| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

الأحد 18/10/ 2009



شقّةٌ في برطين

د. عدنان الظاهر

قال ويلكَ ، وما البرطين هذا ، حيٌّ سكني أو مدينة أو رمزٌ ملغوزٌ أو فاكهة او نباتٌ يؤكلُ كاليقطين مثلاً ؟ إنه جميعاً ... أجبته . وهل سألتَ صاحبنا المتصوّف الحلاّج عن معنى الطواسين في قوله ( طواسين الأزل ) ؟ حيّرته بسؤالي المعاكس هذا فأدار ظهره لي وولّى عني خزيانَ خسرانَ فتبّاً له ولأمثاله في هذا الزمان . ليس المهم معنى " برطين " بل الأمر الأكثر أهمية ما دار وما وقع ولم يزلْ يقعُ هناك من أحداث ووقائع وحوادث يشيبُ لها شعر
رأس الجنين . ( هل حي برطين شبيه بمنطقة الميدان الشهيرة في بغداد زمان العهد الملكي ؟ سألت نفسي بعد أنْ غاب صاحبي عني . ربما لم يزل بعض العراقيين يتذكر " مآثر " الميدان هذا وما كان فيه ...) . حسبت صاحبي هرب متوارياً لأنه لا يعرف معنى طواسين الحسين بن منصور الحلاج لكني كنتُ خطآنَ . اتاني بعد برهة ليفاجئني بقوله : لي يقين قوي أنّ الحلاج قصد بلفظة طواسين : طواحين ... طواحين الأزل . ثم ، أضاف صاحبي المنتصر : طواسين هي جمع طاسة ، طاسة طواسين أو طاسات مثل ماسة وماسات ... شامة شامات ... هالة هالات وهكذا . طاحون أو طاحونة طواحين . واصل صاحبي إندفاعته المباركة فقال : ثم إني أعتقد أنَّ الصوفيَّ المشعّبذَ الحلاج [ كما أطلق عليه خصومه في حياته ] كان يقلّد بفعل باطنيته الصوفية بعض إشارات وردت في القرآن من قبيل << كهيعص >> و << ص >> أو << طس >> و<< طسم >> و << حم >> ومثل هذا كثير في مبتدأ العديد من سور القرآن . لقد جمع هذا الرجل المشعّبذُ ـ كما يتهيأُ لي ـ ... جمع الحرفين ( ط + س / طس المذكورة قبل قليل ) على شكل ( طواسين ) فما رأيك يا فيلسوف ؟ سألني ساخراً .

إذا قلت له إني لا أتدخلُّ في أمور الدين والسياسة أكون كذبتُ عليه وعلى نفسي . وعليه فلأصمت ولا أُجيب حتى لو ألحَّ وواصل إلحاحه ونباحه . لم ينبحْ صاحبي ولم يُلح . أدار لي ظهره ، كما فعل في المرة السابقة ومضى لا يلوي على شئ . تنفّستُ الصُعَداءَ وانتعشتُ فقد تخلّصت من أعباء أسئلة صديقي المحرجة فلأجهزَ لي كوب شاي ثقيل مع شئٍ من حبوب الناترين الخالية من السعرات الحرارية لتحلية ما في الكوب من شاي ثقيل وليس لتحلية مياه البحر الصيني . أنا مَنْ ورّط نفسه إذْ فاجأتُ الصديق بموضوع الطواسين والطواحين ، طواحين هواء المرحوم العم دون كيخوت بطل الأسياف الخشبية والأحصنة الهزيلة من فصيلة الكديش الرديئة المعروفة في وسط وجنوب العراق . وهكذا يبدأ المرءُ أحيانا بمسألة بسيطة لينتهي الأمرُ به إلى وقفة حرجة فيها الكثير من المسؤولية والجد . هل أندم وما جدوى وما قيمة الندم وقد وقع في الرأس الفأسُ ؟ يا حلاّجُ : ما قصدتَ بطواسينك تلك ؟ أفتنا مأجوراً وغير مأجورٍ . يا للعجب ! أجاب الحسين بن منصور إجابة فيها عنجهية وصلفٌ غير معهودتين فيه . قال إنه لا يعطي رأياً او مشورةً أو فتوى ولا ينشرُ مقالةً إلا إذا قبضَ أجرَهُ على ما قالَ أو أشارَ أو كتبَ ! هذه هي حال الدنيا اليوم ... قال الحلاج وقد صدق فيما قالَ . أيبقى معنى الطواسين سراً مغلقاً مجهولاً يعشعشُ في زوايا قلبك الذي خرمه خليفةُ بغدادَ العباسي المُقتَدرُ بالله ؟ هزَّ الشيخُ رأسه موافقاً ومضى لا يعرف هو ولا أنا إلى أين !!
المهم ، عودةٌ على بدء ، بالحلاج وبدونه . بحضور صديقي أو بدونه . أعود لكتاب الجد والهزل في عالم الهزِّ والنط والقُبل وتبدّل وتبادل المواقف . أعود لكوميديا برطين وما أدراك ما برطين ، إنها حجارةٌ من سرجين ، إنها النار الحامية الوطيس . إنها نفط كركوك وبابا كركر المتنازع عليه . وإنها مستقرُ ومركز قيادة إبليس شيخ شيوخ المهاليس المفاليس المتمترسين خلف كواليس المتاريس . كلما خمد أوّارُ نارِها أعاد سعارَها لها خالق الأباليس وأوقد لها فيها فوانيس الرومانس والأعراس وشموع أعياد الميلاد . برطينُ وما أدراك ما برطينُ . ليتك رأيتَ ما فيها من لوحات سوريالية متقلبة الألوان متغيرة الأصباغ والأوضاع والأوجاع وليتك مكثتَ فيها أسبوعاً أو بعضَ أسبوع قمريٍّ وإذا ما طابَ لك المُقامُ فيها فليكن أسبوعاً شمسياً . أفلمْ يعبد إبراهيمُ الخليلُ النجومَ ثم القمرَ ثم الشمس حتى إهتدى دون هادٍ إليها حيثُ وجدها في بعض مواخير بقعة برطين فقرَّ قرارهُ واستقرَّ حيث مُستقر الرجال من بني آدم المريض العليل الكليل الحيل والبصر الضعيف أمام إغراءات حواء . أفلمْ يجنح البطلُ الهائجُ كثورِ السماءِ الملكُ جلجامش إلى حانة سيدوري السومو ـ بابلية على ساحل البحر الشمالي لتسقيه بعض خمورها المعتّقة مجاناً (الملوك لا يدفعون أثمانَ ما يشربون !) وتُسكِرهُ مما في جسدها من أطايب . أطلَّ ثانيةً صاحبي برأسه إذْ سمع إسم جلجامش وقال صارخاً : إنما أنا صاحبه وخلّهُ أنكيدو ! قتلنا ثور السماء سويةً وجبنا غابات الآرَز معاً واشتركنا في إغتيال حارس { بغونجي } الغابة خمبابا وعدنا سالمين من مغامراتنا تلك . غير أنّ صاحبي خانني إذْ تركني فريسةً لمرض إنفلونزا الخنازير الذي فتك بي وبقي هو حياً يبحث بعد موتي عن خلوده الخاص . أليست هذه خيانة ونكران جميل ؟ هوّنت على صديقي مصابه وشكواه من بطل الأبطال جلجامش بقولي : ليست هي المرة الأولى التي يخون صديقٌ فيها صديقه وسوف لن تكون الأخيرة . الخيانةُ تأتي من جلجامش كما تأتي من غيره فاقبلْ الواقع عليك ولا تيأس ولا تبتئس وواصل سعيك في دربك المرسوم . إختفى صديقي فالغياب والخفاء يستهويانه كثيراً . لا يكاد يحضر حتى يغيب .
صرتُ أهذي وقد غاب صاحبي . غدوتُ أتساءلُ وأُلحف في تساؤلاتي : هل طار صاحبي بدون أجنحة أم ـ تُرى ـ أفلح ونجحَ في تصنيع أجنحة خاصة له من معدن سرّي غير معروف أخف من الهواء وأقوى من الفولاذ المسقي والتيتانيوم ؟ هل جرّب قبلاً الطيرانَ بدون أجنحة طيراناً هوائياً مطاطياً أو طيراناً بقوة خطوط المغناطيس ؟ سمعت صوتها الأبح يعبر جدران الزمن مخترقاً حواجز الصوت والصمت بنبرة لا تخلو من إنفعال تحتج فيه قائلةً : أنا صاحبة فكرة ومشروع الطيران بلا أجنحةٍ وأنا مالكة براءة هذا الأختراع وقد بذلت في سبيل ذلك الغالي والنفيس ونافستُ مَن نافستُ وكدتُ مراتٍ عديدة أنْ أقع في بعض الفِخاخ البشرية فأفقد أهليتي وأخسر حصانتي ومكانتي وأغدو مُضغةً في أفواه البشر وخاصةً معارفي وأصدقائي ! لم أعلّق ! ليس لديَّ تعليق على ما قالت {{ حُذامي }} البرطينية الطبع والهوى والسَكن والإقامة . الزمن الخطأ في المكان الخطأ فقام الشيطانُ في عونك يا جلجامش حيّاً وميّتاً ، خالداً أبداً أو زائلاً ، حقيقةً أو ظلاً لأنكيدو الذي ضعف وهزل بعد أنْ غدا إنساناً بفضل حرارة ملمس جسد المومس {{ سمحاء أو شمخاء البرطينية }} . صيّرَ الجنسُ الوحشَ إنساناً . وليسقط دارون ونظريته في التطور العضوي . الجنس أصل الإنسان وليس القرد يا دارفين !


 

 أكتوبر 2009
 

 

 

free web counter