| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

الخميس 20/1/ 2011

 

عودة الحرب الباردة الى صالات السينما ... فيلم "سالت" نموذجا

يوسف أبو الفوز

في شهر حزيران عام 2010 ، كشفت واشنطن في ضجة أعلامية عن شبكة تجسس تعمل لصالح موسكو ، على طريقة " الخلايا النائمة " ، ومهمتها تجنيد المصادر السياسية وجمع المعلومات لصالح موسكو للنقد والتحليل ، وعقب ذلك ، وفي مقال لها بصحيفة ذي إندبندنت البريطانية تساءلت الكاتبة "ماري ديجيفسكي" عن " إذا ما كانت مهمات التجسس في العالم قد غطاها غبار التاريخ ، أم أنها باتت إستراتيجية تتبعها بعض دول العالم وروسيا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ " ، واضافت : " رغم الانتهاء الظاهري للحرب الباردة، لا يزال شبحها يخيم على أجواء معظم الدول في العالم ". وحتى لو ان السياسين ورجالات الامن تناسوا الامر ، فأن ستوديوهات السينما الغربية ، لا يمكن ان تنسى ، فليس هناك موضوعة مغرية اكثر من موضوعة الحرب الباردة ، وصراع اجهزة التجسس الغربية مع اجهزة التجسس السوفياتية ، وحلفاءه من الدول، مما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي ، تم تناولها في افلام لا حصر ولا عد لها ، بل ولا نبالغ ان قلنا المئات من الافلام التي غزت شاشات السينما وراحت تروج لافكار ومفاهيم عن قدرات الغرب وأجهزته الامنية ، وامكانيات الرأسمالية في عداءها مع الاشتراكية ، ويمكن القول ان ثمة عاملين في السينما ، من ممثلين وكتاب ومخرجين، بنوا شهرتهم ومجدهم الفني من خلال عملهم وتعاملهم مع موضوعة الحرب الباردة. واشهر ذلك ، هو سلسلة افلام جيمس بوند ، الذي كانت مؤسسات حكومية مخابراتية غربية ، تتصدرها وكالة المخابرات المركزية الامريكية (CIA) ، تمرر من خلالها رسائل سياسية وفكرية ، في اطار الحرب الفكرية لاضعاف الجانب الاخرى ولخلق رأي عام معاد ضد المعسكر الاشتراكي والافكار الشيوعية واليسارية، وعلى الجانب الاخر كانت المؤسسات السوفياتية ، وخصوصا الامنية ، تتوقف مليا عند هذه الافلام للرد عليها ، ليس بافلام مماثلة ، وانما باطرف ما يمكن تصوره ، وهو دراسة افكار الاسلحة التي يستخدمها جيمس بوند في كل فيلم ، لحد قيل ان افلام جيمس بوند كانت سببا لتطوير وانتاج اسلحة مخابراتية سوفياتية عديدة . ويحدد الكاتب والناقد اللبناني ابراهيم العريس بأن " سينما التجسس هي في غالبية الأحوال، سينما سياسية، ولا سيما في ما يتعلق بالصراعات الكبرى التي عرفها القرن العشرون : بين النازية والعالمين الاشتراكي والغربي، ثم بين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي وتوابعه) والمعسكر الغربي في مرحلة لاحقة. وبعد ذلك بين العالم والإرهاب ، مروراً بالحروب الكثيرة، التي كان جانبها الاستخباراتي يضاهي في أهميته جانبها العسكري. ".
موضوعة الحرب الباردة ، تعود ثانية الى الشاشة في فلم امريكي، حصد النجاح تجاريا ، لاسباب عديدة ، منها ان عرض الفيلم جاء توافقا مع اصداء احداث سياسية ملفتة للنظر جدا ، الا وهو كشف الولايات المتحدة الامريكية عن الخلايا الجاسوسية الروسية النائمة ، في سيناريو شابه احداث الفيلم بشكل ما ، مما اعطى للمشاهدين دفعا لمشاهدة الفيلم الذي شهد نجاحا على صعيد شباك التذاكر. ويشير الفيلم ببساطة الى كون الولايات المتحدة الامريكية ، والدوائر السياسية المعنية ، لا تزال تخشى من القوة الاقتصادية والسياسية لدولة مثل روسيا ، التي هي وريثة الاتحاد السوفياتي ولجهاز مخابراته الذي يملك ارثا كبيرا ولا زال يهدد امنها الاستراتيجي في اطار لعبة توازن القوى الدولية ، من هذا الباب نتوقع ان هذا الفيلم ستعقبه اجزاء تالية ، لاسيما وان قصة الفيلم قدمت نهاية مفتوحة ، ستكون مغرية لترتفع حرارة موضوعاتها حسب الاوضاع السياسية والعلاقات الاقتصادية بين الاقطاب الكبرى .
الفيلم الذي نتحدث عنه ، هو فيلم "سالت" (SALT) من انتاج 2010 لشركة كولومبيا ، واحدة من اكبر شركات الانتاج الامريكية المقربة للاوساط الرسمية الامريكية ، والتي لطالما انتجت افلاما كان لها صدى فنيا وسياسيا كبيرا ، وملفت للانتباه هنا اسم الفيلم ، فهو يحيلنا تلقائيا الى اتفاقيات سالت (S. A. L. T ) ، للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية ، حيث وقعت سالت الاولى عام 1972 وسالت الثانية عام 1979 ، بين قطبي الصراع ، اللذين تدار بأسمهما وافكارهما قنوات الحرب الباردة ، القطبين الامريكي والسوفياتي .
المخرج وكاتب السيناريو "فيليب نويوسي" الاسترالي الاصل (مواليد 1950 ) ، الذي عرف بحصول العديد من افلامه على العديد من الجوائز من مهرجان سينمائية في كان او استراليا او في بريطانيا ، والذي قدم العديد من افلام الاثارة والرعب والحركة ، يعود وبالاستناد الى قصة كتبها " كيرت ويمير" للتعاون مع الممثلة السينماية الامريكية السوبر ستار "انجيلا جولي" (مواليد 1975) ، التي عرفت بنشاطاتها الانسانية الى جانب اللاجئين في مختلف بقاع العالم ، وكاللاجئين العراقيين ، باعتبارها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة ، والتي عرفت بافكارها الليبرالية ، وتبني قضايا الفقراء ومساهمتها في نشاطات ضد العنصرية واالتعصب ، واخرها كان موقف من محاولة قس امريكي متعصب لحرق القرآن في رمضان الماضي . اللقاء الاول بين المخرج فيليب نويوسي والممثلة انجيلا جولي كان عام 1999 في فيلم "جامع العظام" ، الذي يحكي عن شرطية متدربة تساهم في الكشف عن مجرم متسلسل بالتنسيق مع محقق شرطة حاذق ولكن مقعد قام بأداء دوره الممثل دانزيل واشنطن ( مواليد 1954) ، لكن هذا اللقاء الجديد ، بين المخرج والممثلة ، وهو الثاني لهما ، كان مختلفا جدا عن لقائهما الاول ، على حد تعبير المخرج نفسه ، في لقاءات صحفية ، حيث اشار الى ان انجيلا الان اكتسبت خبرة كبيرة في التمثيل ، وتعرف ماذا يريد منها المخرج والدور ، اضافة الى التجربة التي اكتسبتها في العمل في افلام حركة ساهمت فيها ، مثل افلام "لارا كروفت" التي تطلبت جهدا وتدريبا بدنيا عاليا، والتي جعلها تؤدي بنجاح دورها في الفيلم الثاني الذي اخرجه لها فيليب نويوسي . فيلم سالت الذي نحن بصدده ، كان من المقرر ان يؤدي دور البطولة فيه الممثل توم كروز (مواليد 1962) ، لكن المنتج والمخرج اتفقا على استبداله بممثلة امرأة ، لمزيد من الاثارة ، وجذب مشاهدين أكثر، وتم الاستقرار على اختيار انجيلا جولي ، التي سافر المخرج بنفسه ليلتقيها في محل اقامتها جنوب باريس ليقدم لها العرض وليقنعها وهو يقدم لها السيناريو ، الذي اعيدت كتابته ليلائم ممثلة امراة ومن ذلك تغيير اسم بطل القصة من " أدوين سالت " الى " ايفلين سالت". ولم يأت الفيلم بجديد عن نوعية افلام الحركة الامريكية ، التي تتطور فيها القصص والاحداث من دون مبررات منطقية من اجل اثارة التشويق ، فشهدنا مطاردات وصدامات عنيفة ، واطلاق نار لبطلة لا تخطأ الهدف ، وقدرات خارقة في الجري والقفز وتسلق الجدران واختراق الاماكن المحصنة أليكترونيا ، وقدرات في التحمل ومهارات عالية في كل شيء ، كل ذلك من أجل صنع فيلم لا يختلف عن وصفة افلام رامبو الشهيرة لافلام البطل الامريكي الخارق السوبرمان ، الذي لا يقهر ، ولم ينس الفيلم ان يدس هنا وهناك مشاهدا ذات طابع ايدلوجي ، حسب الوصفة الجيمسبوندية ، فالاعداء دائما مجرمون ، سفاكو دماء وغير اخلاقيين وخاسرون دائما .
واذا أستعرضنا احداث الفيلم الخيالية ، فأننا نجد رجل المخابرات السوفياتي العقائدي فاسيلي اورلوف ، قام باداء دوره الممثل البولوني دانيال اولبروجزكي (مواليد 1945) ، الذي يؤمن بعظمة الاتحاد السوفياتي كدولة عظمى ، فيشرف خلال سنوات الحكم السوفياتي على مشروع جهنمي ، بعيد المدى ، فبدأ بأختطاف اطفال روس من ذويهم ، وافتعال حوادث مختلفة لتصفية عوائلهم ، ليكونوا يتامى ، فيقوم بتربيتهم تربية عقائدية عمياء وغسل ادمغتهم بالولاء المطلق له وللاتحاد السوفياتي ــ مشاهد الاطفال يقبلون يد ارولوف حيث لم ينس المخرج ان يضع في أصبعه خاتم يحمل علامة المطرقة والمنجل ــ ، ثم يتم زرع الاطفال في المجتمع الامريكي ، لينشأوا هناك كمواطنيين امريكيين اصليين، وحين يكبرون يتفاجأ المشاهد بان العديد منهم تبوأ اعلى المناصب في اجهزة الدولة ، ومنها الاجهزة الامنية ، ومن خلالهم يتم التحرك لتنفيذ مخطط هدفه تدمير امريكا ، واعادة الهيبة لروسيا التي بدا اورلوف ناقما على ضعفها الحالي .

وتكون ايفلين سالت احد هؤلاء العملاء النائمين ، ونراها في بداية الفيلم معتقلة في سجون كوريا الشمالية ، وتتعرض الى اقسى انواع التعذيب ، لكنها تصمد ولاتعترف وتصر على انها مجرد أمرأة اعمال ، ويتم اطلاق سراحها عبر عملية استبدال مع عميل كوري ، واذ تتهيأ للاحتفال بزواجها ، من عالم الحشرات الألماني مايكل كراوسي ، لعب دوره الممثل الالماني "اوغست ديهل" (مواليد 1976) ، الذي كانت تخشى كثيرا تعرضه للمصاعب بسبب عملها المخابراتي ، وفجأة يظهر رجل المخابرات الروسي اورلوف في مقر وكالة المخابرات المركزية الامريكية (CIA) وبحضور المحققة الكفوءة سالت ليعترف بأنه واحد من رجالات المخابرات السوفياتية السابقة وحاليا روسيا ، وان لديه معلومات غاية في الخطورة ، ومنها أن هناك خطة لاغتيال الرئيس الروسي خلال زيارته لامريكا من قبل العملاء الروس أساسا ، وان اهم عملائهم الموثوقين هو ايفلين سالت الجالسة امامه ، فيصاب الجميع بصدمة ، ثم يفر اورلوف ــ ببساطة ! ــ من مقر وكالة المخابرات المركزية الامريكية المحصن ليترك سالت امام واقع جديد ، لاتملك امامه سوى ان تفر هي الاخرى في مطاردات من قبل زملائها ، اخذت طويلا من وقت الفيلم ، واخرجت ببراعة وبكثير من الاثارة ، والتشويق ، تبهرنا فيها العميلة سالت بقدراتها الجسدية وكفاءاتها ومهاراتها المختلفة ، في القفز من ظهر شاحنة الى اخرى ، ثم نكتشف بأنها أمينة لانتمائها الامريكي اكثر ، فتعمل لأفشال مخططات رجل المخابرات الروسي ، فتقوم ولوحدها وببراعة منطقعة النظير، بتصفية العديد من العملاء الروس بمن ما فيهم اورلوف نفسه ، وتظهر لنا قوة تحمل اعصاب خيالية ، اذ تشهد قتل زوجها امامها من قبل اورلوف دون ان يرف لها جفن ، من اجل ان تظفر بتصفية اورلوف ورجاله ، وتنجح في انقاذ حياة الرئيسين الروسي والامريكي ، وتوقف في اللحظات الاخيرة هجمات نووية على مكة وايران اراد العملاء الروس تنفيذها بواسطة الصواريخ الامريكية لزيادة غضب العالم الاسلامي ضد امريكا ، ومن المفاجأت التي يحاول الفيلم ان يرفع بها حرارة التشويق، ضمن لعبة صعوبة معرفة من هم الاخيار ومنهم الاشرار في الفيلم ، تكتشف سالت ان زميلها ، في وكالة المخابرات المركزية الامريكية ، العميل تيد ونتر ، لعب دوره الممثل الامريكي ليف شريبر (مواليد 1967) ، ما هو الا عميل روسي نائم مثلها وخطير جدا ، وبعد صراع عنيف معه تنجح في تصفيته، وفي اخر المشاهد وبتعاطف زميلها العميل بيابودي ، لعب دوره الممثل الامريكي جيوتيل اجيفور (مواليد 1974) ، تقفز من طائرة الهليكوبتر لتهرب من جديد ، حيث هناك العديد من العملاء الروس النائمين، الذين يجب كشفهم وتصفيتهم ، لينتهي الفيلم وهي هاربة تجري في الغابة ، ربما تمهيدا للقاء قادم ، في جزء ثان ، اعتقد لن يكون بعيدا .
 

*  عن صحيفة المدى البغدادية العدد (2018) الخميس 20/01/2011
 


 

 

 

free web counter