| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

الثلاثاء 27/11/ 2007



صارم مضى ، شموس باقية ، حازم يأتي

عدنان الظاهر

قال صاحبي : أمس إنتهيتَ من قصة صارم المقلوب المغلوب على أمره في عمّان الملكية ، فمتى يأتي دور السيد حازم وما علاقته بالسيدة شموس ؟ يأتي دور حازم حينما تنتهي قصة صارم ولا أدري أيهما أقوى من وجهة نظر فقه اللغة العربية : الحازم أم الصارم ؟ لم يعلّق صاحبي لكأنَّ الأمر لا يعنيه بتاتاً . خرج من صمته وتساءل : ومتى تنتهي قصة صارم وأراها قد طالت وغدتْ كقصة البطل عنترة بن شدّاد العبسي ؟ صبرك يا متنبي ، صبرك يا صديق ، صبرتَ في مصرَ على ظلم وتعسف وجحود كافور الإخشيدي ولا تصبر على مصيبة صارم ؟ ليس عدلاً يا متنبي . أخرج علبة السجائر أو( السجاير ) الأجنبية من جيبه وباشر التدخين مع قهوة الصباح المرّة ، الشديدة المرارة . سأسمعك يا ضيفي مقتطفات من محاورات صارم وحبيبته شموس وربما أقرأ عليك مقاطع َ مما تبادلا من رسائل بعد أنْ إفترقا . قال هذا موضوع شيّق ومشوّق لأمثالي ، ولقد تبادلت أيام زمان فتوتي وشبابي الكثير من الرسائل مع بعض صويحباتي كما تعلم . أهوى أدب الرسائل يا صديق . قلت في سرّي : ومن ذا الذي لا يهوى أدب الرسائل ؟ إقترح َ الضيف الدائم لديَّ قبل أن أشرع بقراءة الحوارات الثنائية بين الحبيبين صارم وشموس ... إقترح أن يأكل مع القهوة المرة قطعة جبن أبيض ، جبن ماعيز يوناني أو قبرصي . إحتجّت ( شموس ) وقالت بنبرة عالية : بل جبنة إغريقية ومن جزيرة ( كريت ) تحديداً ! لماذا يا سيدة شموس ؟ سألها الشاعر ؟ لأنني أهوى هذه الجزيرة وطالما قضيت فيها وعلى سواحلها الرملية أحلى الأيام في حياتي . ثم أضافت ، لعلمكم ، يقال إنَّ في عروق أجدادي دماء يونانية . غابت ( لِمَ لا وهي في الأصل شمس ؟ ) وقد أنهت مطالعتها على عجل لكأنها تخشى أن يطول النقاش . لم تعطنا الفرصة لأخذ الإذن منها وهل تسمح لي بقراءة بعض رسائلها التي بعثت بها لصديقها الصارم المثلوم وقد أتاني بها فايروس سارق خطير لقاء عمولة ورشوة كبيرة . على أية حال ، سأقرأ عليك البعض منها ثم أحاول الحصول على موافقتها . قال أحسنتَ ، ضعها أمام أمر واقع وإعتذر ْ إنْ غضبتْ . لا تغضب مني يا متنبي ، ثقتها بي كبيرة خلافاً للكثير ممن عرفتُ من بنات جنسها من الشواعر والأديبات والكاتبات القاصات فإنهنَّ على درجة عالية من الحساسية بل وبعضهن َّ مصاب بتضخم العقدة النرجسية . قال معهنَّ حق ، إنهنَّ زينة الحياة الدنيا وبهجة الرجال والحور العين في جنان الخلد بعد الموت . سمعنا تصفيقاً حاداً عالياً يقترب منا ويبتعد يأتينا من وراء جُدر وحُجُب ثم ظهرت على شاشة تلفزيون كبيرة صورة ( شموس ) تصفق للمتنبي تقديراً لما قال بحق النساء . لم تتكلم شموس أبداً بل كانت تصفق وتهمس وترفع ذراعيها للأعلى فدُهشنا وأخذ منا العجب . دعوتها للمجئ إلينا ثانية لكنها سرعان ما إختفت مخلّفة وراءها ضباباً أبيضَ كثيفاً يلف جسدها كعروس ، وبعض حروف مخطوطة بلغة غريبة علينا لم نرَ لها مثيلاً من قبلُ . تنهدَّ المتنبي حسرةً على غياب شموس . هل وقع كصارم المثلوم في عمان في حبها ؟ كان المتنبي يوماً مثلوماً في فسطاط مصر تحت رحمة العبد الأسود كافور. هناك إذاً مشابهة فيما بينهما . مشاكل وعيوب البشر توحدهم وتربطهم بروابط قوية ف [ أخو الشديدةِ للشديدةِ مرهمُ ] . أكل المتنبي جبنة جزيرة كريت البيضاء إمتثالاً لأوامر شموس ودخّن ما دخّن ، تثاءبَ وتمطّى ثم طلب مني قراءة محاورات شموس مع صارم يومَ أنْ كانا في عمان . حيرني طلب ضيفي ، أأبدأ بقراءة الرسائل أم أبدأ بقراءة المحاورات الثنائية ؟ أحسَّ صاحبي بحيرتي ، كان يقرأ رأسي وما يدور فيه من أفكار وهواجس ووساوس . تعاطف معي وأنا في خضم حيرتي فخفف عني بقوله . إبدأ من حيث شئتَ ، إقرأ ما تشاء فستجدني إنْ شاءَ اللهُ من الصابرين الشاكرين ... ستجدني مصغياً لك كل الإصغاء . توكّل وتفضلْ . فكّرتُ ، فكّرت سريعاً ، من أين سأبدأ قراءاتي ؟ أطلَّ عليَّ من وراء الحُجُب إصبع شموس مع كتابة شديدة الوضوح تقول بلهجة آمرة : هنا إبدأ !! أشارت إلى مجموعة الرسائل المتبادلة بينها وصارمها المشرّد العليل . إذاً فالسيدة صاحبة الشموس مع الرسائل لا مع الحوارات. لم أشأ أن أسأل صاحبة إصبع السبّابة عن السبب . ربما ، ربما كنتُ أنا نفسي أميل إلى تفضيل الرسائل على المحاورات . الرسائل حقيقية يحفظها التأريخ والزمن لا يغير محتوياتها أبداً . إنها محفوظة لدى طرفي المراسلة كليهما فلا من سبيل للتحوير أو التغيير أو الحذف والإضافة . هكذا كنت أحاور نفسي ففاجأني صوت الشموس مرة ً أخرى يحمل لي ضوء عينيها وحرارة جسدها الحرّاقة [ والثلوج تحيط بي في هذه اللحظة ] يؤيدني في أفكاري وإستنتاجاتي ويحثني على الشروع أولاً بقراءة نصوص الرسائل . إبتهجتُ ، الحقَّ أقولُ ، إبتهجتُ لأنَّ مداخلتها الصوتية هذه إنما تعني موافقتها على كشف مراسلاتها للعالمين . شجاعة ، سيدة روائية مقدامة لا تخشى نفسها ولا تخاف الناس القريبين منها اليوم ، ولا البعيدين ... أولئك الذين تركتهم هناك غير آسفة على فراقهم بعد أن حاولوا عبثاً خنق صوتها المغرِّد وكسر جبروت الروح الإنساني المبدع فيها. أتاني الضوء الأخضر فشعرت بالغبطة وبقدر كبير من راحة الضمير مع وسواس صغير : ربما تعود فتغير رأيها فيما أعطت ثم قد تلوم !! حسمت ُالأمر، فضضت ُإحدى الرسائل وقرأتُ والمتنبي لا يكاد يصدِّق عينيه :
(( إلى صارم من شموس . تحية حارة .
عزيزي : تأخرت رسائلك هذا الأسبوع فتساءلتُ عمّا يؤخرها ؟ ظننتُ أنك كنتَ مشغولاً وإنتظرتها بفارغ الصبر . عزيزي : إذا كنتَ وحيداً هذا اليوم فأنا أيضاً وحيدة ولا علاقة لي بأي شخص وليست لي أية إرتباطات بأحد من العالمين . فلولا النت والكتابة لكانت حياتي فارغة ولا تساوي أي شئ خاصةً وأنا إمرأة محافظة أحب بيتي وأميل كثيراً إلى الإستقرار فيه . كما إني نظامية بشكل غير معقول وإني رغم ذلك لا أبدو ثقيلة أو مملة وأنت تعرفني جيداً . عزيزي صارم : أشكرك على سعة قلبك، فأنت لي حقاً قسيس كرسي الإعتراف رغم أني لا أعترف به وبدوره أبداً ولستُ بحاجة له . إذا إعترفتُ بأمر ٍ فإنما أعترف به لك ولنفسي ففيها قس خاص شديد الرهبنة مضبوط مثلي دقيق مثلي وعادل مثلي يقظ تماماً كضميري لا تأخذه في الحق لومة لائم . قاطعني وعلّق المتنبي قائلاً : بربك قلْ لي / أهذا قس أم شرطي أمن ؟ أغفلتُ تعليقه لكي لا أجرح مشاعر السيدة شموس التي لا أحدَ يتنبأ بإيما لحظة تفاجئنا بحضورها كالإشعاع أو الكهرباء وبسرعة الضوء لكأنها فوتون ضوئي فالت ٌ من بين أصابع آينشتاين . واصلت القراءة . صارمي العزيز : لمستُ بعض الغيرة في رسالتك السابقة من الشاعر أبي الطيّب المتنبي [ هزَّ أبو الطيب رأسه وداعب بأنامله جانب شاربه الأيسر وغمزني بأطراف عينه اليسرى ... طابت له غيرة صارم منه ] تماماً مثل غيرتي من الروائية ( دينا سليم ) . أنت تغار من ذاك وأنا أغار من هذه والنتيجة صفر ، كلانا واهم غارق في أخيلة بعيدة عن الواقع كل البعد . فالمتنبي رجل فارق دنيانا قبل أحد عشرَ قرناً [ هزَّ المتنبي رأسه عنيفاً محتجاً ومستنكراً خبر وفاته ] و السيدة دينا بعيدة عني كل البعد ، أنا هنا وهي في أستراليا تجاور حيوان القنغر وكلاب الدنكو وتأخذ حمامات شمسية غير مبالية بخطر الإصابة بسرطان الجلد المتفشي هناك . إنها تعشق الحرية والرمل وسواحل الأنهار والبحار فضلاً عن الشمس . قال المتنبي : لذا أطلقتْ على نفسها إسم شموس ... كأنَّ شمسا ً واحدة ً لا تكفيها ولا تشبع فيها غريزة التوق للضوء والدفء والوضوح والصدق والتعري للسماء تحت أشعة الشمس تطهيراً للبدن . رجوتُ صاحبي أن لا يقاطعني فالتوقف يرّشُ ماءً بارداً على حرارة نَفس القراءة ويطفئ فيَّ قوة الإستمراية ويعرقل سير عملية الشهيق والزفير فتبرد الرئتان ويصاب القلب بهبوط / هبطة القلب كما كانت جدتي تسمي الظاهرة . قال وصلتني رسالتك ... هيا واصلْ تغريدك وأنت مثلي في قفص من حديد ورئتاك سليمتان لأنك لحسن حظك لا تمارس التدخين . نعم ، هي تغار من ( دينا سليم ) وهو ، صارم ، يغار منك يا متنبي . قال ما كنتُ في حياتي أستلقي تحت الشموس على رمال البحار لا عارياً ولا شبه عار ٍ . كنتُ شاعراً حسبُ ، فعلام يغار مني هذا الصارم المثلوم ؟ أنا لست أنافسه لا على ( دينا ) ولا على ( شموس ) . أنا ما زلتُ منشغلاً حتى نخاع عظمي بالصبية ( حنان ) . جاءنا صوت شموس مدوياً مزمجراً مخيفاً مختصراً : يا خائن يا غادر يا جبان ... ثم إختفى الصوت !! تتهم المتنبي بالغدر والخيانة !! إنها تغار لا منه ولكنْ عليه . سبحان مبدّل المواقع والأحوال !! هل أكمل قراءة الرسالة أم ألوذ بالصمت يا متنبي ؟ قال واصلْ القراءة ، موضوع يجرنا لآخر كالتفاعل المتسلسل . قرأتُ : لمناسبة تساؤلك يا صارم عن مغزى وضرورة القبل والتقبيل بين الناس عموماً والعشاق خاصة ً وممارسة القبل الهوائية وقبل الإنترنت العابرة للقارات ... أود أن أقول لكَ ما يلي : إني بشكل عام لا أميل للكثير من القبل ، ففي بلادنا ظاهرة شائعة جداً يسمونها { مرض القبل }إذ تنتقل معها شتى المايكروبات المرضية . تنحنح المتنبي ثم قال : ولكنْ لا ينتقل مرض الأيدز ولا السرطان ولا السفلس مع القبل والتقبيل حتى لو أفرطت ( شموس ) في إتيانه . ظهرت شموس بقوامها الجبار على شاشة بعرض جدار حجرة الضيوف ، ترتدي بدلة سوداء باذخة في أذنيها قرطا ذهب خالص ( 24 قيراط ) وفي طرف ردائها وردة حمراء طرية قطفتها للتو من بين جبال أستراليا قريباً من شلالات المياه المتساقطة ... وسّعت جبهتها وعينيها على آخر ما تستطيع ... لاذت بالصمت ... حرّكت ذراعيها ترسمان علامة إحتجاج واضحة على تعليق المتنبي . لم تزدْ . إختفت بعد لحظات قصار هي والشاشة العملاقة . هل فهمتَ قصد شموس يا متنبي ؟ قال أجل ، لستُ أعمى وأنا مّن قال < أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي > . أحسنتَ يا متنبي ، لم يعجبها تعليقك . إنها تعرف كما تعرف أنت وأعرف أنا أنْ لا السرطان ولا الأيدز ينتقلان مع القبل أو بواسطتها . لا ينتقلان مع رضاب المحبين يا متنبي ولكن ، كانت تعني أمراضاً خفيفةً أخرى كظهور ثآليل فوق الشفتين أو حرقة في الحنجرة والبلعوم أو كأن تنتقل مسببات الأنفلونزا والبرد والسعال ثم متاعب أخرى إذا ما كانت أسنان أحد العاشقين تالفة أو متسوسة أو فيها خرّاج وجراحة أو ... قال كفى ، قد فهمت مقالتك . أكملْ القراءة بعيداً عن الأفواه واللثم والأمراض والأوبئة . إنتهت الرسالة ، قلتُ وما كنتُ صادقاً ، فما زال فيها الكثير من الكلام . أرهقني موضوع الأمراض والعلل والقبل وما قد يأتي مع أو بعد قبل المحبين . قال طيب ، وهل رد الصارم البائس على رسالة شموس ؟ أجل يا متنبي ، رسالة برسالة . إنه مثلها كثير الوفاء ومحب لأدب المراسلات . قال سنسمعك تنشد عليَّ رده على رسالتها خلال اللقاء القادم بيننا . سمعاً وطاعةً لمليك شعراء العرب والعربية .
إختفى فظهرت شموس تسألني أين ولّى صاحبك الكثير الفضول قاسي القسمات البدوي الذي لا يحسن معاملة إمرأة شاعرة مثله تكتب الرواية وتعشق الحرية وتقدّس الإنسان وتتعبد للإنسانية ؟ لا أدري ، لا أعرف أين إختفى صاحبي .


14.11.2007
 


 

free web counter