| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر

 

 

 

 

الثلاثاء 9/1/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

صدام والشهادة والأشهر الحُرُم ...

 

د. عدنان الظاهر

أولاً // صدام والشهادة
ُبعيد تنفيذ حكم الأعدام شنقاً حتى الموت بصدام حسين كثُر الكلام وتشعّبت الفتاوى والتنظيرات وهل يجوز تنفيذ حكم القضاء العادل في أول أيام عيد الأضحى أو لا يجوز . كما تبارى الكتاب وماكنات الإعلام المكتوب والمقروء والمرئي في إضفاء صفة الشهادة على مجرم العصور والدهور وأجبن بشر رأته عيناي فما هي تُرى شروط ومواصفات وأحكام الشهادة وهل فيها ما ينطبق على صدام حسين وأمثاله من القَتَلة والجبناء والحرامية ؟!
يعرف المسلمون أنَّ مواصفات وشروط (( الشهادة )) مرتبطة أساساً بالدين الإسلامي ، جاء بها صريحةً ونصَّ عليها القرآن الكريم كما يلي

[[ ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزَقون // سورة آل عِمران الآية 169 ]] .
فمن يُقتل في سبيل الله إنما هو شهيد ، أي إنه خالد لا يموت ... حيٌّ يرفل بالحياة السرمدية إلى جوار ربّه أي في جنات الخُلد. فالشهادة تعني الخلود. والمقتول مجاهداً في سبيل الله هو واحد من إثنين في الأقل : مقاتل سقط قتيلاً في صفوف الفاتحين الذين بلغوا بالإسلام حدوداً غير مسبوقة ... من بلاد الأندلس حتى تخوم الصين على سبيل المثال . فتوسيع رقعة الدين الإسلامي هو جهاد في سبيل الله . أما الفئة الأخرى من الشهداء فإنها فئة حديثة طابعها لا ديني من حيث الأساس .... إنها شهادة وطنية ... شهادة الذود عن حدود وحقوق الوطن وإستقلاله . يشترك في مثل هذه الشهادة المسلم وغير المسلم من رعايا هذا البلد العربي أو ذاك . فكل مَن قاتل المغول والتتار أثناء غزوهم العراق ، وكافة ضحايا النضال ضد السيطرة العثمانية والإستعمار البريطاني للعراق هم شهداء الوطن بصرف النظر عن أديانهم . لستُ بحاجة للقول إنَّ مَن جندته السلطات التركية من العراقيين قسراً وزجّته في حروبها مع أعدائها في القرم والبلقان مثلاً ... القتيل من هؤلاء ليس شهيداً ولا يمكن أن يكون حسب أصول وفروع الدين الإسلامي . كان بعض رجال الدين المرتزقة يومذاك يفتون بشهادة هؤلاء القتلى بإعتباران الترك العثمانيين مسلمون يقاتلون الكفّار (المسيحيين ) ويجاهدون هناك في سبيل الله ...

كما أنَّ هناك أنماطاً أخرى من الشهادة ، شهادة الدفاع عن عروبة العرب أو قوميتهم . يكون شهيداً من سقط مقاتلاً في سبيل أيٍّ من هذه الإنتماءات. فالعراقيون الذين قاتلوا في فلسطين دفاعاً عنها خلال عامي 1948 / 1949 ثم سقطوا قتلى في سوح وميادين القتال هم لا ريبَ شهداء... شهداء العروبة والقومية العربية . كانت هناك المجابهة بين عرب ويهود ... بين قوميتين مختلفتين متنازعتين على أرض تعود أصلاً لعرب فلسطين . وكل من ساهم في الدفاع عن مصر ضد الغزو الثلاثي في خريف عام 1956 إثر تأميم قناة السويس من العرب غير المصريين وسقط في ميادين القتال هو كذلك شهيد ... شهيد القومية العربية التي رفع عبد الناصر لواءها عالياُ في تلكم الحُقبة من تأريخ العرب . قاتل الأقباط والمسلمون يومذاك وفي كافة الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل.
إذن لا علاقة للدين بهذا النوع من الشهادة .

الآن ... أوجه سؤالي لكل مَن نعتَ صدام حسين بالشهيد وأسبغ عليه ظلماً وزوراً شرف الشهادة ... أسأله : هل سقط هذا الجزّار الرهيب وهو يجاهد في سبيل الله ؟ هل قُتِل دفاعاً عن العراق وأهل العراق وحدود العراق ؟
إذاً فلنكشف بعض أوراق هذا المسخ الدموي المحسوب على البشر بتوجيه بضعة أسئلة أخرى // هل سقط صدام قتيلاً دفاعاً عن { بوابة العرب
الشرقية } في حربه الغادرة مع جارة مسلمة ؟ هل كانت هذه الحرب جهاداً في سبيل الله فتحاً كما فعل خالد بن الوليد مثلاً أو دفاعاً عن رقعة الإسلام وبيضته كما فعل صلاح الدين الأيوبي ؟ هل كانت دفاعاَ عن حدود العراق الوطنية ؟ ثم ... في أية خانة نضع جنون صدام حسين في مغامرة غزوه لدويلة عربية صغيرة مجاورة ، أجهادٌ في سبيل الله أو دفاعاً عن حدود الوطن ؟ وهل يستحق الشهادة فيما لو سقط بالفعل قتيلاً في واحدة من هاتين الحربين ؟ كان معتدياً في الأولى وغازياً في الثانية .
وماذا أبقى صدام حسين للوطن ومن الوطن . لقد هرب صبيحة التاسع من شهر نيسان عام 2003 وهو الذي يحمل لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس جمهورية العراق ورئيس مجلس قيادة الثورة وأمين سر القيادة القطرية فضلاً عن لقب أمل العرب وقائد الأمة العربية والأب القائد ورتبة مهيب أول ركن لم يسمع بمثلها البشر لا من قبلُ ولا من بعدُ . أجل ، هرب وإختبأ في جحر لا يصلح إلاّ لأمثاله من الجبناء المخانيث . لو قاتل الجيوش الزاحفة على بغداد وسقط قتيلاً [[ كما فعل الرئيس الشيلي سلفادور الليندي في أيلول 1973 ]] لكانَ في مسألة شهادته وجهة نظر . هرب الجرذُ ولم يقاتل ... ترك عاصمته مستباحة ووزارات حكومته طعماً للنيران وأيدي النهب والسلب .
هل يستحق بشرٌ هذا شأنه ومسلكه شرف الشهادة ؟؟!!

ثانياً // توقيت إعدام صدام
كما كثر اللغطُ وتشعب وتجاوز الحدود حول مسألة توقيت تنفيذ حكم العدالة والقانون بمجرم لم يرَ التأريخ المعاصر له مثيلاً . قالوا لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام في يوم عيد . قالوا لا قتلَ في الأشهر الحُرُم . قالوا قد حرّم الإسلام القتال في هذه الشهور الأربعة المحرّمة . سأناقش هذه المسائل بإختصار :

1/ مسالة العيد
لم يتفق المسلمون يوماً على يوم محدد واحد بداية للعيد سواءً أكان عيد الفطر أو عيد الأضحى . طوال حياتي كان المسلمون مختلفين حول توقيت هذا اليوم . نعم ، كان يوم السبت الموافق الثلاثين من شهر كانون الثاني عام 2007 بداية عيد الأضحى بالنسبة لبعض الشعوب الإسلامية لا لجميعها . فلقد عيّد كثير من المسلمين شعوباً وحكوماتٍ في يوم الأحد الأول من كانون الثاني .
من قال إنّ الإسلام يحرّم تنفيذ حكم العدالة والشرع والقانون بحق مصاص دماء وسارق ومجرم لا نظيرَ له ... في يوم عيد ؟ أتحداهم أن يأتوني بنص واحدٍ من القرآن الكريم وهو قانون ودستور المسلمين .

2/ إعدام صدام والأشهر الحُرُم .
يا للمصيبة !! لقد شاهدت برنامجاً في إحدى الفضائيات الناطقة بالعربية فهالني منظر رجل يحمل شهادة الدكتوراه وهو يرتعد ويتطاير الشرر والزّبَدُ من منخريه محتجّاً أن لا يجوز القتل [ كما أسماه ] في الأشهر الحُرُم !! ما كان هذا الدكتور وحيداً في هذا الميدان التعبان ... فلقد تسابقت فيه خيول وحمير وبغال من كل الأضراب والأشكال والألوان . لقد ذكرتُ هذا الدكتور بشكل خاص لأنه كان واحداً من ضحايا جلادي العراق وعلى رأسهم الجلاّد الأكبر صدام حسين . عذبوه في سجون البعث حتى فقد نصف عقله وكل ضميره .
تعالوا نناقش هذه الفئة الضالة بل الأكثر ضلالاً في هذا الأمر من زاوية القرآن والدين الإسلامي .

[[ يسالونك عن الشهر الحرامِ قتالٍ فيهِ قلْ قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيلِ الله .. / سورة البقرة الآية 217 ]] .
الآية واضحة لكل مَن في رأسه عينان وفي صدره قلب سليم غير مشوب بالخبث والنوايا السيئة والدفاع المبطّن عن زعيم القَتَلة وقطّاع الطرق ...[[[ قتال فيه كبير ... ]]] في الشهر الحرام أو الأشهر الحرُم .
يتكلمون عن تحريم القتال في الشهور الأربعة المحرّمة ، أسألهم : وهل تنفيذ حكم العدالة والقانون بحق واحد من عُتاة وبُغاة مجرمي العصر الراهن ... هل تنفيذ حكم الشنق بصدام حسين قتال ؟ القتال كما هو معروف لا يكون إلاّ بين فئتين أو طائفتين أو قوميتين أو شعبين ، أي أن هناك جبهتين متواجهتين تقتتلان فيما بينهما ، فهل كان هذا حاصلاً في موضوع صدام حسين ؟ نعم ، ولكن في حالة واحدة : إذا إعتبرنا صدام حسين يمثل جبهة البعثيين كتلة واحدة يقابلها باقي العراقيين من غير البعثيين ولا سيّما ضحاياه و قتلاه وقتلى حروبه الدونكيشوتية وأسلحته الكيميائية وسمومه ومقابره الجماعية . هذه جبهة أخرى ولكن لم تقاتل هذا الوحش الدموي الساقط ساعةَ إعدامه مشنوقاً بحبال العدالة السماوية والأرضية ، ولم تقاتله في حياته مقاتلة حقيقية جبّارة إلاّ في إنتفاضة شعبان 1991 التي تم وأدها لشديد الأسف في ظروف معروفة للجميع .
أعود لسؤالي إياه : أين تكييف حالة شنق صدام في أطروحة تحريم القتال في الأشهر المحرّمة ؟ وهل واجه الإسلام حادثة شبيهة بحالة صدام حسين في عموم تأريخ المسلمين ؟
عن قتال المسلمين مع بعضهم نقرأ في القرآن الكريم [[ وإنْ طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإنْ بغتْ إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئَ إلى أمر الله فإنْ فاءتْ فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنَّ اللهَ يُحب المُقسطين / سورة الحُجُرات الآية 9 ]] .
فهل حاول المتباكون على إعدام صدام حسين نصحه في حياته أو تعديل سلوكه وعاداته ومناهجه وولعه في الدماء والغزو والحروب ؟ بإعتباره يقود جبهة واحدة تصارعها جبهة أخرى معارضة من أبناء جلدته من العراقيين . لقد أمرهم القرآن أن يقاتلوا الفئة الباغية ، فئة صدام ورهطه ، حتى تستقيم أمور الرعية ويعم العدل بين العراقيين دون تمييز بين البعثي وغير البعثي . عليهم أن يقرأوا القرآن جيداً وأن يستوعبوا معانيه وأن يفقهوا شؤون دينهم قبل أن يفتوا في أمور دنياهم .