| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

                                                                                      الأثنين 25/7/ 2011



مختارات من الشعر الأمريكي *
( ترجمها الطبيب والشاعر السعودي شريف سعد بُقنة الشهراني )

عدنان الظاهر   

أعرف أنَّ الدكتور شريف الشهراني شاعرٌ واعد إكتشف طريقه ومنهجه الشعريين الخاصين مبكراً منذ أنْ كان ما زال طالباً في إحدى كليات الطب في المملكة العربية السعودية . وكم تمنيتُ في حينه ، ولم أزل ، أن يواصل مسيرته الشعرية وأنْ يصرَّ على ذلك بثبات وثقة وأنْ يحاول إنضاج تجاربه في الفن الشعري وأنْ يتخلص مما علق بأشعاره الأولى من شوائب وهنات لا يفلتُ منها أيُّ شاعر مبتدئ . سبق وأنْ نشر ديوانين شعريين كان الأول ـ في نظري ـ قفزة مغامر جريء لا حدَّ لجرأته وإصراره على التحدي وخوض تجربة الشعر كأنه قال فيهما للشعراء ونقاد الشعر : يا رجال ! ها أنذا أمامكم أرى نفسي شاعراً قادراً أنْ يتفوقَ عليكم أو في الأقل أنْ يضاهيكم في شعر غير مسبوق لم تألفوه .

وجدته ، وكنتُ شديد القسوة بالحق معه ، صبوراً مؤدّباً تقبل نقودي بخلق كريم وحمولة طبيب ما زال في طور الإعداد والدراسة . نعم ، كنتُ أريده أنْ يصمد لصدمة النقد وصرامة رجل مثلي قضّى جُلَّ عمره بحثاً وتدريساً في سبع جامعات شرقاً وغرباً ووسطاً . لم يثبت الشاب شريف فوجد حلاً للصدمة إذْ انصرف للشعر المكتوب باللغة الإنكليزية وشرع بصبر أيوب يترجم بعض ما شُهرَ منه [ وهو الشهراني ] وفتح أبواب مدونته الخاصة أمام هذا الشعر المترجم وكنت أتابع هذه المدونة فأعجبتني بشكل خاص ترجمته لقصيدة توماس إليوت { الأرض اليباب } ولم تكن بالطبع الترجمة الوحيدة لقصيدة إليوت إذْ سبقتها ترجمات عدة لعدد من الشعراء والمترجمين . أرسلت له ملاحظات حول الأماكن التي ذكرها الشاعر إليوت في قصيدته هذه في كل من مدينة ميونيخ ، حيث أقيم ، وبحيرة شتانبركرزي Starnbergersee في ضواحي ميونيخ .. وهي بحيرة هائلة ماؤها حلو تحيط بها من شمالها جبال الألب المُغطاة القمم بالثلوج شتاءً وصيفاً وتحتضنها غابات كثيفة عالية الشجر من باقي جهاتها الثلاث . إنقطعت أخبار شريف عني لفترة غير قصيرة حتى فاجأني بكتابه الثالث الموسوم ( مختارات من الشعر الأمريكي ) .

ملاحظات حول هذا الكتاب :

أولاً / لماذا وقع اختيار الشاعر المترجم على عدد محدود معيّن من قصائد شعراء أمريكان معروفين دون سواهم من شعراء اللغة الإنكليزية ؟ عدد هؤلاء 17 شاعراً لا غير بينهم ست شواعر أي أنه عدل بين الشعراء وأنصف الأنثى فخصها بأكثر من نصف العدد [ ست شواعر مقابل 11 شاعراً ] . أحسنتَ شريف وإعجاب بكمال تربيتك الشخصية والبيتية .

ثانياً / في خيارات شريف شيء من الغرابة ! ماذا أعني ؟ بعض الشواعر والشعراء هنَّ وهم ليسوا أسوياء من الناحيتين النفسية والعصبية . إنتحرت شاعرتان في عز الشباب ( آن ساكستون و سيلفيا بلاث ) . أما الشاعر ألن غينزبيرغ فقد حوكم بعد نشر كتابه " عُواء وقصائد أخرى " بأنَّ فيه [[ آراء صريحة حول قضايا الشذوذ الجنسي والمخدّرات والإنفتاح بلا قيود مع الجيل القادم من الشباب / الصفحة 93 ]] . ليس كل الأطباء متعاطفين مع مهزوزي النفوس وضعاف الأعصاب غير أنَّ شريفاً أديب وشاعر قبل أنْ يكونَ طبيباً لذا فمحتواه الإنساني أسبق وأكبر من إعداده وتخصصه الطبي . هذا هو تفسيري لظاهرة شريف .

ثالثاً / الشاعر ألن غينزبيرغ يهودي إشتراكي متمرد فكيف جمع السيد شريف بينه وبين الشاعر اليهودي ذي الميول النازية السابق عزرا باوند ؟ لعل شريفاً لا يعرف تأريخ عزرا باوند وإلاّ فحسب تقديري لما جمع النقيضين في كتابه هذا . ثم إنَّ شريفاً تناول ( من بين قصائد أخرى ) إحدى قصائد عزرا باوند الضعيفة ، أعني القصيدة التي ترجمها هذاعن الفرنسية لشاعر ياباني للإنكليزية فترجمها شريف بدوره للعربية ولا أحسبها واحدة من بين قصائد عزرا باوند الواسعة الإنتشار ( قصيدة لي بو الصفحات 44 , 45 , 46 ) .

رابعاً / أصاب شريف وأحسن في اختياره مِن بين مَن اختار كلاً من الشاعرين الشهيرين والت ويتمان وتوماس إليوت . مرةً ثانية يجمع شريف بين النقائض الصارخة فوالت ويتمان شاعر يساري وربما شيوعي في حين أنَّ المعروف عن توماس إليوت أنه يميني محافظ شديد العداء للأتحاد السوفيتي . ترجم شريف لتوماس إليوت قصيدة الرجال الجوف وكنتُ أتمنى أنْ لو نشر ترجمته لقصيدة الأرض اليباب سوية مع هذه أو منفصلة عنها ففي تلك حياة طويلة عريضة وفيها إبداعات أدارت عقول شعراء ونقاد العشرينيات من القرن الماضي .

خامساً / بيّنَ المترجم رأيه وحلل مناهج هؤلاء الشواعر والشعراء بجدارة وتناول باختصار خصائص إبداعاتهم ومدرسة كل منهم . اقتبس بعض ما قال وأترك الباقي للقارئ المهتم بالشعر المترجم الجيد . قال عن الشاعرة هيلدا دوليتل على الصفحة 47 ما يلي :

(( ... تُعتبر من أوائل شعراء الحركة التصويرية، وقد جاءت قصائدها لتعكسَ التأثر العميق بعزرا باوند . يتميّز أسلوبها بتقنية حداثية ( حداثوية ) تجمع بين اللاشخصي المحسوس الحديث والطقوس الكلاسيكية التقليدية . يرى البعضُ أنَّ أعمالها الأخيرة تميلُ إلى الإنفعالية وإلى شيء من التفكك ولكنْ تبقى في النهاية نصوصاً واسعة المضمون والرمزية . النصوص المُنتقاة بمثابة البكارة للتقنية التصويرية الشعرية في أوائل القرن العشرين والخروج من جلباب الرومنسية نحو المباشر المُقتضب واللامتوقع. نصوص متناسقة متموجة تنسكبُ منها قوة الطبيعة الخلاقة )) .

هيلدا دوليتل 1886 ـ 1961

كما قال في ألن غينزبيرغ على الصفحة 93 :

(( يتميز شعر غينزبيرغ بالإنفتاح والتجديد المدهش موضوعياً والتمسك بالتقاليد الفنية والأصول التي تعود إلى والت ويتمان ووليام بليك. أضف إلى ذلك تأثيرات خلفيته اليهودية واهتماماته بالزِنْ { ؟ } والتقاليد البوذية ))

ألن غينزبيرغ 1926 ـ 1997

وقال عن جون آشيري 1927 ـ

(( تميزت أعماله الشعرية والنقدية بالأصالة والإنطباعية الساحرة وحضور الأجواء الغامضة والمظلمة أحياناً . بعض النقاد يعتبرون تجربته بمثابة لوحات تجريدية مرسومة بالكلمات / الصفحة 118 )) .

سادساً / لِكَمْ أتمنى أنْ لو ثبّت شريف النصوص بلغتها الأصلية ووضعها بإزاء ترجماته ليطمئن قلب القارئ إلى سلامة الترجمات . من جهتي ليس لدي ريب في قدرات شريف على الترجمة من الإنكليزية إلى العربية ففيما ترجم دقة ومرونة وبلاغة ومعرفة بخصائص اللغة الإنكليزية .

سابعاً / لم أقم بتحليل ونقد القصائد المترجمة فليس ذلك مسؤوليتي وليس من بين واجباتي وأترك هذا الأمر لسواي من المختصين بالترجمة ونقد الشعر باللغة الإنكليزية . ما كتبتُ اليوم إنما هو تقديم وتعريف بكتاب الدكتور شريف سعد بُقنة الشهراني فإنَّ هذا الشاب المخلص الدؤوب المثابر يستحق كل اهتمام وإعجاب وتشجيع خاصة وإنه طبيب مختص وشاعر يحتفظ أمام بيته بنخلة سامقة واحدة اعتاد أيام كان ما زال طالب طب الوقوف جنبها بسروال قصير دفعاً للحر وتاثيرات الشمس . قدّمْ يا شريف لقرّائك والمعجبين بكَ نمادج من تمور نخلتك وعرّفهم على نوعية هذه التمور فربما هي نخلة برحية !

 

* مختارت من الشعر الأمريكي
إختارها وترجمها شريف الشهراني
. الطبعة الأولى 2011 . دار الغاوون للنشر والتوزيع . لبنان ، بيروت ، الحمرا

 

14/7/ 2011

 

free web counter