| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

الخميس 1/11/ 2007



قصص ألمانية سوريالية
3

عدنان الظاهر

السيدة [ فراو ] روزنباخ 3
كيف سارت أمور السيدة روزنباخ بعد مقتل زوجها المطلق ؟
واصلت وظيفتها كسكرتيرة في معهدها والحياة أمامها متلونة ً متنوعة تأخذها معها برفق حيناً وتجرّها جراً أحياناً أُخرَ . ظل الوالد على قطيعته لها بعد أن عرف بقصتها مع الجنرال الإنكليزي ثم زواجها من رجل أجنبي وما كان يحب الأجانب ، كشأن غالبية الجيل القديم من الألمان . واصل والدها عمله كمهندس مختص في تصميم أجهزة الإشارت الضوئية المستخدمة في الشوارع ومفترقات الطرق والمطارات . كان ناجحاً في أعماله وتصاميمه الهندسية فإنتدبته شركته للعمل ممثلاً لها في تركيا . طابت له الأجواء التركية وأنماط الحياة هناك وكرم ضيافة الترك العاملين معه فراق مزاجه ورقَّ طبعه الشرس وغدا أليفاً ودوداً مع زوجه ومع ولده إلى حد ما . لكنه لم يتنازل ( عن بغلته ) فيما يخص إبنته . لم يزرها ، لم يطلب أن تزوره ، لم يسأل عنها ، لم يقدم لها ولطفليها أية مساعدة مالية ، لم يحمل لهم هدايا من تركيا . أي أب هذا بحق السماء ؟! مع تطور أعمال الأب ونجاحه في المزيد من التصاميم الهندسية الجديدة ، ومع تزايد مهمات الأم السيدة روزنباخ وتشعب مسؤولياتها تجاه عملها في المعهد وتجاه طفليها الآخذين بالنمو السريع ... برزت أمامها مشاكل جديدة . لا تتركها الحياة هادئة البال مطمئنة . بدأ الطفلان يميلان للجنوح . الهروب من المدرسة . إهمال الواجبات البيتية . سرقات طفيفة بدأت بسرقة الشكولاتة من المخازن ثم تطورت إلى ما هو أكثر وأكبر من سرقة الحلويات المألوفة . بدأت صحتها هي الأخرى تسوء . لا من يساعدها في محنتها مع طفليها . لا من أب لهما . كانت عاجزة فإستسلمت لأحكام القدر. بدأ لون شعر رأسها الذهبي يتحول سريعاً إلى اللون الأبيض الفضي . وسط هذه الظروف والمتغيرات المعقدة قررت أن تفرِّق ولديها عن بعضهما وقد لاحظت أن الإبن الأكبر يمارس على أخيه الأصغر تأثيرات كثيرة سيئةً فضلاً عن حثه وتشجيعه بل وإجباره على ممارسة السرقات من المخازن وتدخين السجائر والتمرد على الدروس والمدرسة... لذا وضعت الإبن الأصغر في مدرسة داخلية رغم ما ستتحمل من الأجور العالية لمثل هذه المدارس . قررت أن تضحي بالكثير من مستلزمات الحياة ومن الكثير من متطلبات شؤونها الشخصية من أجل إنقاذ الطفل الصغير الذي تركه أبوه وحيداًُ بعد أن قتل نفسه أمام ناظريه . أتاح لها الظرف الجديد ـ رغم كل شئ ـ بعض الحرية فعقدت صداقات مع بعض الرجال وأخذت بالخروج معهم للسينما والمسرح وإرتياد المقاهي تاركة ولدها الأخر وحيداً في الشقة . تحسن وضعها النفسي وعادت لها بشاشة وجهها الصبوح وشئ من روح المرح رغم ضيق ذات اليد . تنقلت بين العديد من الأصدقاء الألمان والأجانب فكان فيهم الصيدلي وكان أحدهم نحاتاً إيطالياً وآخر يونانياً ورابعاً برتغالياً . عرض البرتغالي عليها الزواج شرط أن تترك ولدها الأول بحجة إنه (( ولد سِفاح )) لا يعرف له أباً !! رفضت العرض القاسي المشروط الذي رأته غير إنساني ، لكنها قبلت دعوته لقضاء إحدى إجازاتها السنوية معه في بيته في العاصمة البرتغالية لشبونة . كيف تترك أم ٌ ولداً أنجبته مهما كانت ظروف ومسببات وملابسات إنجابه ؟! بقيت هذه السيدة مع إلتزاماتها الخلقية المدنية والدينية. ضحت بسعادتها من أجل طفل لا أبا ًَ له يعاني من إضطرابات نفسانية وأخرى عصبية .
ماذا عن والديها هي ؟ كانت في غياب أبيها عن البيت تزور والدتها وتبثها شكاوها وأحزانها . ثم إن َّ شقيقها قطع دراسته الهندسية إذ وجد عملاً جيداً لدى إحدى الشركات . ترك بيت والديه وتزوج . كان هذا الأخ بدوره غريب الأطوار . لا يزور شقيقته ولا يسأل عنها ولا يقدم لها أية مساعدة.
مر الزمن لا يعبأ بمعاناة ناسه ... مر سريعاً ، كبر الطفلان وتدرجا في دراستيهما فدخل أصغرهما الجامعة ودخل الأكبر معهداً تكنيكياً وتحسنت أحوالهما المالية فإستقل الأصغر عن والدته وبقي الآخر معها . مر َّ الزمن كعادته وكبر والدا السيدة روزنباخ ومرضا فدخلا إحدى الدور المخصصة لكبار السن والمرضى . عانى الوالد من مضاعفات في صحته شديدة الخطورة جرّاء إصابته بداء السكري وقد تجاوز الثمانين من عمره. وعانت الوالدة بدورها من مرض السرطان . لم تنقطع السيدة روزنباخ عن زيارة والديها في دارهم حيث يرقدان . لكن َّ الغريب في الأمر أن شقيقها لم يزرْ والديه خلال فترة مرضيهما أبداً . كان يتحجج بأنه مشغول في عمله وليس لديه متسع من الوقت . توفي الوالدان في شهر واحد . أشرفت السيدة روزنباخ على مراسم حرق ثم دفن رماد والديها في إحدى مقابر المدينة . لم يحضر الإبن هذه المراسم كأن َّ الوالدين ما كانا والديه !! تقول شقيقته عنه إنه تعلم القسوة والفظاظة من أبينا ، وإنه عانى منه في طفولته مثلما كانت تعاني . قساوة وخشونة وضرب وتقريع وشحة في الصرف أحياناً .

تموز 2007
 

¤ قصص ألمانية سوريالية 2

¤ قصص ألمانية سوريالية 1


 

free web counter