| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

                                                                                      الجمعة 24/6/ 2011



جمهوريات ملكية وملكيات دكتاتورية

عدنان الظاهر   

تناقضات غريبة بل وبعضها مضحك ـ مبكٍ يكاد المرء أنْ لا يجد لها مثيلاً في التأريخ المعاصر إلا في البلدان العربية فما تفسير هذه الظاهرة أو هذه الظواهر الكبيرة الشذوذ والإنحراف ؟

أولاً / جمهوريات ملكية وراثية

يرثها الإبن عن أبيه ولأنها في الأساس جمهوريات وراثية فإنها في صلب طبيعتها أنظمة حكم دكتاتورية استبدادية تسلطية لا يردعها رادع ولا يقف في وجهها شعبٌ أو برلمان محسوب كلية على النظام ولا يقيدها دستور ولا يخيفها رأي عام فلماذا ؟ أبدأ من البدايات . واضح للعيان أنَّ هذه الأنظمة هي أنظمة الحزب المتمكن والمسيطر الأوحد يرأسه فرد تحيط به عائلته الأقربون وأولاد العمومة والخؤولة ثم الأبعدون والموالون موالاة عمياء لهذا السبب أو ذاك . هذا هو نموذج ونظام الحزب الواحد والرئيس الأوحد الذي ترشحه هذه الظروف والإمتيازات وتحببها له وتعزز فيه نزعة التسلط والإستكبار والتفرّد بنظام الحكم وتوجيهه الوجهات التي تقتضيها مصالحه ومعتقداته والتزاماته العائلية أوالقبلية أو المعاهدات والإتفاقيات مع جهات خارجية. يشترك هؤلاء الرؤساء في طبع واحد هو ميلهم الطاغي للإستعانة بذويهم حصانة لهم وضماناً لبقائهم في دست الحكم لأطول فترة زمنية ممكنة حتى يزيحهم أجلهم أو يقضوا في إنقلاب عسكري . طبع آخر يوحد بين هذه الطغم الحاكمة ذو شقين متلازمين لا ينفصلان فهم يقتلون شعوبهم من جهة ويسرقون المليارات من الجهة الأخرى. لقد غدا واضحاً للعيان أنَّ من يظلم ويقتل شعبه يسرق هذا الشعب ولكي يواصل سرقته يُسرف في قهره وكبت حرياته ثم قتله . لا يقتل الحاكم إلا إذا سرق ولا يسرق حاكمٌ إلا إذا قتل فأية معادلة جهنمية متلازمة الأطراف وأية ميكانيكة [ آلية ] رّكبها الشيطانُ في رؤوس هذا النفر الشاذ من البشر : قتلة وحرامية لا شرف لهم ولا حياء .

لعل صدام حسين العراقي أوضح مثال لهذه الأنظمة المتجبرة والمستبدة والقاتلة . قفز للسلطة بإنقلاب مدني قاده عسكريون موالون للقصر الجمهوري أو كانوا من أركانه في السابع عشر من شهر تموز عام 1968 . أبرز هؤلاء هم إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف وسعدون غيدان . كان أحمد حسن البكر حينذاك ضابطاً محالاً على التقاعد وكان أحد مخططي وقادة ذاك الإنقلاب سوية مع صدام حسين . تخلص صدام من قريبه البكر بإجباره على التخلي عن منصبه رئيساً للجمهورية ثم فرض عليه الإقامة الجبرية بعيداً عن بغداد في مدينة تكريت حيث وافته المنية هناك بمؤامرة نفذها بحقه صدام حسين فقتله بالسم كما يُشاع وكما أشار البعثي القيادي الطبيب تحسين معلّة . خلا الجو لصدام بعد إزاحة البكر من رئاسة الجمهورية ثم رحيله الأبدي عن دنيانا فبدأت ميكانيكة الشيطان تفعل فعلها في رأس وطموحات صدام البونابرتية والمرتكزة على بعض وقائع الـتاريخ العربي الإسلامي فهو تارة خالد بن الوليد وأخرى صلاح الدين الأيوبي بل وأبعد من ذلك رأى نفسه مُشرِّع القوانين الأولى البابلي حمورابي . غدا قائداً للحزب والدولة بلا منازع بل وزيّن له جنون العظمة فيه أنْ يكون زعيم وقائد الأمة العربية فشعار حزبه هو [[ أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ]] . لذا أحاط نفسه بأخوته غير الأشقّاء وأبناء عمومته والأقربين من أقاربه حتى شبَّ وكبر ولداه عدي وقصي فأعدهما لخلافته على عرش إمبراطوية حزب البعث والعراق ثم الأمة العربية كما هو معروف . تفرد بالحكم المطلق فاعلن الحرب على الجارة إيران ثم غزا الكويت فأزفت ساعة زواله وزوال نظام حكمه . كان هذا النموذج السبّاق لباقي الحكام العرب في المشرق والمغرب . فحسني مبارك المصري أعد ولده جمال ليخلفه على عرش جمهورية مصر الملكية الوراثية فاستبد وطغى وقتل الشعب المصري واكتملت حلقات مسلسل الشيطان في رأسه إذْ ليس بعد قتل الشعب إلا الفصل الثاني المتمم : سرقة وتهريب المليارات ! لم يخجل هذا الشخص المخلوع والمتنحي من الكذب على شعبه وعلى باقي الناس حين أدّعى في كلمة له أذاعتها فضائية العربية وكنت أحد مشاهدي ذاك البرنامج الخاص به ... لم يخجل حين ادّعى انه لا يملك إلا حساباً واحداً في أحد البنوك المصرية في القاهرة ! سرّبت بعض البنوك والحكومات الأوربية أخبار ما يملك مبارك في بنوك أمريكا وأوربا من مليارات ما بين الدولار واليورو فضلاً عما تملك زوجه وولداه . إختلف مبارك عن باقي رؤوساء الجمهوريات الدكتاتورية الملكية في أنه لم يُحطْ نفسه بالأخوة وأبناء الأعمام والأخوال كنهج البقية الباقية من زملائه من الحكام الحرامية وقتلة شعوبهم . ما أسباب ذلك ؟ أفلم يكن له أخوة وأخوات وأعمام وأخوال وأبناء أعمام وأخوال ؟ إعتمد على أجهزة المخابرات والإستخبارات والشرطة والأمن المركزي وقوات الحرس الجمهوري وفرق الحراسات الخاصة فاستغنى عن ولاء وخدمات ذوي القربى رحماً ودماً واكتفى بما أعدَّ وما وفر لنفسه قاتلاً وسارقاً . وهب نفسه وكرّس مصر باكملها أرضاً وشعباً وجيشاً ونفطاً للمحافظة على بقاء وإدامة معاهدات كامب ديفيد واتفاقيات السلام مع إسرائيل ثم العلاقات المتينة مع حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وما أبرم معها من معاهدات أمنية وعسكرية والتزامات إقليمية وعالمية . هذه كانت عقدة ومحرّك حسني مبارك المركزية وهنا أسباب تشبثه للبقاء في السلطة وتلاعبه بالدستور لتجديد فترات رئاسته للجمهورية ولتوريث مصر من بعده لولده جمال . كانت أمريكا وإسرائيل وراءه في مساعيه تلك مما زاده تشبثاً وإصراراً على المضي في تنفيذ مخطط الشيطان في رأسه وفي كافة أفعاله . ربَّ سائل يعترض قائلاً ولماذا تخلت أمريكا عنه ونصحته بالتخلي عن السلطة ؟ سؤال وارد بالطبع لكنَّ الجواب ما أيسر منه : إحترق حسني مبارك وانتهت صلاحيته كأي بضاعة مطروحة في الأسواق فقد أتخم نفسه بالمليار ات المُهرَّبة هو وباقي أفراد عائلته فضلاً عن تجاوزه الثمانين من عمره وسعة إنتشار فضائح ولده البكر جمال وتكريسه لكل ما في الدولة من مال ورجال وموارد طبيعية والذين هم تحت قبة البرلمان وأعضاء مجلس الشورى والعديد من الوزراء وربما كبار ضباط الجيش ... كرّس الجميع لتزويق وجهه وتلميعه وتمهيد الطريق أمامه لتبوأ عرش كليوباترا بعد أبيه حتى لو بقي هذا حياً بين الموت والحياة . إنتهى حسني مبارك إذاً وبالغ ابنه جمال وتطرف وجاز الحدود المقبولة جميعاً ثم جاءت الطامّة الكبرى التي ما كان مبارك وآله يتوقعونها فثار شباب مصر في ميدان التحرير وسط القاهرة وأمر مبارك أجهزته الأمنية والبوليسية بإطلاق النار على المتظاهرين فسال الدم وكثرت الضحايا لتبلغ الثورةُ ذروة الإنفجار المحتوم والتحقت مصر شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وانتصرت الجماهير المسالمة على بوليس ومخابرات وقوات الأمن المركزي واتخذ الجيش المصري مواقف محايدة محسوبة بدقة فبانت الحقيقة أمام الإدارة الأمريكية قبل أنْ يراها حسني مبارك وأقطاب نظامه فبادرت بتقديم النصيحة له بالتخلي عن السلطة . كانت أمريكا تعرف دقائق ما كان يجري أفضل من حسني مبارك وكانت تتوقع له المصير الأسود فتخلت عنه عملةً فاسدة بارتْ وجثّةً أنتنها الفساد والسرقات وفقد العقل أكثر من نصف قدراته .

وماذا عن الرئيس الجمهوري الملكي الدكتاتوري الآخر الهارب المدعو زين العابدين بن علي ؟ حذا طوال حقبة حكمه حذو نهج صدام حسين فقرّب الأقارب والأصهار وذلَ أمام ليلى الطرابلسي لضعفٍ في أسِّ الرجولة فيه . إستبد وتحبّر وقتل الشعب وزوّر إرادته وبقي رئيساً جاثماً على صدره يحرّف ويغيّر بعض مواد الدستور ليبقى الرئيس الأوحد بلا منافس . لم يشذ هذا الرئيس الذي خان سيده بورقيبة عن سطوة وإغراءات قوانيين الجمهوريات الوراثية الدكتاتورية فهرب المليارات من أموال الشعب التونسي حين أوغل في ظلم وقتل شعبه وكلما أوغل وأسرف في القتل أسرف في تهريب الأموال العامة . طار إبن علي [ الطرابلسي ] أخيراً وكان أول من طار يتبعه العار والخزي والفضائح وعدد البنوك التي أودع فيها ما سرق وما سرقت زوجه وأهلها وأخوتها وأصهارها وذوو قرباها . وبأعتباره رجل شرطة سابقاً ووزيراً للداخلية فإنه معافى صحيح البدن لا يتمارض كصاحبه حسني مبارك فيحاكم غيابياً لا يجرؤ على دخول تونس التي أغرقها بالدم والسواد والهوان وسرق ما سرق ثم هرب جرذاً مرعوباً بفضل حماية الجيش التونسي الذي أمنَّ له طريق مغادرة تونس سالماً .

وماذا عن بقية الجمهوريات الوراثية الدكتاتورية الثلاث ؟ أصحابها اليوم بين مترنح تحت الضربات وآخر يقاوم سدىً وثالث ينجو من الموت حيّاً لكنه يبقى في بلده بحكم الميت ، مات كرئيس للجمهورية وحيل بينه وبين مطمحه لتجديد فترة رئاسته أو لتوريث ولدهِ نظامَ الحكم والحزبَ الحاكم وبرلمان الدولة الإمّعة .

في ليبيا نظام / لا نظام حكم غريب لم يعرفه ولم يألفه تاريخ الحكم في العالم المعاصر وإنْ وُجدت فيه بعض عناصر الزمن المشاعي البدائي فالأرض مشاع للجميع وكذلك الماء والغاب والحيوان . وفي الجماهيرية الليبية نظام مشابه فالبيت لساكنه والسيارة لسائقها والأرض لزارعها والسلاح والمال والسلطة جميعاً للشعب الليبي . بدأ الحكم في ليبيا مثالياً والأخ العقيد بسيطاً متواضعاً قريباً جداً من قلوب شعبه . لكنه تغيّر بمرِّ السنين نتيجة تراكم الثروات وبما أنجز من مشاريع عملاقة كالنهر العظيم وتدفق الإستثمارات الأجنبية وارتفاع مداخيل النفط والغاز واتساع نفوذه في شتى أصقاع العالم وخاصة في إفريقيا التي توجته أخيراً ملكَ الملوك . مع سعة نفوذه وتراكم الثروات الأسطورية صار يسجل هذه الأموال في البنوك الأجنبية باسمه وبعض منها ربما باسم ولده سيف الإسلام الذي كان يوماَ مسؤولَ ملفِ النفطِ قبل أنْ يتولاه شقيقه الأصغر منه . إتسع نفوذ الأخ القذافي إتساعاً يفوق التصور وتراكمت الثروات وتشعبت وتعقدت المسؤوليات فسلّم العقيد لأبنائه الخمسة وكريمته أكثر أعمدة الحكم ومرتكزاته خطورة على رأسها كتائب ولده النقيب الخميسي التي تضاهي فرق الحرس الجمهوري وسلم أجهزة الأمن والمخابرات لأقرب الناس إليه وأكثرهم ولاءً وفيهم بعض الأقارب.

اللعبة الخبيثة والأكثر خطورة إياها لا تتوقف حركةً وإغراءً ، لعبة إغواء الشيطان الذي يوسوس في رؤوس حكامنا وملوكنا يقتلون معارضيهم بعنف ويقمعونهم بوحشية ثم يكملون الوجه الثاني للدورة الحتمية بتهريب المليارات إلى خارج بلدانهم . قتل الشعب وتهريب ماله إلى البنوك الأجنبية .

الوضع في سوريا لا يختلف من حيث الجوهر ولا يشذُّ عن حتمية قوانين الجمهوريات الوراثية الدكتاتورية أبداً سوى أنَّ في سوريا حزباً قديماً إسمه حزب البعث العربي الإشتراكي . إغتصب حافظ الأسد السلطة بإسم هذا الحزب وبإنقلاب عسكري كما فعل قبله بن علي والقذافي . جاء الحكمَ بن علي ولا حزب له لكنه ركب الموجة وتزعم حزباً وأمتطاه حتى آخر ساعة من وجوده في تونس. وكذلك الأخ القذافي تزعم ليبيا وما كان له حزب لكنه أسس بعد حين حزباً أسماه اللجان الثورية يختلفُ في تركيبه وتنظيماته عما ألفنا من أحزاب ولكن يبقى واجبه الأساسي والرئيس دعم الزعيم وصيانة نظام الحكم ودرء المخاطر عنه بالسلاح والمال والمعلومات . أعود لسوريا : لم يوصِ الراحل حافظ الأسد لأبنه الأكبر الذي قُتل في حادث سيارة ولا إلى ولده الآخر بشار . لم يوصِ لكنه قال إنه يترك الأمر لقيادة حزب البعث ولمجلس الأمة والشعب السوري فحسم البرلمانُ الأمر وغيّر مادة في الدستور تتعلق بالعمر لتمكين الولد بشار من تولي مهمات رئاسة الجمهورية . بشار إذاً وريث غير موصى به لكنه يبقى وريثاً على أية حال والنجلُ بعضُ مَنْ نَجَله كما قال المتنبي صديقُ حلب . كان الأسد الأب ذكياً ودبلوماسياً محنّكاً وكان على ثقة تامة أنَّ الأمور بعده ستؤول إلى ورثته فلماذ يوصي فيخسر نزاهته الشخصية ويتخلى عن عفّته السياسية ويفقد بريق سمعته وما تحلى به من كاريزما عربية ودولية ؟ كان يعرف أهواء وأعصاب رجاله وقيادات حزبه ومبلغ ولائهم له لذا رحل مطمئناً أنَّ الحكم باقٍ في صلبه وفي عائلته وحزبه . لم يشذَّ بشار عن قواعد لعبة الشيطان الأكبر فسلم قوات الحرس الجمهوري لأخيه ماهر الأسد وأجهزة الأمن والمخابرات لأقربائه كما عهد لإبن خاله رامي مخلوف إدارة الإمبراطوية المالية لآل أسد . لقد كشف النظام الحاكم في سورية أبشع وجه للإستبداد والتعالي على الشعب وكشّر عن أنياب الأفاعي السامة فأوغل في سفك دماء معارضيه وزجَّ بالجيش وطائراته ومدفعيته ودباباته وعصابات بلطجية شبيحة حزب البعث فسقط عشرات المئات بين قتيل ومفقود وهرب أكثر من عشرة آلاف سوري وسورية فيهم الكثير من الأطفال ... فرّوا بجلودهم إلى بلدان الجوار ولا سيّما تركيا التي وفّرت لهم الحماية والأمن والسكن والطعام والدواء . هذا هو الوجه الحقيقي للجمهوريات الوراثية الدكتاتورية ولا وجهَ آخرَ سواه .

هل يشذ عنهم ثالثهم الباسطُ ذراعيه في باب المندب علي عبد الله صالح ؟ لعل هذا [ اليمني بالعراقي ] أسوأ الجميع . هو أقلهم ثقافة وأكثرهم تخلّفاً وظمأ للسلطة والتسلط وما تدرُّ عليه هذه السلطة وعلى آله من مليارات هرّبها إلى البنوك الأجنبية . قتلُ الشعبِ وتهريبُ الأموال ! بالغ هذا اليمني أكثر من باقي زملائه في إناطة المسؤوليات الأكثر خطورة بأخوته وأولاده وأبناء أخوته وأبناء الأعمام نزولاً حتى الجار الأقرب والزميل السابق في مدرسة أو في القوات المسلحة اليمنية . قوات الحرس الجمهوري تحت قيادة ولده العقيد أحمد وقيادة سلاح الطيران لأحد أخوته غير الأشقّاء والأمن المركزي لإبن عمه أو إبن أخية وقيادة الحرس الخاص لإبن أخيه وقيادة الفرقة الفلانية لأخ له غير شقيق وهكذا حتى نهاية المهزلة .جاء هذا الرجل كذلك بإنقلاب عسكري وما كان تحت تصرفه حزب سياسي لكنه لم يتخلف عن بن علي وحسني مبارك فألفَّ حزباً ركبه كيفما يشاء يدير عمليات الإنتخابات ويزوّر ويطبّل ويزمّر له ولنظام حكمه فصعد نمروداً آخرَ متسلطاً متفرعناً حكم اليمن لأكثر من ثلاثين سنة واعدَّ ولده العقيد أحمد لوراثة عرش بلقيس ومملكة سبأ !

ما خطب العرب يبتدعون أنظمة للحكم ما سبقهم إليها أحدٌ من العالمين ؟ رب معترض يقول أجل ، سبقتهم تجارب قديمة في أنظمة الخلافة الأموية والعباسية وفي هذا القول بعض الصحة فقد كان الخلفاء في أغلبهم ملوكاً يبطشون ويقتلون ويسلبون بيوت مال المسلمين حتى ضعفوا وتفككت إمبراطورياتهم وصاروا تابعين للترك ينصبّون البعض منهم خلفاء على المسلمين ويعزلون ويقتلون البعض الآخر .

ثانياً / ملكيات دكتاتورية غير دستورية

الآن ماذا في أنظمة الحكم الملكية العربية المعاصرة ؟ إنها لا تقل غرابة وشذوذاً عن أنظمة الحكم الجمهورية الوراثية الدكتاتورية . لم تأت الحكمَ بانقلابات عسكرية لكنَّ الإستعمارين الإنكليزي والفرنسي نصّبهم ملوكاً على العرب بعد الحرب العالمية الأولى . إستوردهم الإستعمار من بلدان عربية أخرى فهم أجانب على الأرض الجديدة مهما طال الزمن . فالجاسوس البريطاني فيلبي ثم الجاسوس الآخر لورنس العرب والمسز بل نصبوا فيصل الأول وأخاه عبد الله ملكين على العراق وشرق الأردن [ المملكة الأردنية الهاشمية كما تُسمّى اليوم ] . أزال العراقيون الحكم الهاشمي من العراق في ثورة تموز 1958 لكنَّ الفرع الآخر منه، الأردني بقي صامداً تداوله الملك حسين بعد خلع أبيه طلال ( كما فعل بأبيه بعده أمير قطر الحالي ) ثم أورثه لأبنه عبد الله في لعبة خيانية نفّذها بحق أخيه الحسن بن طلال المُرشّح أصلاً لخلافته على العرش الهاشمي . أما في المغرب فليس لديَّ معلومات دقيقة عن التركيبة الملكية هناك سوى أنَّ أفراد العائلة المالكة هم من سليلي حكام المغرب الأدارسة الذين هربوا من بطش خليفة بغداد العباسي هرون الرشيد كما يذكر التأريخ . عاصرتُ الملك محمد الخامس الذي زار العراق بعد ثورة تموز 1958 ثم جاء بعده ولده الحسن ( قيل في حينه أنه قتل أباه بالسم ! ) وورث العرش بعده ولده عبد الله . أما ملوك آل سعود فقصتهم غير قصة غيرهم من الملوك إذْ ما كانوا أصلاً من الملوك بل شيوخ قبائل طردوا بمساعدة أمريكا أو بريطانيا العائلة الهاشمية من الحجاز ثم غزوا بلاد نجد فغدا عبد العزيز بن سعود أول ملك على الجزيرة العربية التي قلب اسمها لتصبح المملكة العربية السعودية وعبد الله اليوم آخر ملوكهم وما زال على قيد الحياة وهو أحد أبناء عبد العزيز .

ما العيب في الملكيات العربية ؟ ملوكنا لا يشبهون ملوك الدول التي نصبّتهم ملوكاً على رقابنا فهم مصونون غير مسؤولين يحكمون ولا يُحاسبون يتناسلون الملك والممالك وراثة ويشذون أحياناً لأسباب متفاوتة قاهرة . ملوك من غير نظام دستوري يعينون الحكومات ويقيلونها وأعطوا أنفسهم حق حل المجالس النيابية إذا كانت موجودة وحق تعيين وإعفاء رؤوساء الوزارات ووزرائهم ويعطلون ويغيرون دساتيرهم إنْ كان لها ثمّة من وجود . إنهم أرباب أو كالأرباب كلمتهم تعلو ولا يُعلى عليها وقرارهم هو القرار الفصل وإرادتهم هي الفيصل القاطع والقطعي. لو حاول أحدنا إجراء مقارنة عجلى بين هؤلاء الملوك وبين أي ملك ( أو ملكة ) آخر إنكليزي مثلاً أو هولندي أو سويدي أو بلجيكي لرأى العجب العجاب ! ما سبب هذه الفروق وكل هذا الشذوذ الذي يمتاز به ملوك العرب وأنظمة الحكم التي يقودونها ؟ هل العيب في طبيعة وخلقة وجبلّة هؤلاء الملوك وعطب أو إعوجاج في جيناتهم المتوارثة أم في أصل ونشأة وطبيعة الشعوب التي يحكمونها أم العاملان كلاهما ؟ ملوكنا غير ملوك العالم الآخرين ورؤوساء جمهورياتنا ليسوا كباقي رؤوساء الجمهوريات فما خطبنا وما سر شذوذنا في طرق وأساليب الحكم في عالمنا العربي ؟ ملكيات دكتاتورية غير دستورية وجمهوريات وراثية مستبدة ظالمة كأبشع أنواع الدكتاتوريات فإلى أين نتجه ولمن نتوجه وكيف الخلاص وهل من سبيل أصلاً للخلاص ؟ سبيل الخلاص من دكتاتوريات الجمهوريات المتوارثة بان وانتصر أخيراً في ثورات شباب الشعوب العربية في كل من تونس ومصر والأمل قوي في إنتصار الشعوب في ثوراتهم المباركة على أنظمة الحكم المستبدة الثلاثة الباقية وهي بين مترنح فقد الصواب والتوازن والكثير من أراضي بلده ورجاله لصالح الثورة والثوار وآخر طاش وجُنَّ فزج في الساحات المنتفضة الثائرة باغلب ما في حوزته من أسلحة وعساكر وفرق وتنظيمات سرية وعلنية موالية فلم يثنِ ولم يكسر عنفوان الثورة وإرادة الثائرين ومثالا سورية واليمن أذهلا العالم فانحاز لكليهما بهذه الدرجة أو بتلك على صعيدي الشعوب والحكومات .

 

22/6/ 2011

 

 

free web counter