| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي فهد ياسين

 

 

 

                                                                                 الخميس  28 / 8 / 2014

 

جيران العراق .. تجارة مفتوحة وسياسة مغلقة

علي فهد ياسين

لم يتعرض بلد في العالم على مر تأريخه الماضي والحديث مثلما تعرض له العراق ولازال من جيرانه , فقد ناصبوه العداء فرادا ومثنى ومجتمعين في توقيتات معروفة تأريخياً , لعل أخطرها ما أجمعوا عليه الآن , رغم انقسامهم المعلن الى فريقين , لكنهما فضلا الساحة العراقية ملعباً لأخطر انواع الصراع ( الصراع الطائفي ), منذ سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003 .

في كل جولة من جولات ( الأذى ) الذي تستهدف حياة العراقيين , كانوا ولازالوا يدفعون أثمانها من دماء الابرياء من ابنائهم , دون محاسبة المتسببين في ذلك , مع أن الدلائل في كل مرة تشير الى الفاعلين بمالايقبل الشك , ليس في اذهان العراقيين فقط , انما في اذهان غيرهم من عرب واجانب ايضاً , وزيادة على ذلك يجني المعتدون (الجيران) في كل مرة مكاسباً سياسية واقتصادية تفوق ماكانوا مخططين له في عدوانهم , ممايشجعهم على الاستمرار في مسلسل العداء مع اطراف اخرى ساندة ومستفيدة , ليبقى العراق وشعبه ضحية الجميع .

لقد أصبح ( اللعب السياسي ) لدول الجوار العراقي مكشوفاً للجميع , ولم تعد صفقات الدهاليز ضرورة للتغطية , فقد وصلت الامور الى العداء المعلن بين تلك الدول وبين جهة سياسية بعينها ليكون مبررا لدعم جهة اخرى , وصولاً الى استمرار الصراعات السياسية الخادمة لاجندات الجيران في بقاء العراق ضعيفاً ومعتمداً عليها في ادارة ملفاته , وأهمها الملفين الامني والاقتصادي الموفرين لتلك الدول المليارات من الدولارات سنوياً , فيما لو استمر الوضع على ماهو عليه لسنوات قادمة , وهي منافع لن تجدها بهذه السهولة في اي نشاط اقتصادي في مكان آخر , اضافة الى أن اعاقة تعافي العراق واستقراره وحدها الكفيلة في تأخير استثمار ثرواته النفطية الهائلة , التي ستزاحم الآخرين المهيمنين على السوق النفطية منذ الحرب العراقية الايرانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي .

ان الانقسام السياسي الذي ساهمت في تغذية فصوله دول الجوار خدمة لمصالحها , وضعف مناهج الاحزاب التي تصدرت المشهد السياسي خلال العقد الماضي ومازالت , ادى الى الاستمرار في نفس السياسات الخاطئة التي اعتمدها النظام السابق في ادارة الدولة حين اعتمد ( الولاء الحزبي والشخصي ) في اختيار الاشخاص في مواقع المسؤولية , على حساب الكفاءة والمهنية التي تتطلبها تلك المواقع , مما وفر المناخ الملائم للفساد بكل اشكاله وتفصيلاته , ليكون الحاضن الاكبر لانشطة الخراب التي اعتمدتها دول الجوار منافذاً لتسويق بضاعتها السياسية والاقتصادية على حساب العراقيين , ليكون الجهاز الحكومي بفرعيه الرسمي والحزبي هو المستفيد الاكبر من الصفقات المبرمة مع شركات دول الجوار على حساب الاقتصاد العراقي الذي شلت اذرعه الانتاجية , لاسباب معروفة يتحمل مسؤوليتها المتنفذون واصحاب القرار .

مع كل هذه النتائج الكارثية للتدخل السلبي لدول الجوار في الشأن السياسي العراقي , نجد ان الساحة العراقية مفتوحة على مصاريعها للتجارة احادية الجانب مع هذه الدول , ففي الوقت الذي يتم اغراق الاسواق العراقية ببضائع غير خاضعة للسيطرة النوعية ومعفاة من التعرفة الكمركية , لايقابلها اي نشاط تجاري عراقي معادل لهذا النزيف الهائل من ثروات العراقيين , ناهيك عن خطورة بعضها على الصحة العامة , خاصةً في مجالات الاغذية والادوية منتهية الصلاحية التي كشفت بعض شحناتها المسببة للامراض , دون ان تتعرض الجهات المصدرة والمستوردة لها الى العقوبات , لأن حيتان التجارة مع هذه الدول هم اطراف السلطات السياسية واذرعهم التجارية التي اسسوها خلال السنوات الماضية .

ان المعادلة السياسية الاقتصادية التي تعبر عن علاقات العراق بدول جواره ليست متوازنة اطلاقاً, ولو كانت هذه الدول مساهمة ايجاباً في استقرار العراق الامني والسياسي , لكانت التجارة معها تحصيل حاصل , لكن ادوارها السياسية الداعمة للفوضى وللارهاب المتسبب في مآسي العراقيين , يجب ان تكون هي الفيصل في الملف الاقتصادي معها ومع غيرها من البلدان , وهذا لم يتحقق خلال العشرة اعوام الماضية من ادارة حكومات متعاقبة , ولن يتحقق في ظل الحكومة القادمة , اذا اعتمدت نفس المنهج السابق في الفصل بين السياسة والاقتصاد في علاقاتها مع دول الجوار , التي لم تبدل مناهجها السياسية المغلقة مع العراق , رغم تجارتها المفتوحة والمتصاعدة بمليارات الدولارات , لتصدير سلعها الرديئة للعراقيين وفي مقدمتها الارهاب وادواته القاتلة للحياة , لذلك من المفيد والمهم التذكير بضرورة مراجعة الاتفاقيات التجارية مع دول الجوار على ضوء مواقفها السياسية , اضافة للاسراع باصدار القوانين الاقتصادية الفاعلة , وخاصة قانون التعرفة الكمركية المركون على رفوف مجلس النواب العراقي منذ سنوات .
 

free web counter