| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر

 

 

 

 

الأثنين 28 /5/ 2006

 

 

ليس دفاعا ً عن سعدي يوسف


عدنان الظاهر

نعم ، لستُ بالمدافع عن الأستاذ سعدي يوسف . إنه أقدر مني بالدفاع عن نفسه . لكن ْ يبقى في نفسي هاجسٌ أسميه حيناً [ هاجساً أخلاقيا ً ] وأسميه حينا ً آخر َ [ هاجساً سياسيا ً ] وأراه حيناً ثالثا ً [ هاجسا ً لوجه الحق ] . لا أزعم أني أعرف وعلى وجه الدقة أيا ً من هذه الهواجس هو الأقوى أو الأدنى للصدق ومصداقية القول . لكني إذ أفكر بها جميعاً وفي آن واحد أجدها من القوة والوضوح بحيث أراها مجتمعة ً أو في فعل ٍ جماعي موحد تفرض علي َّ نوعا ً من الإلتزام بضرورة وحق النطق بشئ ما حول موضوعة الأخ سعدي يوسف . لم أكنْ يوماً صديقا ً لأبي حيدر ولم ألتق ِ به في طول حياتي وعرضها إلا ثلاث أو أربع مرات ٍ . كان اللقاء الأخير أواخر شهر مايس عام 2002 في العاصمة السويدية ستوكهولم وقد حضرنا مدعوين للمشاركة في مهرجان أسبوع الثقافة العراقي . قلت له صباح أحد أيام هذا المهرجان وكنا في ساعة الفطور ... قلت ُ له رأيي بشعره وبشعر شعراء قصيدة النثر ــ وكنتُ صريحاً معه وفي غاية الوضوح ــ لكنَّ سعدي يوسف أثار دهشتي بل وإعجابي إذ ْ سكت الرجل ُ ولم يحتج ولم يعترضْ أو ينتفضْ . قبل َ نقدي القاسي بكل أدب وتواضع فأثار إعجابي . نشرت ُ بعد ذاك اللقاء مقالة ً كان عنوانها (( لأخي سعدي يوسف )) نشرتها في العديد من المواقع المعروفة ... ضمنتها مجمل ما قلته له في صبيحة وساعة إفطار أحد أيام مهرجان ستوكهولم ذاك . الغريب أن َّ الأخ شمعون صموئيل صاحب موقع "" كيكا "" إعتذر عن نشر هذه المقالة . أنا أعرف أن َّ علاقته بسعدي جد َّ وثيقة لم نلتق ِ بعد ذاك المهرجان ، لم نتراسلْ ، لم نتبادلْ التحيات والسلامات .
ثم حدث ما حدث من إحتلال للعراق في شهر نيسان من عام 2003 وكانت لسعدي يوسف مواقف ُ من هذا الإحتلال معروفة وواضحة لا لَبسَ فيها ولا غموض . تعرض الرجل جرّاها لهجومات قاسية وبعضها شديد القسوة كتبها ونشرها بعض أصدقائه وبعض رفاقه السابقين . من وجهة نظري الشديدة التواضع ، أحسب ُ أن الأخ سعدي يوسف قد إرتكب خطأين جسيمين هما :
أولا ً / خلط ما بين الإرهاب والمقاومة الوطنية ... أو إنه لم يوفق ْ إلى الفصل فيما بينهما وتلك مسألة تستلفت النظر . مسألة لغة ومنطق وتفقه في الأحداث الجارية على الساحة العراقية . فهل ــ تُرى ــ عجز سعدي يوسف عن القدرة على الفصل والتمييز ما بين الإرهاب والمقاومة ؟ هل خانته عيناه فعجز عن رؤية ما يجري أمام أعين الجميع ؟ هل خانه فكره البشري والإنساني ثم الشعري فلم يعدْ يرى فرقا ً بين الأسود والأبيض ؟ بين الشر والخير ؟ بين ما هو إرهاب مزدوج خارجي / داخلي ومقاومة وطنية لقوات تحتل وطنه العراق ؟ عزا بعض الإخوة هذا الأمر إلى تقدم سعدي في العمر ، وتكهن آخرون بأن الشاعر قد كبُر وإختلَ جزئيا ً عقله . موضوع تأثير أو أثر العمر على سعدي مردود . ذاك أن َّ في الحكومة العراقية الحالية من القمة حتى القاعدة ، ومن بين سفراء ومستشارين أعرفهم شخصياً ... ( ولا أتكلم عن أعضاء في مجلس النواب العراقي ) سادة ٌ هم في الواقع أكبر عمرا ً من سعدي يوسف . فإذا كان في رأس سعدي خلل ٌ (( كما يزعم البعض )) بسبب العمر فما عسى أن يكون موقفنا من رؤوس وعقول الذين يكبرونه سنا ً من بين حكام العراق اليوم ؟ إذاً علينا أن نبحث وأن نتقصى أسباب ودوافع سعدي يوسف في خلطه بين أمرين متناقضين سياسياً وخلقياً ووطنيا ً : الإرهاب والمقاومة .

ثانياً / خطأ سعدي { الأخف قليلا ً } الآخر هو في هجوماته غير المنصفة وغير المبررة والظالمة أحياناُ على نفر من أصدقائه ورفاقه السابقين . كان في وسع سعدي أن ينتقد مَن يريد ُ أن ينتقد بأساليب أخرى هو الأكثر خبرة وتجربة فيها . قضى سعدي جلَّ عمره في الشعر والكتابة والصحافة والتحرير فكسب تجربة لا تضاهيها تجربة في المناورات الكتابية والفكرية ومرونة الأخذ والرد . لا تعوزه لغة ٌ ولا منطق ٌ ولا حجة ولا ثقافة . كان الأفضل له ولمن قد هاجم أن يشير إليهم بالرمز أو الهمس أو اللمز الخفيف والثقيل متجنباً ذكر أسمائهم الصريحة المعروفة . هذا هو في نظري خطأ سعدي الثاني الكبير .
يقتضيني الحق أن أقول َ أن أغلب هؤلاء الأخوة الذين أصابتهم صليات إطلاقات مدافع سعدي إلتزموا جانب الحكمة والتعقل والصبر وسعة الصدر وتحملوا مصيبة أخرى إضافية من مصائب زمانهم ... فلم يردوا ... لم يسبوا سعدي يوسف ... حفظوا له حرمة العهود القديمة آملين أنْ سوف يعود سعدي يوماً إلى رشده وأن سوف يندم ولعله أن يعتذر . حدثني صديق عزيز من ضحايا إحدى نوبات سعدي التي تشبه العواصف أن َّ سعدي بعد التهجم المباشر عليه في أمسية ضمتهما معاً ندم فأتى إليه معتذرا ً مقبّلاً طالباً العفو منه !! هؤلاء هم أغلب ضحايا سعدي . حالت أخلاقهم العالية وتربيتهم السياسية دون الرد على سعدي بذات أساليبه بل ، زادوا فلم يردوا أبداً . هؤلاء هم أصدقاؤه ورفاقه السابقون ... فماذا عن الفئة الثانية من منتقدي سعدي والأشد ضرواة ً في الهجوم عليه حارقين الأخضر بسعر اليابس مضيعين الكثير من الحقائق حول سعدي . ما كانوا أقل إندفاعاً منه ولا أقل عدوانية منه بل وكانوا أشد قسوةً وشراسة ً منه بكثير . لم يتركوا جانباً وزاوية من حياته إلا نبشوها دون رحمة ... أضافوا وأنقصوا وحكموا لكنهم لم يحكموا بالعدل وبالقسطاس المستقيم . ما يثير الكثير من دهشتي وإستغرابي أن َّ الكثير من هؤلاء الأخوة لا يعرفون سعدي يوسف وما كانوا يوماً من معارفه أو من بين أصدقائه . هاجمه هؤلاء لا لأنه شتمهم أو أساء إليهم كما فعل مع أصدقائه ورفاقه الأسبقين ولكن ، بسبب خلطه بي الإرهاب والمقاومة !! أخطأ سعدي كما أخطأ مهاجموه من الفئة الثانية . أخطأ سعدي بحق أصدقائه ورفاق الماضي ... فهل أخطأوا بحقه وحق أنفسهم لأنهم صمتوا ولم يردوأ أو رد َّ البعض منهم ولكن متأخرا ً ؟
قرأت في أحد المواقع قبل بضعة أيام بعض أشعار سعدي يوسف نشرها أحد أعضاء الهيئة التنفيذية لمجلس الثقافة العراقي الجديد ، من باب التشهير بسعدي ... أشفقتُ واللهِ على حال هذا الرجل صاحب التشهير : لقد مدح سعدي يوسف وكان همه وعزمه أن يسيء إليه !! أحسن إليه من حيث أراد أو قصد الإساءة . لم أجد في هذه الأشعار ما ينتقص من قدر سعدي . ما رأيت فيها تنازلاً من الشاعر أو إستخذاء ً أو تذللا ً ل (( توني بلير )) رئيس الوزراء البريطاني . يا ناس ، إنْ حكمتم فأحكموا بالعدل وأنصفوا وحكموا ضمائركم ووجدانكم وإلا فسنضيع بين (( حانة ومانة )) ... والرحمة لعزيز علي صاحب المنولوجات المعروفة .

تعقيب لاحق عاجل
نشر أحد الأخوان أمس في موقع ( صوت العراق ) مقالة يقارن فيها بين سعدي يوسف والشاعر ( عزرا باوند ) .... أخطأ هذا الأخ أو إرتكب خطأ جسيماً لا أريد الخوض في تفصيلاته لكني أود التنبيه إلى نقطة واحدة لا غير . خدم عزرا باوند النظام الفاشي الإيطالي أيام موسوليني ، أي إنه خدم نظاماً فاشيا ً حاكماً معادياً للديمقراطية ثم لقوم ودين عزرا باوند نفسه. حالة ووضع سعدي يوسف اليوم مختلفتان كل الإختلاف . كان سعدي ــ ولم يزل ــ ضحية نظام صدام وحزب البعث الفاشي ، لم يخدمه ولم يهادنه وتحمل جرّاء ذلك ما تحمل أسوةً بباقي ضحايا صدام وحزبه . خدم ( عزرا) الفاشية وتواطأ معها ضد بني دينه وقومه اليهود . عادى سعدي نظام العراق السابق الفاشي . خان عزرا قومه ودينه لكن َّ سعدي لم يخن العراق لا ديناً ولا قومية ً . وما دمتُ تطرقت لموضوع الدين ... والشئ بالشئ يُذكر ... ردي على مّن يتهم سعدي بالطائفية : سعدي رجل شيوعي [[ أول أو آخر شيوعي ... لا أدري ]] ، رجل مادي ٌّ علماني ملحد لا شأن له بالأديان على وجه الإطلاق ... فكيف يكون طائفيا ً مّن لا دين َ له أصلا ً ؟! ذلك هو السؤال .
أود وأنتظر أن ينورني بعض الأخوة وأن يصححوا معلوماتي ومواقفي إنْ كنتُ قد أخطأتُ فيها كلاً أو بعضا ً ... وبذا أكون لهم جدَّ شاكراً صنيعهم .
قلت ما أعرف عن سعدي يوسف وعبرت عن وجهات نظري وعن بعض قناعاتي وقراءاتي لأحداث اليوم ... فربما أخطأت بوصلتي أو خانتني وسبحانَ مّن لا يُخطئ !!

 آواخر مايس 2007