يلمها ويحمي حقوقها وينسق نشاطاتها . قدمت اقتراح للاستفادة من شبكة الانترنيت لعقد لقاءات ، والان اكرر اقتراحي عبر طريق الشعب . مثل هذا الاطار يمكن ان يساهم بالمطالبة بتشريع القوانين المطلوبة . ان تجربة الفنانين الرواد ايضا يجب ان تصان وتصل الى الاجيال القادمة اطالب الان بتأسيس اطار نقابي للفنانين للديمقراطيين ويقوم بتنظيم مهرجان دوري . اتمنى ان تتم المبادرة من جهات معنية لرعاية هذا الاقتراح . وايضا طرحت اقتراحا بعقد مهرجان غنائي جاد دوري اتمنى ان تتبنى انجازه جهة معينة.

• كلمة اخيرة لقراء طريق الشعب ؟
ـ جمهور طريق الشعب ، هو جمهوري ، وهم ناسي واهلي ، لهم محبتي وأملي ان القاهم دوما في ساحات الفن والجمال في عراق مزدهر ديمقراطي .


*
عن طريق الشعب البغدادية العدد 130 ليوم 26/2/2009


 

free web counter