| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عدنان الظاهر
www.mars.com

 

 

 

الثلاثاء 11/12/ 2007



زهدي والمتنبي والتحولات (1)

عدنان الظاهر 

قلت فلأجمعن َّ الشاعرَ العربي َّ الفحل بصديقي الروائي الكردي / التركماني الفذ دكتور زهدي الداوودي . سيفرح لا ريبَ المتنبي بالتعرف على كاتب روائي ليس من قوميته وأستاذ جامعي مؤرخ و [ قرمطي ] مثله سابق . حين فاتحت صاحبي المتنبي بهذا الأمر إعترض قائلاً : وما سيكونُ سبيل التفاهم بيني وبين صديقك الكردي / التركماني وأنا كما تعلم لا أفقه من لغات الدنيا إلا العربية ؟ لا من مشكلة أمامك يا متنبي ، يتكلم زهدي ويكتب القصص وخير الروايات باللغتين العربية والألمانية وإنه على حد علمي لم يكتب شيئاً بعدُ بلغتيه الأصليتين الكردية والتركمانية . قال لا مانع إذا ً من الجمع فيما بيننا بحضورك وسأكون مسروراً بالتعرف عليه فلقد شوّقني وصفك له ومديحك .
إلتأم جمعنا فتعانق الشاعر والروائي عناقاً حميماً طويلاً كأنهما ولدا في رحم واحد وأشرق بيتي بأجواء البهجة الحقيقية وشاع الدفء في كافة أرجائه وكان سروري أنا أكبر من سرور ضيفي َّ فما أسعدني وأكبر حظي إذ يجتمع في بيتي شاعر بوزن أبي الطيب وروائي وصديق مثل زهدي خورشيد الداوودي ! كان الجو منذ اللحظة الأولى طبيعياً أخوياً فلا من تكلف ولا رسميات فإنفتحت القرائح والصدور وتبع ذلك إنفتاح الرغبة في تناول الطعام والشراب وتبادل النكات وزهدي هو الخبير بها وبمخفياتها . رفعتُ وزهدي كؤوس الشراب الثقيل ورفع المتنبي كأس الماء المعدني وتبادلنا أنخاب التعارف والصحة وإستمرار اللقاءات . مرت فترة زمنية قصيرة قبل أن يسأل زهدي ضيفنا أبا الطيّب المتنبي : يا أبا الطيب ، أتدري ما مناسبة هذا اللقاء الأول من جنسه فيما بيننا ؟ قال كلا ، لا أدري . إنه لمناسبة صدور روايتي الجديدة المسماة (( تحولات )) . تحوّلات ؟ تساءل الشاعر ، ماذا تقصد يا زهدي بالتحولات ؟ أقترح ـ قال زهدي ـ أن تقرأ هذا الكتاب / الرواية فمحتوياته ستشرح لك يا صديق معنى التحولات وما كان قصدي منها وأية تحولات محددة كنت قد تناولتها في هذه الرواية فالتحولات أنواع وأشكال متباينة . ثم إنَّ كل تحول لا يجري إلا في الزمن فالزمن عنصر لا بدَّ منه لأي تحول سواء في حياة الناس أو في الطبيعة ... الزمن ثم الزمن . بانت بعض علامات الحيرة على وجه المتنبي لكأنه لا أو لم يفهم مغزى ما قال زهدي . إنصرف هذا لشرابه الثقيل والفستق والخيار الحامض فرحتُ أناقش المتنبي وأشرح له بأسلوب يفهمه ويناسب عصره محاولاً تقريب الصورة فقلت له كنتَ يا أبا الطيب قد تناولتَ موضوعة التحولات في بعض شعرك أروع وأبلغ تناول. قال متى وأين وكيف ؟ أنسيتَ قصيدتك الأروع [ ما لنا كلنا جو ٍ يا رسول ُ ] حيث قلتَ فيها مخاطباً حبيبتك التي تناسخت لتغدو بعد أحد عشر قرناً من الزمان حبيبة ً مسيحية ً للسيد زهدي تحمل إسم ( مادلين ) وتمارس التعليم مهنة ً :

زودينا من حسنِ وجهكِ ما دا
مَ ، فحسنُ الوجوهِ حالٌ تحولُ

وصلينا نصلكِ في هذهِ الدن
يا ، فإن َّ المُقامَ فيها قليلُ

قال واللهِ قد ذكّرتني أنتَ بما قلتُ ولم يدرْ في خلدي أني كنتُ أعني التحول حسب فلسفات دكتور زهدي . نعم ، قال زهدي ، هذا هو التحول بعينه وكنتَ بارعاً في وصفه وتحديده بقولك [[ فحسنُ الوجوهِ حالٌ تحولُ ]] ... حالٌ تحولُ ... ما أبلغ وأروع هذا الكلام !! تتبدل الأحوال بما فيها جمال الوجوه بمرور الزمن والزمن عجلة كونية جبارة لا تتوقف عن الحركة إلى الأمام كأنها تتحرك نحو غاية وهدف محددين لا من قوة في الكون بقادرة على عرقلة أو إيقاف حركة هذه العجلة ولا تغيير إتجاه حركتها . التحول إذا ً حتمي بلغة أهل الفلسفة يا متنبي . ثم ، أضاف زهدي ، [[ فإنَّ المُقامَ فيها قليلُ ]] ... ما معنى أن يكون مُقامنا في الحياة قصيرٌ أو قليل ؟ أجلنا ... عمرنا محدود نتحول خلاله من كائنات حية تدب على الأرض تأكل الطعام وتمشي وتتكلم إلى رميم وعظام تسكن قبراً مظلماً تحت الأرض . أليس هذا تحولاً من حياة إلى جماد وإنتقال من حال إلى حال ؟ كان المتنبي يصغي لما يقول زهدي بكل جوارحه ثم قال : أجلْ ، قد فهمت الآن تحولاتك ، وعليه فإني بصراحة لأطمع وأطمح لمعرفة تحولاتك الشخصية في حياتك وكم مرة ً تحولتَ أو إنقلبتَ على ذاتك كما تحوّل وإنقلب كثرة من الأدباء وممتهني السياسة قبلك وبعدك . معك حق يا متنبي ، قلتُ ، معك حق ... وإسمحْ لي أن أُضيف : إنك أنتَ قد مارست التحول والإنقلاب على نفسك ومعتقداتك والكثير من إلتزاماتك إذ إنسحبتَ من قرمطيتك بل وقاتلتَ بعض ثوارها من بني كلاب حين هاجموا الكوفة في عام 353 للهجرة ... هذا إنقلاب وتحول . كان المتنبي يوالي هز َّ رأسه مؤيداً ما أقول دونما أي شعور بحرج أو ضيق . ثقل الجو على أخينا زهدي صاحب النصرانية مادلين وفيلسوف التحولات وقد تركناه وحيداً مع كأسه فإقترح من باب النكتة أنْ يقص َّ على المتنبي مثالاً آخر على صنف من التحولات تجري في دماغ أو في داخل الإنسان خارج نطاق وحكم الزمن . قال خذ ْ مني يا شاعرُ مثلآ ... حين وقعت في غرام مادلين وبادلتني هي بدورها غراماً بغرام وولوعاً بولوع كنتُ مستعداً إذا إقتضى الأمرُ أن أتنازل َ عن ديني أو أن ْ أبدَّله لأغدو نصرانياً مقابل أن يتحد جسدانا وروحانا بالزواج . كل التضحيات من أجل الحب والزواج تهون . كان المتنبي يصغي لكلام زهدي ذاهلاً غير مصدق . كيف يتنازل عاشق عن دينه أو أن يبدله فيتحول إلى دين آخر ؟! أليس عقوبة هذا الشخص القتل حسب شرائع الإسلام وكتابهم المقدس ؟ قرأت ما يدور في رأس ضيفي فقلت له هذا نوع آخر من التحولات التي عالجها في روايته الأخيرة أخونا زهدي فلا تأخذ كلامه مأخذ الجد . ثم إنه في طفولته وشبابه المبكر كان يؤذن في جامع مدينته ويقرأ القرآن في مناسبات فواتح بعض الموتى فالرجل كان ولم يزل مسلماً ومع دين أبيه وأمه . إنه يمزح وإنه بارع في صوغ النكات فلا تحملْ كل َّ ما تسمع منه محمل الجد . إنبسط المتنبي وقال الآن الآن طاب التدخين ثم الطعام ... أثقلتم عليَّ بأحاديث التحولات فلا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم . تساءلتُ مع نفسي : هل كلمة " الحَول " من التحول ؟ جائز ، حالَ يحولُ ... فحسنُ الوجوهِ حالٌ تحولُ ! أم أنَّ الحول من الحيل أي القدرة والقوة ؟ جائز .
بعد الطعام والشاي الثقيل سأل المتنبي : هل نجتمع مرة أخرى هنا لنواصل مناقشة موضوع تحولات زهدي ومضامين روايته الجديدة ؟ أجاب زهدي إنَّ الأمرَ أمركم والقرار قراركم . تدخلت فقلتُ أجلْ ، سنجتمع ثانيةً وربما ثالثة ً لنستمتع بما جاء في رواية زهدي فبحضوره وحضرته تتم الفرحة ويطيب الجو ويحلو السمر فإنه سيشرح وسيوضح ما قد ينغلق فهمه علينا وسيرد على تساؤلاتنا وما نوجه له من نقد قد يكون بعضه قاسياً لا يتوقعه من أصدقائه الأوفياء المخلصين . سنجتمع وإذا ما لزم الأمر مرات ٍ ومرات حتى (( نستهلك )) الدكتور زهدي ونخرجه من جلده الكردي / التركماني لنخلع عليه أديماً جديداً يٌسمى [[ أممياً ]] لا يخافه المتنبي ولا يحذر منه بل وسينسجم معه غاية الإنسجام .

(1)
رواية ( تحولات ) للدكتور زهدي الداوودي / الطبعة الأولى 2007 . الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت .


10.12.2007

 


 

free web counter