| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

 

الأحد 9 /9/ 2007

 

 


المتنبي وأبي العلاء المِعرّي

عدنان الظاهر

- 15 -
في الساعة الواحدة بعد الظهر فتح المتنبي لي باب شقته حسب إتفاق أمس. لم يرحب ويهلل كعادته بحرارة. دخلت فسألته عن سبب برودة إستقباله وما رأيت من وجوم يصبغ وجهه السمح. قال وهل نسيت إتفاق أمس؟ قلت أي إتفاق تقصد ؟ قال أن نناقش بعض أمور أبي العلاء المعري. قلت عفواً، أعذرني، كنت مشغولاً في أمورأُخرَ غير الشعر والشعراء. عفواً سيدي. قال لا عليك، كلنا ننسى وبعضنا يفتعل النسيان ... يتناسى. هات ما عندك. قلت أريد أن أعرف رأيك بأبي العلاء وهل كان حقا شديد الإعجاب بك وبشعرك حتى أن البعض قد عدّه واحداً من تلاميذك ومريديك وهم كما تعلم كُثر. وهل إنه قصدك أنت بالذات في كتابه الذي أسماه " مُعجَز أحمد"؟ ثم أتدري ما كتب في مقدمة ديوانه ( سقط الزند ) ؟ قال ما كتب ؟ قلت كتب كلاما خطيراً في نظرية الشعر حتى إني لأجرؤ على القول إنَّ الرجل قد سبق زمانه بعشرات القرون فيما يخص هذه النظرية. قال وبالحرف الواحد (( والشعر للخَلَد - البال والقلب والخاطر - مثل الصورة لليد يمثل الصانع ما لا حقيقة له، ويقول الخاطر ما لو طولب به لأنكره ... )). ما رأيك بهذا القول؟ قال قد أصاب الرجل. لقد قالت قبله العرب ( الشعر أعذبه الكذوب). والشعراء أحرار فيما يتخذون من سبل ووسائل وما ينهجون من مناهج للتعبير عن فنهم الشعري. وهم مختلفون في ثقافاتهم وبيئاتهم وطبائعهم وعقولهم ثم أحوالهم النفسية والجسدية من مرض وصحة. قلت له إذن كيف تقارن أبا العلاء مع نفسك ؟ قال كان الرجل يفضلني في أمور كثيرة. كان الرجل رهين محبسين وكنت طليقا طائرا غرِداً. كان أعمى وكنت بصيراً. كان منضبطا ولزم نفسه بما لا يلزم بينا كنت حراً منفلت اللسان إلى حد التهور والخروج عن المألوف. كان شديد الميل إلى الفلسفة والحكمة وكان لغويا من الطبقة الأولى. كان لديه الكثير من الوقت للدراسة وتثقيف النفس حيث كان ملازما داره – محبسه الأول -. لم ينشغل الرجل في حرب ولا تورط في مناظرات ولا جابه ما جابهتُ من حسّاد وخصوم، ساسة وشعراء ومتشاعرين. لعلك تتذكر ما واجهت من منغصات في حلب ومن مشاكسات أبي فراس الحمداني واللغوي إبن خالويه وأضرابهما. كان قانعا بما لديه لا يلبس إلاّ الصوف والقطن والكتان ولا يأكل غير الدبس والعدس والتين المجفف. على أن كثرة ما لديه من وقت ساعده لكي يتفرغ للدراسة ومتابعة آثار السابقين من شعراء ومفكرين وما ترجم عن الإغريق إلى العربية من فلسفة وطب. كان موسوعة ووحيد زمانه ذكاء وفطرة وخلقا.لا تقارني بهذا الرجل النادر الفلتة. قلت لكنه جاراك في بعض أشعاره. قال قد يجوز ذلك. لا أستبعد ذلك فقد كان الرجل ذا حافظة عجيبة. والمحفوظ في الذاكرة يؤثر على صاحبها ويفرض نفسه عليه سواء أراد ذلك أم لم يرده. إنه تأثير ما تسمونه اليوم العقل الباطن أو أللاشعور. هل لديك أمثلة كي تريني أن الرجل كان متأثراً بي في بعض ما نظم من أشعار؟ قلت نعم. قال المعري في قصيدة " ألا في سبيل المجد "

وإني وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لم تستطِعْهُ الأوائلُ

أما أنت فقد قلت

سيعلمُ الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا
بأنني خيرُ مَنْ تسعى به قدمُ

قال لا شَبه بين القولين. قلت حسناً، إسمعْ بيته التالي من نفس القصيدة

وإني جوادٌ لم يُحلَّ لِجامهُ
ونضوُ يَمانٍ أغفلتهُ الصياقلُ

أما أنت فقد قلت

وما في طبِّهِ أني جَوادٌ
أضرَّ بجسمه طولُ الجمامِ

قال ولا أجد هنا أي وجه للتشابه. قلت حسناً، إستمع إلى البيت التالي

وإنْ سدّدَ الأعداءُ نحوك أسهُماً
نكصنَ، على أفواقِهن، المعابلُ

قال أعدْ قراءة البيت. أعدت قراءته. فكّر مليا ثم قال قد أجد هنا بعض الشبه بين هذا البيت وبيتي القائل

فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسّرت النِصالُ على النصالِ

قلت وما رأيك في البيت الذي قاله في قصيدته المسماة “ أيا جارة البيت المنيع “

وأرسلتِ طيفاً خانَ لمّا بعثتِهِ
فلا تثقي، من بعدهِ، برسولِ

قال هنا شبه كبير مع أحد أبيات قصيدتي المعروفة " ما لنا كُلنا جَوٍ يا رسول "

كلّما عاد مَن بعثتُ إليها
غارَ منّي وخان فيما يقولُ

أين الشاي يا أبا الطيب ؟ قال لا شاي اليوم عندي ولا مال. سنشرب الشاي لديك وسنأكل ما خزّنتَ في مقبرة القطب الشمالي حتى لو كان لحم خنزير. اليوم هو آخر الشهر وقد طال هذا الشهر بشكل غير إعتيادي. قلت يحصل ذلك يا أبا محسد. إنه مجرد شعور بطول وثقل مرالوقت. إنها السآمة وملل الأيام. جدْ لك عملاً مناسباً يُنسيك هذا الشعور ويخفف عنك البلوى. قال قمْ وسنواصل حديث المِعَرّي في بيتك. الحديث عن هذا الرجل مُغرٍ وممتع. إنه أفضل مني بأشواط. إنه من طينة أخرى غير طينتي. قم هيا. تهيئنا للخروج. كان المتنبيء متعَباً شاحب الوجه.
في الطريق إلى بيتي كفَّ المتنبي عن الكلام لكني لم أكف. كنت أمطره بوابل من الأسئلة الجيد منها والرديء، المعقول والسخيف، إلى حد الإستفزاز. غير أنه ظل مُصِّراً على صمته كصخرته التي شبّه يوماً نفسه بها فقال (( أصخرةٌ أنا مالي لا تحرّكُني ... )). ما الذي جرى للرجل؟ قُبيل وصولنا بيتي قلت له ما تفسيرهذا الصمت المُطبِق؟ قال، كأنما كان الجواب جاهزا في رأسه وعلى شفتيه : الإفلاس يا إبن العم. الإفلاس. كنتَ في بيتي ورأيته بأم عينيك تماما كمسجد الفقراء. لا شيء عندي، لا جبن ولا خبز ولا مالُ. ضحكت فقرأ على الفور ما كان يدور في رأسي فقال(( لا خيلُ عندك تُهديها ولا مالُ )). قلت لكنك كنت قد قلت هذه القصيدة في أبي شجاع " فاتك المجنون " أمير الفيّوم في مصر. قال هل تصدّق أن الرجل كان خالي اليدين حين أنشدته هذه القصيدة فأضطُرَّ أن يستدين ألف دينار قدمها لي هدية، وهو مبلغ بكل المقاييس كبير. بينما لم أقبض من خصيِّ مصر الأسود إلاّ الوعود يكيلها لي جزافا ولا يلتزم ولا ينفذ كما يلتزم وينفذ ما يعد الرجال. لذلك قلت فيه :

أمسيتُ أروحَ مُثرٍ خازناً ويداً
أنا الغنيُّ وأموالي المواعيدُ

إني نزلتُ بكذّابين ضيفهُمُ
عن القِرى وعن الترحالِ محدودُ

جودُ الرجالِ من الأيدي وجودُهمُ
من اللسانِ، فلا كانوا ولا الجودُ

جَوعانُ يأكلُ من زادي ويُمسكُني
لكي يُقالَ عظيمُ القدرِ مقصودُ

في بيتي أراح الضيف نفسه. تهاوى فوق إحدى الأرائك مادّاً ساقيه عليها دون أن يخلع حذاءه. كان في بيتي يتصرف كما لو كان في بيته. وكان ذلك يبهجني ويجلب لي الكثير من السرور. لقد أرتفعت الكلفة فيما بيننا وزال حاجز الحياء والتردد ورسخت فيه الثقة بي فأصبحنا كأصدقاء العمر. لا يخفي عني شيئا ولا أخفي بدوري عنه أمرا من أمور دنيانا ...، إذ لم يتبق لدينا كلينا ما نُخفيه أو نخشى عواقبه. وإنما الدنيا ( كعفطةِ عنزٍ ) أو كما قال هو نفسه ( كشعرة في مض ... ).
سألته أتنام القيلولة أم نجهز طعام الغداء ؟ قال أتركني لأنام قليلا وجهزأنت الطعام. لا تُفرِطْ في الإكثار منه. أنت تعرف أن شهوتي للأكل أقل من القليلة. تعرف ذلك جيدا فلا تجعله يغيبن عن بالك .
نام الرجل ساعةً فأيقظته إذ أصبح طعام الغداء جاهزاً. قال هل مارستُ عادة الشخير السيئة التي لا تفارقني سواء في بيتي أو في بيوت الآخرين؟ قلت إنها ليست عادة يا أبا الطيب. إنها نتيجة لخلل في مجاري الأنف التنفسية. ويمكن التخلص منها بإجراء عملية جراحية بسيطة. فهيَ كهي لا يمكن أن تكون جيدة أو سيئة. معظم الناس يشكون من خلل في آنافهم أو أنوفهم. تبسّم الرجل قليلا ثم قال ( آناف ) … حلوة. كنت أميل إلى جمع الجبل على ( أجبال ) والرمح على ( أرماح ) وكان ذلك يغيض الحساد وبعض النقّاد. يا أبا الطيب … قلتُها عامداً لكيما أبدل أجواءك النفسية وأزيل عن سمائك هذا اللون الليلي الأسود الحزين. قال أحسنتَ. أصبحتَ تعرف عروقي ومجسّات روحي الخفية. قلت له لم أجد فيك شيئا خافيا أو مخفيا. أنت لا تُخفي شيئا، بل ولا تستطيع.
ونحن على مائدة الطعام تذكر الشاعر أبا العلاء المعري فقال هيا، ما هي أسئلتك وأية مسألة تود مناقشتها حول هذا الرجل معي. قلت كُلْ أولا ثم نتناقش. قال بل يحلو النقاش أحيانا لي وأنا على مائدة الطعام. بعض الأطعمة يفتح النفس والمعدة معا. قلت طيب. ما سر شغف هذا الرجل الضرير بعالم الحيوان ثم بعالم الفلك والنجوم ؟ قال وماذا عن عالم الدروع ودرعياته ؟ قلت ذلك أمر لا يعنيني. وقد طالما نوقش وأشبع من قبل الدارسين والباحثين والنقاد بحثا. ثم إني كما تعرف لست رجل حرب وسيوف ورماح ودروع. أكره الحروب ولا أطيق ذكرأو سماع إسمها، خاصة ما يسمّى منها بأسلحة الدمار الشامل كالأسلحة النووية والبايولوجية والغازات السامة. قال أما النجوم والكواكب ومنازل الشمس والقمر فكانت معروفة منذ جاهلية أجدادنا العرب ومنذ الأزمنة السحيقة لحاجتهم إليها في الإدلاج ليلا. ثم عُرِفتْ بشكل أوسع في زماننا بفضل بعض المترجمين من ألإغريقية إلى العربية. كنا نعرف عالم النجوم ولعلك تتذكر قولي (( الخيل والليل والبيداء تعرفني ... ))، الليل يعرفني لكثرة إدلاجي فيه ولا يدلج ليلا إلاّ من يعرف معرفة دقيقة مسارات وإتجاهات النجوم وموقع القمر من الشمس والشمس من القمر. لذلك كثر في القرآن الكريم ذكر النجوم والشمس والقمر حدَّ القسم بها. أذكر لك بعض ما جاء في القرآن (( فلاأقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر إذا إتسق / من سورة الإنشقاق )). ثم
(( والسماء ذات البروج / سورة البروج )). ثم (( والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب / سورة الطارق )). ثم (( والفجرِ. وليالٍ عَشرِ. والشفعِ والوترِ. والليلِ إذا يسرِ/ سورة الفجر)). ثم (( والشمسِ وضحاها. والقمرِ إذا تلاها. والنهارِ إذا جلاّها. والليلِ إذا يغشاها. والسماءِ وما بناها. والأرضِ وما طحاها / سورة الشمس )). ثم (( والليلِ إذا يغشى. والنهارِ إذا تجلى / سورة الليل )). وهذا قليل من كثير. أجلْ كانت العربُ منذ الزمان القديم على علم ودراية ممتازة بأحوال السماء وكواكبها ونجومها بل وحتى أحوال الطقس والغيوم والرياح والأمطار. حياتها تتطلب ذلك. أحكام الحياة يا أخانا!
قلت لصاحبي لقد حشد المعري ما لا يُحصى من أسماء ونعوت الكواكب والنجوم والظواهر الكونية الأخرى. حشدها في قصيدة واحدة عنوانها
" إبنُ مُستعرضِ الصفوف ". قال تقصد قصيدة (عللاني فإنَّ بيضَ الأماني)
قلت بالضبط. لقد ذكر فيها وحدها الظلام والليل والصبح والنجم والزمان والبدر والظلماء والهلال والثريا والحندس والفرقدين وسُهيل والشعريين والدجى والفجر ونجم النسر وذنب السرحان والصبح الكاذب. ثم الدهر والحشر والمريخ والميزان والسماوات والأفلاك وبرج الحمل وقرني الحمل " الشرطين " والسماك وقوس الكواكب. ثم برج الحوت و"كيوان" أي زُحَل " والسبعة الطوالع " أي الكواكب السبعة السيّارة و" الزبرقان " أي القمر. ثم ذكر الأرض وقِران النجوم. وأخيرا ذكر القمرين
و" المرزمان " وهما نجمان. هذا قاموس فلكي كامل يا أبا الطيب لا يستوعبه إلاّ خبير. ما حاجة رجل كفيف لمثل هذه الموسوعة من المعلومات والأسماء ؟ وما علاقتها بمدح رجل من أشراف بغداد ؟ قال أنا مثلك يحيرني أمر هذا الرجل. قلت حسنا إنسَ موضوع الفلك والنجوم، ما سر ولع الرجل وتعلقه بالحيوان ؟ لقد حشد في قصيدة رثائه لأمه ( سألت متى اللقاء ؟ ) جمعاً غريباً من أسماء الحيوانات أحصيتها فبلغت العشرة. أمر غريب لم يسبقه إليه أحد من شعراء العربية. قال هلاّ ذكرتَ أسماء هذه الحيوانات لعلنا معا نجد تفسيرا مناسبا لهذه الظاهرة ؟ طيب، سأذكرها حسب سياق تسلسل ورودها في أبيات القصيدة. إسمعْ : الحمامة والنسر والأسد والفراشة والحية والناقة ( تلميحاً وتضميناً ) والحِرباء والجنادب والضب والنعام. أسماء عشرة حيوانات في قصيدة واحدة ! خصَّ الشاعر الحمامة بخمسة أبيات في هذه القصيدة. وخص الأسد ( وقد أسماه الورد ) بعشرة أبيات. كما ذكر الأفعى في تسعة أبيات. فعلام يدل هذا؟ ظل المتنبي واجما ساهما غارقا في سحب دخان سيجارته. قلت له كلْ شيئا، فالأمرغاية في الجدّية وقد لا نهتدي إلى إجابة صحيحة في هذه الساعة أو حتى في هذا اليوم. وطِبْ نفساً إذا حضرالغداءُ. قال وما تفسيرك لهذا الأمر؟ قلتُ قد قدّمتُ بعض الإفتراضات لتفسيرهذه الظاهرة في كتابي" نقد وشعروقص". قال أود الإطلاع عليها، علّني أجدها صائبة وصحيحة. وإلا فلسوف أجهد نفسي لإيجاد تفاسيرأخرى قد تكون معقولة مقبولة من لدن محبي شعرأبي العلاء. قلت إتفقنا. فلنأكلْ … اليوم تمرٌ وغداً أمرُ. مدَّ ضيفي يده نحو طعامه وهو يقهقه عاليا ثم قال : لم حرّفتَ وصحّفتَ وأقويت ؟ إنما حقيقة القول هي ( اليومَ خمرٌ وغداً أمرُ ). قلتُ حرّفتُ لأجل عينيك وإجلالا لتشريفك بيتي وأنت مَن أنت. ثم إحتراما لإمتناعك عن تعاطي الخمور. قال ليس في الحكم والأشعار من مجاملة. دعها تأخذ مجراها كما هي وكما قيلت وكما قالها قائلها. وكما قالها قائلها؟ قال أجل. قلت لكن أبا العلاء المعري أخذ منك بيتا حسب إدعاء البطليوسي ولم يُشِرْ إليك وإلى بيتك الشعري وأنت قائله. قال وأي بيت تقصد؟ قال المعري :

فخرّقن َ ثوبَ الليلِ حتى كأنني
أَطَرتُ بها في جانبيه شرارا

أما بيتك فهو

إذا الليلُ وارانا أرتنا خفافها
بقدح الحصى ما لا تُرينا المشاعلُ

قال لا أظن أن الرجل سرق شيئا من بيتي الشعري الذي ذكرت توا. قد يكون جاراني وحذا حذوي وذلكم أمر مشروع ومعروف في عالم الشعر والشعراء. قلت لكن قال بعض الباحثين في هذا المقام (( وقد أشار الشراح إلى ما يربو على أربعين موضعا من الأقسام الخمسة المحققة التي بين أيدينا، أخذ أبو العلاء فيها عن أبي الطيب./ حسب كتاب شاعرية أبي العلاء في نظر القدامى . تأليف محمد مصطفى بالحاج . الدار العربية للكتاب. ليبيا - تونس 1976 . الصفحة 213 )) . فماذا تقول يا أبا الطيب؟ قال لهم رأيهم ولي رأيي الخاص. أخطأ البطليوسي فيما إخال في حكمه على هذا البيت.
لعلمك ... إني أحسب بيت المعري أفضل من بيتي. قلت عجيب ما تقول. قال لا عجب فيما قلت. ألرجل أعمى، ولقد كنّى عن عماه بالليل وأعرب عن أمنيته في أن يبصر بالشرر الذي يأتي بالضوء والنور. لذا حملَ بيتهُ مغزيين وصوّرَ حالين هما واقع الشاعر ثم الليل كظاهرة كونية تقع خارج إدراك الشاعر الحسي. الشاعر كفيف لا يميز الظلمة أو الشرر. أنا كما تعلم لست ضريراً. فإذا أذكرُ الليلَ فإني أرى ظلامه. وكذلك يصح القول عن الضوء والنور والشرر. هل فهمتَ يا أخا العرب؟ أجلْ، قد فهمت يا أبا الطيوب.
بعد أن إنتهينا من تناول طعامنا الذي إستغرق وقتا طويلا، إقترح المتنبي أن نواصل الحديث عن أبي العلاء المعري في مناسبات أخرى ... إذا أحببتُ وكنتُ مستعدا لذلك. رحبت بالفكرة قائلا : ربما نعود إليه ثانية.
غادر الشاعر منزلي على أن نلتقي غدا مساء .