| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

الخميس 16/9/ 2010

 

الشخصية العراقية في الدراما الامريكية ...
مسلسل الضياع نموذجاً
(2-2)

يوسف أبو الفوز

عن الدراما الامريكية الحديثة ، وطريقة تناولها لاحداث العراق والشخصية العراقية ، بشكل مغاير ، بعيدا عن النظرة السطحية والنمطية ، التي سادت لفترات طويلة ، يمكن ان نورد كمثال المسلسل التلفزيوني "الضياع" ، بالانكليزي " Lost" ، الذي عرضت مؤخرا الحلقة الاخيرة منه ، التي حملت رقم 121 . هذا المسلسل بدأ عرضه من شهر ايلول عام 2004 ، واستمر عبر ست مواسم حتى هذا العام ، ويحكي قصة مجموعة من الناس ، من مختلف العالم ، تعرضوا الى حادث سقوط طائرتهم، في جزيرة مجهولة وغامضة تقع في المحيط الهادي ، خلال رحلة ما بين سيدني ولوس انجلس .

حقق المسلسل شهرة لم ينلها اي مسلسل تلفزيوني من قبل ، اذ تم عرضه في مختلف شاشات العالم ، ونال طاقم الممثلين والعاملين فيه العديد من الجوائز العالمية حتى قبل اكتمال عرضه ، وكان سببا في اطلاق مجموعة من الممثلين الذين صاروا نجوما معروفين ، او حققوا شهرة اكثر ، فانهالت عليهم العروض الفنية لاعمال جديدة . كتب قصة المسلسل مجموعة من المؤلفين ، بدأ ذلك جاي ابرامز ، كاتب عدة مسلسلات مغامرات وحركة ناجحة ومشهورة ، مثل Alias ، وتعاون معه دايمون ليندولف ، وكتاب اخرين اقل شهرة لاستكمال وتطوير اجزاء المسلسل ، وقام باخراج العمل عدة مخرجين يتقدمهم جاك بيندير، ويشاركه سيفن وليمز وباول ادورارز وتوكر غاتز واخرون . أما الانتاج اشتركت فيه اكثر من شركة فالى جانب شركتي ستوديوهاتABC وباد روبت للانتاج ، تم التعاون مع شركة كراس سكيرت للانتاج ، والمسلسل يعتبر واحدا من ابرز واهم الاعمال التلفزيونية التي ظهرت وعرضت على الشاشة الفضية ، من حيث جذب عدد المشاهدين ، ويعتبر النقاد ان من اسرار نجاح المسلسل هو كونه يجمع بين الواقع والخيال في اثارة دائمة وغير متوقعة ، والاحداث اذ تجري بتشويق عال ، تجد في ثنايها احداث رومانسية وكوميدية اضافة الى الاسئلة الفلسفية والاشارات الغامضة التي تعود الى اساطير وحكايات ورموز من الشرق والغرب ، وتتميز حلقات المسلسل دائما بنهايات غير متوقعة ، تجذب المشاهد لمتابعة التطورات التالية . واذ تجري احداث المسلسل في اماكن عديدة من العالم ، مثل لوس أنجيلس، نيويورك، آيوا، ميامي، كوريا الجنوبية، العراق، نايجيريا، إنكلترا، فرنسا وأستراليا ، فقد بذل المنتجون جهودا كبيرة لتوفير مواقع تصوير مقنعة للمشاهد وتكون قريبة الى مواقع الاحداث المفترضة ، ولعبت الموسيقى التصويرية التي كتبها لكل حلقات المسلسل الموسيقي الامريكي الايطالي الاصل مايكل جياجينو دورا بارزا في شد المشاهدين ، وعزفت الموسيقى من قبل الاوركسترا السيمفونية في هوليود .

لنترك جانبا خيوط حكاية المسلسل المشوقة وشخصياته التي تقارب اربعين شخصية وتفاصيل علاقاتها المتشعبة والمتشابكة في بناء ساحر ومشوق ، ولنتوقف عند الشخصية التي نحن بصددها ، والتي جلبت انتباهي شخصيا وجعلتني اتابع جميع حلقات المسلسل باجزائه المختلفة ، الا وهي شخصية العراقي سعيد حسان جراح ، التي مثلها الممثل البريطاني ذو الاصول الهندية نافين اندروز، وهو من مواليد 1969، وعرفه المشاهد من خلال الفيلم الشهير "المريض الانكليزي" 1996، من اخراج انتوني مينغيلا عن الرواية التي كتبها بنفس العنوان الكاتب الكندي ـ السريلانكي مايكل أونداتجي ونشرت عام 1992 وحازت جائزة البوكر نفس العام وترجمت الى اكثر من ثلاثمائة لغة الى جانب العربية ، وفي "المريض الانكليزي" مثل نافين اندروز شخصية الملازم السيخي كيربال سينغ الذي يعمل في وحدة إزالة الألغام في الجيش البريطاني، ويتعلق بممرضة كندية تعتني بالمريض الانكليزي المجهول الشخصية، ويصل الى قناعة بأن القنابل النووية التي اسقطت على هيروشيما وناكزاكي ماكان له ان تلقى على أمة بيضاء .

في مسلسل الضياع الامريكي وتماشيا مع احداث المسلسل مثل نافين اندروز ببراعة ، دور الشاب العراقي سعيد حسان جراح ، وساعدته ملامحه الاسيوية لتقمص الشخصية شكلا ، فلم يكن بحاجة لاي اعمال ميكياج مساعدة، ورغم ان الشخصية ظهرت مشابهة لشخصيات الاكشن الامريكية ، فسعيد جراح يتميز بقدرات جسدية عالية ، ومهارة في القتال وقدرة على استخدام المعدات والاسلحة العسكرية والتعامل مع الاليكترونيات ، الا أن ما يميز هذا الشخصية هو انه لاول مرة تقدم ستوديهات الفن الامريكية شخصية عراقية بهذا الشكل الايجابي من ناحية العديد من الصفات الانسانية كالشجاعة والذكاء والروح القيادية وروح المبادرة والايثار والاخلاص وحب التضحية . سعيد جراح كما يقدمه المسلسل هو من قرية في بلدة تكريت ، كان ضابط اتصالات في الحرس الجمهوري لنظام صدلم حسين ، اعتقل في حرب الخليج الثانية من قبل الجيش الامريكي ، الذين أكتشفوا ان سعيد الوحيد الذي يتكلم الانكليزية ، فأجبروه من خلال التهديد بقصف قريته لأن يستخرج عن طريق تعذيب مسؤوله العسكري معلومات عن مصير طيار امريكي فقد خلال العمليات ، وبعد نهاية حرب الخليج عاد الى الحرس الجمهوري ليجد انه تحول الى جلاد لاستخراج المعلومات من معارضي النظام ، واذ تعتقل نادية جاسم ( مثلت الدور الممثلة الامريكية انديرا غابريل ) التي احبها من ايام طفولته ، بتهمة مساعدة قوى معارضة النظام ، فانه يحاول مساعدتها ، بل وانقاذها وتهريبها ، وبحيث اضطر لقتل مسؤوله العسكري مما يضطره للهروب ايضا ، ويظل يعيش طويلا حالات الندم على ماضيه السابق كجلاد، ويحاول البحث عن نادية جاسم للاقتران بها ، فيسافر الى باريس حيث يعمل هناك طباخا ، فيتعرف اليه عراقيون هاربون من النظام الديكتاتوري، فيختطفه أحدهم بأسم سامي ، ويعذبه ليعاقبه بالمثل لكونه يشك بأنه عذب زوجته اميرة ، لكن اميرة واذ تلمس ندم سعيد وشعوره بالذنب ، تسمو على جراحها وكوابيسها وتسامح سعيد وتخبر زوجها بأن سعيد ليس هو الرجل المقصود . واذ يواصل سعيد جراح بحثه عن نادية يضطر للقبول بعرض المخابرات الامريكية والاسترالية التي تعرف ماضيه بمقايضة معلومات عن وجود نادية مقابل المساهمة في الاندساس في عملية لتقويض خلية ارهابية نائمة في مدينة سيدني ، ويكتشف ان سبب اختياره كون احد افرادها الاساسيين هو زميله عصام في ايام الدراسة في الجامعة في القاهرة ، وبعد انتهاء المهمة ، يمنح بطاقة سفر وعنوان نادية في لوس انجلس، وخلال رحلته من سدني الى لوس انجلس تتعرض طائرتة والرحلة 815 ، الى حادث التحطم فوق المحيط ، وينجوا فقط 71 راكبا من مجموع 324 راكبا، فيكون واحدا من جماعة الناجين ، الذين اصبحوا ضائعين في جزيرة غامضة . وعلى طول الاحداث التي تمر في الجزيرة الغامضة يبدي سعيد شجاعة في المواجهة وتحمل كبير ، وتبرز قدراته القيادية ، ويكون مدافعا عن الكثيرين من الناجين في مواقف صعبة تتطلب المواجهة مع مجموعة تسكن الجزيرة الغامضة ، يعرفون بأسم "الاخرين " وهم مجموعة من الباحثين ضمن مشاريع سريه ولهم شركتهم المتخصصة بالعلوم البشريه يتزعمهم بنجامين لينوس ( مثله ببراعة ميشيل اميرسون) ، واذ ينجح سعيد في مغادرة الجزيرة ، من بعد ثلاث سنوات ، يجد ان نادية قد تزوجت من اخيه ، ولها منه طفلان ، ولكنها تقتل امام عينيه في حادث غامض ، وللانتقام من قتلتها يوافق للعمل ضمن مخطط يشرف عليه بنجامين لينوس زعيم " الاخرين " لاغتيال رجال تشارلس ودمور ، رجل الاعمال الذي يحاول امتلاك الجزيرة الغامضة ، للسيطرة والاستفادة من قواها الغامضة ، ولانه بقي على الجزيرة البعض من الناجين من ركاب الرحلة 815 التي تحطمت في انتظار العون لمن ينقذهم ، فأن سعيد جراح يوافق للعودة مع مجموعة من الناجين لانقاذ البقية العالقة على ارض الجزيرة ، ومن بعد سلسلة مغامرات ومواجهات ، يبدي سعيد فيها شجاعة وحماس وذكاء في مساعدة الاخرين ، واذ ينجحون في الاستيلاء على غواصة تعود الى تشارلس ودمور، واثناء بدء الرحلة يكتشفون ان ثمة قنبلة موقوته دست في حقيبة ظهر زميلهم في الرحلة الطبيب جاك شيبرد (لعب دوره الممثل ماثيو فوكس ) ، الذي كان ابرز شخصيات مجموعة الناجين والضائعين ولعب دورا قياديا في تنظيم حياة الناجين ، ووضعت القنبلة من قبل الرجل الغامض المعروف بذي الرداء الاسود ، الذي يمثل القوى الشريرة في الجزيرة ، فيبادر سعيد وبسرعة الى حمل القنبلة والركض بها بعيدا عن المجموعة لتفجر به في طرف الغواصة ، بعيدا عن البقية ليموت مضحيا بنفسه من اجل انقاذ الاخرين ، الذين ينجوا بعضهم من حادث غرق الغواصة ، وقبل ان يموت سعيد يصرخ بالطبيب جاك شيبرد بأن سر نجاتهم من الجزيرة يكون بعثورهم على " ديزموند هيوم" الذي حسب احداث المسلسل يكون " المعامل الثابت " لانه لا يتأثر بعمليات الانتقال بين الازمان المختلفة التي واجهتها غالبية شخصيات المسلسل ضمن احداث متشابكة .

شخصية سعيد حسان جراح ، الى جانب كونها شخصية ايجابية وتحمل الكثير من الصفات التي قلما قدمتها السينما الامريكية كمواصفات لشخصية عراقية ، الا انها ايضا تبدو شخصية عنيفة بل وحين يتطلب الامر فسعيد يقتل بدم بارد وبجرأة نادرة وبدون خوف لحد ان بنجامين لينوس ، زعيم " الاخرون " يقول له بأن القتل جزء من تكوينه ، لكن سعيد يسعى ليثبت العكس ، فاحداث المسلسل تقدم سعيد كرجل محب يعرف الوفاء والرقة ومسامح ، وقادر على منح الاخرين الاحساس بالحب والسعادة ، نرى ذلك من خلال استيعابه لزواج اخيه من حبيبة طفولته نادية رغم استمرار تعلقه بها ، بل ويخاطر بنفسه لمساعدة اخيه لضمان سلامته واسرته ، ومن خلال علاقة الحب مع الشابة شانون (ادت دورها الممثلة ماجي كرايس) ، الفتاة الغنية وذات المظهر الجميل ، التي تعلقت بسعيد واحبته وهما في الجزيرة ، وحين تقتل عن طريق الخطأ من قبل الشرطية آنا لوسي (ادت دورها الممثلة ميشيل رودريغز التي شاركت في فيلم افاتار ) التي ظنتها من مجموعة "الاخرين" ، فان سعيد يبدي التألم لكنه يسامح الشرطية اذ يرى احساسها بالندم . ان اسلوب التشويق في احداث المسلسل لشد المشاهدين قاد الى ان تكون شخصية سعيد جراح تتميز بالأثارة والتشويق ، وصارت تبدو اقرب الى شخصيات الاكشن الامريكية، وتذكرنا تحديدا بشخصية العميل جاسون بورني التي اداها الممثل مات ديمون في سلسلة من افلام التشويق والحركة الناجحة ، وهذه مجتمعة قادت الى ان شخصية سعيد جراح العراقي تكون واحدة من الشخصيات المحبوبة في المسلسل ، والتي لها شعبية بين المشاهدين ، وبالتالي اعطت صورة ذهنية ايجابية عن العراقي . ان القائمين على انتاج المسلسل حاولوا ان يقدموا بيئة مشابهة لبيئة العراق لاقناع المشاهد بما يجري من احداث ، ففي المشاهد التي تدور في العراق لجأوا الى التصوير في بناء قديم من ايام الحرب العالمية الثانية ليكون احدى بنايات الحرس الجمهوري ، واستخدموا اعداد غفيرة من الكومبارس لتصوير مشاهد تجري في شوارع مدينة تكريت التي صورت في بيئة شرقية ، اذ حرصوا على اظهار الازدحام في الشوارع وصوت الآذان من المساجد والكتابات بالعربية على الجدران وعناوين محلات البقالة ، الا ان المسلسل لم يكن موفقا في عرض اللهجة العراقية ، فخلال تداعيات سعيد جراح عن طفولته في القرية وطرق والده في التربية ، كان الممثل الذي ادى الدور القصير للاب العراقي يتحدث باللهجة المصرية ، فكان ينطق اللهجة العراقية بشكل بدا مفتعلا ومتكلفا ، وكان الاجدر بالقائمين على العمل الاستعانة بممثل عراقي او بملقن عراقي ، اما الجمل القليلة التي قالها الممثل نافين اندروز ـ الهندي الاصل ـ بالعربية فقد بدت كاريكاتيرية جدا ، الا ان ذلك لم يقلل من عمق اداء الممثل وتمكنه من عكس شخصية تعيش صراع دائم ومتناقضات ، وتنتصر للخير في اخر المطاف وتنهي مصيرها بالتضحية من اجل الاخرين .
 

*  نشرت في صحيفة المدى البغدادية العدد (1906) الخميس 16/09/2010

الشخصية العراقية في الدراما الامريكية ...
مسلسل الضياع نموذجاً
(1-2)

يوسف أبو الفوز

في مجلة "رسالة العراق" الشهرية ، التي كانت تصدر في لندن ، قبل سقوط النظام الديكتاتوري ، وفي العدد 35 تشرين الثاني 1997 ، كتبت ساخرا ، بأني مكتشف "مكرمة" مجهولة من مكرمات الديكتاتور العراقي صدام حسين، الا وهي دخول العراقيين مادة في السينما الغربية ، بحيث صرنا نسمع هناك كلمات عراقية كنا نعتقدها حكرا على شعب "الشكو ماكو" ! لكن الامر بات يتعدى السخرية بكثير، أذ صار واقعا يترسخ ويتوضح يوما بعد اخر ، فقد راحت تتسع هذه الموضوعة كميا ، لتكون الشخصية العراقية ، واحداث العراق عموما ، طرفا بارزا في أحداث وثيمات الدراما الغربية ، سينما وتلفزيون ، خصوصا الامريكية ، وتتسع مساحتها وتتغير نوعيتها ارتباطا بالكادر الفني للعمل ، بدءاً بكاتب النص ومرورا بالمنتج وصولا الى المخرج ، وان جدية وسطحية التناول هنا ترتبط بالموقف الفكري لفريق العمل من القضايا المطروحة والتي يحملها العمل الفني .

هكذا شاهدنا في العقدين الاخيرين اعمال درامية امريكية حاولت ان تنصف شيئا مما يتعلق بالعراق وشخصية العراقي ، وعموما شخصية الانسان العربي والمسلم، وهذا الامر لم يأت بشكل مفاجيء بقرار سياسي من جهة ما عليا ، وأنما تطلب سنينا طويلة ليترسخ ويتوضح ارتباطا بمتغيرات العوامل السياسية والاجتماعية والفكرية ، وأساسا التطورات والتغيرات في هوليود ذاتها ، فالرأسمال الصهويني والفكر اليميني والعنصري ظل لفترة طويلة ، وبحماية من مؤسسات الدولة وبدعم سياسي رسمي وشبه رسمي ، مسيطرا على ما ينتج ويخرج من ستوديوهات هوليود الى شاشات العالم، وبالتالي ولسنوات طويلة ظلت الدراما الامريكية تتعامل مع الشرق عموما، والعراق بشكل خاص ، من خلال اجواء الف ليلة وليلة والاساطير البابلية والسومرية ، وتقدم عنه صورة نمطية تتسم بالتخلف والجهل والشر، وفي البال افلام مثل "حرامي بغداد"، ابتداءا من نسخة المخرج الامريكي "راؤول والش" (1887ـ 1980) ، المعروف باخراجه افلام لصالح اسرائيل !! ، واخرج نسخته من " لص بغداد " عام 1924 ، وما تبع ذلك من نسخ اخرى لمخرجين اخرين سواء للتلفزيون او للسينما ، وفيلم "التعويذة" لوليم فرايدكن (مواليد 1935) اخرجه عام 1973 ، ويذكر ان مشاهدا من هذا الفيلم صورت في مدينة الحضر الاثارية التي تبعد حوالي 70 كم جنوب غرب مدينة الموصل ، هذا اذا لم ننس الصورة الكاريكاتيرية للعربي وحريمه وجماله ـ بكسر الجيم ـ واموال النفط وليالي السلاطين والامراء الباذخة التهتك ، وفي البال ايضا تلك الاعلانات المعروفة في اسفافها عن العرب والمسلمين والعراقي من ضمنهم بالطبع .

في العقود الاخيرة ، وفي هووليود وعموم ستوديوهات الغرب ، كُسر ـ بضم الكاف ـ احتكار الانتاج من قبل الشركات التقليدية المعروفة ، الخاضعة للفكر الصهيوني او الفكر اليميني والاستعماري ، الرسمي وشبه الرسمي ، الذي يستهين بشعوب ما عرف بالعالم الثالث ، وظهر منتجون مستقلون ، وأسس العديد من المخرجين شركات انتاج فنية خاصة بهم ، وانتجوا افلاما نجحت تجاريا ، وصاروا يتحكمون بالمواضيع الفكرية التي يتناولونها ، واختيار فريق العمل الذي ينسجمون معه ، وبدأت الافكار الليبرالية والموضوعية تتسلل الى الدراما الامريكية . صارت العديد من الاعمال الفنية تتعامل مع الاوضاع العالمية بروح مختلفة ، يسودها البحث الموضوعي المحايد في الاحداث السياسية والتأريخية ، وبدأ تناول موضوعات مثل الاسلام والعرب يتم من زوايا فيها انصاف كبير بعيدا عن الصورة النمطية والموقف المتشدد والمنحاز مسبقا ضد الاسلام والعرب ، وبرزت روح السعي للتحلي بالموضوعية ، وفهم الصراعات بعيدا عن منطق الوصفات الجاهزة التي ترسخت عميقا في ذهنية الثقافة الغربية التي اتسمت بالاستعلاء على الشعوب خلال فترات الاستعمار ونهب خيرات الشعوب ، والمرتبطة بالموقف الرسمي الحكومي او موقف المؤسسات الرأسمالية . وبالرغم من احداث 11 أيلول/ سبتمبر في 2001 ، التي وعند قطاع معين من العاملين في وسائل الاعلام والاوساط السياسية والدراما ربطت بشكل مباشر ما بين الارهاب والاسلام، وارتباطا بذلك وعلى اساسها تم أنتاج افلام ، نجح بعضها تجاريا ، حاولت مواصلة تكريس صورة المسلم الشرير والاساءة الى نضالات الشعوب ، خصوصا القضية الفلسطينية ، والتي سادت في العديد من افلام ما قبل احداث 11 سبتمبر ، امثال فلم "اكاذيب حقيقية " 1995 من اخراج الشهير جيمس كاميرون، الذي اساء في فلمه هذا كثيرا للقضية الفلسطينية . وظهرت بعد احداث سبتمبر افلام اخرى مشابهة مثل فيلم "قمة كل المخاوف" اخراج فيل ادلن روبنسن 2002 ، وفيلم "تاجر الحجارة" عام 2006 للمخرج الايطالي رينزو مارتينيللي وأنتاج امريكي ، وغيرها من الافلام ، الا انه وكما اسلفنا فأن هناك فهما اخر بدأ يظهر ويتعزز ويربط الارهاب بالتطرف الديني ويحاول ان يقدم صورة معقولة للاسلام والمسلمين ، وبدأت شخصية المسلم تلعب دورا محوريا أيجابيا في العديد من الاعمال الدرامية . هكذا ظهر مخرجون بارزون ومبدعون حاولوا تقديم صورة موضوعية ومغايرة لتلك النظرة التبسيطية او المسبقة والمعمولة بنوايا غير حسنة ، ويقدمون اراءا تتعارض واراء المؤسسات الرسمية والحكومية ، في تفسيرها للاحداث وفقا لمصلحتها وسياستها الخاصة ، فرأينا المخرج المبدع رادلي سكوت في "مملكة الجنة" 2005 يقدم تصورا جديدا للحروب الصليبية ولشخصية صلاح الدين الايوبي، وفي "بابل" 2006 من اخراج المكسيكي أليخاندرو غونزاليث إيناريتو، وانتاج امريكي ، شاهدنا الشاب المغربي المسلم الذي يتحلى بالشهامة والشجاعة وحسن التدبير، وتكررت الصورة الايجابية للعرب والمسلمين في افلام مثل "سيريانا" أخراج ستيفن غاغن 2005 ، "المملكة" بيتر بيرغ 2007، "كتلة أكاذيب" رادلي سكوت 2009 ، وكان سبق ذلك افلام مثل "روبن هود امير اللصوص" كيفن راينولدز 1991، و"المحارب الثالث عشر" جون ميكتيرنان 1999 وغيرها من الافلام .

في متابعة للانتاج الدرامي الامريكي ، سينما وتلفزيون ، نجد ان موضوعات مثل غزو الكويت من قبل النظام الديكتاتوري المقبور في العراق وعملية عاصفة الصحراء وما رافقها من احداث عام 1991، ومن ثم غزو واحتلال العراق من قبل جيوش الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 وما تبعها ، صارت في السنوات الاخيرة الموضوع الاساس والمشاع في الدراما الامريكية ، فالكثير من الاعمال الدرامية ، تجد فيها ثمة شخصية امريكية عملت في الكويت او في العراق ، وتركت هذه التجربة تأثيرا ما على الشخصية او أن ثمة حدث له علاقة بوجود الشخص في العراق ويكون عاملا مؤثرا على سير الاحداث وتطورها ، رأينا ذلك في العديد من حلقات المسلسل الشهير "مواقع تحقيق الجرائم " ـ المعروف برمزه بالانكليزية CSI ـ من انتاج إنتاج شبكة سي بي إس ، بمواسمه المتوالية ونسخه المختلفة ، واجزاءه المتعددة وبتنوع كتابه ومخرجيه ، والذي بدأ عرض موسمه الاول عام 2002 ولا يزال مستمرا لحد الان في العديد من دول العالم ، ويلاقي النجاح المستمر ، ففي العديد من حلقاته ، نجد ثمة من سبق له وخدم في الجيش الامريكي في العراق او عمل هناك ، ويكون لهذا الامر علاقة بتطورات حياته والاسباب التي ادت الى مقتله او اشتراكه في جريمة قتل ، ومن خلال ذلك تتم الاشارة الى الاوضاع في العراق . أما في في السينما فيتكرر الامر بشكل اكثر وضوحا ، ففي فيلم " في الوادي المقدس" ، المأخوذ عنوانه من أيات الانجيل ، حيث الاشارة الى المعركة بين الملك داوود والعملاق غولياث ، وهو من اخراج باول هاكيز 2007 ، وتمثيل الممثلة سوزانا ساراندون، المعروفة بميولها اليسارية والمناوءة لغزو العراق ، والممثل تومي لي جونز الذي رشح عن هذا الدور لجائزة الاوسكار ، وفيه يتم يتناول قصة اختفاء وأكتشاف مقتل جندي عائد من العراق ، وخلال التحقيق يكتشف الاب المحارب القديم ، ان ابنه لم يكن بطلا خلال خدمته العسكرية في العراق ، وانه قد ارتكب هناك العديد من التجاوزات بحق المدنيين ، وان زملائه الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثله بتأثير الحرب في العراق، قتلوا ابنه اثر مشاجرة تافهة بل وقطعوا جثته وحاولوا احراقها لاخفاء جريمتهم. أما في فيلم "مرشّح منشوريان" اخراج جوناثان ديمي 2004 ، حيث مجموعة من الضباط سبق لهم وشاركوا في عمليات "عاصفة الصحراء" حيث تم طرد جيش صدام حسين من الكويت ، يتعرضون الى عملية غسل دماغ من قبل مؤسسة سياسية تأمرية تحاول الوصول الى البيت الابيض من خلال ترشيح احدهم لرئاسة الجمهورية . وهكذا ، في اعمال درامية عديدة ، ومن خلال تداعيات الشخصيات نجد ثمة موقفا من الاوضاع في العراق والسياسة الامريكية ، هذا اذا لم تكن الاحداث تدور مباشرة في العراق كما وجدنا في الفيلم " ثلاثة ملوك" اخراج ديفيد روسيل 1999 ، والذي تدور احداثه خلال انتفاضة اذار 1991، حيث يقدم مجموعة من جنود الجيش الامريكي يبحثون عن كنز من الذهب الكويتي سرقه نظام صدام حسين خلال غزو الكويت ، ويقدمون عونا لمجموعة من العراقيين للعبور الى ايران ، ويعد هذا الفلم فاتحة للافلام الامريكية التي حاولت ان تنصف الشعب العراقي بشكل ما .

في العديد من هذه الاعمال الدرامية الامريكية ، صرنا نسمع كلاما باللهجة العراقية او مقاربا ، ففي السابق كانت الادوار تسند الى ممثلين عرب لا يجيدون اللهجة العراقية ، او يلقن الممثل الاجنبي حواره باللهجة العراقية من قبل ملقن مصري او لبناني، فيبدو الحوار كاريكاتيريا حتى وان كان المشهد تراجيديا ، وفي السنوات الاخيرة ، صرنا نلاحظ ان هناك فرقا ملحوظا في التعامل مع موضوع اللهجة العراقية ، فبدأت بعض شركات الانتاج تستعين بكومبارس من اصول عربية أومن العراق ، ففي " ثلاثة ملوك" ساهم في الفيلم ككومبارس مجموعة كبيرة من اللاجئين العراقيين المقيمين في امريكا ، وكان لبعضهم ادورا صغيرة ، مثل الفنان العراقي قائد النعماني ، وفي "المنطقة الخضراء " 2010 كان هناك مجموعة ليست قليلة من الممثلين العراقيين والعرب لاداء ادوار مختلفة ، ومن بين الافلام الاجنبية يكاد يكون هذا الفلم الافضل الذي قدم اللهجة العراقية بشكل واقعي وقريب ، فالاستعانة بممثلين من اصل فلسطيني او لبناني ، وهو الغالب في السينما الغربية والامريكية ، لا يقدم صورة واقعية ، فاللهجة العراقية تتميز كثيرا عن غيرها من اللهجات في البلاد العربية .

وعن مواقع الاحداث والتصوير ، بدأ الكثير من المخرجين الابتعاد عن الاستوديوهات التي تقدم الحارات والبيوت العربية والعراقية بشكل كاريكاتيري ونمطي ، ولا تمت الى الواقع بالكثير من الصلة وتبدو في بعض الاحيان معتمدة في تصميها على تصميمات هجينة مستمدة من رسومات اوربية عن الشرق فتفقد الاحداث البعض من مصداقيتها ، وفي السنوات الاخيرة صارت الكثير من الافلام الغربية تصور في بيئة مشابهة وقريبة للعراق مثل التصوير في اسبانيا او الاردن او دول الخليج ، ففيلم " المنطقة الخضراء " صور في المغرب واسبانيا ، وفيه حاول مخرجه " باول كرينكراس " انتقاد وبشكل واضح بدون تورية المبرر الذي قدمته الحكومة اليمينية الامريكية لغزو العراق بوجود اسلحة الدمار الشامل وعرض شخصيات عراقية تدين النظام الديكتاتوري وجنرالاته ، بل وان الضابط الامريكي ، ادى دوره الممثل الطموح "مات ديمون" ، يتفهم افكار الشاب العراقي المعوق في حروب صدام والذي في اخر الفيلم يقتل الجنرال من جيش صدام ، بينما يقدم الضابط الامريكي نسخة من تقريره الى الصحافة لفضح الادعاءات حول وجود اسلحة الدمار الشامل ، وايضا هناك فيلم "خزانة الالم " اخراج كاثرين بيجلو، الذي فاز بعدد من الجوائز العالمية وشهادات التقدير، وأبرزها وربما أهمها حصول مخرجته على جائزة الاوسكار لعام 2010 كأفضل مخرجة لتكون أول امرأة تحصل عليها منذ تأسيسها ، وتناول قصة عدد من خبراء المتفجرات العاملين في العراق ، وتم تصويره في الاردن .
 

 

*  نشرت في المدى البغدادية العدد (1897) 2/09/2010
 


 

 

 

free web counter