| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

الثلاثاء 23/9/ 2008



الزمن والسوسن والياسمين
( فلسفة الزمن والضوء واللون )

عدنان الظاهر 

لا مِن لونٍ بدون ضوء ! تلكم بديهة لا جدلَ فيها أو حولها ففي الظلمة لا يميز البشرُ بين الخيط الأبيض والخيط الأسود بل ولا يرى الخيطَ أصلاً !
وما علاقة الضوء بالزمن ؟ لا من علاقة فيما بينهما فالضوء أو فوتونات الضوء لا يؤئر الزمن فيها ، لا يؤخر ولا يقدِّم سرعتها الثابتة ، أي إنها مستقلة أو متحررة من سلطان الزمن < ليتني كنتُ فوتونا ً ضوئياً ... ليتني > والضوءُ يخترقُ الفراغ َ فيصلنا بناءً على ذلك ضوءُ الشمس قادماً إلى أرضنا قاطعاً مئاتِ آلاف الأميال من الفراغ المطلق حيث لا هواء ولا من وسيلة أخرى فيها أثر للمادة الضرورية لإيصالِ الصوتِ أو الكهرباء على سبيل المثال . الضوءُ كاملُ الإستقلال والسيادة على نفسه فهو كالزمن سيدُ عالي المقام والرتبة في عالم الظواهر الكونية في الطبيعة. إذاً ، وهذا هو بيت القصيد ، لا يرى الإنسانُ لونَ السوسن ولا بياض الياسمين إلا بوجود الضوء فهو الأصل وله الفضل في إدراكنا للأطياف اللونية المختلفة . إختلف الفلاسفة الأقدمون في تفسير ظاهرة اللون فقال فريق منهم ـ وهو القول الحق ـ إنها ظاهرة طبيعية موضوعية لا علاقة لعين الإنسان بها إلا القدرة على تحسسها وإلتقاطها بوجود الضوء ... أي أنَّ اللونَ موجودٌ في المادة ذاتها . وزعم الفريق الثاني إنها ظاهرة ذاتية تختص بقدرة العين البشرية وغير البشرية على تشخيص وتمييز هذا اللون عن غيره من الألوان ( وهذا كلام باطل وسخيف ) تفسيره أنَّ ما تراه العينُ أحمرَ أو أخضرَ علتة وتفسيرهُ في العين وليس في المادة المطروحة أمامها مستقلة ًعنها . اللونُ يبقى ثابتاً ( إلا إذا حالَ وتبدل بفعل ظروف مفروضة ٍ عليه كتأثير أشعة ِ الشمس ِ أو الرطوبة وغيرها من العوامل ) والزمنُ يتحرّكُ ويمضي. لون معدن الذهب لا يتغير مهما كانت الظروف والأحوال المحيطة به ، لا الحرارة تبدلهُ ولا الرطوبة ولا ملحُ مياه البحار . كذلك ألوان غالبية بقية المعادن ومركباتها في الصخور والتراب وتحت الأرض فهي هناك منذ العصور الأولى لتكوِّن الأرض وإنفصالها عن كوكب أو كواكبَ أخرَ من مجرّتها أو مجرات أُخرَ . فهذه المعادن موجودة وألوانها بقيت فيها قبل أنْ تعرفَ الأرضُ الإنسانَ بملايين ملايين السنين فأين دور العين في ظاهرة الألوان ؟ ثم إنها موجودة في الطيف الشمسي الذي يبدو عديم اللون إلا إذا تكسَّر على قطيرات المطر أو مرَّ خلال موشور زجاجي أو خلال ماسَةٍ حيث تشعُّ فيها أجملُ الألوان الطبيعية بفضل وجود بعض الشوائب في تركيب بلوراتها . في عَجَلة نيوتن سبعة ألوان هي مكونات طيف الشمس، إذا ما دارت هذه العجلة بسرعة حول نفسها إندمجت هذه الألوان مع بعضها متحولة ً إلى اللون الأبيض الذي هو ليس بلون . اللون أزليٌّ كالزمن والضوء وهو سابق على الإنسان وعين الإنسان وباقي الكائنات الحية التي قد تختلف مع الإنسان في كيفية رؤيتها وإدراكها للألوان ... فما نراه أخضرَ قد يراه الحصانُ مثلا ً أسودَ أو أحمرَ أو أيَّ لون آخرَ لا يخطرُ على بال البشر . أعود لفلسفة الورود ووردتي السوسن والياسمين
وهما كوكبان يدوران في فلك حياتي خارجَ سلطان الزمن . إذا كان اللونُ الأصلُ فيهما أزليا ً فإنهما يذبلان مع مرور الزمن فيجفان كما يجف جسد الإنسانُ الميّت . هنا يتغير اللون ثم يختفي بسبب محدودية عمر أوراق الوردة الحاملة للون وعمر النبتة الأم فهي كائن حي وكل كائن حي إلى زوال . هل السوسنة ُ الملوَّنة ُ الشقراءُ الجميلة والياسمينة الساحرةُ العينين والشمّاءُ الأنف والمقوَّسة ُ الحاجبين ... هل هما خالدتان إلى الأبد أم متغيرتان حسب حكم الزمن ؟ هما هذا وذاك معاً . خالدتان ـ متغيرتان . خالدتان بما تنجزان من إبداعات فنية وكتابية فالإبداعُ خالدٌ يخلِّدُ صاحبه معه ، ومتغيرتان لأنَّ الكائنَ الحيَّ غيرُ مُخلَّدٍ أبداً ، له عمرٌ أو أجلٌ محدود. كيف جمع الزمنُ والضوءُ هاتين الظاهرتين المخلوقتين من فكر خلاّق مُبدع وجسد ٍ فان ٍ مهما طال به العمر ؟ يا سوسنتني الجرمانية ويا ياسمينتي الشمال ـ إفريقية لكما الدوام والخلود وثبات اللون وباقي الصفات والسمات البشرية . هل خلودكما في إبداعاتكما أم في سحر ِ عينيكما فخلودُهُ في نفوس وقلوب البشر رائين للفن وقارئين للكتاب . هل سحرُ العيون مِن وفي الضوء أو إنه ُ جزءٌ من الزمن ؟ الضوء يسحرُ والزمنُ يخدِّرُ حواسَّ بني البشر فاين المفرُ يا بشرُ ؟ . سألتني الفيلسوفة ُ وعالمةُ النفس : ماذا قصدتَ بقولكِ إنَّ الزمنَ يخدِّرُ البشرَ ؟ أجلْ يا روح َ الزمن وكاسرة َ الضوءِ في موشوراتِ وماساتِ عينيكِ وقاهرَتهُ سجنا ً وتعطيلا ً بفعل ما فيهما من سحر ... الزمن مخدّرٌ فائق القوة جبّارُ الفعل وفعلُ هذا المخدر قتال حدَّ الموت وقبض ِ أرواح ِ البشر !! فيه نولدُ وفيه نموتُ . فيه نؤرِّخُ ساعة َ مولدنا وفيه تُكتبُ ساعة َ وفاتنا وإنتقالنا إلى عالمٍ آخرَ من تراب ٍ لا من ضوء فيه ولا من حركة ٍ للزمن . لا يتحركُ الموتى ولا يتنفسون ولا يتكاثرون بالتناسل . لاحظتُ صاحبة َ إزميلِ ( فيدياسَ ) تهزُّ رأسها بحزن ٍ وأسى قائلة ً : [ ألهاكمُ التكاثرُ حتى زرتمُ المقابرَ ] ... أحسنتِ أحسنتِ يا ربّةَ َ الحجر ِ والخشب والمعدن ... أحسنتِ لا فُضَّ فوك الذي يُنطقُ الجامدَ ويحيي المواتَ من الأشياء المادية ويُضفي عليها الكثير من جمال وجهك ومن كستناءِ شعر ِ رأسك وخضرة ِ زمرّد عينيك ِ . هل قوة السحر في عينيكِ تقلبُ الأحجارَ والمعادنَ وتحوِّلها إلى كائنات ٍ حية ٍ تتمشى فيها الروحُ وتتحرك الألسنُ فيها فتثيرُ أعجبَ العجب ؟ قالت بل أنفخُ فيها شيئا ً من روحي كما نفخ الربُّ شيئاً من روحه في مريمَ العذراء فجاء عيسى المسيحُ معجزة ً يكلم ُ الناسَ في المهدِ صبيا ً ووجيها ً في الدنيا والآخرة [ كيف يكونُ الطفلُ صبيا ً ويبقى مضطجعا ً في مهد الرضاعة وبواكير الطفولة ؟ ] . يا ربّة َ الحجر ِ والطير ِ والمعدن : ناشدتك بحقي عليكِ وحق زميلتك في الإبداع هذه الجالسة معنا على إحدى شُرفات الزمن الحاضر ، ناشدتك أنْ تنفخي شيئا ً من بعض روحك ِ في أنفي أو أذني [ أو في أي مكان لائق آخر ] لعلي أغدو كإبن مريمَ معجزة ً بين الناس فأفصحُ عما في صدري من هموم وهواجسَ قديمة وطارئة أو أنْ أتحوّلَ حجراً صنما ً تمثالا ً متحركا ً ناطقا ً أتفلسف ُ بالضوء وبالزمن والحباة والموت والقيامة والنفير والحشر ِ بعد الموت . قالت لا تفعلُ روحي ولا تؤثر ُّ إلا في الجمادات وأنت قد ولدتك أمّكَ إنساناً لا جماداً فتباً لك من مولودٍ منحوس ٍ عاق ومشاكس كأنك وُلدتَ في ليلة مطيرة شديدة البرودة عاصفة الريح . إي والله يا خاتونة َ المجالس وأندية ومحافل الإبداع ... ولدتني المرحومة ُ في ليلة كالتي وصفتيها للتو . لا فُض َّ فوكِ ويا له من فم أرجواني اللون والطبيعة والتاثير . تململت ربَة ُُ القلم والعلم والبيان وسحر ِ العيون الذي لا يتكلمُ لكنه يُخدّرُ كالزمن ثم يقتل ... تململت لتسألني : ولماذا أمطرت السماءُ في ساعة ميلادك ؟ أمطرت ماءً يا سيدة َ القارّة ومخترقة َ الصدور والقلوب بسحر عينيك وقاتلة ظباء البربر والبراري وغزلان الفلوات ... أمطرت السماءُ ماءً ساعة مولدي لأنها أمطرت دماً ساعةَ مقتلِ أحدِ ساداتنا قبل أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان !! علقت ربة ُ التماثيل قائلة ً إنها لوحة ٌ سوريالية ثقيل ٌ وقعها على مسمعي . لوحة ٌ مأساوية أعجز عن رسمها لوحة ً فنية ً أثبتها بالألوان الزيتية أو المائية على قطعة قماش أو ورق أو على جدار . كما يصعبُ حفرها على خشب أو معدن أو حجر . ماءٌ يسقط في مولد طفل ودمٌ يتساقط في مقتل رجل ؟ قلت على الفور وهذا سبب نحسي وحزني الذي لا يفارقني وسبب نبوءة والدتي أني سأكون شقياً في دنياي معذبا ً لا وجيهاً كالمسيح . غبتُ عن ضيفتي َّ العزيزتين لأتساءل بصمتٍ مع نفسي : كيف تمطرُ السماءُ دما ً ؟ من أين تاتيها الدماءُ ؟ أتاني الجواب أسرعَ من الضوء الذي لا من سرعة أخرى تتفوق عليه ... أتاني الجواب من شق صغير في السماء السابعة بشكل حروف ضوئية ملونة مكتوبة على شاشة كومبيوتر جبارة يقرأها حتى الأعمى ... أتاني الجواب قائلا ً : هذه هي دماءُ جدّكم إسماعيلَ الذي ذبحه أبوه إبراهيمَ فخيَّل َ إليه ـ لفرط ما أقدمَ عليه من جريمة نكراءَ ـ أو تراءى له أنه ينحر ُ كبشاً بعثه له ربه من السماء فصدّق ما تراءى له مخادعاً نفسه فجريمته لا تُصدّق .

 

09.09.2008

free web counter