| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                                                السبت 22/9/ 2012

 

هل حقاً لا يمكن لنا أنتقاد القيادات الكردية الحالية ؟!

يوسف ابو الفوز

لا تخذلونا .. فحق تقرير المصير له طريق واحد هو : " الديمقراطية "، فدعونا نعبد هذا الطريق الوعر معا!

قبل رمضان بأيام لبينا دعوة كريمة من احد الاصدقاء لبيته ، كنا مجموعة متوادة من العراقيين ، مختلفين الاهواء والميول ، لكن يجمعنا حب العراق الديمقراطي ، وكعادة العراقيين ، حضرت السياسة مكملة لاطباق الطعام، واذ كانت الاحاديث تجري في اجواء ودية، حول الاوضاع السياسية في البلاد، وأذ ألمحت الى تجنب أحد الاخوة الحاضرين الاشارة في أحاديثه الى بعض زعماء كتل الاسلام السياسي رغم كل ما يقال عنهم ، فاجأني وهو يصرخ بي مستفزاً : " أتحداك اذ كتبت يوما تنتقد القيادات الكردية ؟!" طريقته في الكلام وانفعاله ، دفعتاني للسكوت، فلست احب الصراخ في النقاش ، وعندما هدأت الأمور ـ وشبعت البطون ـ نبهته بمودة الى أسلوبه ، ولكني مع نفسي بقيت أتساءل : هل حقا لا يمكن لي انتقاد القيادات الكردية الحالية فيما لو تطلب الامر ؟!

مؤخراً ، كان لي شرف المشاركة الى جانب 115 شخصية عربية وعراقية ، من الدول العربية ومن القاطنين في اوربا واستراليا والولايات المتحدة وكندا ، وذلك في المؤتمر الأول لحركة " التجمع العربي لنصرة القضية الكردية"، الذي انعقد في الفترة 5 ـ 6 / 5 / 2012 في اربيل . في الحافلة التي اقلتنا من الفندق الى قاعة افتتاح المؤتمر، كان جليسي أحد الشخصيات الوطنية الديمقراطية العراقية ، ممن أستوزر بعد الاطاحة بديكتاتورية البعث ومن المساهمين في العملية السياسية باشكال مختلفة ، فسألته : " ونحن نعيش اجواء التطاحن بين الكتل المتنفذة ، ودخول قيادات اقليم كردستان بقوة في التصعيد السياسي ، الا توجد مخاوف لأن يسيّس مؤتمرنا هذا؟!" وكان الجواب واضحا ومتوافقا مع ما افكر به ، اذ قال : " لقد تسيّس المؤتمر حتى قبل انعقاده !" ، واذ انطلقت الحملة الشعواء لمهاجمة المؤتمر والمساهمين به ، من قبل اقلام وعّاظ السلاطين ، وجدت كم هي رخيصة تلك الاقلام التي تتجاهل حقائق ان التحضيرات لهذا المؤتمر بالذات قد بدأت قبل عام من انعقاده ، وقبل التوترات الحاصلة في الساحة السياسية ، فلا يوجد في اجندة المؤتمر تحيز مسبق للتضامن مع طرف ضد اخر ، وان المؤتمر هو للتضامن مع شعب وليس مع حكومة وقيادات ، الأ ان الاصوات النشاز لم تتوقف عن التعريض بالمؤتمر والمشاركين به . رغم ذلك ربما صحيح بعض ما قيل بأن الاعلام الرسمي في اقليم كردستان بنفسه ساهم في تسييس المؤتمر من خلال اسلوب التغطية مما جلب عليه نقمة البعض ، لكن على كل حال فقد فات الكثيرين ، وربما منهم صاحبي الذي صرخ بوجهي، ان الوقوف الى جانب شعب وحقه في تقرير مصيره لا يعني دعم ومساندة حكّامه !

منذ بداية تفتح الوعي السياسي عند أبناء جيلي (شخصيا من مواليد 1956) تعلمنا من خلال انخراطنا ومساهماتنا في نشاطات المنظمات الديمقراطية (ألاتحاد العام لطلبة العراق واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي) ونشاطات اليسار العراقي ، بأن للشعوب حقا مشروعا في تقرير مصيرها ، وان هذا الحق يأخذ اشكالا عديدة متدرجة ، وكان شعبنا الكردي ، وفي العراق تحديدا ، مثالا حيا امامنا . وحين التحقت شخصيا بفصائل الكفاح المسلح (الاعوام 1982 ـ 1988 ) ضمن التشكيلات المسلحة للحزب الشيوعي العراقي المناضلة لاسقاط نظام صدام حسين الديكتاتوري ، كان واضحا لي ولابناء جيلي ان الحركة المسلحة قد لا تتمكن من اسقاط نظام فاشيّ شوفيني مثل نظام المجرم صدام حسين ، ينال دعما اقليميا ودوليا لتنفيذ مخططات جعلته يكون الذراع الضاربة في المنطقة ، لكن نضالات المقاتلين الانصار قد تساهم في خلق وعي شعبي يزحزح قناعات الناس بهذا النظام وامكاناته . وطيلة سنوات النضال المسلح ، المعقد والصعب ، وضمن الشعارات التي رفعها المقاتلون الانصار كان شعار " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق " مدركين عمق الترابط الجدلي بين تحقيق الديمقراطية ونيل الشعب الكردي لحقوقه . وهناك ، بين صخور جبال كردستان ، واذ استشهد العشرات من اصدقائي ورفاقي ـ وساهمت بدفن بعضهم بيدي ـ من اجل الحلم بعراق ديمقراطي جديد تعلمت اشياء كثيرة من الفلاح الكردي الصبور المكافح لقسوة الحياة والطبيعة وقسوة نظام شوفيني لا يرحم ، وزاد ذلك من ارتباطي بهذا الشعب وتقديري لتضحياته . وحين زارني الاستاذ والصديق الكاتب فلك الدين كاكائي الى بيتي ، في محل اقامتي في فنلندا ، في ايلول 2008 ، وكان حينها وزيرا لثقافة اقليم كردستان وعضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتم الاتفاق على اقامة "الاسبوع الثقافي الفنلندي في اربيل" ، الذي كان لي شرف اقتراحه والمساهمة في تنفيذه في ايار 2009 من خلال نشاطي في المنظمات الثقافية الفنلندية ، اخبرت الصديق الوزير :" سأبذل جهدي لانجاز هذا المشروع وفاءا للفلاح الكردي الذي كان يقاسمني رغيف الخبز  ويؤتمنني على بيته وعائلته ". واذ يمازحني البعض من المعارف ، لاسباب مختلفة ، بأني " مستكرد " ويلمح الى ان الداوفع  لمواقفي الدائمة الى جانب الشعب الكردي سببها ارتباطي بمواطنة كردية ، فأنه ينسى ـ او يتناسى ـ اني قابلت شريكة حياتي بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، حيث خلالها، ومعي الالاف من خيرة ابناء الشعب العراقي ، ومن مختلف القوميات ، كنا مشاريعا جاهزة للشهادة من اجل الدفاع عن القرى الكردية والقضية الكردية والديمقراطية في العراق . التقيت شادمان ، ابنة الشهيد الشيوعي البطل علي فتاح درويش، وكنت قد كتبت ونشرت عشرات المقالات والقصص تتناول القضية الكردية، التقيتها وانا أومن تماما بأن لا حقوق كاملة للشعب الكردي الا في عراق يتمتع بديمقراطية حقيقية كاملة، وافتخر بأن اربعة من اصداراتي الادبية تتناول بشكل واخر الحياة في كردستان والقضية الكردية ، وان روايتي "تحت سماء القطب "، التي منحتني عنها وزارة ثقافة اقليم كردستان درع الوزارة في حفل توقيعها في اربيل اذار 2010 ، اعتبرها الصديق والاديب كاروان عبد الله ، مسؤول دار نشر موكرياني التي طبعتها ، رواية كردية ـ عربية ، لكونها تتناول ، ضمن ما تتناول ، شؤون القضية الكردية والعائلة الكردية ! .

أن انتمائي ، وغيري كثيرين ، لقضية الشعب الكردي تأتي عبر مسيرة سنوات طويلة تعمدت بالكثير من المعاناة ، اذ عشنا مع هذا الشعب وقاسمناه بعضا من أيامه الصعبة ، وتعلمنا منه الكثير، وشاركناه أحلامه ، وسعينا من اجل نيله حقوقه ، وصار لنا من بين ابنائه اهل واصدقاء ، تخضر القلوب لمجرد سماع اسمائهم ، وهذا كله يمنح الحق بأن نقول ما نريد حبا بهذا الشعب ، في كل حين وفي كل مكان ، فهل نحن مخطئون في الوقوف الى جانب حقوق هذا الشعب الكريم والاصيل ؟!  وهل نحن مخطئون ، حين في جدالنا مع البعض من الاصدقاء والزملاء المخلصين للعراق الديمقراطي حول بعض ما يصدر من مواقف عن قيادات الاحزاب الكردية فنقول لهم : ربما تكونوا على حق ، لكن لا تنسوا انهم ضمان العملية الديمقراطية في العراق ؟! .  وكان ـ ولا زال ـ البعض من الاصدقاء ، ولاسباب كثيرة ومختلفة، ينبش ـ وبطرق مختلفة ـ ملفات أيام اقتتال الإخوة في ايام الكفاح المسلح في كردستان، وينثر الاتهامات يسارا ويمينا ويذكرنا بوقائع دفعت فيها الحركة الوطنية شهداء من مختلف القوميات نتيجة ممارسات وسياسات خاطئة لبعض الفصائل الكردية ويطالب بفتح الملفات وبمحاكم علنية لاسماء معروفة في الساحة السياسية ، وكان لها دور قيادي بارز في ايام اقتتال الإخوة ، فكنا نقول لهم أن دماء الشهداء لا يمكن ان تصير ماءا ولكن لكل شيء اوانه ، ونحن الان في غمار صراع من اجل ترسيخ بنية الدولة الديمقراطية في العراق ، والقوى الكردية حلفاؤنا في هذا الصراع ! وكان البعض يشير الى بيانات منظمات المجتمع المدني في اقليم كردستان واشاراتها الى  وقائع عن بعض التجاوزات الحاصلة بحق حرية التعبير والعاملين في مجال الثقافة والاعلام ، فكنا نقول انها تصرفات فردية وغير مسؤولة من بعض المؤسسات لا زالت قياداتها تعمل بعقلية عشائرية ولا ديمقراطية وهذا لا يعبر عن سياسة قوى التحالف الكردستاني وحكومة الاقليم ! وتتوالى الوقائع والاشاعات ، وتعلو اصوات المسؤولين في كردستان انفسهم ، تحكي عن الفساد ووقائعه ، فيقول لنا البعض بتشف ، هاكم ان حلفاءكم ليسوا بأفضل من غيرهم ، فنقول ان الشمس لابد ان تظهر على الحرامية مهما علا شأنهم . ويواجهنا البعض بالارقام والفضائع عن جرائم او مجازر الشرف بحق النساء في مدن كردستان، ويسأل عن مسؤولية القيادات فيما يحصل ، فنجد للامر تبريراته المختلفة ونحيل للقرارات والقوانين الصادرة عن برلمان الاقليم التي تنتصر لحقوق المرأة . ونزور كردستان ونجد ان الاسواق تزدحم بالبضائع التركية والايرانية ولا وجود لاي بضائع كردستانية ، حتى اللبن الرائب ، الذي هو وجبة اساسية في كل بيت كردستاني، صار يتم اسيراده من خلف الحدود ، فنقول ان المستقبل امامنا ونحن في حالة مخاض ! ونزور المدن الكبيرة في كردستان ، ونجد العمالة الاجنبية تملأ كل مكان، تنظف الشوارع ، وتدير الفنادق، وتدبر البيوت ، بينما ابناء البلد صاروا شرطة حدود وحمايات وموظفين يزدحمون في دوائر لا يقومون فيها بأي وظيفة غير قتل الوقت بالثرثرة ، فنقول انها مرحلة انتقالية ! ومؤخرا اهداني الصديق الشاعر الكردي الكبير عبد الله به شيو ، نسخة من شريط مصور لامسياته الاخيرة التي عقدها صيف هذا العام في مختلف مدن اقليم كردستان ، والشاعر الصديق معروف جيدا بانتقاداته المباشرة لسياسات القيادات الكردية في الاقليم ، ورأيت في الشريط الحشد الهائل من الناس الذي حضر امسياته . فهل كل من حضر الامسيات كان من اجل الشعر؟ عرفت ان ناسا حضروا هذه الامسيات لم يقرأوا يوما اي كتاب ، بل وان بعضهم لا يعرفون القراءة والكتابة ، لكنهم حرصوا على الحضور ومن اماكن بعيدة ، لانهم غير راضين على اشياء كثيرة تجري في الحياة اليومية في مختلف مدن الاقليم ، وحضروا ليسمعوا موقفا حول ما يجري من مثقف عرف بالشجاعة وعدم المساومة مع الحكومات وصار رمزا للمعارضة ! فهل حقا لا يمكن لنا انتقاد القيادات الكردية الحالية فيما لو تطلب الامر ؟! هل لا يمكننا ان  نقول لهم  كل ما سبق واستعرضناه ؟ هل يمكن ان لا نقول لهم اننا كنا ـ ولا زلنا ـ نؤمن بكون حقوق الشعب الكردي لا يمكن  الحصول عليها الا في بلد يتمتع بديمقراطية كاملة ، فكيف يمكن ان تفسروا لنا موقف نواب كتلة التحالف الكردستاني ، حين اصطفوا الى جانب من صوّت على شرعنة الاستحواذ على اصوات الناخبين وفق مقترح التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم "36" لسنة 2008 ؟ ، فهل يتحرك نواب الكتلة الكردستانية يا ترى بدون تنسيق مع قياداتهم؟ هل هم مستقلون في قراراتهم ؟ واين مسؤولية القيادات في متابعة كل هذا ؟ وهل هذا الموقف يمنح المصداقية لاعتقادنا بكون الاحزاب الكردستانية ضمان للعملية الديمقراطية في العراق؟!

يا اهلنا الكرد .. يا حلفاءنا في الديمقراطية ... يا اصدقاءنا المناضلين ... لا تجعلوا الناس تصرخ بوجوهنا وتتهمنا بعدم القدرة على مخاطبتكم وانتقادكم بصوت عال ، لا تخذلونا ، فنحن ندرك جيدا ونؤمن بأن حق تقرير المصير له طريق واحد هو : "الديمقراطية "، فدعونا نعبد هذا الطريق الوعر معاً !

 

المدى البغدادية  / العدد (2599) السبت 22/09/2012


 

 

free web counter