| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

                                                                                      الأثنين 28/2/ 2011



تحوّلات وانتقالات

عدنان الظاهر   

أولاً / تونس ومصر
كيف يبدأ المرءُ ما يريد أنْ يكتب ومن أين يبدأ ؟ اللوحة كثيرة الغرابة سريعة التحول حُبلى بما يُتوقع وما لا يمكن توقّعه. في اللوحة ضبابٌ كثيفٌ وفيها دخان وما بين الضباب والدخان هناك عَتمةٌ يعتورها الكثير من الغموض. بدأت الثورة في تونس وحققت واحداً من مطالبها الرئيسة لكنها لم تبلغ بعدُ أقصى ما أرادت. وعليه ما زالت الثورة التونسية قائمة ساخنة كثيرة الحيوية دائمة الحركة نجحت اليوم في تحقيق هدف آخر من مجمل أهدافها المُسطّرة في جدول منهج ما قامت من أجله : إستقال رئيس الوزراء محمد الغنوشي تحت ضغط وزخم التظاهرات والإحتجاجات التي طالبت بتنحّيهِ فاستجاب الرجلُ وأعلن إستقالته كما يعرف الجميع . زخم الثورة التونسية ما زال قائماً وسيبقى كذلك إلى أمد غير منظور فالجيش التونسي ما زال قابعاً في الظل يراقب ما يجري ويشارك في رسم ما يجري وأخشى ما أخشاه أنْ يتحرك في منعطف حرج لينقلب على السلطة المدنية ويمسك بزمام الأمور ويشكّل حكومة يفرضها على الشعب قد تكون حكومة عسكرية صرفة أو مختلطة عسكرية مدنية يحتفظ فيها بالمناصب الوزارية السيادية كما هو الحال في الوزارة المصرية الحالية مع فارق كبير من بين فوارق أخرى : أنَّ زين العابدين هو اليوم خارج تونس في حين أنَّ حسني مبارك ما زال مقيماً في القصر الرئاسي في شرم الشيخ. ما الأدوار التي يلعبها اليوم حسني مبارك مُقيماً على بعض أرض مصر ؟ لا أحسبه قطع علاقاته بالقاهرة والمجلس العسكري الحاكم ورئيس الوزراء الذي سبق وأنْ وضعه هو على رأس الوزارة الأخيرة التي شكّلها قبل إعلان قرار تنحيه وتسليمه سلطاته الرئاسية والدستورية إلى المجلس العسكري العام للقوات العسكرية المسلّحة تحت رئاسة وزير الدفاع حسين طنطاوي . يغلبُ على ظني أنَّ المجلس العسكري على إتصالات يومية دائمة مع حسني مبارك يطلب الرأي منه ويستشيره في الأمور الكبيرة وفيما يتخذ من خطوات وإجراءات ومراسم وقرارات تحقن الدماء ولا تخلو من بعض الإيجابيات وتبدو للناظر غير المتبحِّر إنها تخدم قضية الديمقراطية في مصر ومطلب التحول السلمي وتبادل السلطة وسيادة القانون ومنع التجاوزات والمخالفات وتضع حداً للفساد المالي وتهريب المال العام . إذاً تنحى حسني مبارك لكنه لم يترك الحكم والسلطة واتخاذ القرارات فمهمته اليوم أنْ يقولَ ليدع غيره يُنفّذُ ما يقول ويُشيرُ به عليهم ليجدهم صاغين له منفذّين ما يقول صاغرين.

(( سؤال وجيه : ما مقدار ما يتقاضى السيد حسني إبراهيم مبارك اليوم من رواتب ومخصصات كرئيس مستقيل أو مُقال بقوّة وإرادة الثورة في مصر ؟ ومّنْ يُسدد نفقاته ومَنْ معه من أفراد أسرته المقيمين في منتجعات القصر الرئاسي في شرم الشيخ وما هي الأسس والمسوغات التي أجازت لهم الإقامة هناك بعد أنْ تنحّى رئيساً للجمهورية ولم تعدْ له أية صفة رسمية أو وظيفية مهما كانت ؟ ما الذي يمنعه من الإقامة في أحد قصور ولديه إنْ لم يكن له قصر أو قصور خاصة في القاهرة أو الإسكندرية أو في باقي مدن وسواحل مصر ؟ )) .

خلافاً لما هو قائم اليوم في تونس ، الصورة والأوضاع في مصر أراها في أوضاع حرجة فقوّة الجيش مُمثلاً بالمجلس العسكري الذي شكّله حسني مبارك تسعى إلى أنْ تكبح زخم الثورة المصرية وأنْ تقزّمها وتشرذمها بل وأنْ تلجمها وتخنق صوتها وقد ضاقت ذرعاً ونفد صبرها حيال التظاهرة المليوينة الأخيرة في ميدان التحرير في يوم الجمعة الذي صادف السادس والعشرين من هذا الشهر فبراير 2011 . وصلتني أخبارٌ من مصر أنَّ بعض أفراد القوات المسلحة والشرطة العسكرية قد اعتدت على بعض المتظاهرين في ميدان التحرير وضربتهم بالعصي الكهربائية ثم اعتقلت إثنين من قادة شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد أرسل لي بعض الناشطين والناشطات من شباب الثورة شريط يوتيوب للسيدة نوّارة أحمد فؤاد نجم في مقابلة لها مع فضائية الجزيرة أفاضت فيه في عرض ما جرى كشاهدة عَيان في تظاهرة تلكم الجمعة في ميدان التحرير . كانت تكرر أنها لا تصدّقُ أنَّ الجيش المصري يعتدي بالضرب على المتظاهرين في ذلك الميدان. هل يظن السيد حسين الطنطاوي ومجلسه العسكري وحكومة السيد أحمد شفيق أنهم جميعاً قادرون على إيقاف زخم إندفاعة وحركية الثورة في مصر ؟ هل أنهم قادرون على إطفاء جذوة ثورة مصر التي كانت كامنة لخمسة آلاف عام تحت الرماد في أعماق إهرامات مصر ؟ هل ستنتصر بهم عقيدة كامب ديفيد والإتفاقيات الأمنية والعسكرية مع أمريكا وإسرائيل التي كبّل السادات بها مصر وحافظ عليها كما هي خليفته من بعده السيد حسني مبارك؟ فلتتكلم الإهراماتُ ولينطق النيلُ وليسمع طنطاوي ومبارك وشفيق ! لتهدر مصر في ميدان التحرير في وسط القاهرة وفي ميادين كافة المدن المصرية كما كانت تفعل قبيل تنحّي مبارك عن الحكم وتسليمه لقادة الجيش الذين تعهدهم لثلاثة عقود ودرّبهم وأعدّهم ليومِ كريهةٍ وكانت قد حانت ساعتها فسلّمَ سلطته وسلطانه ثم أعلن تنحيه.

إضافة لا تخلو من طرافة : كتب جربوعٌ أعوج النشأة واللسان والخلقة والمسلك ... كتب بإسم زائف هو محمد جاسم ... كتب تعليقاً على إحدى مقالاتي حول الثورة المصرية المنشورة في بعض المواقع يلومني فيه ويشتطُّ مُشرِّقاً ـ مُغرِّباً فيما قال مدعياً أني استخدمتُ ألفاظاً وصفت بها حسني مبارك قد خدّشتْ مشاعره ( وهي كثيرة الرقة ! ) كأنه كان يعرب في تعليقه ذاك عن تضامنه مع مبارك . لا أقف طويلاً ولا أكشف هذا الأعوج المتقلب المتذبذب لأنه شكلاً ومضموناً لا يساوي خُفَّ بعير تائه في صحراء نجد . سوى سؤال واحد : ما علاقته بمبارك وما دواعي وقوفه معه والدفاع عنه ؟

ثانياً / ليبيا واليمن التعيس
الإعتصامات والتظاهرات والإحتجاجات مستمرة في كلا البلدين والدماء تسيل والقائدان يُصرّان على البقاء في السلطة والقتال دونها حتى آخر قطرة دم يجري في عروقهما رغم إصرار الكثرة الكاثرة من الشعبين على إسقاط النظامين ورحيل الزعيمين وهما عسكريان في الأصل وقد طال الأمدُ ببقائهما على رأس هرم السلطة في نظامي كلا البلدين اليمن وليبيا . حكم اليمنَ الأخ علي عبد الله صالح ثلاثة عقود والأخ القذافي لأكثر من أربعة عقود وما زالا حتى اليوم يتشبثان بالبقاء لآماد أخرى. ما أسباب هذا التشبث وكل هذا الإصرار على الإستئثار بالحكم المطلق أو شبه المطلق ؟ لا يساورني أدنى شك أنَّ أحد الأسباب الرئيسة هو خوفهم من كشف حساباتهم في البنوك الأجنبية وما يمتلكون من عقارات وأسهم وشركات واستثمارات هنا وهناك فسقوطهم يعني تجريدهم مما يتمتعون به من حصانات الرؤساء . لم يترك مدُّ الموجات البشرية الثائرة الصاخبة الكثير من الوقت أمام زين العابدين بن علي فتخلى عن السلطة والحكم وغادر تونس لتلاحقه فضائحه وعائلته المالية وما سرقوا وما هربوا من أموال الشعب التونسي . أما حسني مبارك فماطل وأكال الوعود وناور وكسب الوقت الكافي لإخفاء وإعادة [ نشر ] المليارات المسروقة بين مختلف البنوك ثم سلّم السلطة وسلطان الحكم لنخبة من رجاله الذين خرجوا من تحت إبطيه تباعاً لثلاثة عقود مقابل الحفاظ على شرفه وكرامته والسماح له أنْ يبقى في مصر وأنْ يموت فيها ويُدفنَ تحت ترابها .

يبدو أنَّ حسم النزاع بين السيد علي عبد صالح ومعارضيه ليس بالأمر الهيّن إذْ ما زالت تقف معه قبائل ومجموعات مدنية غير قليلة الشأن فضلاً عن الجيش اليمني. لكني قد أرى أنَّ الصراع في اليمن وإنْ طالَ سيظلُّ أقل دموية من نظيره في الجماهيرية الليبية. ليبيا مُرشّحة للكثير من جولات القتال المرير بين المعارضين الثائرين من جهة وجبهة الأخ القذافي ومسانديه من القوات العسكرية والكتائب الأمنية والقبائل وأعضاء اللجان الشعبية الموالية له والتي تقف معه حتى اليوم. أي أنَّ حمّاماتٍ وسيولاً من الدم ستجري في ميادين وشوارع المدن الليبية لشديد الأسف ودم الشعب الليبي حار سريع الغليان. لا المعارضة تنسحب أو تترددُ ولا القذافي يتراجع وينخذل. كلاهما مستعد للموت وبذل التضحيات لكنَّ الأمر المنطقي الواضح أنَّ وراءَ إستعداد المعارضة الليبية للموت هدفٌ سامٍ نبيل تهون دونه كافة التضحيات يقف العالم معها والقوانين والقرارات الدولية والحصار والإدانات وتجميد أموال القذافي وأفراد أسرته وأقرب المقربين منه . أما المعسكر الآخر فلا أرى فيه من أحد مستعد للموت إلاّ الأخ القذافي نفسه لأنه عسكريٌّ في نشأته وعزّته واعتزازه بنفسه وانتمائه للمؤسسة العسكرية ثمَّ إنه هو مَنْ أسس النظام الجماهيري الأول من نوعه في تأريخ ليبيا وما تفرع عنه من لجان ثورية ومؤسسات تنظم شؤون حياة الليبيين وتدير شكلاً من أشكال الدولة التي لا شبيه لها بين باقي الدول . ثم إنه هو المُنظِّرُ وصاحب الكتاب الأخضر وملك ملوك القارة الإفريقية . سيهرب ولده سيف الإسلام وسيستسلم للثائرين ولدُهُ الآخر نقيب الجيش خميس القذافي. كيف سيقضي القذافي أجله ؟ أراه سيقاتلُ ويموت مدافعاً عن خيمته في وسط معسكر باب العزيزية في العاصمة الليبية طرابلس كما قاتل وأستُشهدَ الرئيس الشيلي الراحل سلفادور اللندي مدافعاً عن قصره الرئاسي في العاصمة الشيلية سنتياكو مع الفارق الكبير أنَّ في ليبيا اليوم ثورة شعبية حقيقية بينما كان هناك في شيلي في شهر أيلول عام 1973 إنقلاب عسكري قاده جنرال فاشيٌّ دمويٌّ عميل لأمريكا هو بينوشيت.

يُقال للتأريخ حتمياتٌ تضربُ البشر كالقَدَرِ فهل كان حتماً على الأخ مُعمَّر بومنيار القذافي أنْ ينتهي بعد 42 عاماً من الحكم هذه النهاية المأساوية الدموية المفجعة؟ أما كانت هناك في الأفق الليبي بدائل أخرى شتّى تُجنّب الشعب كل هذه التضحيات وكل هذه الدماء وتحفظ للأخ القذافي حريته وكرامته وحياته ؟ كنتُ وسأظلُّ أتمنى أنْ يتوحدَّ الليبيون تحت زعامة تستلهم ثباتَها وشجاعَتَها ومُثُلَها ومبادءَها من قوة شخصية ورمز وشهادة البطل عمر المختار وهي موجودة لا ريبَ في أوساط هذا الشعب الأبيّ العريق المُجاهد بعربه وأمازيغيه وقد كتب الشاعر المصري أحمد شوقي راثياً عمر المختار في قصيدته المعروفة بالقول :

ركزوا رفاتَكَ في الرمالِ لواءَ
تستنهضُ الوادي صباحَ مساءَ

فمصر ـ الوادي ـ تستلهمُ النهوض من شهادة البطل عمر المختار وها قد نهضت مصر قبل ليبيا فردت الجميل للرمز والمثال وأوفت بما وعدت.

ثالثاً / البحرين وعُمان
أترك أمرَ الثورة في كل من مملكة البحرين وسلطنة عُمان لغيري من الكتّاب والمهتمين بشؤون الثورات في العالم العربي ممن لهم باعٌ طويلٌ واهتمامات خاصة بهذين البلدين وهم لا شكَّ أكثر مني قدرة على الخوض واستيفاء الشأن حقه المطلوب .
 

27/2/ 2011

 

 

free web counter