| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي فهد ياسين

 

 

 

الثلاثاء 8/9/ 2009

 

المتسربون في العراق ....تلاميذ المدارس ونواب البرلمان !!

علي فهد ياسين

تختزن الذاكرة الكثير من صور الحياة وبعض تفاصيلها ولسنوات الدراسة نصيب كبير من ذلك الخزين ,لعل اطرفها السنوات الاولى في مدارسنا الابتدائية التي كان فرسانها مدير المدرسة ومعلمينا الاكثر حبا وقربا من نفوسنا وبعدهم زملائنا الخاصين وبعض النماذج التي لا تنسى من التلاميذ .

هذا الفضاء الذي لازال محافظا على تواجده في ذاكرتنا ليس مفروضا بل نحن نحتضنه بحب وحنين بعد سنوات طويلة من الخوض في الحياة التي نعرف جميعا كم كانت قاسية لاسباب لسنا بصدد الخوض فيها الان ,ما اود الاشارة اليه من سنوات الدراسة الاولى هو احد اهم ركائزها الا وهو الحضور اليومي للمدرسة الذي هو القاعدة واستثناء ذلك هو الغياب الذي لابد ان يكون مبررا لانه ذنب كبير لا تغفره الادارة الا بأجازة مرضية معروفة ضوابطها او في حالات خاصة تكون مراجعة المدير فيها اجراء لابد منه,ودون ذلك يكون التلميذ غير الملتزم بالدوام ملزما بحضور ولي امره لمعرفة اسباب غيابه المتكرر وقناعة الادارة وحدها هي الفيصل في اعادته الى الدوام او فصله .

هذه الضوابط التي رافقتنا الى نهايات السبعينات هي والتفاصيل الاخرى في مجال التعليم كانت على مدى عقود منتجة لاجيال من العلماء والاختصاصيين والمهرة ومنتجي الثقافة باعداد كبيرة وبنوع مشهود له بالكفاءة والالتزام والوطنية والبعد عن الفساد والمنافع الذاتية ,وكان للجامعات العراقية مكانة معروفة ولخريجيها واساتذتها كامل الثقة في الاوساط العلمية العالمية, ,ولا ادل على ذلك من الاسماء الكبيرة للاساتذه العراقيين في بلدان الشتات التي قصدوها مجبرين في موجات الهجرة التي تصاعدت نتيجة لسياسة القمع التي تبنتها السلطة في اواخر السبعينات قبل ان تبدأ جولات الحروب التي لم تنتهي الى الان.

لاشك في ان للحرب اثارها المدمرة على كل تفاصيل الحياة فهي نقيض لها ,وحروب الدكتاتورية البغيضة في العراق احالت البلد الى ركام نفوس قبل ركامات البناء بتغييبها مئات الالاف من خيرة الابناء ومن كل الاعمار , وكانت بادارة همجية استحقت لها مكان في صفوف اعداء الانسانية بقسوة سوف لن ينساها التاريخ كما لم ينسى همجية التتار والفاشية النازية.

لم يعرف العراق تسربا من المدارس الا بعد ان اشتد اوار الحرب العراقية الايرانية وثقلت اوزارها , فقد بان النظام على حقيقته حين اعتمد على سياسة عسكرة المجتمع وجعل كل موارده في خدمة هدف واحد هو المحافظة على النظام وكل التفاصيل الاخرى الى الجحيم , وكان نصيب التعليم من تلك السياسة هو السحق والتدمير من خلال سياسة التمويل الذاتي التي حولت العملية التعليمية الى جهد شخصي للمعلم وادارات المدارس ومديريات التربية ,فكان على الطالب دفع اجور النقل التي يحتاجها المعلم ليصل الى مدرسته اضافة الى كل اجور ترميم المدارس ومصاريف الادارات , واكتملت حلقات التدمير بنتائج التجويع التي اعتمده النظام من خلال ضعف الرواتب لموظفي الدولة عموما في ظروف كانت فيها تكاليف الحياة لا تطاق.

بعد ان ادارت السلطة ظهرها لكل تفصيل في الحياة لا يخدم الحرب بدأ المواطن يبحث عن اساليب توفر له الحد الادنى من مقومات معيشته ,فكان احداها هو ترك التلاميذ وطلاب المدارس والمعاهد والجامعات دراستهم لتوفير ما يمكن ان يسد الرمق لعوائلهم من خلال البحث عن عمل ,وهنا بدأت احدى اقسى الكوارث التي احاطت بالعراق وساهمت في تعميق الخراب الذي تعرضت له الحياة فيه ,فقد تناسلت نتيجة لذلك اجيال مقطوعة عن التقاليد العراقية الاصيلة التي نعرفها فازدادت وتنوعت الجرائم وتعرض النسيج العراقي المتماسك الى النهش والتفكيك.
 

بعد سقوط سلطة القمع في 2003 لم يأخذ التعليم ما كان يحتاجه لاعادته الى المسار المفيد , وبدلا من ان يعار اهتماما استثنائيا لخطورة تأثيره على بناء النفوس التي نحتاجها لبناء العراق ,اعيد ترتيبه للصفوف الخلفية من الاهمية تحت المسميات الجديدة للوزارات التي فوجئنا بان بعضها سيادي والاخرى بعيدة عن السيادة, فكان ان استمر الخراب وتضاعفت نسبة التسرب من المدارس لحاجة الناس الى عمل ابنائهم كي يعيلوا العوائل التي اصبحت دون معيل نتيجة لاعمال العنف التي لم تستثني احدا, فألفنا صور الابناء وهم باعمار الورد يجوبون الشوارع وتقاطعات الطرق ليتسولوا او في احسن حالاتهم ليبيعوا ما يستطيعون الى اصحاب السيارات الفارهة , اما الاخرون فان الاعمال القاسية تنتظرهم ليتحولوا الى ادوات سهلة التطويع لمافيات البغاء والارهاب .

هؤلاء الفتية المرميون في الشوارع لا احد يستطيع ان يسألهم عن اسباب تسربهم من المدارس لان ذلك مسؤولية قادة السياسة في البلد ,وهم في كل الاحوال ينجزون اعمالا تدر عليهم مكسبا تعتمد عليه حياة اسرهم التي لا تستطيع مواجهة ارتفاع الاسعار الذي يضرب في عظام الفقراء ,وهم مكشوفون للناظر من خلال ملابسهم الرثة واشكالهم التي لا تدل على انهم يجدوا ما يغتسلون به من ماء على اقل تقدير في بلد النهرين ,وهم بذلك لا يحاسبون على تركهم للدراسة لان اسبابهم مشروعة وخطاياهم في رقبة المشرعين للقوانين في العراق الجديد الذي تصوروا انه سينصفهم بعد ان سحقتهم الدكتاتورية الصدامية القذرة ,وحين طال انتظارهم وتعرضوا للاهانات والتساؤلات القاسية عن اسباب تسربهم من المدارس ,طفح بهم الكيل وصرخوا , لسنا وحدنا المتسربون بل ان نواب برلماننا العتيد هم قدوتنا في التسرب من الالتزام , لكننا مندهشون من عدم مكافأتنا عن تركنا مقاعد الدراسة لكي نعمل على اطعام اهلنا ونوابنا يتقاضون اموال وامتيازات لا تعد ولا تحصى وهم اشقائنا في التسرب فثيابنا رثة وثيابهم من اعرق ماركات العالم وحين نعرض على حماياتهم (لاننا لا نصل الى نوافذ سياراتهم الفارهة ) علب المناديل الورقية ينهروننا لان ماركاتها ليست اصلية !!!!.

لقد سئمنا اسئلتكم لكن اباؤنا الشهداء وامهاتنا الثكلى علمونا بأن العمل مقدس سواء كان بكتابة واجب المدرسة او في بيع المناديل في تقاطع الاشارات لانه يوفر لاهلنا لقمة شريفة بدلا من ان نمد ايدينا ونسرق المال العام الذي يوفر شراء البدلات الانيقة والسيارات الفارهة ويضاعف الارصدة في بنوك عالمية , لكن كل ذلك لا يستطيع ان يتصالح مع النفوس التي تحتاج الى هدوء ليل جميل نحن ننامه مهدودين من التعب لنستيقظ الى يوم عمل جديد واشقاؤنا النواب المتسربين يحتاجون الى مساعدات للنوم لانهم يفتقدون سلطانه ان كانوا في المنطقة الخضراء او في البلدان التي توفر لهم الحرير في فلل لم يحلموا بها حتى في عهد الدكتاتورية التي بعضهم يلعنها والبعض الاخر يعمل من اجل عودتها .

واخيرا فاننا لازلنا اطفالا وتعلمنا قيمة العمل , واشقاؤنا النواب بالغين ومتسربين ومعتقدين اننا سنغفر لهم ذلك , بلدنا العراق نحن ابناؤه والمستهترون به وبنا سيحاسبون لان التاريخ يحتفظ بكل الافعال وسيأتي يوم ويأخذ كل ذي حق حقه ,نحن اولياء امور انفسنا وعوائلنا الان ونعرف ان المهمة عصيبة لكننا نقول لاولياء امور النواب المتسربين اردعوا ابناؤكم واعيدوهم الى جادة الصواب لانكم تتحملون مسؤولية واثم اعمالهم .

 

 

free web counter