د. عدنان الظاهر
الأربعاء 20/9/ 2006
كاترين ميخائيل وهيام حنّا
د. عدنان الظاهرتابعتُ ولم أزل أتابع ما يكتب عن السيدة كاترين ميخائيل ، وقرأت نص إفادتها أمام محكمة الجنايات العليا في بغداد ، فأكبرت هذه السيدة العراقية المقدامة وأكبرت فيها روح المقاومة وتحدي نظام القتلة الفاشيست... نظام صدام حسين وحزب البعث السابق . رأيت فيها وجه إبنتي ( قرطبة ) وما تحملّت مع أبويها من ظلم وعَنَت داخل العراق حتى صيف عام 1978 ... ثم ما تلا ذلك من سنوات التغّرب والضرب في آفاق الدنيا من أجل ضمان ملاذٍ آمن لها ولباقي أفراد أسرتها . أرى في كاترين صورة إبنتي التي ما كانت إلاّ لتسير إثرَ خطاها خطوةً خطوةً تاركةً بيتها لتخوض غُمارَ حياة جديدة فيها كل الإستعداد للموت في ساحات مقاتلة العدو سواءً في جبال كردستان أو في سواها . أجلْ ، تقاتل العدو وتموت ميتةً غريبة على أديم أرض أخرى وتحت سماء أخرى لا من يكفّنها ولا يد أبيها توسدها لحدها .
تُستَشهد هناك ولا تسلّم نفسها لوحوش رجال أمن ومخابرات صدام وحزبه الدموي الفاشي .
ما أروعك يا إنسان وما أروعك يا إمرأة من كبرياء وشموخ وعلوّ همة ونقاء معدن . تسترخصين حياتك حتى وإنْ إفترستها ضواري الغاب والجبل ولا تستسلمين لوحوش البشر أو أشباه البشر من أمثال صدام حسين ورهطه .
أتكلم معك وعنك أيتها السيدة كاترين ميخائيل وقد علمت إنك أكملت جامعة الموصل أواخر ستينيات القرن الماضي ، أي زمن أول تعييني مدرساً في قسم الكيمياء في كلية العلوم ، جامعة بغداد . كتب عنك أحد زملائك الذين عاصروا تلكم الحقبة من دراستك الجامعية فأشاد بمواقفك الشجاعة في وجه البعث والبعثيين.... الأمر الذي وضع أمامي صور بعض طالباتي في كلية العلوم أواسط سبعينيات القرن الماضي حتى شهر نيسان عام 1978 ، وهو تأريخ إبعادي مع ستة وسبعين أستاذاً من الجامعات العراقية ، حيث تمَّ نقلنا إلى وظائف لا علاقةَ لها بالبحث العلمي أو التعليم الجامعي . بعضنا أُحيل على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية للتقاعد. {{ كتاب مجلس قيادة الثورة / مكتب أمانة السر / الرقم 28/5/1978 في 29 / 3 / 1978 }}. مكتب أمانة السر يعني صدام حسين نفسه. فما علاقة هذا المجرم الأمي بالتعليم الجامعي والبحث العلمي ؟ فليسأل السيد قاضي المحكمة الجنائية صداماً هذا السؤال وليضع أمامه رقم الكتاب وتأريخه .
أتذكر من بين من أتذكر طالبة السنة الثالثة كيمياء ( هيام حنّا ) . كانت تزور مكتبي بين الحين والآخر صباحاً مبكّراً لتقولَ لي [[ صباح الخير أُستاذ عدنان ]] ثم تترك المكتب على الفور . كنتُ أرى وأحس في عينيها السوداوين بريق تضامن ومضاء وحرارة تنتقل بطرقها السرية الخاصة بين بني البشر الذين يجمعهم هم واحد أو شعور واحد أو فكر واحد أو عقيدة سياسية واحدة . لكأنما كانت تريد أن تقول لي (( أنا أو أهلي أو أبي أو أحد أشقائي وشقيقاتي مثلك فيما تحمل من رأي ومواقف سياسية )). ما قالت ذلك أبداً . ما كانت أصلاً بحاجة إلى أن تقوله بلسانها . قالتها عيناها وقالتها الطريقة والزمن الذي كانت تأتيني فيه لتحييني وتمضي إلى حصصها الدراسية . بدوري ، إذْ إلتقطت الإشارة والرمز ، كنتُ أُحس أني منها وإني أحد أفراد عائلتها الطيبة وإنها جزء مني لا يفارق أعضائي. أين ( هيام حنّا ) الآن وما صنعت بها الأقدار العمياء التي ضربت العراق بفضل إجرام وسادية وفاشية صدام وحزبه الدموي ؟ نعمْ ، أين هيام حنا وبقية طالباتي المقدامات ؟؟ أذكر منهن ( نضال عزيز
الشيخ ) ، كريمة المربي والصديق الفاضل والشيوعي السابق المعروف الأستاذ عزيز الشيخ . كانت نضال تلتقيني في تلكم السنوات العجاف في بعض ممرات قسم الكيمياء لتبثني شكواها من إستفزاز الطلاب البعثيين للطلبة غير البعثين في كلية العلوم ... أيام الجبهة الوطنية مع حزب البعث. كنتُ أُصغي جيداً لما كانت تقول نضال لي دون تعليق . كنتُ أبدو لها طبقةً من رماد بارد ولكن... كانت النار تحت الرماد !! كان من أبرز هؤلاء الطلبة البعثيين من عناصر الأمن والمخابرات مجرم محترف عريق إسمه ( ثامر خليل الجوراني ) .... أحد طلبة قسم الكيمياء . ولهذا المجرم حديث طويل نشرت موجزاً له في أحد أعداد جريدة ( المؤتمر ) التي كانت تصدر في لندن .
(( إيمان )) طالبة كلية التربية / جامعة بغداد ... إبنة الصديق المرحوم
( عبد الستار زبير ) . كلما رأتني واقفاً تحت شمس الشتاء إخترقت الطوق المضروب من حولي ومن حولها من قبل الطلبة الشرطة البعثيين وجاءت تحييني مادةً يدها بكل ثقة وتحدٍ . كانت تحمل في زاوية سترتها الزرقاء الغامغة ( الزي الموحد ) وردة حمراء ... لكأنما كانت تستفز بها ثيران البعث من شرطة الأمن والمخابرات . أين إيمان الآن ؟
أعود لطالبتي ( هيام حنّا ) فأسألَ السيدة كاترين ميخائيل فيما لو كانت تعرفها أو تعرف عنها شيئاً ؟؟ ربما إلتقيتا هناك بين ذُرى جبال كردستان نصيرةً شجاعةً مثلها . ربما تعرف بعض أفراد عائلتها في بغداد إنْ كانت هيام بغدادية أو ربما من قوش الموصل ؟