| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                            الخميس  27 / 2 / 2014

 

دي كابيرو ولعنة سكورسيزي مع الاوسكار !

 يوسف أبو الفوز

في عموده الدوري"كلاكيت"وعن الترشيحات النهائية لجائزة الاكاديمة (Academy Award)، المعروفة بأسم جائزة الأوسكار، التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الامريكية، التي ستعلن في حفل على الهواء في الثاني من اذار القادم، كتب الصديق الناقد السينمائي علاء المفرجي، وفي معرض حديثه عن فيلم "ذئب وول ستريت" المرشح لعدة جوائز اوسكار، وهو للمخرج الفذ مارتن سكورسيزي، عن الممثل ليناردو دي كابيريو الذي يلعب الدور الرئيس فيه: (...، الذي قدم حتى هذه اللحظة أدوارا جعلته بين الصفوة من عمالقة الأداء السينمائي على مدى تاريخ السينما الأمريكية. وربما ستكون دورة هذا العام للأوسكار فاصلة في مسيرة هذا الممثل وهو الذي يحفظ للجائزة محاولاته المضنية السابقة في كسب ودها. وفي حال كانت أوسكار الممثل الأفضل من نصيبه أو لم تكن فإن ذلك بلاشك سيكون الحدث الأبرز في أوسكار هذا العام . خاصة مع الأداء المذهل الذي قدمه في هذا الفيلم).

فهل سيحتضن ليناردو دي كابيرو العم اوسكار بين يديه أم ان لعنة مارتن سكورسيزي مع الاوسكار ستلاحقه ايضا؟

اول مرة تعرفت شخصيا على ليناردو دي كابيرو (مواليد 1974) كممثل كانت في فيلم " ماذا يأكل جلبرت جريب ؟" (1993) للمخرج الامريكي ـ السويدي الاصل لاسي هالستروم ، الذي عرف باخراجه لكليبات الفيدو فرقة آبا الموسيقية السويدية الشهيرة واخراج افلام هوليودية عديدة. في الفيلم لعب دي كابيرو دور الصبي المعوق "أرني جريب" ، في دراما عائلية ، حيث يعاني الابن الأكبر "جلبرت جريب" (جوني ديب) من هموم رعاية العائلة التي هرب منها الاب بشكل غامض وتركه مع اخت غير متزوجة واخ معوق وأم مفرطة السمنة، والتي يوم وفاتها تعذر نقلها فارادت السلطة المحلية ان تجلب رافعة خاصة لذلك، فقرر الابن حرق المنزل مع جثة والدته تحسبا للفضيحة. في هذا الفيلم، وهي اول مشاهدة لي لدي كايبرو وكنت حينها لا اعرف اسمه، لم اصدق بان هذا الممثل الشاب الوسيم (19 عاما يومها) لم يكن معوقا حقيقا فقد تلبس الدور بشكل مذهل. بعد البحث عن الفيلم وما يتعلق به اطلعت كيف ان دي كابيرو لاجل الفيلم زار عدة مصحات نفسية وقابل العديد من المرضى راقبهم وتحدث معهم ليساعده ذلك في تقمص الدور. لم يكن "أرني جريب" في الفيلم شريرا بقدر ما كان مشاكسا ومتعبا لاخيه الاكبر، وقدمه دي كابيرو بأحتراف عال واقناع أهله حينها للترشيح لجائزة الاوسكار عن فئة افضل دور مساعد وليكون اصغر ممثل في تاريخ هوليود يترشح بهذا العمر. وتوالت الادوار التي لعبها دي كابيرو بعبقرية الممثل المجتهد الذي لا يكرر نفسه، ليكون واحدا من النجوم المرتفعين الاجر ــ عشرين مليونا عن فيلمه الاخيرــ ، ليس لأن مجلات الموضة والمجتمع المخملي اختارته كواحد من اجمل خمسين رجلا في العالم أو لأنه حمل الرقم 36 من بين 100 رجلا اكثر اثارة واغراء ، لكن لامكانياته التي صقلها ببدايات تلفزيونية ناجحة، وثم ادوارا سينمائية متواضعه، وثابر لتنمية قدراته التي اهلته للعمل مع مخرجين سينمائيين متميزين مثل جيمس كاميرون (تايتانيك 1997) ، وودي آلن (الشهرة 1998)، ستيفن سبيلبرغ (أمسكني لو استطعت 2002) كلينت إيستوود (جيه إدغار هوفر 2011)، وبالطبع اعماله المتميزة مع مارتن سكورسيزي، الذي اعتبره "روبرت دي نيرو جديد في عالم السينما". اول اعماله مع مارتن سكورسيزي كان فيلم عصابات نيويورك 2002، ثم توالت البقية : الطيار2004 ،المغادرون 2006،جزيرة المصراع 2011، هذه الافلام التي عززت العلاقة بين دي كايبيرو وسكورسيزي، والتي يبدو جعلت "لعنة الاوسكار" تنتقل من المخرج الى الممثل!

مارتن سكورسيزي (مواليد 1940 ) ظل منبوذا من قبل الهيئات المسؤولة عن جوائز الاوسكار لفترات طويلة، رغم تقديمه اهم الافلام للسينما العالمية ، خصوصا تلك الاعمال التي تعاون فيها مع الممثل روبرت دي نيرو، لكنه لم يتوقف في افلامه عن تعرية الحلم الامريكي من منطلقات فكرية ليبرالية، ففيلم "سائق التاكسي" 1976 ، بحث الاسباب التي دعت الشاب " ترافيس بيكل" (روبرت دي نيرو)، البسيط والمحدود التعليم لأن ينفجر بشكل عنيف ومدمر. فهذا الجندي العائد من حرب فيتنام وجد ان البلاد التي حارب لاجلها تسير الى الهاوية ويرى فساد السياسيين وانتشارالدعارة والمخدرات فيقرر التغيير على طريقته. وتوالت افلام مارتن سكورسيزي متأملا المجتمع الامريكي من الداخل متناولا شخصيات متأزمة ، غير محبوبة، ففي فيلم "الثور الهائج"1980 (مع دي نيرو ايضا) قدم سيرة الملاكم "جيك لاموتا"،الذي امتاز بالعنف والوحشية والوسواس ودمر علاقته مع زوجته بسبب غيرته وعزل نفسه عن الاخرين، وحتى في افلامه التي تناولت قصص العصابات والجريمه سلط الضوء على الحياة الامريكية التي تنتهك أمنها الجريمة والفساد، وفي فيلمه "المغادرون" 2006،الذي اخيرا تنازلت هوليود ومنحته الاوسكار لاجله، من بعد خمسة ترشيحات كافضل مخرج وترشيحين لافضل سيناريو، تناول الفساد المستشري في اجهزة الشرطة التي يتطلب ان تكون حافظة للقانون. لم يكن فيلم "المغادرون" افضل افلام مارتن سكورسيزي، لكن هوليود شهدت الكثير من التغيرات منها ظهور تيار جديد من المخرجين والمنتجين الذين تمردوا على سيطرة الراسمال الهوليودي المتشدد المرتبط بسياسات الدولة ، وعملوا لانتاج افلاما تتمرد على الرقابة الحكومية واجهزتها البوليسية التي تدس انفها في كل مشهد وحوار، وتعالت الكثير من الاصوات الناقدة والناقمة لنزع "اللعنة" عن المخرج ، الذي يوم استلم الاوسكار لافضل مخرج سينمائي، كان قد بلغ عتيا من العمر وقدم سلسلة طويلة من الاعمال الفنية المهمة.

وهاهو دي كايبيرو يسير على خطى مخرجه وصديقه. تتكرر ترشيحاته لجائزة الاوسكار دون ان ينالها، فقد سبق ان كان له ترشيح كافضل ممثل مساعد وترشيحان كافضل ممثل رئيسي، يضاف لها ترشيحه الاخير كأفضل ممثل رئيس عن فيلم "ذئب وول ستريت".

لو تابعنا اسباب ما سميناه "اللعنة"، لنجد ان تواصل مواقف عدم الرضى في دوائر هوليود واللوبي السياسي اليميني من اعمال سكورسيزي، والتي جعلت من بعض النقاد يطلقون عليه لقب "المخرج المكروه في هوليود" بسبب افلامه الناقدة للمجتمع الراسمالي، هي السبب الاساس لهذه "اللعنة"، فكيف سيكون الامر مع ديكابيرو الذي يصنف سياسيا كليبرالي ديمقراطي، وهذا يضعه في مواقع اليسار، فهو يجاهر بدعمه للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، بيل كلينتون، ال غور، وفي مواجهة جون كيري مع جورج دبليو بوش عام 2004 تجول دي كايبيرو مع كيري في انحاء امريكا في 11 ولاية والقى عشرون خطابا ضد الحرب والسياسة الخارجية الامريكية، وفيما بعد جدد الدعم لباراك اوباما وساهم في حملات جمع التبرعات له وعمل لاجل فوزه. وليس خاف عن احد عمله ونشاطه في مجال البيئة اذ تبرع بالملايين من امواله الخاصة لمشاريع وبرامج بيئوية حول العالم ، وانتج وساهم في الفيلم الوثائقي " الساعة الحادية عشر" الذي القى باللوم بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري على العصر الصناعي ومنها الشركات الامريكية وادان السياسة البيئية الامريكية التي لا تفعل ما يكفي لحماية بيئة الارض ومواجهة خطر انتشار الغازات وارتفاع حرارة الارض، ومعروف ان الولايات المتحدة لم توقع على العديد من الاتفاقيات البيئية العالمية وتنال النقد لاجل هذا كل يوم.

فأذا كانت الاميرة ديانا ــ كما يقول البعض ــ فقدت حياتها لانها تورطت في برامج ادت الى خسائر كارثية للشركات المصنعة للالغام الارضية، فهل سترضى دوائر المال والرأسمال ومن يرتبط بها من السياسيين ، عن ديكايبرو، وتجعله يهنأ بالاضواء والاوسكار،وهي تراه يمول ويمثل فيلما يفضح فيه الجشع الامريكي وحياة الفساد والخداع والمجون في عالم الراسمالية التي تبني حلما يتهاوى أمام ازماتها المستعصية ؟؟

لو فاز ليناردو دي كابيريو بالاوسكار هذا العام، عندها يمكن القول ان العمل المتفاني والاصرار للفنانين المبدعين نجح في تحدي وكسر "اللعنة" ، وان اشياء كثيرة في الحياة حقا تتغير !


* المدى . صفحة شاشات . العدد رقم (3018) بتاريخ 2014/02/27
 

 


 

free web counter