موقع الناس http://al-nnas.com/
هل حكومتنا الدائمة ، حقاً ،
حكومة " قوس قزح " ؟
يوسف ابو الفوز
الجمعة 26/5/ 2006
قبل عقد من الزمان ، حللت في
فنلندا لاجئا سياسيا ، بعد رحلة شاقة في البحث عن سقف امن دائم ، ومن الايام الاولى
، ومن اجل متابعة ما يجري في البلاد والتعرف عن قرب ، اجريت الكثير من اللقاءات
والحوارات مع مثقفين وسياسيين من اهل البلاد ، ومن مختلف "الالوان " ، ففي فنلندا
تستخدم وسائل الاعلام الوان محددة لمختلف الاحزاب والمنظمات ، وتعرف بها وتكون
سائدة في شعاراتها ونشاطاتها . ولاجل اشراك الاخرين معي في ما رحت اتعرف اليه ،
كتبت سلسلة مقالات لمجلة " رسالة العراق " ، الصادرة في لندن حينها ، وتحت عنوان
موحد "السياسة والحياة عند القطب " للتعريف بتاريخ وحياة وتجربة هذه البلاد في بناء
دولة ديمقراطية، مثالا لدولة الرفاه الاجتماعي ودولة القانون والمجتمع المدني ،
وكان في بالي دائما التأكيد على تلك الدروس التي تنفع بلادنا فيما لو تم الاطاحة
بنظام العفالقة الديكتاتوري . ومن الايام الاولى واجهني في الحياة السياسية
الفنلندية مصطلح " حكومة قوس قزح " ، الذي تستخدمه وسائل الاعلام نقلا عن الشارع
الفنلندي ، حيث يستخدمه المواطن الفنلندي في وصف الحكومة المنشودة ، حكومة الوحدة
الوطنية . لم يكن صعبا فهم المقصود بذلك ، لكني وفي لقاء السيدة ساتو هاسي (شاعرة
وروائية ومؤلفة كتب دراسية في علم الفيزياء ) زعيمة حزب الخضر الفنلندي ، ووزيرة
البيئة لفترة لاحقة ، وفي كافتريا البرلمان الفنلندي ، ولانجاز اللقاء الصحفي ( نشر
اللقاء في رسالة العراق العدد 42 حزيران 1998 ) سألتها عن " قوس قزح " هذا : الا
تجدون في التسمية شئ من سخرية او استهانة بالعمل السياسي ؟ كانت الحكومة ايامها
مكونة من خمسة احزاب من الاحزاب الفنلندية الستة الكبار ، وراحت السيدة تشرح لي ،
وبلغة اختلطت فيها مصطلحات العلم بالشعر ، اعتزازها بهذه التسمية ، لانها تجدها
تعبير موفق عن حكومة الوحدة الوطنية ، التي تدير سياسة البلاد وتسعى لتحقيق طموحات
واحلام المواطن الناخب ، فكل الاحزاب السياسية ، ومن مختلف الالوان الفكرية ، من
اليمين واليسار، تجلس الى طاولة واحدة وتشترك في حكومة واحدة ، شكلت وفقا للدستور ،
وراعت الاستحقاق الانتخابي ومصلحة الوطن . كانت فنلندا ايامها في سنوات حاسمة لتأخذ
دورها وحجمها المناسب في مؤسسات الاتحاد الاوربي وتحديدا للتصويت حول الدخول في
وحدة النقد الاوربي ، فاكدت السيدة ساتو هاسي : ان قرارات مصيرية بهذا الحجم ترسم
مستقبل البلاد لا يمكن للون واحد ان يتفرد برسمها ، لابد من ان يكون هناك اجماع
وطني من كل الالوان .
اليوم ، في العراق الجديد ، وبعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور ، وبعد ان تشكلت
الوزارة العراقية الرابعة برئاسة السيد نوري المالكي ، بعد وزارات : مجلس الحكم ،
والمؤقتة، والانتقالية، ها هي الوزارة الدائمية تلاقى بالترحيب من قبل الكثيرين ،
على الساحة الوطنية الداخلية ، والخارجية ، ودعك من عصابات فلول النظام الديكتاتوري
المقبور ، وحلفائهم من الارهابيين التكفيرين ، الذين لهم مشروعهم الظلامي الدموي .
الحكومة الدائمية ، ستواجه ملفات اساسية ، ومهمات كبيرة وخطيرة ، في فترة حاسمة
ومصيرية في تاريخ وحياة شعبنا ، فهل يمكنها الخروج بقرارات حاسمة لخلاص شعبنا مما
يعيشه من ازمات وكوارث والاخذ بالبلاد الى نهارات الامان والاستقرار ؟
العديد من ممثلي الاقليات ، وفي مجلس النواب ، لا يعتبرون الحكومة الحالية حكومة
وحدة وطنية بل يعتبروها حكومة توافقية هشة مبنية على المحاصصة الطائفية ، ويشيرون
الى غياب ممثلي القومية التركمانية ، والكلدواشوريين ، والايزيدين والصابئة ،
والعديد من المنظمات النسوية ايضا قدمت انتقادات حول نسب تمثيل المرأة وتهميشها في
الحكومة الحالية .
وبالرغم من اشتراك غالبية القوائم الانتخابية في تشكيل الحكومة الحالية ، الا ان
غياب الوان معينة عن تشكيلة الحكومة ، سيضر بالتاكيد بكمال الوان قوس قزح لتتحد
مختلف الترددات لكل لون مع بعضها لتشكل لونا وطنيا واحدا ساطعا وبهيا .
لا يزال من الممكن معالجة ذلك ، بأكثر من طريقة وشكل وبروح الحكمة والحرص على
مستقبل البلاد . وتفعيل مجلس الوزراء واحد من الاجراءات الاساسية والمهمة امام
الحكومة الحالية لتقترب من روح الكمال ، بحيث يستطيع كل وزير في الحكومة ، ومهما
كان حجم كتلته الانتخابية ان يوصل صوت الناس ومن يمثلهم وفي مختلف الشؤون السياسية
والاجتماعية . بدون ثقة ودعم كل فئات ومكونات الشعب العراقي ، فلن تستطيع اي حكومة
ان تنجز ما وعدت به ، وستبقى الوانها نشازا ، بعيدة تماما عن امكانية تحقيق
الانسجام المطلوب لرسم صورة مشرقة لغد افضل منشود .
سماوة القطب - 25 ايار 2006