| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي فهد ياسين

 

 

 

                                                                                 الأربعاء  25 / 12 / 2013



البصرة تعتزم شراء النخيل من فرنسا ..!!

علي فهد ياسين

للوهلة الأولى لا يمكن لمواطن عراقي تصديق هذا الأمر لاسباب عديدة , أهمها أن العراق بوسطه وجنوبه والبصرة تحديداً تعتبر من أهم مراكز النخيل في العالم على مدى التأريخ , أما فرنسا فليس لها موطئ قدم على خارطة النخيل العالمية, لكن هذا الأمر لم تلتفت اليه الحكومة المحلية في البصرة , التي أعلنت في التاسع عشر من هذا الشهر عن عزمها أنشاء ( غابة نخيل ) في البصرة تضم مليون فسيلة يتم تجهيزها بالتعاقد مع شركة فرنسية , واوضح مستشار محافظ البصرة للشؤون الزراعية الاستاذ محسن عبد الحي , أن الفسائل المزمع شرائها سيتم أكثارها في مختبرات وفق تقنية ( الزراعة النسيجية ) وهي تتطلب عناية خاصة , وتزرع مؤقتاً لمدة ستة أشهر في أماكن مختارة قبل نقلها الى المواقع الدائمة . مجلس محافظة البصرة عموماً ومستشار المحافظ للشؤون الزراعية على وجه الخصوص , لابد أنهم يعرفون أن ( أول ظهور للنخيل في العالم كان في جنوب العراق وتحديداً في موقعين هما أور وأريدو قبل مايزيد على أربعة آلاف سنة قبل الميلاد , ثم أنتشرت زراعة النخيل منهما شرقاً باتجاه ايران وصولاً الى باكستان وغرباً باتجاه وادي النيل وشمال أفريقيا وصولاً الى جزر الكناري في المحيط الأطلسي , وأن هناك (140) صنفاً من التمور تزرع في البصرة من أصل (650) صنفاً في العراق , قام بزرعاتها وأكثارها العراقيون منذ بدء الحضارة ,وأن أعداد النخيل في العراق كانت في سبعينات القرن الماضي أكثر من (30) مليون نخلة , وكانت أكبر غابات النخيل في العالم في شبه جزيرة الفاو التي تحولت الى غابة من جذوع النخيل نتيجة الحرب ) , ويفترض كذلك أنهم يعرفون أن هناك كليات للزراعة في أغلب الجامعات العراقية الموجودة في كل المحافظات , وخاصة كلية الزراعة الأم في جامعة بغداد التي أُسست في العام 1952 , وكليات الزراعة في جامعتي الموصل والبصرة , أضافة الى المعاهد الزراعية واعداديات الزراعة , التي تدفع بآلاف الخريجين سنوياً الى سوح البطالة , كل ذلك يشكل الجانب البشري للواقع الزراعي , لكن الاهم في موضوع غابة النخيل في البصرة هو أن هناك مركزين لأبحاث النخيل في العراق تم أنشائهما منذ عام 1995 , هما مركز أبحاث النخيل التابع لجامعة البصرة ومركز أبحاث النخيل التابع لجامعة بغداد , وقد قطع المركزان أشواطاً مهمة في البحوث التي تتعلق بالزراعة النسيجية الخاصة بالنخيل التي أشار لها مستشار المحافظ على أن الشركة الفرنسية سوف تستخدمها , وكأن العراقيين عاجزين عن ذلك .

أن التعاقد مع الشركات الأجنبية في أنشاء وتطوير المشاريع في أي محافظة عراقية هو ضرورة لابد منها لأعادة البناء والتطوير, لكن ليس في هذا المشروع الذي تتوفر للعراقيين خبرة كبيرة فيه , ان كان على مستوى عموم فلاحي النخيل في البصرة أو على مستوى تقانة الزراعة النسيجية التي أعتمدتها عشرات الابحاث للعقول العراقية المجتهدة رغم فقر التخصيصات المالية ووجود الكثير من العراقيل الادارية المعروفة في العراق , وقد لمعت اسماء كبيرة لعل أحد أمثلتها هو الباحث الدكتور حسام سعد الدين خير الله وغيره من الباحثين الأكفاء في مراكز البحوث الساندة التابعة لجامعة بغداد وباقي الجامعات العراقية , بالتعاون مع ( المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ) , وكان الاولى أن ترصد التكاليف التي ستدفع للشركة الفرنسية الى هذه المراكز البحثية لتزويدها بكل مستلزمات الزراعة النسيجية لفسائل النخيل في العراق , لتتمكن من اقامة غابات النخيل ليس في البصرة فقط انما في جميع المحافظات , لاعادة الحياة الى هذه الشجرة التي تعتبر تاجاً عراقياً فريداً أسقطته الحروب العبثية وأكمل بعدها الاهمال وسوء التخطيط تردي الحال فيه عاماً بعد آخر .

أن قرار اقامة غابة النخيل في البصرة مهم وقد تأخر كثيراً , لكن تنفيذه لا يجب ان يكون بهذه الطريقة التي تسئ للارث العراقي الضارب باعماق التأريخ , الذي يوثق في كل مراحلة العلاقة بين شعب العراق ورمزه الازلي النخيل , واذا صح أن نطلق على العراق أبو النخيل فأن البصرة هي أمه , ولن تقبل الأم التجاوز على ذريتها بهذه الطريقة , وأن أبنائها هم الاجدى باعادة نخيلها الى أكتافها وأجنحتها وأحضانها بسواعدهم وعقولهم حفاظاً على هيبتها وحرصاً على ثرواتهم من الهدر الذي أكل منها الكثير خلال عهود الدكتاتورية والعشرة أعوام التي أعقبتها .

أن لابناء البصرة الحق في رفض هذا التعاقد مع الشركة الفرنسية , وواجب المطالبة بأعتماد مجلس المحافظة على الكوادر العراقية لتنفيذه, كذلك مطلوب تدخل وزارة الزراعة للمساهمة في اسناد التجربة بكل الوسائل في حال تبني العراقيين المسؤولية المباشرة في انتاج الفسائل المطلوبة وكافة مراحله اللاحقة لتكون اكبر تجربة لاعادة الحياة الى نخيل العراق عبر تقنية الزراعة النسيجية الحديثة .
 

free web counter